الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ياأطفال المنفيين .. مررت عليكم .. لم أجدكم

ربحان رمضان

2024 / 1 / 5
الادب والفن


في بداية العام 2004 كتبت هذه المقالة ونشرتها في مجلة الخطـوة التي كنت أصدرها في دولة النمسا .. لم يكن الكومبيوتر قد انتشر بعد ... كتبتها على الآلة الكاتبة التي اشتريتها من مدينة درسدن الألمانية بمبلغ 2000 شلنغ نمساوي في تلك الفترة وبالصدفة وجدتها أمس على سيديه كنت قد حفظت عليه بعض مقالاتي تحت عنوان : يا أطفال المنفيين " مررت عليكم ولم أجدكم .


يا أطفال المنفيين في المنافي مررت عليكم في أوطانكم ..
ســـألت عنكم أصدقاؤكم ..
بحثت عنكم في حواريكم ..
لأهديكم هدايا العيد
لم أجدكم ...

أستحلفكم : "هل مرت المناسبة بشكل عادي ؟؟؟؟ .. .

أيها المنفيون :" هل شعرتم بلذة العيد ؟ " هل قضيتم رأس السنة مع أهلكم والجيران والأصدقاء ؟
منذ ثلاثين عاماً استدعيت لأداء خدمة العَلم وقد قضيت الستة أشهر منها في مدينة حمص فترة الدورة التدريبية ..
كان زملائي متنوعوا الأفكار والمشارب ، وقد أتينا جميعاً من مدن وقرى مختلفة .. . اخترت منهم ثلاثة أكراد وهم :" حسن كرو علي من قرية المصطفاوية التابعة لناحية ديريك وله ثلاثة أطفال لأنه وحسب عادات الريف أهله " زوجوه " صغيراً لتكن زوجته بديلاً عنه ، ولتساعد أمه في غيابـه .
ومن عفرين : " حسن بطال ومحمد عبدال و(حمو) الاسم الأول للثالث القادم من قرية الغزاوية جنوب مدينة عفرين ، وواحد أرمني اسمه آرتين ( وهو صاحب نكتة) ، وآخر عربي من حلب أذكر كنيته البهلوان ..

حمص مدينة جميلة ذات هواء عليل يشرح الصدر ويطيل العمر، فكنـّا نرتادها مساء لنشرب فنجان قهوة ، أو كأساً من الجعة في مقهى أعتقد بأنه كان لواحد من آل الدروبي العائلة الحصية الشهيرة .
كانت تقلقني تلك الأغنية الحزينة التي كان يغنيها زميلي حسن (أبو فرهاد) وتلك المواويل التي لاتنتهي عن الحبيبة وعن العشيرة والقرية وعين الماء التي تنبع خلف تل القرية ..

كل يوم كان يروي لي قصصاً جرت حول تلك العين .. ويتنهد ويذكرها بحرقة المحّب .. حتى أنه بكى ذات مرّة وهو يتذكر ماءها العذب .. مما جعلني أشاركه وَجدياته اتمنى أن أرى تلك العين الرقراقة العذبة المذاق .

