الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا و الكتابة ، من ألف باء اللغة إلى بحر الكلمات

رشيد عبد الرحمن النجاب
كاتب وباحث

(Rasheed Alnajjab)

2024 / 1 / 6
الادب والفن


يشكل عنوان الكتاب وغلافه نقطتا جذب، أو هما عتبتان من عتبات النص يصعب تجاوزهما، والغلاف هنا أبيض اللون، يخلو من أي حركة باستثناء معالم صورة المؤلف الأديب محمود شقير التي تحمل خبرة السنين، بل تكاد تشي بجل مضامين الكتاب سيما عندما يضيف العنوان وتفاصيله إلى ذلك ما لا يترك للزائر خيارا غير أن يطلب هذا الكتاب ويضيفه إلى قائمة مقتنياته.
في نحو 290 صفحة من القطع المتوسط، من إصدارات مكتبة كل شيء في حيفا قدم لنا المبدع العريق المتجدد محمود شقير تجربة فريدة في الكتابة، لم أمر بمثيل لها من قبل أبدا .
أعترف أنني لم أقرأ الكتاب حال عودتي من المعرض، ولكنني عندما عدت إلى القراءة بعد طول انقطاع بتأثير ما يجري في غزة، كان هذا الكتاب خياري الأول، وكان أيضا الكتاب الأخير على قائمة القراءة لعام 2023 الذي أسابق الزمان في كتابة هذه السطور حوله قبل أن نعبر إلى العام الجديد. وسواء أتممت هذه الكلمات في العام الراحل أو في العام الجديد، فقد كان هذا الكتاب بمكوناته ومضامينه خير حافز على مواصلة القراءة بعد طول انقطاع.
يبحر الأديب محمود شقيرفي سيرته الأدبية من ألف باء اللغة إلى بحر الكلمات من المقالة إلى القصة القصيرة وصولا إلى الرواية، مع إضاءة فريدة على القصة القصيرة جدا ، وفي كل هذا الأنواع الأدبية يبين مزايا كل نوع منها، ومتطلبات الزمان والمكان التي هيأت وتهيء الفرصة لكل من هذه الأنواع الأدبية وتجعل الواحد منها في موقع التفضيل مقابل غيره، مثل القرب من الوطن أو البعد عنه، وعلاقة القدس بهذه الأعمال على اختلاف تصنيفاتها، لكون القدس المكان الأثير إلى قلبه، كونها مدينته، و مصدر دهشته الأولى، ناهيك عن مكانتها التاريخية وقداستها.
ويكرس الأديب محمود شقير حيزا ملحوظا ومتميزا من مساحة النص ليصف علاقته بالكتابة فيقول "إن لحظة الكتابة بالنسبة للكاتب هي جوهر حياة الكاتب"، ويمضي إلى وصف علاقة الكتابة بحياته اليومية فيقول "إن تحويل الكتابة إلى عادة يومية يشتمل على مزايا عديدة من أهمها خلق استعداد لدى الكاتب للإنفصال عن الحياة اليومية" "ص69"، وفي الوقت الذي يصف تأثير الكتابة عليه فيقول إنها :"متعتني الكتابة وعذبتني في الوقت نفسه" إلا أنه يؤكد على:"إن الإنقطاع عن الكتابة لفترة طويلة نسبيا يجعلني أميل إلى الحزن في حياتي اليومية".
يركز الأديب شقير على القيمة الفنية للعمل الأدبي وضرورة تنقيته من الخطابة المباشرة والأدلجة التي تنتقص من القيمة الفنية للعمل الأدبي، وكذا عن الخطاب المتمادي في عاطفيته فيشير إلى كتابة يفضلها " تنأى عن البلاغة الزائدة وعن إثارة عواطف الشفقة والرثاء، واستمطار شآبيب الرحمة على الفلسطينيين" ص 84.
كما يشير إلى ميله إلى الأسلوب السهل الممتنع، البعيد عن المحسنات اللفظية والزوائد اللغوية، ويعتقد " أن لا ضير في الأيديولجيا إن جاءت موزونة في العمل الأدبي بحيث لا تخل بشروطه الفنية"، ويشير بمنتهى الجرأة الأدبية، وبقدر عال من الشفافية إلى أنه لا يعفي نفسه من التورط بإدخال مقادير زائدة من الأيديولوجيا في بعض نصوصه القصصية في ظروف معينة ص135 .
ويتحدث الأديب شقير عن علاقة الروائي بشخصياته فيؤكد أن الشخصيات تكون مسيرة في البدايات عندما يخلقها الروائي ويقرر شكل بداياتها الأولى وتنافرها أو تجاذبها مع الشخصيات الأخرى ثم يتغير شكل هذه العلاقة فيقول شقير " إلا أن أيغالها عميقا في متن النص، وحيازتها للفضاء الملائم لها دون محاذير وقيود، سيمنحها حرية الحركة التي ينقاد لها الروائي، مستجيبا للمسار الذي تشقه لنفسها، بعيدا عن اشتراطاته ورؤاه المسبقة أو المقرر سلفا " ويحذر الكاتب من "أن الروائي الذي يدجن الشخصية الروائية ويخضعها لاشتراطاته لن يظفر إلا بشخصية نمطية مسطحة" ص236
وكان للأطفال واليافعات واليافعين مساحة وافية من الإهتمام لم تنتقص من اهتمام الأديب محمود شقير بالأدب الموجه للكبار ، فوضع جل اهتمامه في هذا السياق للهم الوطني "كنت معنيا بجذب الأطفال إلى حب الوطن والى الارتباط بالأرض"، كما استعان شقير بقصة "تفاح وكل شيء" في اشارة ذات دلالة على انتباهه إلى الجانب الإجتماعي للأطفال حيث حرص على ان يكتسب الطفل خبرة جديدة ووعي جديد دون الدخول به إلى تعقيدات لاحاجة له بها. ينطلق الأديب شقير في نظرته لأهمية الخيال في قصصه المكرسة للأطفال من مقولة ألبرت أينشتاين "الخيال أهم من المعرفة" ويؤكد في هذا السياق على ضرورة الخيال لتوسيع مدارك الطفل وتعزيز ملكة التفكير لديه.
أثناء إبحاره في بحر الكلمات يعود محمود شقير للرسو تكرارا في موانيء "القصة القصيرة جدا" هذا النوع من الكتابة الإبداعية التي استحوذت على اهتمامه من عدة نواح، إضافة إلى أنها تجسدت في كتاب بعنوان "الأعمال الأدبية الناجزة" الذي صدر عن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين عام 2022 في نحو 550 صفحة من القطع الكبير . ويتحف القارىء خلال هذه المحطات بإضاءات على هذا النوع من الفنون الكتابية؛ فتارة يتحدث عن مدخله إليه فيقول عن فترة الثمانينيات من القرن العشرينيإت إنها :" كانت مربكة بسبب ما شهدته من انكسارات في المشهد الفلسطيني والعربي والعالمي" ويضيف "وآنذاك صرت أشعر بملل من السرد الذي يصف المشهد بإسهاب لأن المشهد نفسه مؤلم شديد السواد" ويخلص إل القول : "ثمة حاجة لمشهد سريع الإيقاع".
هو ذا يصف بداية تأثره بهذا النوع من الأعمال الأدبية مشيرا إلى كتاب"إنفعالات" لمؤلفته نتالي ساروت فيقول "هي قصص مدهشة مكثفة بالغة الطزاجة والرهافة ومن أوائل النصوص القصصية المكثفة في صياغتها المتقشفة في استخدامها للغة" ولعله من المثير للإهتمام أن هذه النصوص تعود لعام 1938، كما يشير إلى الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس الذي كان مصدرا آخر للتأثير في شقير وإثارة اهتممامه بالقصص القصيرة جدا، فيقول: "أشعار هذا اليوناني العظيم سحرتني بما فيها من سرد، ومن تكثيف وغوص في تفاصيل ماهو يومي وعادي وهامشي وإسناد ذلك بإشارات عميقة إلى التجربة الإنسانية وتجلياتها المختلفة".
