الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاريع الإسكان والانتقال من الدولة الريعية إلى الدولة التنموية

همام طه

2024 / 1 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


إن العراق دولة ريعية تعتمد على النفط بشكل أساسي كمورد أحادي، ولكنها أيضاً دولة رعاية من خلال ما تقدمه من رواتب وإعانات اجتماعية لفئات من مواطنيها ومواطناتها؛ لكن الاختلال الحاصل في البنية الاجتماعية والاقتصادية العراقية يتلخص في الفساد المستشري والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية. فلا يمكن وصف دولة ما بأنها دولة رعاية اجتماعية حقيقية ما لم تقرن الرعاية بالعدالة والشفافية والتنمية والتشغيل الإنتاجي.
فالرفاه العام والشامل منظومة متكاملة ويحتاج إلى استدامة وتمويل لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال العمل والإنتاج والتنمية الاقتصادية. ذلك أن الرعاية الاجتماعية تهدف في الأساس إلى تمكين الإنسان من أن يأخذ بزمام المبادرة وينتقل من حالة العجز والخمول والاتكالية إلى المشاركة والإنتاج والفاعلية. وليس المقصود بالرعاية المحافظة على حالة البطالة والاعتمادية لدى فئات من المجتمع؛ وإنما هي مرحلة انتقالية لبعض فئات المجتمع لحين اندماجهم في سوق العمل والحياة العامة وهي حالة استثنائية لفئات أخرى من المجتمع تحتاج إلى الدعم لظروفهم الخاصة الصحية أو الاجتماعية؛ أما عموم المجتمع فلا يمكن أن يعتمد على رعاية الدولة المباشرة في معيشته وحياته بل "ترعاه" الدولة من خلال التنمية والاستثمارات وتوفير فرص العمل وتعزيز قدرته على المشاركة الاقتصادية والاجتماعية. بمعنى أن الرعاية الاجتماعية ليست بديلاً عن التنمية بل هي مسار من مسارات التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وبالتالي تجادل هذه المقالة بأن التوسّع في مشاريع الإسكان في العراق يمكن أن يكون رافعة تنموية واقتصادية تدعم مفاهيم التنمية والعدالة ومكافحة البطالة فهاذ القطاع يمكن أن يحقق التشغيل لعدد كبير من المواطنين والمواطنات كون الإنشاءات من الأعمال التنموية كثيفة العمالة؛ وبالنتيجة ستتوفر فرص عمل لأعداد كبيرة من أفراد المجتمع إلى جانب الذين ترعاهم الدولة ريعياً من خلال الرواتب والإعانات الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية.
كما أن التشغيل يسهم في توفير عنصر أساسي من عناصر الرفاه والرعاية الاجتماعية وهو السكن لعدد كبير من أفراد المجتمع. يضاف إلى ذلك الدور الذي يؤديه قطاع الإسكان في تحريك الاقتصاد الوطني كونه يشغّل وينشّط عدداً كبيراً من القطاعات الإنتاجية والخدمية واللوجستية والمهن والحِرَف والأعمال التجارية، بمعنى أن تنشيط قطاع الإنشاءات والتشيدد هو مدخل ليس فقط للنهضة العمرانية والحضرية بل للنهضة الاقتصادية والتنموية والحضارية الشاملة.
إن مفهوم الرعاية الاجتماعية هو نمط من دولة الرفاهية التي تُعرّف بأنها مفهوم الحكم الذي تلعب فيه الدولة دوراً رئيسياً في حماية وتعزيز الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها. وهو يقوم على مبادئ تكافؤ الفرص، والتوزيع العادل للثروة، والمسؤولية العامة عن أولئك الأفراد غير القادرين على الاستفادة من الحد الأدنى من المؤن ليعيشوا حياة كريمة (1).
أما الرعاية الاجتماعية فهي أبسط نظم الرفاهية الاجتماعية المتبعة في أغلب دول العالم المتقدم. ويقوم نظام الرفاهية الاجتماعية على توفير حد مقبول من الرفاه والدعم الاجتماعي لجميع المواطنين. ويعتمد هذا النظام على مبدأ صرف رواتب وتوفير سكن للعاطلين عن العمل وللمتقاعدين والعاجزين. ويتم تمويل وإدارة الرعاية من قبل الحكومة إلى حد كبير باعتماد مبدأ تشغيل جميع أفراد المجتمع وتحويلهم إلى منتجين بدلاً من مستهلكين؛ حيث يشمل ذلك تشغيل كل الرجال والنساء على السواء ممن يبلغون سن الثامنة عشر في أي عمل متوفر حتى وإن لم يوافق تخصصاتهم أو ميولهم. ومن بعد ذلك يتم إفساح المجال للعاملين لتغيير أعمالهم بما يتوافق مع دراستهم أو رغباتهم وحسب توافر الفرص والكفاءة. وبهذا الأسلوب يتم تعظيم حجم القوة البشرية العاملة في البلد فتكون كافية لدعم وتوفير العيش للشريحة الصغيرة العاطلة المتبقية في المجتمع. وتدعم الجمعيات الخيرية والمنظمات الاجتماعية غير الرسمية والمنظمات الدولية هذه المنظومة لما لها من دور في تقليل الإحباط والعنف لدى الشباب ومن ثم الحصول على مجتمع ناجح. وتتوسع الدول المتقدمة في هذا المفهوم لتشمل خدمات الرعاية الصحية الشاملة والتأمين ضد البطالة. لكن نجاح هذه المنظومة الاجتماعية يتطلب انفتاح الدولة وتعدد مصادر الدخل القومي والشفافية المالية التي تضمن حسن إدارة الثروات ومنع السرقات والهدر (2).
وفي الدراسة الموسومة "دور قطاع البناء والتشييد في تخفيض معدلات البطالة في العراق للمدة من (2003-2020)" تؤكد الباحثتان سراب فاضل جادي ومنى يونس حسين أن قطاع البناء والتشييد يعتبر من القطاعات المهمة والرئيسية لما له من دور فعال في بناء الاقتصاد الوطني، والمشاركة في الحد من مشكلة البطالة، وذلك بتوفير الكثير من فرص العمل، واستقطاب الأيدي العاملة في مجالات العمل المختلفة المتعلقة بهذا القطاع، فبناء وتشييد المنشآت، والسدود، والطرق، والجسور والمجمعات السكنية والدور والأبنية بكافة أنواعها، كلها تحتاج إلى العمالة الماهرة وهم أصحاب الخبرات والكفاءات، وتحتاج أيضاً إلى العمالة غير الماهرة من عمال ومساعدين وهؤلاء تكون أعدادهم أكبر من العمالة الماهرة. وتشير الدراسة إلى وجود علاقة وثيقة بين قطاع البناء والتشييد وبين توفير فرص العمل والحد من مشكلة البطالة في العراق، فطبيعة قطاع البناء والتشييد تتطلب الاستخدام الكثيف للعمالة، كما أن نشاط البناء من شأنه أن يحرك جميع الأنشطة المرتبطة به كالنقل والتجارة والصناعة والاستثمار وغيرها، فهو من القطاعات الرئيسية التي تستوعب المواد الأولية ورأس المال، واستخدام الأيدي العاملة. لذلك توصي الباحثتان بالعمل على دعم توسيع وتطوير قطاع البناء والتشييد بشقيه الخاص والعام وجعله القطاع الرائد في البلاد لا سيما وأن هذا القطاع يمكن أن يساهم بشكل فعال في تكوين القيمة المضافة، وتحريك عجلة التنمية في البلد (3).
وعليه فإن تعظيم دور قطاع التشييد والإنشاءات في العراق ليقود عملية التنمية هو خيار واقعي في ظل كون الدولة العراقية هي دولة ريع ورعاية تتطلع للتحوّل إلى دولة إنتاج وتنمية ورفاه وعدالة ومشاركة.

المصادر:
1- Welfare state Encyclopedia Britannica:
2- موسوعة وكيبيديا: تعريف الرعاية الاجتماعية
3- دور قطاع البناء والتشييد في تخفيض معدلات البطالة في العراق للمدة من (2003-2020)/ سراب فاضل جادي ومنى يونس حسين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة