الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(غواية حلم) للشاعر عدنان جمعة تلاقح المنعى بالوضوح

داود السلمان

2024 / 1 / 6
الادب والفن


مقدمة:
حين تكون أحلام الشاعر، قصيدة عذبة تشاركه الأسى، وتزيح عنه خراب الزمن، وطوارق الاشجان المحيطة به من كل مكان، (كون الشاعر من صنع المعاناة)، أو امرأة جميلة يعاقر معها آماله المتأرجحة بين الحقيقة والخيال، بين الرفض والايجاب، حتما سيصير الابداع ثالثهما (القصيدة- المرأة = الابداع). عندها تكتمل أدوات هذا الكيان (الشاعر) الهابط من سماء الضنك وقسوة الحياة الطافية على سطح المجهول، ليثبت وجوده (الذاتي والمعرفي)، لأنّ الإنسان يُريد أن يعرف كل شيء ويحيط به علمًا، وهذه الخصوصية موجوده فقط به (بالإنسان) لا يمتلكها سوى الانسان نفسه. لذلك تجده يحلم، بل يحدوه الأمل، بأن يصبح: عالما، فيلسوفا، فنانا شاعرا، ليُعبّر عن مكنونات نفسه الذاتية، و ولعه بالجمال، كي يصنع منه مختلف الفنون التي تهفو اليها نفسه؛ وقديما قيل: الجنون الفنون، ولا أعتقد يوجد في فضاء الابداع، والتعامل مع الكلمة، الصادقة المُعبرة، أكثر من الشاعر، لكون الشاعر يخرج كلماته من سويداء قلبه، عكس الفيلسوف والعالم والمفكر، تمامًا، فهؤلاء يخرجون أفكارهم ونظرياتهم من عقولهم الخصبة، واذهانهم المتقدة. واما الشاعر فيخرج نتاجه الذاتي والنفسي والمزاجي من فؤاده الواله، المتعطش للجمال.
وثمة مصاديق كثيرة تدلّ على ما نحن ندعيه، مما أشرنا إليه توًا، حيث لا يسمح المجال بتعداد جُل تلك المصاديق، مع إنها أشهر من خمريات أبي نواس، وصوفيات الحلاج، و وجودية سارتر. لكن بين أيدينا نصًا مميزًا أخترناه من بين نصوص كثيرة للشاعر عدنان جمعة؛ وهذا النص هو بعنوان "غواية حلم".
تحليل:
الأحلام تكون على قسمين: أحلام منامية، وأخرى تتعلق بطموح الانسان ومستقبله (أحلام اليقظة) كأنْ يحلم بأن يمتلك بيتا وزوجة وسيارة، أو بمستقبل زاهر غيّر الحال الذي يعيشه من فقر وضنك ومعاناة أخرى، وما شاكل ذلك؛ وهذا من حقه، أي من حق كل إنسان، وهو طموح مشروع.
والقسم الثاني من الأحلام: المنامية؛ وهي أحلام تحدث نتيجة للكبث النفسي، بحسب التحليل الفرويدي، وتحدث باللاشعور، فالإنسان الذي لا يستطيع أن يحقق طموحه، وآماله المؤجلة، على أرض الواقع، يظل ذلك يحز بنفسه، ونتيجة للتكرار الذي يردده، سيتحقق له ذلك، لكنّه عن طريق العقل الباطني، أي أثناء النوم، إذ يراه النائم على شكل رموز مُشوّشة، وحين يصو من منامه، يتبخر كل شيء، فيعصف به الوهم.
"أحلام على الطاولة
بنصف رغبة
والليل يطاوعني بوقت ضئيل"