ولا ينكر شقير تأثره بهذا الشاعر اليوناني كما أشار الناقد فخري صالح، ويشير أيضا إلى إقراراه برأي الشاعر الراحل محمود درويش على تأكيده لما في قصص محمود شقير القصيرة جدا من "حالات شعرية" والحالات الشعرية التي وصفها درويش هي بالتأكيد غير اللغة الشعرية التي نأى شقير بنفسه عن استخدامها في قصصه القصيرة جدا.
وحتى لا أطيل الخوض في هذا الموضوع الذي قد يستطيل فيكون أهلا لمقالة مستقلة، بحثا، أو ربما كتابا فأقول أن الكاتب والأديب محمود شقير قد أوفى هذا النوع من الإبداع حقه في كتابه موضوع هذه السطور، فوصف العناصر التي يتطلبها إعداد هذا النوع من القصص، وما قد يؤدي إليه تجاوز هذه العناصر من انتفاء كونها قصصا قصيرة جدا وانتمائها لتصنيفات أدبية أخرى متعددة. ويتحدث شقير في مواقع أخرى عن نقاد تناولوا أعماله القصصية القصيرة جدا ومنهم الكاتبة حزامة حبايب التي اقترحت تقليص أعداد القصص في المجموعة حتى لا يربك القارىء في تنقله بين الأجواء والعوالم المختلفة، وينطلق من هذه النقطة ليلقي الضوء على ماقد يجمع بين القصص القصيرة جدا والرواية من علاقة والتي قرأها العديد من النقاد في أعمال شقير التي تنتمي لهذا النوع من الكتابة الإبداعية.
وللمكان في كتابات محمود شقير اهتمام لا يتزحزح ، ولا ينتقص منه شيء كيف لا والقدس مدينته وعنوان دهشته الأولى التي يشعر بالتقصير بحقها مهما كتب عنها، والتي يعلن عن وفائه لها فيشعر ببعض العجز في التعامل مع القصة القصيرة بعد أن غادرها منفيا على مدى ثماتية عشر عاما، لم يتعامل مع القصص القصيرة ولكنه تعامل مع مدن مثل بيروت، وعمان ، وبراغ، وهونغ كزنغ وأسهمت كل منها في رسم جزء من مسيرته الأدبية وخبرته الحياتية .
ولا يكون المكان مكانا، ولا الزمان زمانا مكتملا ، بغير التفاعل مع العنصر البشري وقد أوفى شقير هذا الجانب حقه في مشاهد متعددة ومن زوايا مختلفة فقد تحدث عن شخصيات متعددة لا أزعم أنني سأستطيع الإشارة إليها جميعا: إميل حبيبي، توفيق زياد، محود درويش، فاروق وادي، مؤنس الرزاز، مؤيد العتيلي في عالم الكتابة والأدب، إنتقالا إلى عالم الصحافة والسياسىة حيث بشير البرغوثي، وسليمان النجاب وكثر غيرهما
وتشكل العائلة القريبة لمحمود شقير محورا أساسا لهذا الكتاب فلن تكتمل السيرة الأدبية بغير جوانبها العائلية، حيث العائلة الكبيرة، ثم الوالدين، وأمينة الشقيقة، و الإبنة ومباعث الألم في قصتيهما، وصولا إلى الأحفاد من محمود الأكبر إلى مهدي الأصغر شكلت كل هذه العناصر جزءا أساسا من نسيج هذا الكتاب الذي أؤكد في الختام أنه أهل لأن يكون مرجعا معتمدا على المستوى الجامعي للتدريس في مساقات أدبية متعددة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل