الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعينين دامعتين وقلب مكسور، أعترف: أنا أيضاً تعقَّلت.

بَراك هايمان

2024 / 1 / 5
القضية الفلسطينية


بعينين دامعتين وقلب مكسور، أعترف: أنا أيضاً تعقَّلت.
السلطة الحاكمة لديهم تحكم على كل من يعيش هنا، على جانبي الحدود، بحياة الثكل اللانهائيّ. يجب أن نستيقظ


أنا، أيضاً، تعقَّلت.

صحيح. هذا غريب ومفاجِئ. كثيرون من أحبّائي ومُحبّيّ لن يستسيغوا الأمر، لكن ما العمل—هذا هو الحال.

أنا أيضاً — الذي كنتُ دائماً أدعو إلى التحاور والتعاطف، إلى محاولة فهم الطرف الآخر وسبر أغوار مِحناته ومخاوفه — لم أعُد ذلك الإنسان نفسه الذي كُنت. يوم السابع من أكتوبر الصادم، لا شيء يمكن أن يبرّره — ولا حتى الاحتلال الوحشي، الحصار ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي.


لسنوات عديدة، كنت أومن بأنّ ثمة في الطرف الآخر أشخاصاً يمكن التحادث معهم، وفَهْمُهم. كنت أميل إلى تصديق أن ليس في الجانب الآخر كل هذه الكثرة من الأشخاص المدفوعين، أساساً، بالخوف، بالجهل وبالعُنصرية.



••• السُلطة المتوحشة الحاكمة لديهم تنكّل بأبناء شعبهم أولاً. وحقيقة كونها انتُخبت بشكل ديمقراطي لا تجعلها شرعية. يجب على كل إنسان يملك قلباً وعقلاً أن يفعل كل ما هو ممكن من أجل إسقاطها. حكومتهم تحكم على كل من يعيش هنا، على جانبي الحدود والصراع، بحياة الموت والثكل اللانهائيين.

الجزء الأكبر من أموالهم، وبدلاً من استثماره في التعليم والرفاه والصحة، توظّفه قيادتهم في التسلح العسكري. وهي تعمل كل ما في وسعها لملاحقة وحظر الأحزاب الديمقراطية التي تنادي بالعدالة، بالسلام والمساواة.

جهازهم التعليميّ يزرع في عقول الأطفال أفكاراً فاشية وعنصرية. أكثر أغانيهم شعبية ورواجاً في الوقت الراهن هي أغنية تدعو إلى محو أبناء الشعب الآخر محواً تاماً ومُطلقاً. حين يتظاهر مواطنوهم مُحتجّين على ما يؤلمهم، يؤلّبون ضدهم أفراد الشرطة الذين يضربونهم بعنف. وفي أوقات الحرب، كما هو الحال الآن، يحاولون حظر الحق في التظاهر، بذرائع مختلفة.


مقرّ قيادتهم العسكرية موجود تحت الأرض، في قلب أحياء سكنية مدنية، لصق مستشفى، متحف ومكتبة. وبينما يتساقط جنودهم ومواطنوهم موتىً مثل البطّ، بسبب إخفاق مُريب هم أنفسهم المسؤولون عنه، يتمتع زعيمهم الفاسد وعائلته بملجأ مُحصَّن من القنبلة النووية.

إنهم يُطلقون أسماء قَتَلةٍ على المدارس والشوارع والجسور. ويروون لطلابهم، منذ سن مبكّرة، أن العالم بأسره يريد قتلهم بسبب ديانتهم. وإنْ كان هنالك مُعلّم صالح واحد يجرؤ على السباحة عكس التيار وتشجيع التفكير النقدي، سرعان ما يتم اعتقاله واتهامه بمخالفات عقوبتها هي السجن لمدة عشر سنوات.

وحين يغطي صحفيون شجعان هذا الواقع الرهيب، يتعرضون لرصاص القنّاصة القاتل. في قنواتهم التلفزيونية لا يمكن رؤية أي شيء مما يحصل في الجانب الآخر من الحدود، والغالبية الساحقة منهم تختار عدم قراءة أو رؤية أو سماع أي شيء آخر غير ما تعلفها به وسائل إعلامهم. إنهم، بكل بساطة، لا يعرفون، ولا يريدون أن يعرفوا، أي الجرائم تُرتَكَب باسمِهِم بصورة يومية.



••• أقول لكن، بعينين دامعتين وقلب مكسور: من الصعب، أكثر فأكثر، العثور هناك، أي هنا، على أشخاص عقلاء ونزيهين يمكن التحدث معهم. كثيرون جداً من الأشخاص الذين كنت اعتقد، خطأ، أن لديهم قلوباً كبيرة بما يكفي لاحتواء الحزن والخوف والألم في كلا الجانبين، تبيّن أنّ لديهم قلوباً قاسية تماماً تجاه قتل الآخر ومعاناته.

ربما كان من الطبيعي والمنطقي أن أولئك الذين ينتقلون من جنازة إلى بيت عزاء لا يجدون لديهم متسعاً عاطفياً لاحتواء آلام هؤلاء الموجودين في الجانب الآخر من الحدود وغير قادرين على التعاطف مع معاناتهم. لكن من المثير للغضب والمخيِّب للأمل أن الأشخاص الذين لم يفقدوا صديقاً أو قريباً في الحرب، أيضاً، لا يُبدون أي اهتمام بالحقيقة التي تقشعرّ لها الأبدان وهي أنّ دولتهم، أي دولتنا، قد قتلت حتى الآن أكثر من 20 ألف إنسان، من بينهم نحو 7,000 طفل، وحوّلت أكثر من مليون شخص إلى لاجئين. كم من المؤسف أنه ليس هنالك أشخاص آخرون مثل معوز يانون ودافيد زونشاين، اللذين رغم فقدِهما أقارب في المذبحة الفظيعة في 7 أكتوبر، لم يفقدا ضميرهما وبوصلتهما الأخلاقية والسياسية ولم يتعقَّلا.

يحزنني أن المزيد والمزيد من الأشخاص الجيدين "يتعقَّلون" ولا يفهمون أن ما تفعله دولة إسرائيل في قطاع غزة الآن هو عديم الرحمة وغير إنساني وإنه لا شيء في هذ العالم يمكن أن يبرره. ولا حتى المذبحة الفظيعة التي نفّتها حماس، والتي قُتل فيها أبرياء ـ في واحد من أكثر الأحداث المروّعة والصادمة التي عرفناها، على الإطلاق.

إسرائيل ليست مسؤولة عن القتل العشوائي لعشرات آلاف الفلسطينيين فحسب، بل هي تأكل سكانها وأبناءها أيضاً. وحقيقة أن جنود الجيش أطلقوا النار على المخطوفين الإسرائيليين الثلاثة الذين رفعوا العلم الأبيض تثبت أن روح القائد هي "إطلاق النار على كل شيء يتحرّك"، دون أن يرفّ جفن. إسرائيل تبيح، أيضاً، دماء مواطنيها العرب، كما في حالة الطلاب العرب الذين تم إخلاؤهم في كلية نتانيا أو كما في حالة دلال أبو آمنة، المغنية والدكتورة في علوم الدماغ، التي يتجمع منذ شهرين متظاهرون، بينهم رئيس بلدية العفولة أيضاً، أمام منزلها وأمام المستشفى الذي يُشغل فيه زوجها منصب نائب مديره، بسبب بوست كتبته على الفيسبوك.

في موازاة المأساة الفظيعة التي تحصل في قطاع غزة الآن، تحصل في الضفة الغربية مصيبة أخرى أيضاً: عدد لا يُحصى من التجمعات الفلسطينية التي يهرب سكّانها طلباً للنجاة من موجة النهب والمضايقات التي يشنها المستوطنون، والتي يتخذ مصطلح "الترانسفير" في ظلها صورة مُرعبة.

إلى جانب الملاحقات السياسية وكمّ الأفواه، والتي لم نشهد لها مثيلاً من قبل على الإطلاق — وأنا أيضاً شعرتُ بذلك على جِلدي، بصورة شخصية ـ تبدو هذه من أكثر الفترات حلكة وخطورة وحزناً التي عرفناها.

يجب علينا أن نعمل معاً ن أجل وقف ما تقوم به إسرائيل الآن، ثم إسقاط السلطة الحاكمة في إسرائيل بعد أن تعد راغبة في الحياة، لكنها مشغولة أساساً بحملة انتقام وبقاء سياسي. أنا أناشد جميع إخوتي لليهود وجميع أخواتي اليهوديات ـ توقفوا عن "التعقّل" وابدأوا بالمقاومة.

الكاتب هو مخرج ومُنتج أفلام وثائقية، رئيس قسم السينما في كلية بيت بيرل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بصراحة لا افهم النزعة المازوخية
مجدي محروس عبدالله ( 2024 / 1 / 5 - 17:48 )
عند اهلها
ما يجعل الإنسان المازوخية يعيش تحت أسر المازوخية
هل الخوف أو محاولة عبثية منه لنفي الالم عن نفسه
الفلسطينيون ليسم ابرياء و كونهم اختاروا حماس و دعموا حماس فهم المسؤولين عما يحدث لهم
بالطبع وجود ضحايا مدنين مؤسف لكن هذا حقيقة الحرب
فاليهود محاطين بأشخاص دينهم الكراهية
و لن ينفع معها اي شيء غير المواجهة
حاول أن تفيق

اخر الافلام

.. إيران: أسطول جوي قديم ومتهالك؟.. تفاصيل عن مروحية الرئيس رئي


.. الصور الأخيرة للرئيس الإيراني رئيسي قبل تحطم مروحيته وموته




.. الحرب في غزة: هل من تأثير على قطاع السياحة في مصر؟ • فرانس 2


.. تساؤلات في إيران عن أسباب تحطم مروحية الرئيس من بين 3 مروحيا




.. سيناريوهات وأسباب محتملة في تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