الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهموم الوطنية في ديوان -فعله صغيرهم هذا، عنان- صلاح أبو لاوي

رائد الحواري

2024 / 1 / 6
الادب والفن


الهموم الوطنية في ديوان
"فعله صغيرهم هذا، عنان"
صلاح أبو لاوي
الأديب المنتمي هو الذي يتناول قضايا شعبه/أمته، طبعا هذا لا يعني إهمال الجانب الشخصي الذي يعد جزءا من الهم العام وانعكاس لرؤية الأديب/الشاعر لهذا الشخص/الشيء/الحدث، فهناك مجموعة من الشخصيات تناولها الشاعر حتى انه جعل إحداها "عنان" عنوان للديوان، إضافة إلى شخصيات وطنية/قومية "أم الشاعر أسماء سرطاوي، وإلى أب الشاعر، ملحم، تريزا هلسة، أمجد عواد، نشأت ملحم، فضل مخدر، نضال الصالح، خالد أبو خالد، غسان وعدي الجمل، أحمد أبو سليم وأحمد الصويري، صالح سلمان وليندا إبراهيم ورغداء أحمد، لطيفة عيسى، غسان عبد الحق الذي تناوله في موضعين، إضافة إلى الأسرى الستة الذين حرروا أنفسهم من سجن جلبوع، وإذا ما توقفنا عند هذه الشخصيات سنجد أغلبها من المناضلين ومنهم ما زال يقبع في الأسر "أمجد عواد" ومنهم من استشهد أو اعتقل، وهذا يأخذنا إلى انتماء الشاعر للقضايا الوطنية/القومية، وهناك مدن خصها بقصائد، بيروت، يافا، وأماكن جغرافية مثل اليرموك وهذا أيضا يشير إلى اهتمامه بالمدن المقاومة/بيوت، وإلى الوطن/يافا، وإلى تلك التي تؤكد وحدة المنطقة جغرافيا وسكانيا/اليرموك.
بهذه المقدمة يمكننا الدخول إلى الديوان وكيف يرى الشاعر الواقع/الحياة/الأحداث، بداية نشير إلى أن هناك قصائد جاءت على شكل ومضة وأخرى طويلة، من قصائد الومضة "إجابة" التي جاء فيها:
"ـ لا كيف ولا أين
لم أدرك
إلا أن الدنيا حبل مشدود بين فراغين
يتساوى البلبل في آخره
وغراب البين" ص7.
عندما يتم استخدام الحروف بكثرة والألفاظ القصيرة فهذا يشير إلى أمتعاض الشاعر من الواقع بحيث يبدو وكأنه لا يريد الحديث/الكلام، من هنا نجده يختصر ويختزل فيما يقدمه من شعر، فنجد أن هناك كم كبير من الحروف في مقطع قصير: "لا، ولا، لم، إلا، أن، في" وألفاظ قصيرة: "كيف، أين، بين، حبل" فكل هذه الألفاظ مكومة من ثلاثة حروف، وهذا ما يوصل فكرة امتعاض الشاعر من الواقع.
وإذا علمنا استحضار الحيوان/الطيور في الأدب الحديث يشير إلى الألم والقرف الذي يمر به الكاتب/الشاعر، نتأكد أن "صلاح أبو لاوي" (ينظر/يرى) الواقع بقسوة وألم.
المفارقة بين البلبل والغراب لا تكمن في رمزيتها فحسب، حيث يشير الأول إلى الجمال في الشكل والمضمون/الصوت، والثاني إلى القبح في الشكل والصوت، بل تتعداه التناسق في لفظ "البلبل" حيث يتكرر حرفي اللام والباء فيه مما يجعل لفظه غنائي وشكل كتابته متناسق وجميل، على النقيض من "الغراب" الذي يوحي/يشير فيه حرف الغين إلى الصوت النشاز، وبهذا يكون الشاعر قد أبدع في استحضار البلبل والغراب ليعبر عن رؤيته/نظرته للحياة.
القصيدة/الشعر بالنسبة للشاعر أهم أداة، وهذا يعود إلى أنه بها يثبت ذاته كشاعر، وبها يعبر عما يريد قوله، لهذا نجد الشعراء يتغنون بالكتابة وبالشعر، في قصيدة: "أثداء" نجد هذا الأمر:
"البحيرات
أثداء هذي الطبيعة
نرضع منها
ويرضع منها الشجر
فخذوا ما تشاؤون من كلماتي
وما يتنزل من عبقر الشعر في غارها من صور
فأنا ماضيات القوافي
وإني أنا غيمها المنتظر" ص9.
بداية نشير إلى أن عناصر الفرح/التخفيف التي يلجأ إليها الشاعر هي المرأة، الطبيعة، الكتابة، التمرد، في هذه القصيدة نجد العناصر كاملة، فهناك الطبيعة: "البحيرات، الشجر، غيمها" وهناك الكتابة: "كلماتي، الشعر، القوافي" وهناك المرأة "أثداء، نرضع/يرضع" وهناك التمرد/الثورة الكامنة في المضمون: "وإني أنا غيمها المنتظر" وفي المزج بين عناصر غير متجانسه: "يرضع الشجر" وكأن تكرار "نرضع/يرضع" له علاقة بحالة التمرد/الثورة مما جعل ثورة الشاعر مزدوجة، وهذا يقودنا إلى أثر المرأة عليه والطاقة التي يستمدها منها ليخرج عما هو مألوف/عادي.
الأم
الأم لها مكانتها عند كل أديب/شاعر، فهي الكائن الذي ليس له مثيل أو بديل، في قصيدة "أسماء" التي أهداها لأمه وهي من القصائد الطوال في الديوان يقول:
"وأسماء أمي
وأسماء أسماؤنا الحسنيات
وأسماء أرض القصيدة
وأسماء الحرف دارا فدار
...
ربما تستفيق الحياة
وتكتبني جدلا
في الحوار الأخير لهذا المجاز العصي على الانكسار
وأسماء أمي
حفظت أناشيدها المتعبات نشيد نشيدا
حفظت تقاسيم طلعتها إذ تظل مواويلها
وحفظت حضور السماء بهيبتها
وهي أخت السماء لها سبع أفئدة وجنان
حفظت تقطر وردا
وتسلمنا للصباح
وقد عبّدت لخطانا النهار
وأقول وقد طار عصفورها من يدي
كيف يا أم أعبر ليل القصيدة أو أهتدي
كيف أطلق قلبي
وأمسي حزين وأحزن منه غدي
...
سلام عليك
سلام على ساكنات الهديل
سلام على قمر أبدي بأعلى الرحيل
سلام على أجمل الراحلات
سلام على وجهك المريمي
وقد غسلته الملائك بالدعوات
وكفنه الجلنار" ص20-22.
نلاحظ أن تكرار اسمها "أسماء" اربع مرات، وأثر فعلها "حفظت" أربع مرات، ووداعها "سلام" خمس مرات، وإذا ما توقفنا عند حجم القصيدة الطويل نتأكد أن هذه الرباعيات لم تأتي بقصد من الشاعر، بل ن خلال العقل الباطن، فحضورها من خلال الاسم جعله يتغنى بها مستخدما ألفاظا بيضاء: "أمي، أسماؤنا، الحسنيات، أرض، القصيدة، الحرف، دارا/فدار" وإذا ما توقفنا عند هذه الألفاظ سنجدها متعلقة بالطبيعة، وبالكتابة" وهذا يؤكد حالة الفرح/النشوة التي يحصل عليها الشاعر باستحضار المرأة/أمه.
وإذا ما توقفنا عند أثر فعلها على الشاعر "حفظت" سنجده أثر جميل، ناعم، لطيف: "أناشيدها، نشيد/نشيدا، طلعتها/تظل، مواويلها، حضور، السماء (مكرر)، بهيبتها، سبع، أفئدة، وجنان، تقطر، ورودا" نلاحظ أن العقل الباطن في الشاعر يعمل على (تبرير/تفسير) تمجيد اسمها الذي قدمه في البداية من خلال الإكثار من أفعالها التي أثرت عليه إيجابا.
وإذا ما توقفنا عند أثرها عليه سنجده متعلقة بتكوين الشاعر كشاعر، من هنا كرر "أناشيدها/نشيد" ثلاثة مرات والذي يخدم فكرة الاستمرار والقدسية معا، كما أن وجود ألفاظ: "مواويلها جاء لخدم فكرة أثرها على تكوينه كشاعر، وما وجود الطبيعة "السماء، ورودا" إلا تأكيدا للأثر الإيجابي على الشاعر فجاءت الألفاظ بيضاء/ناعمة تخدم فكرة الأم وعطائها.
أما وداعها "سلام" فقد جاء يحمل البياض أيضا: "ساكنات، الهديل، قمر، أبدي، بأعلى، أجمل، وجهك، المريمي، غسلته، الملائك، بالدعوات، الجلنار" لكن بما أن هناك رحيل/وداع فكان لا من وجود ألفاظ حزينة/قاسية: "الرحيل/الراحلات، وكفنته" رغم هذه القسوة إلا أن العقل الباطن للشاعر (أصر) على تقديم هذا الحزن/السواد بصورة بيضاء، من هنا استحضر الصور الشعرية:
"وقد غسلته الملائك بالدعوات
وكفنه الجلنار" وكأنه يريد أن يبقي البياض الكامن في "أسماء" وفعلها حاضرا في المتلقي كما هو حاضرا فيه، فلم يرد أن يشوه صورتها/مكانتها بألفاظ قاسية/حزينة، رغم أنه يتحدث عن رحيلها وفقدانها.
الأسرى
للأسرى مكانتهم عند الشاعر، فقط خصهم بأكثر من قصيدة، منها "ثلاث أغنيات لأشجار الزنزانة" التي اختزل فيها رؤيته للأسرى بصورة مذهلة:
"يا إلهي
ألم تنته المعجزات
كيف صار الأسير نبيا
ومن جوعه تنبت المكرمات" ص32.
فهذا المقطع المكثف والمختزل لا يأتي إلا ممن هو منتمي/متوحد/متماهي مع الأسرى، وإلا ما كان هذا التمجيد وهذه الصورة التي يتمرد فيها الشاعر على الدين مشيرا إلى أن هناك أنبياء بيننا ويقومون بفعل كرامات تحدث في أيامنا، هذا الأمر كاف لإيصال نظرته/رؤيته للأسرى ومكانتهم عنده.
ويقول في قصيدة "تنفس" التي أهداها إلى الأسير "أمجد عواد":
"تنفس
فإنك تقهر هذا الظلام
إذا تنفس
تنفس إذا ما استطعت الوقوف على قدميك
وقد أمطروك بحقد قديم قديم عليك
...
تنفس لتنجو مصادفة من زفير الصدأ
...
تنفس لتمحو لهاث أساطيرهم
عن دفاتر لحمك
...
وتنفس
إذا ما استطعت الثبات
ولم تنس وجه الحبيبة أمك
أو عطرها
أو جدائل كانت تلامس وجهك
حين تنام كطفل على صدرها
وتنفس
وإن حرموك الهواء
وإن وضعوك بزنزانة عجن الموت فولاذا
...
تنفس
لأنك رغم الزنازين لم تغترب
عن هواك
ولم تتنازل كما فعلوا
عن هواء الجليل
وأنك ما زلت في وطن المستحيل
..
تنفس
فإنك تقهر هذا الظلام إذا تتنفس" ص72 -75.

نلاحظ بساطة وسلسلة الأفكار التي يطرحها الشاعر، من خلال تكراره ل"تنفس" الذي يريده أن يقهر/يتحدى به الأسير "أمجد عواد" الجلاد وأدواته، من هنا جاءت تفاصيل التحدي: "تقهر الظلام(مكرر)، لتنجو، لتمحو" وللافت في "تنفس" انه جاء كتناص مع سورة التكوير "والصبح إذا تنفس" بمعنى أن هناك قدسية لفعل الأسير عندما يتنفس، يتحدى/يتمرد على السجان، من هنا نجد الشاعر يفسر/يوضح ميزات الأسير التي نجدها في:
"لم تغترب
عن هواك
ولم تتنازل كما فعلوا
عن هواء الجليل"
نلاحظ وجود ألفاظ متعلقة بالنفس المادي: "هواء الجليل" والنفس الروحي: "هواك" وهذا يقودنا إلى البعد المادي عند الأسير فهو قاوم المحتل لهذا هو أسير، والبعد الروحي فهو ما زال مؤمنا/متمسك/ثابتا على معتقداته المتمثلة بوحدة فلسطين التاريخية، فالأسير هو ابن قرية "عورتا" جنوب شرق نابلس، لكنه يعتبر "الجليل" جزء من وطنه فلسطين.
واللافت في هذه القصيدة تذكير الأسير "أمجد عواد" بأمه:
" وتنفس
إذا ما استطعت الثبات
ولم تنس وجه الحبيبة أمك
أو عطرها
أو جدائل كانت تلامس وجهك
حين تنام كطفل على صدرها" وهذا يقودنا إلى علاقة الشاعر بأمه التي خصها بقصيدة "أسماء" وهو بهذا التذكير يؤكد العلاقة الاجتماعية التي تربط المناضل/الأسير بأهله، فهي علاقة وطيدة ولا يمكن أن تنتهي، وتأتي هنا لتكملة علاقته بالوطن، بفلسطين/الجليل، بمعنى أن النضال/الحب الفلسطيني يتآلف فيه الناس مع الجغرافيا، ومع ما هو ديني/مقدس/ "تنفس"
الأصدقاء
يخص الشاعر أصدقاؤه بقصائد كما فعل في "أخر الليل" التي جاءت على شكل مقاطع، قصائد تبدأ جميعها ب"آخر الليل/ في، وفي آخر الليل" حيث يهديها إلى غسان عبد الحق:
"(38)
آخر الليل أرقب غابتي المورقة
واعد الحساسين
زقزقة زقزقة
وأعد العروق التي (تبعز) العين
بين القصيدة والمطرقة
وأعد الخطى
بين أن يلتقي عاشقان على شاطئ
أو أسيل كحزن قديم على مشنقة
سأعد أعد أعد
وأكتب...
أتعس حلم الفتى
أصدقه" ص134.
بداية نشير إلى أن القصيدة تتناول علاقة الشاعر بصديقه، لكن ما يهم القارئ ليس الفكرة بقدر الألفاظ التي تحملها، من هنا نجد صيغة المثنى في: "عاشقان" ونجد تكرار ألفاظ: "زقزقة، وأعد (ستة مرات)" التي تؤكد العلاقة الحميمة بين الشاعر وغسان، واللافت في "زقزقة" أنها تتكون من تكرار حرفي "الزين والقاف" مما يجعلها لفظها يبدو وكأنه لحن غناء، يطرب السامع، بهذا الشكل وهذه الألفاظ اكد الشاعر علاقته بصديقه "غسان"
قصيدة العنوان
العنوان "فعله صغيرهم هذا، عنان" يقودنا إلى التناص مع القرآن الكريم، وتحديدا إلى ما فعله سيدنا إبراهيم عندما حطم الأصنام وعلق الفأس برقبه أكبر صنم، وعندما سألوه عمن حطم الأصنام، قال: اسألوا كبيرهم: "قل بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم أن كانوا ينطقون" (63) سورة الأنبياء، إذن هناك بعد ثوري ديني يحاول الشاعر إيصاله للمتلقي من خلال تفنيد ما هو سائد من أفكار ومعتقدات وسلوك:
"يا عنان
إن هذا الزمان لعوب
فلا تنتظر أن يعود أبوك
فإنك من قرية
أنجبت أنبياء بغير أب أو نسب
وحدك الماء والنار
فاضرب عصاك وقل للسواقي كوني
تكن جنة ولهب
واحدان هناك
فمرغ شبابك في حضن أمك
وانزف على صدرها ما استطعت
تعد للحياة نقيا كما ولدتك" ص52 و53.
بداية نشير إلى أن الشاعر ذكر "عنان" في أكثر من قصيدة، وفي قصيدة العنوان ذكره سبع مرات، مستخدما صيغة النداء "يا عنان" ست مرات ومرة دون نداء، وهذا له علاقة بقدسية رقم سبعة.
إذن هناك طابع قدسي/ديني للقصيدة، جعلها تتمحور حول ما هو ديني، من هنا نجد تناص مع سيرة السيد المسيح حسب ما جاءت في الإنجيل والقرآن الكريم: "فإنك من قرية/أنجبت أنبياء بغير أب أو نسب" ولا يكتفي الشاعر بهذا بل يأخذنا إلى تناص آخر متعلق بعصا "موسى عليه السلام" ودورها في التغييرات/المعجزات التي أحدثها من خلال العصا، وكأن الشاعر من خلال هذه الرؤية الدينية الثلاثية "القرآن الكريم، الإنجيل، النبي موسى والعصا" يريد القول: إن هناك (فتى/شخص) مقدس تحترمه كل الأديان هو عنان" وما تكرار اسمه سبع مرات إلا من باب التقديس والمكان الرفيعة التي وصل إليها "عنان"
وإشارة إلى أن "عنان" ذهب/رحل كشهيد، بمعنى أنه رحل وهو محبوب فكان رحيله مؤلما وقاسا استخدم الشاعر: "الماء والنار، جنة ولهب" هذا الإيحاء كاف لجعل المتلقي يبحث عن "عنان" وما فعله، وإلا ما كان حضوره بارزا في هذه القصيدة وفي قصائد أخرى.
الديوان من منشورات الفينيق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2022.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا