الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اختلال الميغا-إمبريالية في عصر الذكاء الاصطناعيّ AI: قراءة لمضامين مجلتي فورين آفيرز وفورين بوليسي

عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)

2024 / 1 / 8
السياسة والعلاقات الدولية


ارتقى شهيدا في قطاع غزّة اليوم، الصحفي الشاب حمزة الدحدوح، بعد أيام قليلة من استشهاد القائد الحمسي صالح العاروري في عدوان صهيوني سافر على بيروت، وبعد 12 يوم على اغتيال رضى موسوي أحد قادة الحرس الثوري الإيراني في العاصمة السورية دمشق. يدلّ تسلسل هذه الأحداث عن بحث صهيونيّ يائس عن نصر وهميّ من خارج قطاع غزّة، بالعدوان على دول الطوق العربي. فبعد اغتيال الشيخ العاروري، توقفت المفاوضات حول تبادل الأسرى بين الكيان الصهيوني وكتاب القسّام في قطاع غزّة، وأصبح موقف وزير الخارجية الأمريكيّ الصهيوني أنطوني بلينكن محرجا، مع رئيسه المصاب بالخرف، الذي يحضّر للانتخابات المقبلة 2024، في ظلّ خوف كبير من عودة الشعبوية باستخدام الذكاء الإصطناعي، كما أكّد عدد مجلة فورين بوليسي الأخير.
يقرّ القياديّ الحمسيّ أسامة حمدان أنّ حركة حماس تتحكّم في مسار المعركة داخل القطاع، وهو الذي قام باتهام القيادة الأمريكية ممثلة في الرئيس الأمريكيّ جو بايدن ووزير خارجيته أنطوني بلينكن، واللذين أعلنا صهيونيتهما علنا أمام اللوبي الصهيونيّ الأمريكيّ، رغم خلاف بايدن الشديد مع رئيس الوزراء الصهيوني نتن ياهو. ولا أحد تحدّث بإسهاب عن المرض المفاجئ لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوسن، الذي يقضي أسبوعه الأول في مستشفى عسكريّ، في وضع صحيّ حرج. فلا أحد في واشنطن على علم بخطط الموساد الصهيوني، الذي يفرض مفاجآت تحركاته على القيادة الأمريكية، بسلوكاته التي تتجاوز إطلاع CIA و DIA.
أصدر الأمريكيون عددي مجلة شؤون خارجية فورين آفيرز Foreign Affairs عدد Nov/Dec 223))، ومجلة سياسية خارجية فورين بوليسي Foreign Policy (عدد Winter 2024)، ومن المدهش أن تغطّي تسريبات جيفري ابستاين إعلاميا على العنجهية الصهيونية في منطقة الشرق الأوسط، لأنّ الروس ناقشوا فضائح ابستاين حتى قبل مقتله في السجن عام 2019!. فالمسألة توسّعت لتصبح لوما دوليا متزايدا وكبيرا، ويصبح اللوم العالمي لواشنطن مفضوحا بدليل توقف الشركاء القطريّ والتركيّ والمصريّ عن التوسّط في ملف تبادل الأسرى، بسبب صلف وتناحر القادة السياسيين العسكريين على رأس الكيان الصهيونيّ. فكان صدر العددين بعيدا عن خانتي اللوم على التراجع الأمريكيّ، أو الهوس في اتهام روسيا والصين، والركون إلى مراقبة ظاهرة الشعبوية في سنة الانتخابات 2024 التي سسكون فيها الذكاء الاصطناعي، السلاح الأبرز.
هناك مقطع فيديو صادم في منصة فيسبوك، نشرته منصة الجزيرة نت، لصحفية توبّخ الدكتور مصطفى البرغوثي، وتنعته بالكاره لللمرأة وغير المتعوّد على مناقشة النساء!. يتنشر هذا النوع من التهكّم الصارخ على الفلسطينيين من قبل الصهاينة المنتشرين في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ومن بينها منصة فكونتاكت الروسيةVk، حيث يواجد عشرات اليهود الصهاينة من أصل روسيّ و أوكرانيّ، يدعمون بشكل سافر قتل الأبرياء في قطاع غزة، ويستخدمون صور الذكاء الاصطناعيّ المزيفة والكاذبة مقابل الصور الحقيقية لدمار البيوت على رؤوس سكان قطاع غزّة. لكنّ غالبية المواطنين العرب والمسلمين أصبحوا يفضلون الاستماع لتحليلات اللواء فايز الدويري من الأردن، أو العميد توفيق ديدي من تونس، أو الجنرال إلياس حنا من لبنان، للتعرّف على الحقائق الميدانية الجارية داخل معارك قطاع غزة، عبر منصة مكتبة الفيديو يوتيوب، وبمزيد من الشرح في قنوات الإعلاميين النزهاء أمثال حميد زوبع وعبد الباري عطوان وأسامة فوزي.
بالعودة إلى مضامين مجلتي فورين آفيرز وفورين بوليسي، فقد كان التصهين في مدن الفكر هناك، من خلال أقلام عشرات الباحثين الأمريكيين الذي يكتبون عن مختلف القضايا التي تدعم الميغا-إمبريالية الأمريكية والصهيونية التي تتبجّح بقتل ما يتجاوز 20 ألف مدنيّ في غزّة، واختبار عجز كل من روسيا والصين، عن وقف حرب سافرة، وقودها دعم سريّ يقدّمه أكثر من كيان مطبّع مع الكيان الصهيونيّ، في شكل دعم لوجيستي سريّ، يتناقض مع الدعم الإعلاميّ الفج عبر وسائل إعلام التطبيع، التي تلوم حركة حماس وقطر وإيران، بسبب دعمهم لما وقع في 07 أكتوبر.
في العدد الأول لمجلة فورين آفيرز، كتب جيك سوليفان عن مصادر القوة الأمريكية في عالم متغيّر، لكن هذه المقالة المتصدّرة أتبع تبمقالة مدهشة لروبرت جايتس الذي كتب عن القوة الأمريكية المختلة، وعجز أمريكا المنقسمة عن ردع كلّ من روسيا والصين. وبعد مقالة للكاتب كير ليبر حول عودة التصعيد النووي، انطلق ملف دور الذكاء الاصطناعي في حالة الحرب في شكل ملف كامل، وكتب ميتشيل فلورنوي عن الذكاء الاصطناعي الذي يغير الجيش، ووكتب مايكل سبنس رفقة جايمس مانيكا حول الثورة الاقتصادية باستخدام الذكاء الاصطناعي الذي سيعكس اتجاه تباطؤ النمو. ثم كتب تشارلز كينغ عن أوهام الاستراتيجية الأمريكية في القيادة العالمية، ويكتب هنري فاريل وأبراهام نيومان عن مخاطر الجيوبوليتيك وأكنّهما يشيران إلى تحكّم حركة أنصار الله الحوثي في مضيق باب المندب، واستيلائها على سفينة تجارية صهيونية، زادت كلفة النقل التجاري الصهيوني خارج الدعم الإمارارتيّ والمصريّ، وبدعم إيرانيّ فعّال. ويختم الكاتب ريان هاس مقالات المجلة عن جدوى استمرار استراتيجية توريط الصين في السياسة الخارجية الأمريكية.
أما مجلة فورين بوليسي، فقد كانت مباشرة في إظهار مخاف كتابها من العام 2024 ومفاجآت الانتخابات، وخطر الشعبوية واحتمالات نماء النزعات الشوفينية والفاشية أو النازية في أوساط أمريكية مجهولة، خاصة بعد خروج فضائح متتابعة للقيادات الأمريكية السابقة، مما يشي بانقسام أجهزة الدولة العميقة بين ما يسمى جهاز أمن الدولة والجهاز الموازي له سبوكراسي Spookocracy. يكتب ستيفن والت مقالا يقول فيه أنّ العالم بعد طوفات الأقصى (07 أكتوبر 2023) لن يكون مثلما كان قبله. ويكتب صاموئيل راماني مقالا غريبا عن اكتشاف الاز في موريتانيا التي تقترب من 05 مليون ساكن واكتشفت حقولا جديدة للغاز الطبيعي!. ثم تنتقل الموضوعات إلى التهجم على الصين، وضد الاستراتيجية المدهشة للهند في منطقة الشرق الأوسط، وتعود المجلة مجدا لتتقطاع مع سابقتها مجلة فورين آفيرز، حول الذعر الأخلاق من وسائل التواصل الاجتماعي التي ستستخدم الذكاء الاصطناعي والتضليل والتزييف، بشكل متزايد. ثم تحدثت عن مخاطر الجيوبوليتيك لتشير هي الأخرى لمفاجأة حركة أنصار الله الحوثي التي دعمت قطاع غزة على بعد آلاف الكيلومترات.
يذكّرن نمط كتابة عددي فورين آفيرز وفورين بوليسي بكتاب هام صدر مؤخرا لسيناتور أمريكيّ يلوم فيه الدبلوماسيين الأمريكيين بسبب التخاذل عن الدفاع عن القيادة الأمركية للعالم. كتب السيناتور الأمريكي (مهاجر من أصول مكسيكية) ماركو روبي Marco Rubio بعنوان "عقود من الانحطاط Decades of Decadence "، يكشف فه أمورا مدهشة بأنّ القيادة الأمريكية لم تعد مطلوبة أو مرغوبة، والنخب كشف أمرها تماما لأنها غير مبالية وغير وطنية، لا تفكر في منع سقوط أميركا أو تعطيل تراجع الهيمنة الأمريكية، نخب منحلة مهنتها الجلوس والثراء، أبعدت النخب المهذبة المثقفة، وأدخلتنا في ديسفوريا Dysphoria الحزن الشديد.
يعترف ماركو روبيو أن الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان أدى إلى "إحراج وطني" وحزن وإحباط، فبعد الغضب من نخب أزمة كوفيد وغرور الدكتور فاوتشي، تغلم روبيو درسا معما، وهو "لا ثقة في النخب المعينين، ولا بد من إختيار نخب منتخبين"، ويبدو أن بيل غايتس قد أغضب روبيو الذي يهمه الشعب الأمريكي.
لاحظ ماركو روبيو أن الخبراء التكنوقراط الأمريكيون الخبراء في فهم التهديدات والشر الكامن وراءها، اختلط عليهم الأمر بين العدو الروسي والعدو الصيني، لقد اختفت الثقة المتغطرسة للقيم الأمريكية وأصبح النخب مضطربين جدا أمام نظرائهم من الدول المدافعة عن عالم متعدد الأقطاب. هنالك فرارا للنخب الفاسدة من تحمل المسؤولية. نحن أكثر ضعفا وانقساما وأقل ثقة وشجاعة بعد أن ضيعنا لحظة القطب الأحادي الأمريكي، لم نعد نهيمن بهدوء وصورتنا الخالدة تتعرض للتدمير، لن نغتنم مزايا المهيمن لحكم العالم كما كنا.
سأختم بتأثير المداخلة الهامة لوزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في بودكاست أثير بعنوان "ذوو الشأن" (خديجة بن قنة)، والذي ورد فيه على لسان الوزير عطاف أنّ الجزائر مثل تركيا وقطر، لن توقف الدعم السياسيّ والمالي لحركة حماس، ولن تسمح باستخدام واشنطن للسلطة الوطنية الفلسطينية مجددا. فالجزائر التي استلمت مطلع 2024 مقعد عضو غير دائم في مجلس الأمن، تعمل على وقف العدوان على قطاع غزة بالتقريب بين القوى الكبرى داخل مجلس الأمن. أحمد عطاف الذي فقد نجله قبل شهر من هذا الحوار، ظهر صلبا في مواجهة خلل منظومة الام نالجماعي على مستوى الأمم المتحدة، باستغلال نتائج الحرب الأوركرانية الأخيرة، والصدام الروسي الأمريكي داخل مجلس الأمن. لا يجد الجزائريون دعما واسعا لنشر ما تقوم به الجزائر على مستوى بؤريّ أمميّ، بسبب رفض الجزائر ممارس اللوبيينغ، وهو ما لخصه الباحث جيف بورتر في: "الجزائر لا تطارد الاتجاهات، مبدأ الجزائر هو أن الحقيقة ستسود مهما طال الوقت، تدافع الجزائر على مبدأ أن "السيادة محفوظة لجميع أطراف المجتمع الدولي بالتساوي"، الجزائر لا تتغير والواقع هو الذي سيتغير، الجزائر لا تمارس اللوبيينغ لأنه إنفاق على شيء غير ملموس ولا يمكن قياسه مثل التنمية، الجزائر صديق للجميع لكنها لا تحب التملق.
أهتم حاليا بكتابات الباحث كونليوس كاستوريادس Cornlius Castoriadis (1922 – 1997)، والذي يتنبأ بقدرة الدول الاشتراكية على فرض السردية المدافعة عن عدالة النظام الدولي لبناء توازن جديد بين دول الشمال خاصة (الغرب الجماعي)، ودول الجنوب العالمي. ويبدو أن كاستوريادس عاد إلى الحياة مجددا، لكن في شخص بابلو اسكوبار، المفكر الاقتصادي البرازيلي، الذي يتنقل بين دول بريكس حاليا، ضد نظام الهيمنة الأمريكية العالمي.
كتب الباحث البرازيلي بيب اسكوبار Pepe Escobar مقالا عنوانه: "حركة نزع الطابع الغربي" De-Westerization Movemnet حول تميز آسيا عن الغرب الجماعيّ، كمفهوم مختلف عن "العصر الجيواقتصادي متعدّد الأقطاب"، مستندا إلى قول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر فلاديفوستوك (المنتدى الاقتصادي الشرقي) بأنّ: "الغرب يدمر بيده نظام التجارة والتمويل الذي أنشأه بنفسه"، فهل سيميل العرب إلى هذا التحوّل، ويتصرّفون مثل روسيا والصين، كما لو أنّهم يتعرّضون للعقوبات الغربيّة.؟
يكشف الباحث راش دوشي Rush Doshi خطة الصين لقيادة استراتيجية عالمية كبرى لإزالة النظام الدولي السابق للأمركة والهيمنة الغربية، بنظام دولي مختلف، ويذكّر بالشعار الصيني القائل: "الوقوف شامخًا والرؤية بعيدًا/ Standing Tall and Seeing Far" للدلالة على الصبر الطويل لبيجين في سبيل ضمانالانحدار الأمريكيّ عن مرتبة القيادة الاحتكارية الأحادية للعالم، مذكّرا بالقدرات العسكرية الرهيبة للصين، والتي تدعم خطتها للتوسع العالمي المرتقب. تحت شعار: "لأصدقائنا، لدينا النبيذ الجيد، ولكن لأعدائنا، لدينا البنادق / For our friends, we have fine wine, but for our enemies, we have shotgun، ويؤكّد راش دوشي أنّ الصين جادّة في مسعاها للتربّع على القيادة العالمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Brigands : حين تتزعم فاتنة ايطالية عصابات قطاع الطرق


.. الطلاب المعتصمون في جامعة كولومبيا أيام ينتمون لخلفيات عرقية




.. خلاف بين نتنياهو وحلفائه.. مجلس الحرب الإسرائيلي يبحث ملف ال


.. تواصل فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب بمشاركة 25 دولة| #مراس




.. السيول تجتاح عدة مناطق في اليمن بسبب الأمطار الغزيرة| #مراسل