بعد انتهاء الدورة تسلمنا إجازات الدورة وسافر كل منّا إلى أهله ، وطالت الإجازة بانتظار الفرز فحملت حقيبتي وودعت أهلي متجهاً نح الشمال .. إلى قرية صاحبي أبو فرهاد .
في تلك الأيام لم يكن قد افتتح طريق دمشق – القامشلي بعد فكان علي أن أسافر إلى مدينة حلب ، ومن حلب يتوجب أن أسافر إلى القامشلي ومن القامشلي نحو مدينة ديريك .. كانت فالمصطفاوية تقع بين القامشلي وديريك حيث وصلت مشارفها في اليوم التالي بعد الظهر .
تجمهر أهل القرية قرب بيوتها يتجادلون عن القادم إلى قريتهم .. هل هو غريب أم قريب .. إنه يلبس الكاوبوي الأمريكي ( وهذا الزي كان يعتبر لباس الثوريين أو العمليين) معنى ذلك أنه غريب ، ولما وصلت مشارف القرية تحلق حولي الصغار ، ثم قدم الكبار لإستقبالي باعتباري من خارج القرية ..
سألوني عن المقصود في قريتهم فأخبرتهم عن اسمه وما كان منهم إلا أن أخذوا بيدي وأوصلوني لعتبة باب البيت .. ونادوا على أبو فرهاد الذي حضر حافياً ووراءه زوجته وثلاثة أولاده ، ثم أمه التي كانت في التنور تخبز خبز العائلة ..
أمه التقطت دجاجة وذبحتها فوراً وفي الغرفة التي يسكنها أبو فرهاد مع كل أفراد عائلته وجدت أنهم وضعوا الدجاجة بريشها وبعظمها ولحمها في القدر ، وقامت زوجته لتغلي الشاي ، وأحضر بدوره الفستق والبندق والزبيب …
وفي المساء حضر أخوه وابن أخيه ، وبعضاً من أقاربه والجيران إحتفاء بضيف القرية .
في اليوم التالي دعانا أخوه على طعام الغذاء ، و ابن عمه على طعام العشاء ، وكان من بين المدعوين ابن عمه أبو عثمان الذي دعى الجميع على تناول طعام العشاء بداره الواقعة قرب الطريق العام …

بقيت على هذه الحال من الدعوات والاستقبالات ثلاثة أيام لم يكن بامكاننا خلالها الذهاب إلى النبع الذي أتيت خصيصاً من العاصمة لرؤيته إلى أن فاض الكيل حيث لم يبقى وقت طويل لأن تنهي إجازتي ، لذلك ألححت على مضيفي الذهاب إلى العين التي فاض شوقي إليها إلى أن أجاب لي طلبي في اليوم التالي .

كانت تهطل المطر بغزارة حتى أصبح الطريق الترابي طين تغرز أقدامنا فيه ، رغم ذلك لم أتراجع عن طلبي لزيارتها فوصلناها وراء التلة التي تقبع القرية في جهتها القبلية .
ذهلت لمـّا عثرنا على العين .. لنها مجرد بقعة ماء لاتمتد لأكثر من مترين عرضاَ وطول ..
إلا أن أبو فرهاد استدرك ما أخبرني عنها به فقال .. إنها من الأرض التي عشت عليها .. إنها العين الوحيدة القريبة من القرية ..!!

من يومها عرفت قيمة الوطن وعرفت لماذا الناس تحب أوطانها ، ومن يحّن إلى الوطن لابد أن يذكر أحبائه ، وأهله ، والمناطق التي ترعرع في رباها ..

تبقى ذكرى الناس الذين فارقناهم ذات يوم في عقولنا وادراكنا وشعورنا سيّما أنهم لازلوا رمزاً للصدق والأمانة والمودة التي نفتقدها في بلاد الغرب ..
الغرب الذي صرح عنه الكثيرون وكأنه جنة الدنيا في حين أن الوجه الحقيقي ليس كذلك ، وليت الناس يعكسون الحقيقة المرّة التي يخفيها أولئك الكثيرون الذين يخافون شماتة الصامدين في الوطن في وجه القمع والظلم الذي يواجهونه من أدوات النظام القمعية – المستبدة .
أتمنى أن لايبالغ الكتـّاب ، ولا المهاتفون عن وضعهم في المنافي ، لأن مبالغاتهم وكذبهم يزرع الآمال في نفوس الشباب ويدفعهم للهجرة بحجج شتى ..

الوطن غال ، وأهله طيبون ، والأنظمة القمعية المصادرة لحقوق الناس هي المســـتفيدة من تفريغ الوطن وتهجير المواطن ..
أحبائي في المنافي .. لا تكونوا أداة لظلامكم ومستعبديكم . .. ولا أداة إعلام كاذبة تجمل الغربية لتهجروا " الوطن" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا