الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاتكاء على الخيال الفانتازي في -شوكة الراوي العليم- بقلم د/محمد السيد إسماعيل

مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري

(Moemen Samir)

2024 / 1 / 5
الادب والفن


لا شك أن أهم ما يميز الشاعر المصري مؤمن سمير هو غزارة الإنتاج، فبديوانه الجديد "شوكة الراوي العليم" (بتانة) يكون أصدر 20 ديوناً، إضافة إلى أربع مسرحيات وتسعة كتب ما بين الترجمة والنقد الأدبي. ومع ذلك فإن قصيدته تبدو وكأنها منحوتة من صخر، لصعوبتها وغموض كثير من دوالها واجتراحها للصور الشعرية غير المتداولة أو ميسورة الفهم.
هناك، إذاً كثير من الغرائبية وتشخيص المعنويات والماديات والخيال الفانتازي، لأنه يرى أن الوضوح "وحش بارد / لا حد لطول أظافره أو لصوته الغليظ / خاصة بعد أن ظهر الحب في الحكاية / وهو يسعى في طرق نائية".
ويلاحظ في الأسطر السابقة اعتماده على آلية التشخيص في تحويله الحب إلى كائن حي، أو أن يجعل للوضوح أظافر أو صوتاً غليظاً. وهي الصورة الغرائبية نفسها التي يتمنها سطر آخر، "تتكسر أظافري الهشة باستمرار / لكنها ما إن تلمس جلدي / حتى تسرع وتدميه / كأنها تنحت صرخة المقتول / قبل أن نمضي بعيداً".
لقد مضى عصر الشاعر الرائي المعبر عن أفراح قومه وأتراحهم، وعصر الشاعر النبي الذي تتملكه شهوة إصلاح العالم، كما كان صلاح عبدالصبور يقول: "شعرت بأنني أصبحت قديساً / وأن رسالتي هي أن أقدسكم". وأصبحنا في زمن الشاعر الهامشي الذي لا يستشعر مركزية من أي نوع، حيث لا يملك إلا "صرخة المقتول".
وبهذا الاعتبار نجده يستدعي أشباهه كما فعل الأميركي جاك هيرشمان: "قال مضيقاً ما بين حاجبيه / بعد أن اخترقت أصابعه كتفي / أين صوتك أيها التعس / هل أحرقت الشمس لسانك / أم أنه تشقق بعد انحسار الطوفان".
الشاعر والغجري
إن مؤمن سمير يحاول تحرير القصيدة، لابساً قناع هيرشمان، يود أن ينطلق إلى الحديقة حيث يوجد البسطاء والمهمشون: "إنها ما زالت تنبض / تلك القصيدة التي ترقد في جبينك / منذ ثلاثة أيام / ما زالت تتمنى أن تقفز وتسبقك إلى الحديقة / حيث يلتف حولك الناس: المعلمون وباعة الفطائر / المشردون أسفل الكباري / وربات البيوت".
وامتداداً لهذا تحضر صورة الغجري الذي يتماهى الشاعر معه حين يقول "بالأمس وفي حكاية جدتي / كنت غجرياً وكانت حياتي أجمل".
إن الإبداع والكشف عن المخبوء وإعادة الخلق هو ما يوحد الشاعر والغجري: "نحن الغجر المبدعون / ولتحيا دوماً ألعابنا التي تكشف عن المخبوء / وتعيد الخلق".
ولا شك أن هذه السطور لا تكشف عن القدرة، بل تعبر عن مجرد الرغبة. وهو ما يتضح، حين يضع الشاعر قناع البوذي الحكيم الذي لا يملك إلا التأمل والهدوء، يقول: "أنا حكيم بوذي هذه الأيام / هادئ ومتأمل ولا أسمح لأي مخلوق / أن يزحزح خيالي العجوز / من جنتي الصغيرة". إنه يصنع جنته الصغيرة أو ملاذه الأخير بخياله العجوز الذي لا يملك غيره.
ونظراً إلى انتماء الشاعر إلى البسطاء والمهمشين والمشردين، فإنه يتخذ في إحدى القصائد صورة الراوي الشعبي بلازمته الأسلوبية الدالة عليه: "وكان ياما كان / يا سعد يا إكرام / ولا يحلى الكلام / إلا بذكرها وذكراها". وواضح طبيعة التغيير في السطر الأخير، وهو ما يتجاوب مع الدلالة العامة للقصيدة.
وتحكم المفارقة عديد من بنية القصائد، ومن ذلك "ضحكات تحتها دم" التي يعقد فيها الشاعر مفارقة بينه وبين السلطان حين يقول: "كان تغير قلب السلطان علي لا يشبه إلا الجحيم ذاته / كان أكثر فداحة من سقوط الفصول الأربعة على رأسي / وأنا والليل تائهان قرب الغابة".
ذاكرة للنسيان
وتتأرجح رؤية الشاعر للسلطان حين يصفه بالجبار الطيب: "الحقيقة أنك أوحشتني / يا سلطاني الجبار الطيب". وحين يماثله ثم يتراجع عن ذلك ويحس باختلافهما: "حقاً إنك مسكين / مسجون مثلي / ووحيد كذلك / كلا بالطبع لست مثلي / لأنني لم أعد وحيداً أبداً / أنا شارع كبير مزدحم بالصخب".
وإذا كان الحب مقاومة للوحدة والعدم واكتشاف للذات قبل أن يكون اكتشافاً للآخر، فإن الشاعر يعقد مفارقة بينه وبين الاغتراب قائلاً: "اغتربت بك عني / أيتها الواهية لحد القسوة". لكن الشاعر في نهاية القصيدة يجعل من الغياب أداة لهذا الاكتشاف وتلك الرؤية: "غطي النوافذ / وضعي كل الشراشف / إذ ربما حين أغيب / أشوف".
وفي قصيدة "تصوف" تنقلب آية النهر والليل، فيصبح النهار وقت انطفاء حبيبته بينما الليل زمن ازدهارها: "انتبهت فجأة للزمن / الذي يزور حبيبتي ليلاً / ويطفئها كلما جاء الصباح".
وإذا كانت المفارقة هي التي حكمت منطق الليل والنهار، فإن التماثل هو الذي حكم علاقة الماء والنهار في قوله: "هل من اللائق أن أتهادى على صفحة الماء / وتبص الشمس على جسدي الممزق / فتصحو شهوتها وتحرقني / لتكتمل الترنيمة القديمة / وتعود أختاً شقيقة لهذا الماء".
وعندما نقرأ المقطع الـ30 من قصيدة "ذاكرة النسيان" التي تذكرنا بكتاب محمود درويش "ذاكرة للنسيان"، نلاحظ أن هذا المقطع يحتاج إلى تأويل لاكتشاف ما يكمن فيه من مفارقة. فالشباك رمز للانفتاح على العالم واستقبال الحياة والضوء بما يوحي بالأمل لكنه هنا لا يمنح هذا الأمل فهو شباك قتيل: "شباك لا يعطي أملاً / في الذبح / شباك قتيل".
الخيال الفانتازي
وفي قصيدة "بشير العاني"، وهو شاعر سوري أعدمه تنظيم "داعش"، نجد التضاد الفادح بين الشعر الذي يمجد روح الحياة والإرهاب الذي يبددها ويغتالها حين يقول موحداً بين بينه وبين بشير العاني: "لست وحيداً / أرقص مع رقبتي قبل الذبح / وأرنو للبعيد".
وفي قصيدة أخرى تبدو ثنائية الهدم والبناء: "كل صباح يغزل صورة / وكل مساء ينقضها / فأغمضوا عيونكم ورنموا". وفي قصيدة "أصدقاؤنا في الغربة"، يظهر الخيال الفانتازي حين يصور الشاعر دخول البحر من النافذة وإصراره على إغراقه: "عندما خش بحر من النافذة / وقال سأغرقه يعني سأغرقه / خياله الأسود / يؤذي بياض ذكرياتي / لم يشاهدوا اكتمال النمل في عصا النبي".
والسطر الأخير يستدعي قصة سليمان مع الجن وزحف النمل على عصاه حتى سقط واكتشفوا موته. وتتكرر أجزاء أخرى من تلك القصة في قصيدة "مبعوث السماء"، حين يقول مخاطباً النمل: "ها أنذا / بعد أن داستك عزيمتي الجارحة / أنام سعيداً / حتى كانت الأحلام / بعيدة عن قميصي"، حيث يضع الشاعر نفسه مكان سليمان عليه السلام. وفي قصيدة "من ألعاب الظلام"، يستدعي قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز: "كانت ليلة صاخبة / وقلت لأمي كثيراً لا تتركيني / لكنها لم تسمع وغلقت الأبواب / فقالت الذكرى هيت لك".
اللغة الدارجة
وفي مواضع كثيرة، يستخدم الشاعر اللغة الدارجة: "الآن أسيب أصحاب النور"، أو "عندما خش بحر من النافذة"، أو "يا عبيط".
وفي مواضع أخرى تحضر تيمة النوستالجيا خصوصاً إلى مرحلة الطفولة حتى وإن كانت تحوي المتاعب وخيالات الشياطين: "ذكرتني جدتي وهي تهز العصا بالغرفة البعيدة / الغرفة التي كنت أختفي فيها الأيام كلها وأنا صغير / كيف أنساها وقد قابلت فيها الشياطين للمرة الأولى".
وكذلك الحنين إلى البيت وروح الأب ترف: "ثلاثون عاماً علقها بيتنا فوق قميصي ورحل / ساب روح الأب ترف على رسمة الخطية / يوم فرشها الظل على ملابسه الواسعة". وينتقل الوصف من بيت الماضي أو بيت الطفولة إلى بيت الحاضر الذي يصفه الشاعر بالهدوء: "بيتي هادئ هذا المساء / وأنا هادئ كبيتي / ونحن الاثنان / نشبه كلبة الجيران / كلما عادت من المقبرة هدأت العاصفة / وكفت الطائرات حكاياتها / وأحنى العشب رأسه".
ويبدو المجاز واضحاً في هذه السطور، بدءاً من التشبيه التمثيلي وانتهاء بالاستعارة المكنية في "أحنى العشب رأسه"، وامتداداً لدال "الطائرات" يتوقف الشاعر أمام "ثيمة" الحرب التي وصلت إلى الشارع: "نصف نملة / ونصف طفل / إنها الحرب يا أمي / وصلت الحرب شارعنا".
ولا شك أن هذه الحرب تدفعه إلى العراء والبكاء وعواء الذئاب، يقول في قصيدة "جوع": "أنام في العراء / وأضع الوسادة على رأسي / لكن صوت البكاء / يحاصر البحيرة ويعوي كالذئاب".
كما أنها حرب تدفعه إلى الخلاص من أبنائه ربما خشية عليهم أو يأساً من المستقبل: "أحفر أخدوداً في الصالة / وألقي أعضاء أطفالي / صوت الطائرة يقترب / ورغم أني ألهث / فإنني لا أتوقف أبداً".
وفي هذه الأجواء يحس الشاعر أنه ميت، وهذا - للمفارقة - سر سعادته: "أنا ميت يا ربي / لهذا أنا سعيد / لا توقظوني كيلا أشم أحداً / وقولوا لهالتي العجوز / أيتها البهية اتركيه / هو نائم ويبتسم".
"إندبندنت عربية"
الخميس 4 يناير 2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا