الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطوير الفلسفة العقابية في العراق .. من سلب الحرية إلى العقوبات البديلة

همام طه

2024 / 1 / 7
حقوق الانسان


من المهم أن يشمل أي مشروع وطني للتنمية والتحديث والإصلاح في العراق ملف السجون والعدالة الجنائية والسياسات العقابية المتبعة في التعامل مع مخالفي القانون ومرتكبي الجرائم. وينبغي أن يأخذ هذا المسار جانبين بنظر الاعتبار: الأول هو تطوير واقع السجون وتحويلها إلى مؤسسات إصلاحية حقيقية ومراكز تأهيل سلوكي ومهني ونفسي واجتماعي تساهم في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والثاني هو تخفيف الضغط على السجون من خلال تطبيق نظام "العقوبات البديلة" وصولاً إلى حالة مثالية لنا الحق في أن نحلم بها وهي انتفاء الاعتماد على السجون إلا في حالات محددة والاعتماد على بدائل عقابية ذات طبيعة إصلاحية وتهذيبة وسلوكية وتأهيلية تجعل من المجتمع حاضنة إصلاحية للمخطئين ومخالفي القانون بحيث يتم إصلاح المخطئ من خلال إعادة دمجه وتأهيله اجتماعياً وليس عبر عزله في السجون والمعتقلات.
في الجانب الأول وبهدف تطوير فلسفة عقابية تتمحور حول الإصلاح والتأهيل لمرتكبي الجرائم وليس القهر والتنكيل، تهتم المؤسسات الإصلاحية الحديثة والسجون المعاصرة بطرح العديد من برامج الرعاية الاجتماعية المتطورة التي تعنى ليس بالسجين فقط داخل الإصلاحية فحسب إنما من خلال إيجاد البرامج التي تدعم السجين وعائلته في تخطي العقبات الاجتماعية والنفسية والمادية خلال فترة السجن والعمل على مساعدة الأسرة على التماسك وعدم انهيارها واستمرارية ترابط أفرادها والمحافظة على كيانها من التفكك لتكون هي الداعم للسجين بعد انقضاء مدة عقوبته في دفعه لعدم العودة إلى الجريمة (1).
ومن هذه البرامج الإصلاحية برنامج "الخلوة الشرعية" وهي بمثابة تصريح أو إذن لعقد لقاء حميم للسجين بزوجته، وللسجينة بزوجها، داخل السجن بهدف التخفيف من الأثر العاطفي والاجتماعي لعقوبة السجن على السجين وأسرته. وكشفت المديرية العامة للإصلاح الاجتماعي في إقليم كردستان، عن تطبيق برنامج الخلوة الشرعية داخل السجون بين المحكومين وزوجاتهم. وقال مدير عام الإصلاحيات بإقليم كردستان إحسان عبد الرحمن إن حكومة إقليم كردستان تمنح "إجازات منزلية" للنزلاء وبيَّن أنه خلال العام الماضي تمت زيارة 287 سجيناً من المحكومين لعوائلهم، موضحاً أنه تم تحقيق الخلوة الشرعية من خلال زيارة العوائل للمحكومين داخل السجون إذ شملت 5 آلاف و 716 نزيلاً (2).
إن تطبيق سياسات إصلاحية في السجون العراقية مثل الإجازات المنزلية والخلوة الشرعية وإكمال التعليم وتفعيل النشاط المهني والتشغيلي للنزلاء داخل السجون واستثمار الطاقات الإبداعية والمهارات والمواهب التي يتمتع بها النزلاء يمكن أن يحوّل السجون العراقية إلى مؤسسات إصلاحية حقيقية داعمة لعملية التنمية الاجتماعية فالتحدي الذي يواجه المجتمع اليوم هو كيف نستطيع إصلاح الفرد الذي ارتكب جريمة معينة وإعادته للمجتمع كعنصر مندمج وفعّال وليس الانتقام منه أو التنكيل به ودفعه إلى خيارات يائسة وكراهية المجتمع.
ومن السياسات التي يمكن اعتمادها في إصلاح الفلسفة العقابية في العراق تفعيل الإفراج الشَرطي حيث ينص القانون العراقي على "يجوز الإفراج إفراجاً شَرطياً وفق أحكام هذا القانون عن المحكوم عليه بعقوبة أصلية سالبة للحرية إذا أمضى ثلاثة أرباع مدتها أو ثلثيها إذا كان حدثاً وتبين للمحكمة أنه استقام سيره وحسن سلوكه على أن لا تقل المدة التي أمضاها عن ستة أشهر" (3).
ويمكن تخفيف الاكتظاظ الكبير في السجون من خلال تطبيق نظام العقوبات البديلة لعقوبة السجن السالبة للحرية. وبدائل عقوبة السجن هي مجموعة من العقوبات والتدابير الاحترازية التي تتكفل بإصلاح الفرد وفي الوقت نفسه تشعره بالجرم الذي ارتكبه واستحق عنه العقاب ليتجنب ارتكابه مستقبلاً ويرتدع غيره أيضاً. ومن أهم أنواع العقوبات البديلة عن عقوبة السجن (4):
أولاً: العقوبات المالية: وتشمل الغرامة النقدية، والمصادرة ونزع الملكية، وسحب رخصة أو إجازة ممارسة عمل أو مهنة معينة.
ثانياً: عقوبات العمل لمصلحة المجتمع، وهي عقوبات متنوعة واعتمدت في العديد من الدول ومن صورها:
1- إلزام المدان بالعمل لتقديم خدمة عامة في إحدى المؤسسات الخدمية مثل إلزام المدان بالعمل في نظافة الشوارع أو المدارس والمستشفيات، والعمل في دور الأيتام والعجزة.
2- عقوبة العمل الإنتاجي: إذ يمكن الاستفادة من المدانين بالعمل في المعامل والمصانع والمزارع الإنتاجية واستثمار طاقاتهم بدل هدرها بين جدران السجون.
ثالثاً: العقوبات والتدابير المقيدة للحرية، وهي لا تشابه السجن بوصفه يسلب الحرية تماماً وأهم صورها:
1‌- الحجز في مأوى علاجي: أي بوضع المحكوم عليه في مستشفى أو مصح مثل مصحات تأهيل مدمني المخدرات.
2‌- منع المحكوم عليه من السكن في أو دخول مناطق بعينها: أي منع المحكوم عليه من السكن في الأحياء أو الضواحي التي ينشط فيها بعض من اعتاد على مخالفة القانون كالعصابات أو منعه من دخول الحانات والملاهي.
3‌- ترحيل الأجانب: فمن الأجانب من يرتكب جريمة لا تشكل خطورة كبيرة فيصار إلى ترحيله خارج البلد.
رابعاً: العقوبات ذات الطابع القضائي، وتتم بمنح سلطة تقديرية للقاضي لتحديد العقوبة وتنفيذها أو تأجيل ذلك بحسب ظروف الجريمة والمدان ومن أهم صورها:
1- نظام وقف تنفيذ العقوبة: وهو نظام عالمي معروف في أغلب الدول ومنها العراق إذ ورد النص عليه في قانون العقوبات المادة (144) والتي منحت المحكمة عند الحكم في جناية أو جنحة بالحبس مدة لا تزيد على سنة أن تأمر بوقف تنفيذ العقوبة وفق شروط معينة وخصوصاً إن لاحظت المحكمة أخلاق المحكوم عليه وسنه وماضيه وظروف الجريمة ما يبعث على الاعتقاد أنه لن يعود لارتكاب الجريمة مجدداً.
2- الوضع تحت الاختبار القضائي: ويتم بأن توقف المحكمة إجراءات المحاكمة وتضع المحكوم عليه لفترة تحت رقابتها (في منزله مثلاً تحت رقابة الشرطة القضائية) فإن استقام انتهت الدعوى الجزائية ضده. إن الاختبار القضائي أو مراقبة السلوك هو نظام عقابي قوامه معادلة تستهدف التأهيل وتفترض تقييد الحرية عن طريق فرض التزامات على الحدَث والخضوع لإشراف شخص. مما يعني أن جوهر الاختبار القضائي (مراقبة السلوك) أنه نظام عقابي يجري خارج أسوار المؤسسات العقابية ومن ثم فهو لا يفترض سلب للحرية ولكنه يفترض تقييداً لها (5).
3- نظام التوبيخ القضائي: وهو يلائم بعض فئات المدانين كالتجار والمحامين والأطباء بنشر قرار الحكم بالتوبيخ فيكون رادعاً لهم وفي بعض الدول يستعمل مع الشركات لاسيما شركات التأمين.
خامساً: الاستعاضة عن العقوبات المادية بالإلكترونية ومنها أجهزة التعقّب والسجن الإلكتروني بمعنى تقييد حرية المحكوم باستخدام أجهزة الرقابة الإلكترونية.
وبعد هذا الاستعراض لأهم بدائل عقوبة السجن يؤكد مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات ضرورة إعادة المشرع العراقي النظر بعقوبة السجن أو الحبس في العراق لأنها وفي كثير من الأحيان تناهض حقوق الإنسان وتخدش الكرامة الإنسانية وتحط من قدر الفرد فمن الضروري أن يلاحق قانون العقوبات آخر التطورات التي كشفت عنها البحوث والدراسات في الميدان الاجتماعي أو النفسي، وكيفية التعامل مع النزعة الإجرامية، إذ يؤكد المختصون بما لا يدع مجالاً للشك بوجود محاذير من الإفراط في الاعتماد على عقوبة السجن أو الحبس، وأن تتوجه الدولة نحو العقوبات البديلة لأنها أنجع في الإصلاح وأقل تكلفة. ويقترح مركز آدم أن تنشئ الدولة مراكز تأهيل بدل المؤسسات الإصلاحية أو السجون يلزم المحكوم عليه بزيارتها دورياً لتقدم له بعض الرعاية والخدمات وتتابع تطور حالته وتقدم تقاريرها للقاضي والمحكمة المختصة على أن تتضمن برامجها الإصلاحية الآتي (6):
1- إعداد برنامج اصلاحي متكامل يضعه المختصون بالشؤون القانونية والاجتماعية وعلم النفس لتأهيل مرتكبي الجرائم الذين تورطوا في جرائم الثأر أو الصدفة وغيرها من الجرائم غير الخطيرة لأجل مساعدتهم معنوياً ومادياً لتخطي الأزمة التي يمرون بها نتيجة تورطهم في سلك الجريمة بلا قصد أو عن غير عمد.
2- بالنسبة للأشخاص المدانين بالجرائم الخطيرة فلابد من اتباع أحدث الوسائل العقابية البديلة عن عقوبة السجن أو الحبس بتبني برنامج متكامل للقضاء على العوامل التي تدفعه نحو الجريمة اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية وتعزيز ثقته بنفسه وبالمجتمع الذي يعيش فيه ويؤثر أو يتأثر به.
3- التأسيس لمؤسسة إصلاحية اتحادية في العراق بتخصيصات كافية لتمويل برامج إصلاح الأشخاص غير البالغين والنساء ممن ارتكبوا جرائم معينة باتباع العقوبات البديلة الملائمة لمراحلهم العمرية وجنسهم وقضاء مدة محكوميتهم في منازلهم برقابة قضائية، مع ضرورة إعادة النظر بقانون رعاية الأحداث رقم (74) لسنة 1983 وإلغاء النصوص التي تسمح بفرض عقوبات الحبس أو السجن بحق غير البالغين.
4- إعداد برنامج دراسي للأشخاص الذين سبق وارتكبوا جرائم لإتمام دراستهم الأساسية أو الأولية وحتى العليا ومن خلال ذلك يتم إعادة تأهيلهم والقضاء على نوازع الشر فيهم.
5- تنمية مهارات الأشخاص الذين سبق وأن ارتكبوا جرائم ومساعدتهم بالحصول على فرصة عمل بما يتفق مع مؤهلاتهم.
6- استضافة أهالي وأقرباء المدانين والاستيضاح منهم أو تقديم النصح إليهم في كيفية التعاطي مع الأشخاص الذين سبق وأن ارتكبوا جرائم وصدرت بحقهم أحكام معينة.
المصادر:
1- صحيفة الرياض السعودية: زوجات السجناء يؤكدن أن الخلوة الشرعية تسبب إحراجاً كبيراً لهن
2- السومرية نيوز: خلال 2023.. تحقيق نحو 6 الاف "خلوة شرعية" في سجون كردستان
3- قاعدة التشريعات العراقية
4- راجع: تعريف وأنواع العقوبات البديلة كما أوردها مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات: العقوبات البديلة لعقوبة السجن أو الحبس
5- الاختبار القضائي (مراقبة السلوك) للأحداث الجانحين (دراسة مقارنة)/ منى محمد عبد الرزاق
6- راجع: تفاصيل مقترح مركز آدم بخصوص مراكز التأهيل والإصلاح من المصدر رقم (4) نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عشرات المحتجين على حرب غزة يتظاهرون أمام -ماكدونالدز- بجنوب


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الأونروا: يجب إنهاء الحرب التي تش




.. الأمم المتحدة تنهي أو تعلق التحقيقات بشأن ضلوع موظفي -الأونر


.. أخبار الصباح | حماس تتسلم الرد الإسرائيلي بشأن صفقة الأسرى..




.. ما آخر المواقف الإسرائيلية بشأن صفقة تبادل الأسرى؟