رغبات الإنسان لا تقف عند حدٍ، بما فيها الغرائز النفسية، خصوصًا الحاجة الملحّة للأنثى، فهي جزء هام من تلك الحاجات، بل هي الحاجة السامية التي يتعلق بها هذا الإنسان، ويدفع كل شيء في سبيل الوصول إليها. ومقدمة النص هذه تحتاج بحثا وتنقيبا، وغورًا في روح العلم النفسي التحليلي؛ فالنص فيه أبعاد نفسية وتاريخية معًا؛ إذا أردنا أن نشرح تلك الابعاد نحتاج إلى وقفة طويلة، قد تسرق أوقاتنا من حيث الدلائل التي تكمن في أعماقها، فنختصر والاختصار قد يكون سيد الموقف.
"هذا حطامي
وظلكِ يطاردني
تذكرتكِ أجل!"
مطاردة الأنثى في الأماكن الشاسعة، جزء هام من مغامرات الرجل للحصول على "نصفه الثاني" مهما تكن النتائج، سلبية كانت النتائج أم ايجابية، فالغريزة الحيوانية، لا تدع مجالا إلّا واتخذته محطة انطلاق، للبحث والتقصي في مناطق غير آهلة للمكوث، بل المكوث فيها يعرض الانسان الى المخاطر، خصوصًا إذا كانت المناطق شبه مُحرمة.
"بي رغبة
أتسلل إلى أبراجك الشاهقة
حيث الشوارع غافية"
هنا يتحول هذا الانسان الواله الى عاشق يستبد به الهيام، خائر اللب، تائه البال، مقيّد الحركات، لكنه غير مبالٍ. كون الرغبة لا تدع له طريقا إلّا وحثته على أن يسلكه، والغريزة هي عمياء بطبيعتها، لا ترى أمامها إلّا حاجتها التي تروم الحصول عليها، أية طريقة كانت. والعاشق يظل يتقصى الحقائق للبحث عن محبوبته، متسلقا أبراج الحبيبة الشاهقة، الممتدة بالبعد الزمكاني، وبالرغم من كون الشوارع في حالة اغفاءه لا تصلح للبحث عن مرتقب مجهول؛ فذلك لا يشكل عقبة بطريق العاشق، لتحقيق مراده.
"مصابيحها عمياء
والحارس الليلي مخموراً
أحظي بقبلة من شفتيكِ
بشهقة شوق
ويدركني الصباح بألف سؤال".
ويظل هذا العاشق ينتظر، الانتظار المرّ، إلّا أنه يحدوه الأمل، باللقاء المرتقب، أو يعتقد ذلك برجاء غير مخادع، كون المحب لا يتسرب اليه اليأس، ولا يصل شغاف قلبه، فالوله هو الذي يملي عليه ذلك؛ لكنّ الصبر يعد العد التنازلي، والشاعر كإنّه يصوّر هذا المشهد غير المرئي، تصويرًا صعب المراس، إلّا أنه نابع من إحساس يخالجه السرور والبهجة، بتحقيق المرجو، والهدف الذي يروم الوصول إليه.
واحيانا تكون مطالب العاشق سهلة يسيرة، لا تكلف المعشوق شططًا، حيث يعترف المحب - الشاعر بقوله أريد أن: "أحظي بقبلة من شفتيكِ". ومثل هذا المطلب بين العاشقيَن، هو بمثابة جرعة دوائية تشفي جميع الأسقام، فيتماثل للشفاء بطرفة عين.
تقييم النص:
لا تقاس النصوص بحجم طولها أو بقصرها؛ بل النصوص تقاس بحجم البيان الواضح، والمعاني المكثفة التي تنساب كالشلال المتدفق من مكان شاهق. وهذه الانسيابية والتدفق، أنا أشبهها بمثل هذا النص الذي بين يديّ الآن، بلا مواربة، وبلا قفز على الواقع. النص تتراقص فيه العذوبة الجمالية، كما الرياح تراقص الأغصان وهي جذلى منسابة، حيث يشعر القارئ، وللوهلة الاولى، بتناغم وانسجام تامين. نص متكامل مكثف فيه ابداع واضح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل


.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ




.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع