الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطوير ماو تسى تونغ لإستراتيجيا و تكتيكات الثورة في المستعمرات و أشباه المستعمرات – الفصل الأوّل من - المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ - لبوب أفاكيان

شادي الشماوي

2024 / 1 / 9
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تطوير ماو تسى تونغ لإستراتيجيا و تكتيكات الثورة في المستعمرات و أشباه المستعمرات – الفصل الأوّل من " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " لبوب أفاكيان
الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 46 / ديسمبر 2023
شادي الشماوي
المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ( الجزء الثاني )
تأليف بوب أفاكيان
-------------------------------------------------------

مقدّمة الكتاب 46
المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ( الجزء الثاني )

فى ديسمبر 2015 ، ضمن العدد 22 من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " ، قدّمنا الجزء الأوّل من كتاب بوب أفاكيان " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " ، الذى إنطوى على فصول ثلاثة من أصل سبعة ، هي الفصول المتّصلة بالفلسفة و الإقتصاد السياسي و دكتاتورية البروليتاريا و أجّلنا تعريب بقيّة الكتاب و تركنا لغيرنا المبادرة بترجمة الفصول الباقية . و اليوم ، أساسا تفاعلا مع الإبادة الجماعية الصهيونيّة الإمبرياليّة في حقّ الشعب الفلسطيني و تعريفا لجوانب أخرى من الماويّة ، وجدنا نفسنا مُجبرين على إتمام العمل الذى شرعنا فيه منذ سنوات ، سيما و أنّ فصلين من الأربعة فصول ( 1+2+5+7 ) التي عرّبناها بهذه المناسبة تتعلّق بالخطّ العسكريّ و الحرب الثوريّة و بالثورة في المستعمرات و أشباه المستعمرات . و بما أنّ بوب أفاكيان أشار في خاتمة كتابه إلى مقالين هامّين خطّهما الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة عن شو آن لاي و إستراتيجيا " العوالم الثلاثة "، كان لا بدّ من القيام بواجب ترجمتهما و تقديمها كملحق أوّل و ملحق ثاني لهذا الجزء الثاني من الكتاب 46 .
و كي لا نطيل عليكم و لا نكّرر ما أعربنا عنه في فرصة آنفة ، نقترح عليكم مجدّدا مقدّمة الجزء الأوّل التي صغناها منذ 2015 :
" لقد مثّل هذا الكتاب علامة مضيئة و فارقة فى تاريخ الماويّين ليس فى الولايات المتّحدة الأمريكية فحسب بل فى العالم بأسره إذ خوّل لقرّائه أن يستوعبوا جيّدا الماركسية – اللينينية – فكر ماو تسى تونغ ( الماوية لاحقا ) و مساهمات ماو تسى تونغ العظيمة و الخالدة فى علم الشيوعية ما سلّحهم على أحسن وجه لمواجهة التحريفيّة الصينيّة و هجماتها ضد ماو تسى تونغ فى تلك السنوات و قبلها و بعدها و الردّ بسرعة وشموليّة و عمق على الدغمائيّة التحريفيّة الخوجيّة التى ستطلّ برأسها منذ أواخر 1978 و ستدحضهما الماوية و منذ 1979 .
و بطبيعة الحال ، الأفكار الواردة فى هذا الكتاب على أهمّيتها و صحّة غالبيّتها الساحقة فقد عاد إلى بعضها بوب أفاكيان وهو ينقّب فى التراث البروليتاري الثوري قصد إستخلاص الدروس الإيجابيّة منها و السلبيّة و إنجاز ما أفضل مستقبلا فعمّقها أو إستبعدها أو شدّد عليها ... و مثلا فى هذا الكتاب مع تسجيله لإختلافات حزبه مع ماو و الماويّين الصينيّين بشأن الوضع العالمي و طبيعة النضال الثوري فى البلدان الإمبريالية و علاقته بالدفاع عن الصين و مع دعوته فى الفصل الأخير لإنجاز بحث و تقييم شاملين لتجارب البروليتاريا العالميّة و تراثها ، لا يتعرّض أفاكيان للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى بالنقد لتشخيص بعض الأخطاء الثانوية و لكن الجدّية و كشفها . هذا ما سيشرع فى القيام به فى السنوات التالية – إلى جانب قيادة خوض الصراع الطبقي محلّيا و عالميا على كافة الجبهات - ومنذ 1981 ضمن " كسب العالم ..." ، طفق يضع الأسس الأولى لعمليّة تقييم و فحص شاملين و عميقين للتجارب الإشتراكية و النضالات المتراكمة سيتواصلان لعقود و سيكونان من جملة أعمال و مؤلفات ستفرز تحوّلا نظريّا نوعيّا جزئيّا تجسّد فى " الخلاصة الجديدة للشيوعية " ، حسب أنصارها .
و تجدر الملاحظة أنّ آجيث الشهير بمعاداة الخلاصة الجديدة للشيوعية التى أطلق عليها " الأفاكيانيّة " فى مقاله " ضد الأفاكيانية " ، قد أقرّ بأهمّية الكتاب و دوره و نوّه فى ذات المقال بأنّ : " هذا الكتاب يقدّم عرضا شاملا حقّا لمساهمات ماو فى شتّى الحقول " . أمّا ليني وولف ، القيادي فى الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية و صاحب كتاب " مدخل إلى علم الثورة " و الذى قدّم تعريفا مركزّا للخلاصة الجديدة للشيوعية ( فى " ما هي الخلاصة الجديدة لبوب أفاكيان ؟ " ؛ كتاب شادي الشماوي " المعرفة الأساسية لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " بمكتبة الحوار المتمدّن ) فقد أعرب فى مقال آخر عنوانه " على الطريق الثوري مع رئيس الحزب بوب أفاكيان " صدر فى 28 ديسمبر 2003 بجريدة الحزب الأمريكي " العامل الثوري " عدد 1224 :
www.rwor.org
" أرى فعلا أنّ رئيس الحزب قد عمّق أكثر المساهمات الفلسفيّة لماو تسى تونغ خاصة فى شيء من الخلاصة الأرقى . و يعود ذلك إلى كون الكثير من أفكار ماو الفلسفيّة الأخيرة و الأكثر إستفزازا – كما سجّلتها مجموعات نصوص و خطب و تعليقات غير رسميّة متنوّعة بعد 1949 – و كذلك الإنعكاسات الفلسفيّة لبعض تحاليل ماو السياسيّة الرائدة و بعض ما نجم عن القفزة الكبرى إلى الأمام و الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى ( مثل الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكيّة ، و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا و دور الوعي و البنية الفوقيّة ، و تجاوز الحقّ البرجوازي ، و دور الحزب فى ظلّ الإشتراكية إلخ ) - لم يقع تلخيصها أبدا فى كلّ منسجم إلى أن كتب بوب أفاكيان " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " . "
وعندما وجدنا بين أيدينا هذا الكتاب الذى صار متوفّرا على الأنترنت فى موقع الفكر الممنوع و رابطه :
http://www.bannedthought.net/USA/RCP/Avakian/MaoTsetungImmortal-Avakian.pdf
كان لزاما علينا أن نطّلع علي مضامينه عن كثب و ندرسها بتمعّن و حين خلصنا من هذه المهمّة الأوّلية تنازعتنا حقيقة مشاعر متباينة فمن ناحية نظرا لقيمته و تلخيصه الجيّد لعلم الثورة البروليتارية العالمية ، و لكونه أرقى ما ألّف فى تلك السنوات ، نهاية السبعينات، لشرح الماركسية – اللينينية – الماوية والتشديد على مساهمات ماوتسى تونغ العظيمة و الخالدة، و لمواجهته وفضحه الجريئين و الصريحين للإنقلاب التحريفي فى الصين على أيدى دنك سياو بينغ و إعادة تركيز الرأسمالية هناك منذ 1976؛ إرتفعت داخلنا أصوات و شحنة حماس تحثّنا على الإشتغال عليه وترجمته برمّته ؛ و من ناحية ثانية ، وجدنا العقل و المشاريع الكثيرة الموضوعة أمامنا وهي تنتظر الإنجاز منذ مدّة طويلة أو قصيرة مقابل الوقت الضيق تدعونا جميعها إلى الهدوء و التفكير مليّا و برويّة . و دام الصراع أيّاما بل أسابيعا و حسم على النحو التالي : الإشتغال كلّما كانت هناك فسحة من الزمن على بعض الفصول المفيدة حاليّا للماويّات و الماويّين و المناضلات و المناضلين الثوريّين فى البلدان العربية و إرجاء العمل على الفصول الأخرى لوقت لاحق حسب متطلّبات الرفيقات و الرفاق و مجريات الأحداث موضوعيّا، دون أي إلتزام بالإنجاز فى غضون مدّة معيّنة .
و إنكببنا على الإشتغال بكلّ ما أوتينا من جهد لكن على فترات متقطّعة لتعريب ثلاث فصول من أصل سبعة ، هي الفصول المتّصلة بالفلسفة و الإقتصاد السياسي و دكتاتورية البروليتاريا بإعتبارها تتطرّق لمصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة و تبرز مساهمات ماوتسي تونغ فيها جميعا و بالطبع لا تخرج الفصول الأخرى عن هذا النطاق و لكنّها وفق تقييمنا ثانوية راهنا فى فهم غالبية الماويّين و الماويّات و المناضلين والمناضلات الثوريّين و تكوين أجيال من الشيوعيّين الثوريّين . و نعلم جيّدا أنّ الثانوي ماويّا لا يعنى عدم الأهمّية و إنّما يعنى أنّه لا يحتلّ الموقع الرئيسي فى الوقت الراهن و قد يصبح فى المستقبل القريب أو البعيد رئيسيّا أي قد تفرض علينا ضرورة ذاتيّة أو موضوعيّة التركيز عليه لاحقا . و الفصول المؤجّلة هي الفصل الأوّل – الثورة فى البلدان المستعمَرة ، و الفصل الثاني – الحرب الثوريّة و الخطّ العسكري، و الفصل الخامس – الثقافة و البناء الفوقي ، و الفصل السابع – ماو تسى تونغ أعظم ثوري فى زمننا .
و مع ذلك ، لا ينبغى لجهدنا الذى إنصبّ بالأساس على الثلاثة فصول المذكورة أعلاه و إمكانية تعريب الباقي جزئيّا أو كلّيا، أن يقفا حاجزا دون قيام رفاق و رفيقات آخرين بترجمة أيّ فصل يرون ضرورته ملحّة أو دون إبلاغنا مقترحاتهم المعلّلة فى الغرض .
و من نافل القول أن للرفيقات و الرفاق و المناضلات و المناضلين الثوريّين و الباحثين عن الحقيقة من المثقّفين و الجماهير الشعبيّة أن يستغلّوا أعمالنا بلا حدود و قيود – و لا نطالبهم بأكثر من ذكر المرجع – فى التكوين و الدراسة و البحث و النقد و الجدال و الصراع النظري و لهم كذلك أن ينقدوا أعمالنا و مضامينها و خياراتنا – دون شتائم رجاء فهذا لا يليق بالأخلاق الشيوعية - و يقترحوا ما يرونه صالحا لقطع أشواط أخرى و ترسيخ السابقة فى نشر النظرية الثورية ، فى إرتباط بمعارك الصراع الطبقي على كافة الجبهات بلا إستثناء قصد إنجاز المهمّة المركزيّة المرحليّة ألا وهي تأسيس فبناء الحزب الشيوعي الماوي الثوري كمحور للحركة الثوريّة و طليعتها و هدف برنامجه الأدني إنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة و المضي بها إلى المرحلة التالية الإشتراكية كتيّار من تيّاري الثورة البروليتارية العالمية ، وهدفه الأقصى و الأسمى الشيوعية عالميّا .
و بغية أن نزيد فى تأكيد البعد الراهن لهذا الكتاب بالنسبة للماويّين وصراع الخطّين فى صفوفهم خاصة و الخوض فى مسائل الجدلية و جوهر الماويّة و الثورة الثقافيّة و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا و حرب الشعب و الحزب و الوعي الشيوعي و الجبهة المتّحدة إلخ ، راينا من الضروري أن نضيف ملحقا هو وثيقة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية صدرت سنة 1986 [ و يترتّب علينا طبعا أن نتفطّن إلى أنّ بعض المحتويات تطوّرت أو تعمّقت أو تمّ تجاوزها لاحقا ] ضمن العدد السابع من مجلّة الحركة الأممية الثوريّة " عالم نربحه " تحت عنوان له دلالته ألا وهو " الثورة فى البلدان الإمبريالية تتطلّب الماركسية-اللينينيّة - فكر ماو تسى تونغ [ الماوية ] ". و للتعريف ببوب أفاكيان أرفقنا الملحق الأوّل بملحق ثاني يقدّم الكاتب و مؤلّفاته . وفى الملحق الثالث عرض لمضامين كتب المترجم شادي الشماوي المتوفّرة بمكتبة الحوار المتمدّن .
و كيما نعطي فكرة عامة أوّلية فى هذه المقدّمة عن مضامين كتاب أفاكيان برمّته " المساهمات الحالدة لماو تسى تونغ " ، نورد بشيء من التفصيل محتويات الفصول بكلّيتها .
" المساهمات الخالدة لماوتسى تونغ " كتاب لبوب أفاكيان ، صدر فى ماي 1979 عن منشورات الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية ، و قد نشرت فصوله تباعا كمقالات فى مجلّة الحزب حينذاك ، " الثورة " ، بين أفريل 1978 و جانفي 1979 و مضامينه حسب الفهرس هي :
فهرس الكتاب :
الفصل الأوّل : الثورة فى البلدان المستعمرة ( من الصفحة 1 إلى الصفحة 37 )
الفصل الثاني : الحرب الثورية والخطّ العسكري ( من الصفحة 39 إلى الصفحة 82 )
الفصل الثالث : الإقتصاد السياسي ، والسياسة الإقتصادية و البناء الإشتراكي ( من الصفحة 83 إلى الصفحة 129)
الفصل الرابع : الفلسفة ( من الصفحة 131 إلى الصفحة 197 )
الفصل الخامس : الثقافة و البناء الفوقي ( من الصفحة 199 إلى الصفحة 244 )
الفصل السادس : مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ( من الصفحة 245 إلى الصفحة 310 )
الفصل السابع : الخاتمة : ماو تسى تونغ أعظم ثوري فى زمننا ( من الصفحة 311 إلى الصفحة 324 )
==========
تفاصيل الفصول السبعة ( إضافة من المترجم ) :
الفصل الأوّل : الثورة فى البلدان المستعمرة :
- مقدّمة
- ماركس و إنجلز
- حروب التحرّر الوطني فى أوروبا فى فترة صعود الرأسمالية
- الإمبريالية تغير الثورة فى المستعمرات
- روسيا : جسر بين الشرق و الغرب
- لينين و ستالين يحلّلان التطوّرات
- ماو حول الثورة الصينية
- الإرتكاز بصلابة على التحليل الطبقي
- تشكّل الجبهة المتحدة
- النضال ضد الإستسلام
- الإستقلال و المبادرة فى الجبهة المتحدة
- الثورة الديمقراطية الجديدة
- القيادة البروليتارية
- الحرب الأهلية ضد الكيومنتانغ
- النضال من أجل الإنتصار الثوري
- المساهمات الفلسفية
- تطوّر السيرورة
- رفع راية الأممية البروليتارية
- الموقف تجاه الحركات الثورية
- الحاجة المستمرّة إلى القيادة البروليتارية
- أممي عظيم
الفصل الثاني : الحرب الثورية والخطّ العسكري :
- مقدّمة
- أسس الخطّ العسكري لماو و مبادئه الجوهرية
- أوّل خطّ عسكري ماركسي شامل
- مناطق الإرتكاز الثورية
- النضال ضد الخطوط الإنتهازية
- الهجوم و الدفاع
- حرب الأنصار
-" حول الحرب الطويلة الأمد "
- ثلاث مراحل فى حرب المقاومة
- الناس و ليست الأسلحة هي المحدّدة
- تطبيق الماركسية على الظروف الصينيّة
- تعبئة الجماهير
- مركزة قوّة أكبر
- المرور إلى الهجوم
- الجماهير حصن من الفولاذ
- حملات ثلاث حاسمة
- المغزى العالمي لخطّ ماو العسكري
- النضال ضد الخطّ العسكري التحريفي

الفصل الثالث : الإقتصاد السياسي ، والسياسة الإقتصادية و البناء الإشتراكي :
- مقدّمة
- الإقتصاد السياسي الماركسي
- مساهمة لينين فى الإقتصاد السياسي
- البناء الإشتراكي فى ظلّ ستالين
- السياسة الإقتصادية فى المناطق المحرّرة
- ماو يحلّل المهام الجديدة
- من الديمقراطية الجديدة إلى الإشتراكية
- طريقان بعد التحرير
- التعلّم من الجوانب السلبية للتجربة للسوفيات
- الكمونات الشعبية و القفزة الكبرى إلى الأمام
- إحتدام صراع الخطّين
الفصل الرابع : الفلسفة :
- مقدّمة
- الأساس الطبقي للفلسفة
- أسس الفلسفة الماركسية
- لينين يدافع عن الفلسفة الماركسية و يطوّرها
- ستالين : الماركسية و الميتافيزيقا
- التطوّر الجدلي لمساهمات ماو الفلسفية
- نظرية المعرفة
- " فى التناقض "
- وحدة و صراع الضدّين
- عمومية التناقض و خصوصيته
- التناقض الرئيسي
- المرحلة الإشتراكية
- تعميق الجدلية
- وعي الإنسان ، الدور الديناميكي
- الصراع و الخلاصة
- وحدة الأضداد هي الأساس
- الثورة الثقافية و مواصلة الصراع
- النضال بلا هوادة
- الإشتراكية بالمعنى المطلق تعنى إعادة تركيز الرأسمالية
- التناقض و النضال و الثورة .
الفصل الخامس : الثقافة و البناء الفوقي :
- مقدمة
- ماركس و إنجلز
- لينين
- ماو حول أهمّية البنية الفوقية
- خطّ ماو حول الأدب و الفنّ
- ندوة يانان حول الأدب و الفنّ
- النشر الشعبي و رفع المستويات
- القطيعة الراديكالية فى مجال الثقافة
- الفنّ كمركز للنضال الثوري
- النضال على الجبهة الثقافية فى الجمهورية الشعبية
- إشتداد المعركة فى الحقل الثقافي
- الثورة الثقافية و تثوير الثقافة
- الحقل الثقافي فى آخر معركة كبرى لماو
- قصيدتان لماو تسى تونغ
الفصل السادس : مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا :
- مقدمة
- نظرية دكتاتورية البروليتاريا
- كمونة باريس
- نقد برنامج غوتا
- إنجلز مواصل للماركسية
- لينين
- ستالين
- التحليل الصيني لستالين
- الثورة الثقافية
- البرجوازية فى الحزب
- تعامل ماو مع البرجوازية الوطنية
- الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية
الفصل السابع : الخاتمة : ماو تسى تونغ أعظم ثوري فى زممنا :
- مقدمة
- ماو قائد مركب فى بحار غير معروفة
- الثورة الثقافية : وميض ضوء عبر الغيوم
- الإنقلاب فى الصين و الهجومات الجديدة ضد ماو
- مكاسب عظيمة للثورة الصينية و مساهمات ماو تسى تونغ
- دور ماو و دور القادة
- التعلّم من ماو تسى تونغ و المضيّ قدما بقضية الشيوعية
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
ملاحق الكتاب : (3)
1- إستراتيجيا " العوالم الثلاثة " : إعتذار للإستسلام
2- إعتاد على مهاجمة خطّ ماو – الدور الرجعيّ الخفيّ لشو آن لاي
3- فهارس كتب شادي الشماوي
-------------------------------------------------------------------
الفصل الأوّل

الثورة في البلدان المستعمَرَة

ماو تسى تونغ أعظم ثوريّ ، أعظم قائد ماركسيّ لينينيّ ، في زمننا . لأكثر من خمسين سنة ، قاد الشعب الصيني فى نضالات و ألهم و أنار الطريق أمام الطبقة العاملة و الشعوب المضطهَدَة في كلّ البلدان . و في ظلّ قيادته ، تحوّلت الصين من حديقة خلفيّة للإمبريالية إلى القلعة الأكثر تقدّما للبروليتاريا العالميّة في القتال ضد الإمبرياليّة و الرجعيّة ، و حصن و قلعة للثورة العالميّة . و مساهمات ماو تسى تونغ في الحركة الثوريّة العالميّة ، و في علم ثورة الطبقة و تدشين العصر الشيوعي ، خالدة فعلا .
و مثّل القيام بالثورة في بلد كالصين – بلد مستعمَر ( أو شبه مستعمَر ) بأكبر عدد سكّان في العالم و إمتداد جغرافي كبير ، إقتطع أجزاء منه إمبرياليّون متنوّعون و رجعيّون محلّيون متنازعون متحالفون مع الإمبرياليّين – و التقدّم بتلك الثورة نحو الإشتراكيّة مكسبا غير مسبوق للشعب الصيني لم يغيّر راديكاليّا الصين ذاتها فحسب بل غيّر كذلك وجه العالم بأسره . و قد قاد ماو إنجاز هذا طوال عقود من النضال الشرس و المتعرّج مطبّقا بالملموس المبادئ العالميّة للماركسيّة – اللينينيّة على الوضع الملموس في الصين ، في إطار الثورة العالميّة . و بالقيام بذلك أثرى هذه المبادئ .
و هذا الفصل الأوّل من هذا الكتاب حول مساهمات ماو تسى تونغ سيُركّز بوجه خاص على المسائل الأساسيّة في النظريّة و الإستراتيجيا الماركسيّة في ما يتعلّق بالثورة في البلدان المستعمَرة اللذين طبّقهما ماو تسى تونغ و أثراهما و هو يقود الشعب الصينيّ في كسب التحرّر و التقدّم نحو الإشتراكيّة ، و خاصة بتطويره لخطّ الثورة الديمقراطيّة الجديدة .

ماركس و إنجلز

لأجل فهم أفضل لمساهمات ماو ، لا بدّ بداية من أن نراجع تطوير الماركسيّة و اللينينيّة لمسألة النظرة للإضطهاد القومي و الإستعمار ، و الثورة الوطنيّة و الثورة في البلدان المستعمَرَة . فقد أسّس ماركس و إنجلز الإشتراكية العلميّة أواسط القرن التاسع عشر . وقتها ، حلّلا تطوّر الرأسماليّة و توسّع الإنتاج السلعي الرأسمالي و تأثيره ليس في البلدان الرأسماليّة ذاتها و حسب بل كذلك في كلّ أنحاء العالم . و في " بيان الحزب الشيوعي " أشارا إلى :
" خلقت الصناعة الكبرى السوق العالميّة التي هيّأها إكتشاف أمريكا . و أدّت السوق العالميّة إلى توسّع التجارة و الملاحة و تقدّم المواصلات البرّية بصورة هائلة . ثمّ عاد هذا التوسّع فأثّر بدوره في مجرى الصناعة ، و كلّما كانت الصناعة و التجارة و الملاحة و السكك الحديديّة تتقدّم و تنمو ، كانت البرجوازيّة كذلك تنمو و تتعاظم و تضاعف رساميلها و تدفع إلى الوراء جميع الطبقات التي خلقتها القرون الوسطى ...
و بدافع الحاجة الدائمة إلى أسواق جديدة تنطلق البرجوازيّة إلى جميع أنحاء الكرة الأرضيّة . فينبغى لها أن تدخل و تتغلغل في كلّ مكان ، و توطّد دعائمها في كلّ مكان ، و تقيم الصلات في كلّ مكان ...
و تجرّ البرجوازيّة إلى تيّار المدنيّة كلّ الأمم ، حتّى أشدّها همجيّة ، تبعا لسرعة تحسين جميع أدوات الإنتاج و تسهيل وسائل المواصلات إلى ما لا حدّ له . فإنّ رخص منتجاتها هو في يدها بمثابة مدفعيّة ضخمة تقتحم و تخرق كلّ ما هناك من أسوار صينيّة ، و تنحنى أمامها رؤوس أشدّ البرابرة عداء و كرها للأجانب . و تُجبر البرجوازيّة كلّ الأمم ، تحت طائلة الموت ، أن تقبل الأسلوب البرجوازي في الإنتاج و أن تدخل إليها المدنيّة المزعومة ، أي أن تصبح برجوازيّة ، فهي ، بالإختصار، تخلق عالما على صورتها و مثالها . " ( 1 ) ( " مختارات ماركس و إنجلس " في أربعة أجزاء ، الجزء الأوّل ؛ الطبعة العربيّة لدار التقدّم ، موسكو ؛ صفحات 49 و 52-53 )
و ساند ماركس و إنجلز نضالات الأمم المضطهَدَة و الجماهير الشعبيّة للمناطق المستعمَرَة المتعرّضة إلى هذا الشكل من الإستعمار الرأسمالي – بما في ذلك نضال الشعب الإيرلندي و الإنتفاضات الكبرى في أماكن مثل الهند و إيران و الصين . و على سبيل المثال ، في مقال عنوانه " الثورة في الصين و في أوروبا " كتبه ماركس سنة 1853 محلّلا تأثيرات ما بات يسمّى بتمرّد تايبنغ ، فأشار ماركس إلى أنّ أنجلترا ، من خلال فرض تجارة الأفيون في الصين و من خلال وسائل أخرى، كانت تهين الصين و الجماهير الشعبيّة الصينيّة و تضطهدها ، و لكن في الوقت نفسه ، كان هذا ينحو كذلك إلى كسر العُزلة التي ساهمت في الحفاظ على النظام الإقطاعي القديم في الصين و في هذا المقال ، سجّل ماركس :
" لقد كانت العزلة التامة الشرط الأوّل لبقاء الصين القديمة . و لكن عندما وضع حدّ بالعنف لهذه العزلة بمساهمة أنجلترا ، كان لا بدّ أن يحلّ التفسّخ بصورة محتّمة ، مثلما تتفسّخ حتما المومياء المحفوظة بدقّة في قبر مغلق بإحكام ما أن يلامسها الهواء الطريّ . أمّا الآن ، و قد إستثارت أنجلترا الثورة في الصين ، فينهض السؤال التالي : أيّ تأثير ستحدثه هذه الثورة مع مرّ الزمن في أنجلترا و بواسطة أنجلترا في أوروبا . ليس من العسير الإجابة عن هذا السؤال ...إذا تقلّصت فجأة إحدى الأسواق الكبيرة ، فإنّ وقوع الأزمة يتسارع حتما . و الحال ، لا بدّ للإنتفاضة الصينيّة في الظرف الراهن من أن تحدث على وجه الضبط الأثر نفسه في أنجلترا ." (2) ( " في الإستعمار " ماركس و إنجلس ؛ الطبعة العربيّة لدار التقدّم ، موسكو؛ الصفحات 14 و 15 )
و بعد عدّة عقود ، في ثمانينات و تسعينات القرن التاسع عشر ، قام إنجلز بمزيد التحليل الهام لتطوّر الإضطهاد الإستعماري في مثل هذه البلدان كالصين و ألمح لإنعكاس ذلك على الظروف في أوروبا و على العلاقة الأساسيّة بين الثورة في البلدان الرأسماليّة ذاتها و الثورة في البلدان المستعمَرة . و على سبيل المثال في رسالة إلى كارل كاوتسكى مؤرّخة في 1894 ، قال إنجلز :
" تعنى الحرب بين الصين و اليابان نهاية الصين القديمة ، و التثوير الكامل و إن تدريجيّا لكلّ قاعدتها الإقتصاديّة ، بما فيها إلغاء الروابط القديمة بين الفلاحة و الصناعة في الريف من قبل الصناعة الثقيلة و السكك الحديديّة إلخ ، و هكذا كذلك الهجرة الكبرى للحمّالين الصينيّين إلى أوروبا ؛ و من هنا ، تسريع بالنسبة لنا للكارثة و إحتدام التناقضات العدائيّة إلى أزمة. و مرّة أخرى ، السخرية المذهلة للتاريخ : وحدها الصين لم يغزها بعدُ الإنتاج الرأسمالي و بهذا يجعل الأخير وجوده الخاص في البلد غير ممكن . "(3) ( " في الإستعمار " ماركس و إنجلس ؛ الطبعة الأنجليزيّة لدار التقدّم ، موسكو 1968 ؛ الصفحة 347 )
لكن حينها لم يستطع إنجلز أن يتنبّأ بالصلة الفعليّة بين الثورة في الغرب و الشرق ، و لم يستطع أن يتوقّع الشكل الخاص الذى ستتّخذه الثورة في مثل هذه البلدان كالصين . و لاحظ ، مثلا ، في رسالة إلى كارل كاوتسكى قبل ذلك في 1882 ، أنّ " أيّة أطوار إجتماعيّة و سياسيّة يترتّب على هذه البلدان إجتيازها قبل أن تبلغ أيضا التنظيم الإشتراكي ، فهذا ما لا نستطيع اليوم ، كما أعتقد ، أن نجيب عليه إلاّ بفرضيّات لا طائل تحتها ." (4) ( " في الإستعمار " ماركس و إنجلس ؛ الطبعة العربيّة لدار التقدّم ، موسكو ؛ الصفحة 194 )
بإختصار ، حينذاك ، تفحّص ماركس و إنجلز المسألة الإستعماريّة أثناء المرحلة الأولى من تطوّر الرأسماليّة ، الرأسماليّة ما قبل الإحتكاريّة ، قبل أن تتطوّر إلى إمبرياليّة . فى تلك فترة تميّز الإستعمار إقتصاديّا بتصدير السلع والمنتوجات التامة الصنع بدلا من ما سيحصل لاحقا ، في عصر الإمبرياليّة ، بتصدير رأس المال نفسه ، كما سيحلّل لينين في " الإمبرياليّة أعلى مراحل الرأسماليّة ".
و هكذا ، السيرورة التي وصفها ماركس و إنجلز في " بيان الحزب الشيوعي " ، نزعة إدخال السلع المنتجة في البلدان الرأسماليّة إلى المناطق المتخلّفة من العالم لتحويل هذه المناطق على صورة البلدان الرأسماليّة – لم تتطوّر تطوّرا تاما . عوض ذلك ، خاصة مع صعود الإمبرياليّة و التغيّر الناجم عن ذلك في طبيعة العلاقات بين البلدان الرأسمالية و مستعمراتها ( كما لخّص ذلك لينين ) ، نزعت الهيمنة الإستعماريّة الإمبرياليّة نحو عرقلة تطوّر الرأسماليّة في المستعمرات و الحفاظ عليها في وضع تخلّف مفروض .




حروب التحرّر الوطني في أوروبا في فترة صعود الرأسماليّة

من البداية ، أعار ماركس و إنجلز أيضا إنتباها معتبرا لتحليل تطوّر حركات التحرّر الوطني البرجوازيّة غربي أوروبا حيث كانت مثل هذه الحركات متركّزة آنذاك . و ساند ماركس و إنجلز حركات تحرّر برجوازيّة متنوّعة طالما و حينما كانت تمثّل نضالا ضد الحكم المطلق الإقطاعي و ضد الدول الرجعيّة التي تكبح تطوّر الرأسماليّة ، ما كان حينها لا يزال تاريخيّا على جدول الأعمال في عدد من البلدان مثل إيطاليا و ألمانيا و سواهما .
و على سبيل المثال ، في 1870-1871 ، خاضت ألمانيا التي لم تُكمل بعدُ ثورتها الديمقراطيّة – البرجوازيّة حربا ضد فرنسا نابليون الثالث الذى كان مع روسيا القيصريّة يمنع توحيد ألمانيا على قاعدة رأسماليّة . و بما أنّ مثل هذا التوحيد كان يمثّل خطوة تقدّميّة زمنها ، ساند ماركس و إنجلز هذا الصراع من قبل ألمانيا . و لينين وهو يعرض و يقاتل من أجل الخطّ الصحيح بشأن الحرب العالميّة الأولى في تعارض مع الإشتراكيّة – الشوفينيّة ( الإشتراكيّة في الكلام ، و الشوفينيّة القوميّة و مساندة البرجوازيّة الخاصة في الأفعال ) ، حلّل سياسة ماركس و إنجلز هذه ، مبرزا ، على سبيل المثال :
" إنّ حرب 1870-1871 قد كانت ، من جانب ألمانيا ، حربا تقدّميّة تاريخيّا حتّى هزيمة نابليون الثالث ، لأنّه إضطهد ألمانيا زمنا طويلا بالإشتراك مع القيصر ، و حافظ فيها على التجزّؤ الإقطاعي . و ما أن إنقلبت الحرب إلى نهب لفرنسا ( إلحاق الألزاس و اللورين ) ، حتّى شجب ماركس و إنجلس الألمان بقوّة . ثمّ إنّ ماركس و إنجلس قد حبّذا ، منذ بداية الحرب المذكورة ، رفض بيبل و ليبكنخت التصويت بالموافقة على الإعتمادات ، و أوصيا الإشتراكيّين – الديمقراطيّين بعدم الإندماج مع البرجوازيّة بل بالذود عن المصالح الطبقيّة الخاصة بالبروليتاريا . إنّ تطبيق تقدير ماركس و إنجلس لتلك الحرب ، البرجوازيّة التقدّميّة و التحرّريّة الوطنيّة ، على الحرب الإمبرياليّة الحاليّة ، هو سخر بالحقيقة . و الأمر كذلك ، و بصورة أبرز ، فيما يتعلّق بحرب 1854-1855 و فيما يتعلّق بجميع حروب القرن التاسع عشر ، حين لم تكن آنذاك لا الإمبرياليّة الحاليّة ، و لا الظروف الموضوعيّة الناضجة لظهور الإشتراكيّة ، و لا الأحزاب الإشتراكيّة الجماهيريّة في جميع البلدان المتحاربة ، أي أنّه حين لم تكن هناك تلك الشروط التي إستخلص منها بيان بال تكتيك " الثورة البروليتاريّة " في حال الحرب بين الدول الكبرى .
إنّ من يستشهد اليوم بموقف ماركس من الحروب في عهد البرجوازيّة التقدّميّة وينسى قول ماركس : " ليس للعمّال وطن "، وهو قول ينطبق بالضبط على عهد البرجوازيّة الرجعيّة التي ولّى زمانها ، على عهد الثورة الإشتراكيّة ، إنّما يشوّه ماركس بقحة و يستعيض عن وجهة النظر الإشتراكية بوجهة النظر البرجوازيّة ." (5) ( لينين ، " الإشتراكية و الحرب "؛ ص 381-382 ، المجلّد الخامس من " المختارات في 10 مجلّدات " ، الطبعة العربيّة لدار التقدّم ، موسكو ؛ 1976 )
و شرح لينين بإتّساق لماذا ساند ماركس و إنجلز حركات تحرّر برجوازيّة متنوّعة في أوروبا الغربيّة في النصف الأخير من القرن التاسع عشر ، حتّى مع نهاية 1891 عندما ، كما أشار لينين ، قال إنجلز إنّه في حال حصول حرب ضد روسيا و فرنسا سيكون من واجب الإشتراكيّين الألمان أن يدافعوا عن وطنهم .
و متصدّيا للإشتراكيّين الشوفينيّين الذين حاولوا إعادة إستعمال مواقف ماركس و إنجلز هذه ، أشار لينين بدقّة إلى أنّ في هذه الظروف كان ماركس و إنجلز قد إتّخذا مقاربة تحديد أيّ إنتصار في حرب بين الدول في أوروبا يكون مرغوبا فيه أكثر ، كان الحال أنّه " ما من سؤالٍ آخر كان يمكن طرحه في تلك اللحظة ، عدا التالي : نجاح أيةِ بورجوازية ، نجاح أية مجموعةٍ من القوى ، فشل أية قوى رجعية ( قوى الإقطاع - الاستبداد التي كانت تعيق صعود البرجوازية ) سيمنح فسحةً أوسع للديموقراطية المعاصرة ؟ " (6) ( لينين ، " تحت راية زائفة " ، الحوار المتمدّن :
https://www.ahewar.org › debat › show.art.asp?aid=621921


https://www.ahewar.org/debat/s.asp?aid=622723&t=4 )
بكلمات أخرى ، شدّد لينين ، كان سؤال " « أيَّ جانبٍ سيكون نجاحُه مرغوبًا أكثر » يعني السؤال عن « أيَّ برجوازيةٍ سيكون نجاحُها مرغوبًا أكثر»." و كان هذا لأنّه ، كما أنفت ملاحظة ذلك ، حركات التحرّر البرجوازيّة في أوروبا الغربيّة، كان بإمكانها أن تنهض بدور تقدميّ وقتها في ظروف معيّنة . و أسرع لينين ليضيف ، " في وقتٍ لا يتصور فيه أحدٌ وجود حركات بورجوازية تقدمية ، سواء أكانت ليبراليةً باعتدال أو ديموقراطيةً عاصفة ، في بريطانيا ، ألمانيا ، أو فرنسا." لأنّ عهد هذه الحركات قد فات مع تطوّر هذه البلدان إلى الإمبرياليّة .(7) ( نفس المصدر السابق )
و مرّة أخرى ، تعاطى ماركس و إنجلز مع المسألة الوطنيّة و الإستعماريّة و مع مسألة نضالات التحرّر الوطني في مرحلة صعود الرأسماليّة ، لمّا كانت حركات التحرّر ضد الإضطهاد القومي و بقايا الإقطاعيّة لا يمكن أن تؤدّى ، حتّى و إن مضت إلى أبعد مدى ممكن ، إلاّ إلى تعزيز الحكم البرجوازي و الرأسماليّة . و بوجه عام ، بينما حلّلا و ساندا إنتفاضات الجماهير في بلدان الشرق ، كان إنتباه ماركس و إنجلز للمسألة الوطنيّة منصبّا أساسا على حركات التحرّر البرجوازيّة في أوروبا الغربيّة أين كانت مثل هذه الحركات حينها الأكثر تطوّرا و تأثيرا في تحديد الأحداث العالميّة .

الإمبرياليّة تغيّر الثورة في المستعمرات

أحدث تطوّر الرأسماليّة إلى الإمبرياليّة في حفنة من البلدان الرأسماليّة تغيّرات هائلة ليس في هذه البلدان ذاتها فقط بل أيضا عالميّا و بخاصة في علاقاتها مع مستعمراتها و العلاقات الداخليّة ضمن المستعمرات نفسها . و في حين كانت هذه المستعمرات تتعرّض إلى إضطهاد وحشيّ أكبر حتّى ، و في حين تتمّ عامة عرقلة تطوّر إقتصاديّاتها ، فإنّ التوغّل و الهيمنة المتناميين للإمبرياليّة في هذه المستعمرات أفضى إلى مزيد كسر الأشكال الأكثر بدائيّة في العلاقات الإقتصاديّة و إلى تغيير العلاقات الإقطاعيّة إلى علاقات إنتاج شبه إقطاعيّة ، لا سيما في الريف في عديد بلدان الشرق ، كالصين و غيرها .
و أعطى هذا دفعا لمزيد تطوّر البروليتاريا في هذه البلدان المستعمَرَة بينما في الوقت نفسه جرى تقليص تطوّر البرجوازيّة الوطنيّة هناك و التي إستمرّ إخضاعها لسيطرة الإمبرياليّين . و في الآن نفسه ، كانت الجماهير الشعبيّة العريضة ، في معظم الأحوال الغالبيّة العظمى من السكّان ، لا تزال من الفلاّحين في الأرياف يرزحون تحت نير العلاقات الإقطاعيّة و شبه الإقطاعيّة في ظلّ الإضطهاد و الإستغلال الساحقين للملاّكين العقّاريّين الذين كانوا يمثّلون الركن الأساسيّ لسيطرة الإمبرياليّين على هذه البلدان . و هكذا ، بالضبط مثلما هو الحال في البلدان الرأسماليّة ، خلق التطوّر ظروف الإطاحة بها و أنشأ حفّاري قبرها الخاصّين ، البروليتاريّون ، و كذلك ، مع تطوّر الرأسماليّة إلى إمبرياليّة ، أفرزت الهيمنة الإمبرياليّة في البلدان المستعمَرَة الظروف التي ستقود إلى هزيمتها هناك .
في هذه المستعمرات ، يجب خوض النضال المباشر ضد الإمبرياليّة و الإقطاعيّة و القوى التي يمكن توحيدها في هذا النضال تشتمل ليس على الطبقة القائدة ، البروليتاريا ، فحسب بل أيضا على أوسع جماهير الفلاّحين و البرجوازيّة الصغيرة في المناطق المدينيّة و فئات من البرجوازيّة عينها ، خاصة الفئات الوطنيّة من البرجوازيّة الوطنيّة التي بينما هي مرتبطة و بعدّة طرق مرتهنة بالإمبرياليّة في الآن ذاته ، تُعرقل تطوّرها بطرق لها دلالتها الهيمنة الإمبرياليّة و العلاقات الإقطاعيّة في البلاد و يمكن في ظلّ ظروف معيّنة أن تكون حليفا في النضال ضد الإمبرياليّة و الإقطاعيّة .
لذا ، مع تطوّر الرأسماليّة إلى إمبرياليّة في حفنة من البلدان الرأسماليّة ، تغيّر وضع حركات التحرّر الوطني و دورها وفق ذلك . ففي هذه البلدان الإمبرياليّة عينها لم يعد يوجد طبعا أيّ دور تقدّميّ لحركات التحرّر البرجوازيّة . فهكذا أشياء باتت من الماضي .
و في مستعمرات هذه القوى الإمبرياليّة ، لم تقدر حركات التحرّر من النهوض بدور تقدّميّ و ثوريّ هائل فحسب و لم تكن الجماهير تنهض في مقاومة الإمبرياليّين فحسب ، بل ، فضلا عن ذلك ، مع التغيّرات الملخّصة سابقا ، ظهرت إمكانيّة أن تسير البروليتاريا على رأس حركات التحرّر الوطني هذه و أن تقودها ليس في الهدف المباشر لإلحاق الهزيمة بالإمبرياليّين و عملائهم المحلّيين ، خاصة طبقة الملاّكين الإقطاعيّين فقط ، بل أيضا إمكانيّة المضيّ قُدُما و تجاوز ذلك إلى المرحلة الإشتراكيّة من الثورة . و بالتالى ، وُجد وضعان مختلفان و متعارضان جوهريّا في أوروبا الغربية من جهة و في البلدان المستعمَرَة في الشرق من الجهة الأخرى في ما يتعلّق بالمسألة الوطنيّة .
لكن ، وُجد في الآن نفسه وضع ثالث ، في أوروبا الشرقيّة . فهناك مسألة الإطاحة بالإضطهاد القومي و الهيمنة الإقطاعيّة لم تُحلّ بعدُ بالتمام ، و الحركات القوميّة يمكن أن تستمرّ في لعب دور تقدّميّ ، بخلاف ما هو عليه الحال في أوروبا الغربيّة أين تلك الحقبة قد فات أوانها و أين الرأسماليّة عامة تطوّرت إلى إمبرياليّة .
و لم ينجز لينين تحليلا شاملا للإمبرياليّة و حسب بل حلّل أيضا بوجه خاص المسألة الوطنيّة في عصر الإمبرياليّة . في " كاريكاتور الماركسيّة " ، صنّف لينين أنواع البلدان في ما يتّصل بالمسألة الوطنيّة كما يلى :
" النموذج الأوّل – البلدان المتقدّم في أوروبا الغربيّة ( و أمريكا ) حيث الحركة القوميّة من الماضي .النموذج الثاني – شرق أوروبا حيث هي من الحاضر . النموذج الثالث – البلدان شبه المستعمَرَة و المستعمرات حيث هي – بمقدار كبير – من المستقبل . " (8) ( الصفحة 167 ، المجلّد السادس من " المختارات في 10 مجلّدات " الطبعة العربيّة لدار التقدّم ، موسكو ، 1977 )
روسيا جسر بين الشرق و الغرب

كانت روسيا ذاتها نوعا من الجسر بين الشرق و الغرب ؛ أي ، بينما تطوّرت الرأسماليّة في روسيا و بلغت بالفعل مرحلة الرأسماليّة الإحتكاريّة ، من الناحية الأخرى ، في الريف حيث لا تزال تعيش الغالبيّة العظمى من الشعب ، كانت بقايا الإقطاعيّة منتشرة إنتشارا واسعا و كانت الشكل المهيمن . و في الوقت نفسه ، تواصل حكم روسيا إلى فيفري 1917 من قبل الأوتوقراطيّة القيصريّة . بإختصار ، لم تكتمل الثورة الديمقراطيّة البرجوازيّة في روسيا ، بالرغم من كون روسيا قد تطوّرت إلى مرحلة الإمبرياليّة . و إضافة إلى ذلك ، في روسيا ، وُجدت أعداد كبيرة من القوميّات المضطهَدَة التي كان نضالها ضد الأتوقراطيّة القيصريّة و ضد هيمنة روسيا العظمى لا يزال ينهض بدور تقدّميّ و كان حليفا للبروليتاريا في نضالها . و طرح لينين و ستالين و ناضلا من أجل حقّ تقرير مصير هذه القوميّات كجزء حيويّ من الثورة الروسيّة .
و إلى ذلك ، بحدود 1905 ، ، أثناء فترة النهوض الثوريّ في روسيا وقتها ، عرض لينين في عمله الشهير " خطّتا الإشتراكيّة الديمقراطيّة في الثورة الديمقراطيّة " حاجة البروليتاريا إلى الوحدة مع جماهير الفلاّحين للإطاحة بالأوتوقراطيّة القيصريّة كخطوة أولى و مرحلة ضروريّة للثورة الروسيّة وقتها . و أشار لينين إلى أنّ البرجوازيّة في روسيا ليس بوسعها و لن تنجز الثورة الديمقراطيّة و وحدها الجهود المتّحدة للعمّال و جماهير الفلاّحين ، في ظلّ قيادة البروليتاريا و حزبها ، قادرة على إنجاز هذه المهمّة . و في الوقت نفسه ، أكّد لينين على أنّ الثورة الديمقراطيّة بالنسبة على البروليتاريا ليست هدفا في حدّ ذاته ، بل خطوة ضروريّة للتمكّن من التقدّم نحو الثورة الإشتراكيّة . في " خطّتا الإشتراكيّة -الديمقراطيّة في الثورة الديمقراطيّة " ، كتب لينين :
" إنّ دكتاتوريّة و الفلاّحين الديمقراطيّة الثوريّة ليست ، بلا جدال ، سوى مهمّة عرضيّة ، مؤقّتة ، بالنسبة للإشتراكيّين ؛ بيد انّه من باب الرجعيّة على وجه الضبط تجاهل هذه المهمّة في عصر الثورة الديمقراطيّة ...إنّ شعارنا يقرّ ، كشيء أكيد، بالطابع البرجوازي الذى تتّصف به ثورة تعجز عن الخروج مباشرة من نطاق الإنقلاب الديمقراطي الصرف ، و يدفع هذا الإنقلاب المعين إلى الأمام ؛ و يقصد جهده أن يعطي هذا الإنقلاب أفضل الأشكال الملائمة للبروليتاريا ؛ وهو يقصد بالتالي أن يستخدم الإنقلاب الديمقراطيّ إلى أقصى حدّ بغية تأمين النجاح على وجه أفضل لنضال البروليتاريا المطّرد في سبيل الإشتراكيّة ." (9) ( لينين ، " خطّتا الإشتراكيّة – الديمقراطيّة في الثورة الديمقراطيّة " ؛ الصفحات 488-490 المجلّد الثاني من " المختارات في 10 مجلّدات " الطبعة العربيّة لدار التقدّم ، موسكو ، 1979 )
و لخّص لينين الطريق إلى الإشتراكيّة في روسيا في هذه الصيغة : يجب على الطبقة العاملة أن تقاتل لإنجاز الثورة الديمقراطيّة بجماهير الفلاّحين كحليفها الأوثق في هذا القتال ؛ ثمّ يجب أن تتقدّم بالنضال ، مقاتلة لبلوغ الثورة البروليتاريّة – الإشتراكية و دكتاتوريّة البروليتاريا بجماهير الفلاّحين الفقراء و العناصر شبه البروليتاريّة في الريف خاصة ، كحليفها الأوثق . (10) ( من أجل ملاحظات لينين الملخّصة في هذه الفقرة ، أنظروا ، لينين ، " الأعمال الكامل " بالأنجليزيّة ، المجلّد التاسع ، صفحة 100)
و رغم أنّه وقع سحق ثورة 1905 في روسيا ، في فيفري 1917 ، تمّت الإطاحة بالأوتوقراطية القيصريّة بواسطة إنتفاضة شعبيّة . و في تلك اللحظة ، خلُص لينين إلى أنّ الثورة الديمقراطيّة – البرجوازيّة أُنجزت إلى أبعد مدى ممكن في روسيا و أنّ المرحلة الموالية المباشرة من النضال هي النضال من أجل دكتاتوريّة البروليتاريا و تركيز الإشتراكيّة . و بالفعل في تلك السنة ، في أكتوبر ، نجحت الثورة البروليتارية الإشتراكيّة في روسيا .
و أحدث هذا تغييرات أساسيّة في العالم ؛ و أشّر إلى تركيز أوّل دولة إشتراكيّة ، و إلى جانب التغييرات التي رافقت الإمبرياليّة ، جعل من الممكن تحويل طابع حركات التحرّر الوطنيّ في المستعمرات . متحدّثين عن الطابع العام لنضال التحرّر الوطني في البلدان المستعمَرَة ، يلاحظ أنّها لم تعد جزءا من الحركة الديمقراطيّة – البرجوازيّة القديمة ، جزءا من الثورة الرأسماليّة القديمة المفضية إلى حكم البرجوازيّة و إرساء الرأسماليّة ، بل صارت جزءا لا يتجزّأ من الثورة البروليتاريّة الإشتراكيّة العالميّة ، حليفا للبروليتاريا في البلدان الرأسماليّة في نضالها ضد الإمبرياليّة و في سبيل الإشتراكيّة على الصعيد العالمي . وهو يكتب سنة 1918 ، لخّص ستالين هذا التطوّر :
" إنّ المغزى العالمي العظيم لثورة أكتوبر يتمثّل بصورة رئيسيّة في أنّها :
1) وسّعت إطار المسألة القوميّة إذ حوّلتها من مسألة جزئيّة خاصة بالنضال ضد الإضطهاد القومي في أوروبا إلى مسألة عامة متعلّقة بتحرّر الأمم المضطهَدَة و المستعمرات و شبه المستعمرات من نير الإمبرياليّة ؛
2) أتاحت إمكانيّات عريضة و شقّت طرقا واقعيّة نحو تحقيق هذا التحرّر ، وهي بذلك دفعت كثيرا قضيّة تحرّر الأمم المضطهَدَة في الغرب و الشرق و إجتذبت هذه الأمم إلى التيّأر العارم للنضال الظافر ضد الإمبرياليّة ؛
3) أنشأت بذلك جسرا بين الغرب الإشتراكي و الشرق المستعبد ، إذ خلقت جبهة جديدة من الثورات ضد الإمبرياليّة العالميّة تمتدّ من البروليتاريا في الغرب ، عبر الثورة الروسيّة ، إلى الأمم المضطهَدَة في الشرق ." (11) ( " ثورة أكتوبر و المسألة القوميّة " ؛ ذكره ماو تسى تونغ في " حول الديمقراطيّة الجديدة " ، قسم " الثورة الصنيّة جزء من الثورة العالميّة " ؛ الصفحة 481 ، المجلّد الثاني من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " )

لينين و ستالين يُحلّلان التطوّرات

طوال عدّة سنوات تلت إنتصار ثورة أكتوبر في روسيا سنة 1917 ، لم يقم لينين و ستالين بتحليل التغيّر في الطابع العام للحركات الوطنيّة فحسب بل أيضا أعارا إنتباها خاصا لتطوّر هذه الحركات و رسما السياسات الصحيحة للشيوعيّين في علاقة بها . و أصدر لينين توجيها للأمميّة الثالثة ( الأمميّة الشيوعيّة أو الكومنترن ) في سنواتها الأولى لتطوير خطّها بخصوص المسألة الوطنيّة و الإستعماريّة و بالأخصّ خطّها و عملها في علاقة بحركات التحرّر الوطني في الشرق .
و نشر إنتصار ثورة أكتوبر في روسيا الماركسيّة – اللينينيّة عبر العالم و أعطى دفعا لتشكيل الأحزاب الشيوعيّة بأسلوب ماركسي – لينيني و بخطّ ماركسي – لينينيّ بما في ذلك في عدّة بلدان مستعمَرَة . و مثّل هذا كذلك عاملا له دلالة كبرى و عزّز دور البروليتاريا في القتال لأجل قيادة نضال التحرّر الوطنيّ في المستعمرات و توجيهه من خلال إكمال الثورة الديمقراطيّة – البرجوازيّة إلى المرحلة الإشتراكيّة .
و في المؤتمر الثاني للكومنترن ، أشرف لينين على لجنة المسألة القوميّة و الإستعماريّة و في تقرير بهذا الصدد ، أكّد من ناحية على حاجة الشيوعيّين إلى تقديم كامل الدعم إلى حركة التحرّر الوطني في المستعمرات و الإجتهاد للتقدّم بها ؛ و من ناحية ثانية ، على الحاجة إلى الحفاظ على إستقلاليّة الشيوعيّين و تعزيز القوى الثورية ضمن حركات التحرّر الوطني هذه.
و زيادة على ذلك ، أثيرت مسألة ردّ عليها لينين متعلّقة بما إذا كان من الممكن أم لا لهذه البلدان أن تتقدّم نحو الشيوعيّة دون المرور بمرحلة الرأسماليّة . في تقريره للجنة المختصّة بالمسألة القوميّة و مسألة المستعمرات في مؤتمر الكومنترن هذا ، كتب لينين الآتى ذكره :
" لقد طُرحت المسألة بالشكل التالي : هل يمكننا أن نعتبر أنّ التأكيد القائل بأنّ المرحلة الرأسماليّة في تطوّر الاقتصاد الوطني محتومة بالنسبة للشعوب المتأخّرة التي تتحرّر الآن و التي تلاحظ في أوساطها بعد الحرب حركة في إتّجاه التقدّم ، هو تأكيد صحيح . و قد كان جوابنا على هذا السؤال سلبيّا . فإذا ما قامت البروليتاريا الثوريّة الظافرة بدعاية منتظمة بين هذه الشعوب، و إذا ما ساعدتها الحكومات السوفياتيّة بجميع الوسائل الموجودة تحت تصرّفها ـ عندئذ يصبح من غير الصحيح التأكيد بأنّ مرحلة التطوّر الرأسمالي هي مرحلة محتومة بالنسبة للأقوام المتأخّرة . إنّ واجبنا في جميع المستعمرات و البلدان المتأخّرة لا يقتصر على تكوين ملاكات مستقلّة من المناضلين ، لا يقتصر على تشكيل المنظّمات الحزبيّة و القيام حالا بالدعاية من أجل تنظيم سوفييتات الفلاّحين و السعي كي تصبح هذه السوفييتات ملائمة لظروف ما قبل الرأسماليّة ، إنّما يتوجّب كذلك على الأمميّة الشيوعيّة أن تقرّ و أن تثبت نظريّا أنّه بمساعدة البروليتاريا في البلدان المتقدّمة ، يمكن للبلدان المتأخّرة أن تنتقل إلى النظام السوفييتي و إلى الشيوعيّة عبر درجات معيّنة من التطوّر ، متجنّبة مرحلة التطوّر الرأسمالي . " (12) ( الصفحة 96 ، المجلّد العاشر من " المختارات في 10 مجلّدات " الطبعة العربيّة لدار التقدّم ، موسكو ؛ 1978 )
و في الوقت نفسه ، توصّل إلى إستخلاص أنّه :
" يستحيل أن نشير سلفا إلى الوسائل اللازمة لهذا الأمر. " (13) ( نفس المصدر السابق )
عقب وفاة لينين ، لم يقم ستالين بقيادة بناء الإشتراكيّة في الإتّحاد السوفياتي فقط بل قاد أيضا تقديم الدعم و المساعدة لصياغة خطّ النضالات الثوريّة عبر العالم ، بما في ذلك في البلدان المستعمَرَة ، في الصين بوجه خاص . ففي عديد خطاباته و مقالاته في فترة النهوض الثوريّ في الصين في سنوات 1924 -1927 ، ساعد ستالين في تحليل الملامح الخاصة بالثورة الصينيّة : واقع أنّها كانت نضالا مناهضا للإمبرياليّة ؛ و واقع أنّ الهيمنة الإقطاعيّة في الريف و الإستغلال الإقطاعي للفلاّحين يضطلع بدور مركزيّ في الاقتصاد الصينيّ ، و بالتالى أنّ الثورة الزراعيّة في الصين تقع في موقع القلب من النضال وهي وثيقة الإرتباط بنضال الأمّة الصينيّة المناهض للإمبرياليّة ؛ و أنّه يمكن للبروليتاريا و من واجبها أن تقود الثورة الديمقراطيّة – البرجوازيّة و تتقدّم بالحركة و تمضى بها أبعد من تلك المرحلة نحو مرحلة الثورة الإشتراكيّة . و علاوة على ذلك ، أشار ستالين إلى أنّه من البداية في الصين كانت الثورة المسلّحة تقاتل الثورة المضادة المسلّحة و أنّ ذلك كان فى الآن نفسه مظهرا خاصا و ميزة خاصة للثورة الصينيّة .

ماو بصدد الثورة الصينيّة

و هكذا ساعد ستالين في تحليل بعض المظاهر الأساسيّة للثورة الصينيّة . لكن ماو تسى تونغ ، وهو يساهم في الثورة الصينيّة و يطبّق المبادئ العالميّة للماركسيّة – اللينينيّة عليها ، هو الذى طوّر تطويرا تاما و صاغ صياغة تامة الخطّ و النظريّة و الإستراتيجيا الأساسيّين لثورة الديمقراطيّة الجديدة .
منذ مراحلها الأولى ، أدرك ماو أنّ الثورة الصينيّة ستتميّز بدور قويّ جدّا و محوريّ لإنتفاضات الفلاّحين و الثورة الزراعيّة للفلاّحين . و كان هذا يتعارض مع خطوط إنتهازيّ متنوّعة و خاطئة صلب الحزب الشيوعي الصيني الى شطب الفلاّحين الصينيّين كقوّة ثوريّة و حاول تركيز النضال في المدن و / أو جعل نضال البروليتاريا ضد البرجوازيّة نضال مرحلة – واحدة و من ثمّة أتت المحاولة الخاطئة لتجاوز مرحلة النضال الديمقراطي – البرجوازي في ظلّ قيادة البروليتاريا . و كان خطّ ماو متعارضا أيضا مع الإنتهازيّين اليمينيّين في صفوف الحزب الشيوعي الصينيّ الذين سعوا إلى تسليم قيادة الثورة إلى طبقات البرجوازيّة و الملاّكين الكبار . و أنكروا الحاجة إلى إستقلاليّة و مبادرة البروليتاريا و حزبها الشيوعي ، و حاجة الحزب الشيوعي إلى تسليح الجماهير و قيادتها كركن أساسي في الكفاح المسلّح و في إلحاق الهزيمة بالعنف المعادي للثورة للقوى الرجعيّة بواسطة العنف الثوريّ الجماهيريّ .
سنة 1927 ، وضع ماو عملا غاية في الأهمّية ، " تقرير عن تحقيقات في حركة الفلاّحين في خونان " فيه شدّد على الدور المركزيّ لمئات ملايين الفلاّحين في الصين في الحركة الثورية . و في ذلك العمل ، أوضح بقوّة :
" النهضة الراهنة التي تشهدها حركة الفلاّحين هي حدث هائل . و لن تنقضي إلاّ فترة قصيرة حتّى يهبّ في هذه النهضة مئات ملايين من اللاّحين في مقاطعات الصين الوسطى و الجنوبيّة و الشماليّة بسرعة خارقة و قوّة جارفة كالعاصفة العاتية، لا تستطيع أيّة قوّة أخرى ، مهما تكن عظيمة ، أن تقف في وجهها . و هم سوف يحطّمون جميع القيود و الأغلال التي تكبّلهم ، و ينطلقون قُدما في الطريق المؤدّية إلى التحرّر . و سوف يقذفون في غياهب القبور بجميع الإمبرياليّين و أمراء الحرب و الموظّفين الفاسدين و العتاة المحلّيين و الوجهاء الأشرار . أمّا الأحزاب الثورية و الرفاق الثوريّون فإنّهم سيجدون أنفسهم جميعا أمام إختبار الفلاّحين الذين سيقرّرون قبولهم أو رفضهم . أتسير على رأس الفلاّحين و تقودهم ؟ أم تقف وراء ظهورهم معيبا لهم ؟ أم تقف في وجوههم تناهضهم ؟ إنّ لكّل صينيّ الحرّية في أن يختار أحد هذه المواقف الثلاثة ، بيد أنّ الظروف ستجبرك على الإختيار العاجل . " (14) ( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 1 ، الصفحة 30 ؛ من هنا فصاعدا المجلّد /"م " و الصفحة /" ص" )
" فظيع جدّا " هذا التمرّد الجماهيريّ للفلاّحين ، مسألة " تجاوزت الحدود " كما كان البعض ، بمن فيهم عدد من الناس في صفوف الحزب الشيوعي الصيني ، يتذمّرون و يشتكون ؟ لا ، الأمر جيّد ، ذلك أنّه كما ذكّر ماو هؤلاء الناس وهو يقاتل نظرتهم الكنفشيوسيّة :
" إنّ الثورة ليست مأدبة و لا كتابة مقال و لا رسم صورة و لا تطريز ثوب ، فلا يمكن أن تكون بمثل تلك اللباقة و الوداعة و الرقّة ، أو ذلك الهدوء و اللطف و الأدب و التسامح و ضبط النفس . إنّ الثورة إنتفاضة و عمل عنف تلجأ إليه إحدى الطبقات للإطاحة بطبقة أخرى . و ثورة الريف هي ثورة تطيح بها طبقة الفلاّحين بسلطة طبقة الملاّك الإقطاعيّين . فإذا لم يستخدم الفلاّحون قوّة هائلة لا يمكنهم أبدا أن يطيحوا بسلطة ملاّك الأراضي التي تعمّقت جذورها مدى آلاف السنين . و لا بدّ من مدّ ثوريّ عات في المناطق الريفيّة لأنّ هذا هو الشيء الوحيد الذى يقدر على إستنهاض ملايين الناس ليصبحوا قوّة هائلة . إنّ جميع الأعمال التي ذكرتها آنفا و التي وصمت بأنّها " تجاوزت الحدّ " قد نبعت من قوّة الفلاّحين التي إنبثقت من المدّ الثوري العاتي في الريف . " (15) ( م 1 ، ص 37)
و معتمدا بطريقة صحيحة على الدور المحوريّ للثورة الزراعيّة و نهوض الفلاّحين في الصين ، و كذلك مظاهر أخرى خصوصيّة من المجتمع الصينيّ زمنها النابعة من طبيعته كمجتمع شبه مستعمر شبه إقطاعي ، أنجز ماو تحليلا إستراتيجيّا هاما للغاية بأنّ طريق إفتكاك السلطة بواسطة النضال المسلّح لا يكمن في الإنتفاضة في المدن متبوعة بحرب أهليّة بل في إرساء قواعد إرتكاز في الأرياف و بالبروليتاريا و حزبها كقوّة قياديّة ، و إستنهاض جماهير الفلاّحين كقوّة أساسيّة لخوض حرب الشعب الطويلة الأمد لمحاصرة المدن وفى النهاية إفتكاكها . و كان هذا هو بالفعل الطريق الذى قاد فيه ماو الشعب الصينيّ لتحقيق الظفر عبر البلاد ، محرّرين الصين و متقدّمين نحو الإشتراكيّة ، طوال مسار أكثر من عشرين سنة . و طبعا ، لهذا صلة وثيقة بمسألة مساهمات ماو في مجال الإستراتيجيا العسكريّة – موضوع سنتناوله بالحديث في الفصل الثاني – كان جزءا لا يتجزّأ من تطوير ماو للخطّ العام للثورة في الصين و لا تزال له بعدُ صلوحيّة و أهمّية كبرى ، خاصة بالنسبة إلى البلدان حيث الظروف هي نفسها أو تشبه كثيرا تلك الظروف في الصين إبّان ثورتها الديمقراطيّة الجديدة .

مرتكز بصلابة على تحليل طبقيّ

بحدود 1926 ، أثار ماو مسألة حيويّة في الحركة الثوريّة و أجاب عليها : " من هم أعداؤنا ؟ و من هم أصدقاؤنا ؟ هذه مسألة في الدرجة الأولى من الأهمّية بالنسبة للثورة ." (16) ( م 1 ، ص 15 ) و أجاب ماو على ذلك بإنجاز تحليل لطبقات المجتمع الصينيّ ، ختمه على النحو التالي :
" نعلم ممّا تقدّم ذكرهأنّ أعداءنا هم كلّ من يتواطأون مع الإمبرياليّة و هم أمراء الحرب و الإداريّون الكبار و طبقة الكمبرادوريّين و طبقة كبار ملاّكالأراض و فئة المثقّفين الرجعيّين التابعين لهم . و القوّة القائدة لثورتنا هي البروليتاريا الصناعيّة . و أقرب أصدقائنا هو أشباه البروليتاريا و البرجوازيّة الصغيرة بمختلف فئاتهم . أمّا البرجوازيّة الوسطى المتذبذبة فقد يصبح جناحها اليميني عدوّا لنا و جناحها اليساري صديقا لنا – و لكن علينا أن نتّخذ دائما حذرنا حيالها لئلاّ تخلق الفوى في جبهتنا . " ( 17 ) ( م 1 ، ص 24 )
و أشار ماو بوجه خاص ، ليس في تلك اللحظة فحسب بل إبّان قيادة الثورة الصينيّة عبر كامل مرحلة الديمقراطيّة الجديدة، إلى أنّ مسألة دور البرجوازيّة الصينية في الثورة الصينيّة مسألة ذات أهمّية خاصة . و لاحظ على سبيل المثال أنّ في روسيا ، بينما وُجدت مرحلة ثورة ديمقراطيّة – برجوازيّة مع ذلك حتّى في تلك المرحلة لم تكن البرجوازيّة في روسيا حليفا للبروليتاريا كما كانت في الصين . و أفصح ماو بعد بضعة سنوات ، أثناء فترة الحرب الأهليّة المناهضة لليابان لمّا توسّعت الجبهة المتّحدة لتضمّ فئات واسعة من البرجوازيّة لأجل توحيد كلّ من يمكن توحيدهم ضد اليابان ، أنّه :
" عبر هذا النوع من العلاقة المعقّدة مع البرجوازيّة الصينيّة ، تقدّمت الثورة الصينيّة و الحزب الشيوعي الصيني في مجرى التطوّر . و هذه خاصيّة تاريخيّة تتميّز بها الثورات في المستعمرات و شبه المستعمرات ، خاصيّة لم يشهدها تاريخ الثورة في ايّ بلد رأسمالي ." (18) ( م 2 ، ص 395 )
كما لاحظ ماو في العمل نفسه أنّ العلاقة الخاصة بين البروليتاريا و البرجوازيّة في الثورة الصينيّة كانت على نحو مكّن أحيانا البروليتاريا من تركيز جبهة متّحدة ثوريّة مع البرجوازيّة و أحيانا أخرى نظرا لتحرّكات الإمبرياليّين و البرجوازيّة الصينيّة ، كانت مضطرّة إلى القطع مع هذه الجبهة المتّحدة . ما ميّز تحليل ماو و مقاربته هنا و في جميع الأوقات كان أنّه تركّز على تحليل طبقي . و فضلا عن ذلك ، مختلف السياسات و الخطوط التي وقع تبنّيها أثناء شتّى مراحل الثورة الديمقراطيّة الجديدة كانت متجذّرة دائما في هذا المنهج من التحليل الطبقيّ . و في كلّ لحظة ، داخل الحزب ، و بقدر الإمكان في صفوف الجماهير ، جرى بشكل تام شرح الأساس الطبقي لتحرّكات مختلف القوى في المجتمع الصيني .
و لمّا تحوّل تشانغ كاي تشاك في الثورة سنوات 1924- 1927 إلى خائن للشعب الصينيّ و وجّه بنادقه ضد الجماهير الصينيّة خائنا آلاف الشيوعيّين و شغّالين آخرين ، شرح ماو أنّ إستيلاء تشانغ على مقاليد الكيومنتانغ ( كان سابقا منظّمة ثوريّة متكوّنة من قوى طبقيّة متباينة و ضمنها الشيوعيّون ) و الخيانة العامة لتشانغ كاي تشاك مردّهما واقع أنّه يمثّل البرجوازيّة الكبيرة و الملاّكين العقّاريّين في الصين الذين كانوا متحالفين مع الإمبرياليّة ، خاصة الإمبرياليّة الأمريكيّة و الإمبرياليّة البريطانيّة . و لاحقا ، عقب غزو اليابانيّين لمحافظات شمال الصين و كانوا يعدّون لمواصلة الإجتياح جنوبا عبر الصين كافة ، إقترح الحزب الشيوعي الصيني هدنة و من ثمّة جبهة متّحدة مع الكيومنتانغ و حتّى مع تشانغ كاي تشاك إلى درجة معيّنة . و هنا مرّة أخرى ، تمّ شرح الأساس الطبقيّ لهذا . فأوضح ماو أنّ طبيعة تشانغ كاي تشاك لم تتغيّر و أنّه و القوى الطبقيّة التي يمثّلها لا يزالان تابعين و عميلين للإمبرياليّة الأمريكيّة و البريطانيّة ، لكن إعتبارا للتناقضات صلب الإمبرياليّين و خاصة بين الإمبرياليّة البريطانيّة و الأمريكيّة من جهة و الإمبرياليّة اليابانيّة من الجهة الأخرى ، كان من الممكن بناء جبهة متّحدة مع تشانغ كاي تشاك و القوى التي كان يمثّلها . و بعد ذلك ، أوضح ماو أنّه كان من الضروري بناء مثل هذه الجبهة المتّحدة لأجل تركيز نضال الأمّة الصينيّة ككلّ ضد اليابان التي كانت تحاول تحويل الصين من شبه مستعمرة إلى مستعمرة تامة تابعة لليابان .
و لعدّة سنوات بعد إنطلاق الغزو الياباني سنة 1931 ، و رفض تشانغ كاي تشاك و المجزرة التي إرتكبها في حقّ الشيوعيّين و شغّالين آخرين سنة 1927 ، وجد الحزب الشيوعي الصيني نفسه مجبرا على و قد خاض حربا أهليّة دامت سنوات عشر، كان عليه فيها إلى درجة كبيرة أن يقطع مع الجبهة المتّحدة مع البرجوازيّة بما أنّ معظم فئاتها إتّبعت و ساندت تشانغ كاي تشاك و إنقلابه الرجعيّ صلب الكيومنتانغ و دوره الرجعيّ داخل المجتمع الصينيّ ككلّ .
و مع ذلك ، في صفوف الحزب الشيوعي ، قاد ماو صراعا ضد خطوط خاطئة و إنتهازيّة متنوّعة رفضت ، حتّى بعد الغزو الأوّلي لليابان سنة 1931 ، الموافقة على سياسة تطوير أوسع جبهة متّحدة ممكنة لمقاومة اليابان و هزم مساعيها إلى تحويل الصين إلى مستعمَرَتها . و جرّاء هذه الأخطاء الفئويّة / السكتاريّة و غيرها و الأخطاء " اليساريّة المتطرّفة " ضعُف الحزب الشيوعي الصيني في ظلّ قيادة ماو الذى أرسى قواعد إرتكاز في الأرياف ، خلال هذه الحرب الأهليّة التي دامت سنوات عشر من مقاومته للهجمات المستمرّة لقوّات تشانغ كاي تشاك ؛ و في عدّة مناسبات وجد نفسه معزولا عن الفئات الشعبيّة بما فيها الجماهير الشعبيّة في الأرياف .
ونظرا لما تقدّم ، سنة 1934 ، إضطرّ الحزب الشيوعي بصحبة القوّات المسلّحة تحت قيادته إلى التخلّى عن قواعد إرتكازه و الإبحار في ما أضحى ، كما سمّاه ماو ، " مَعلم تاريخي " ، المسيرة الكبرى ، التي في مجراها لحوالي سنتين عنت القتال بمعدّل أكثر من معركة في اليوم و قطعت طريقا بآلاف الأميال عبر الصين . و بات هذا نقطة تحوّل حيويّة في الثورة الصينيّة . و على الرغم من خسارة أعداد كبيرة من أعضاء الحزب الشيوعي و القوّات المسلّحة التي كان يقودها في مسار المسيرة الكبرى ، آلت هذه الأخيرة إلى نهاية مظفّرة . و بالنتيجة ، خلال المسيرة الكبرى ، تعزّز الخطّ الأساسي لماو تسى تونغ و قيادته صلب الحزب الشيوعي الصيني في بدايات سنة 1935 . (19) )19- و بينما وضع هذا الحزب على الطريق الصحيح ، لم يقع إلاّ فى سنوات لاحقة ، في بدايات أربعينات القرن العشرين ، أثناء توازن في الحرب ، الإجتثاث التام للخطوط الإنتهازيّة بطريقة شاملة . فقد قاد ماو حملة تصحيح داخل الحزب إستهدفت الذاتيّة و بوجه خاص النزعات التي أخفقت في المزج بين الحقائق العالميّة للماركسيّة – اللينينيّة و الممارسة الملموسة للثورة الصينيّة . و قد رفعت هذه الحملة بدرجة معتبرة المستوى الماركسي – اللينيني للحزب كلّه . )

تشكّل الجبهة المتّحدة

على أساس إنتصار خطّ ماو أثناء المسيرة الكبرى ، تمكّن الحزب الشيوعي من صياغة مقترح الجبهة المتّحدة ضد اليابان و النضال من أجلها و في النهاية من أجل تحقيقها في الواقع . و في النهاية ، في أواخر سنة 1936 ، تمّ إختطاف تشانغ كاي تشاك و إحتجزه جنرالان من جنرالاته كانا يناصران نداء الحزب الشيوعي لتشكيل جبهة متّحدة ، و أُجبر تشانغ على القبول بالجبهة المتّحدة . و كان تشكيل مثل هذه الجبهة مع الكيومنتانغ يتطلّب بعض التعديلات في النضال داخل الصين . و بخاصة في الريف ، كان يتطلّب العدول عن سياسة مصادرة أرض الملاّكين العقّاريّين و توزيعها على الفلاّحين ، و تعويض هذه السياسة بسياسة محدودة أكثر للتقليص في الإيجار و الفوائد في الديون .
و قاد ماو صراعا في صفوف الحزب الشيوعي الصيني لتوحيد الحزب حول هذا التعديل بينما فى الوقت نفسه عارض خطّ الإستسلام الطبقيّ و إلحاق الحزب الشيوعي و القوّات المسلّحة التي يقودها بالكيومنتانغ و القوّات المسلّحة للكيومنتانغ ، خطّ كان عمليّا سيؤدّى إلى الهزيمة في حرب المقاومة المناهضة لليابان و ذبح و سحق الشيوعيّين و جماهير الشغّيلة بما فيها الفلاّحين في المناطق المحرّرة ، على يد تشانغ كاي تشاك .
و أعرب ماو عن أنّه من جهة يجب تعديل الصراع الطبقي داخل الصين وفق مقتضيات حرب المقاومة ضد اليابان لكن من الجهة الأخرى ، كما شدّد على ذلك ، يتواصل الصراع الطبقي في الوجود بمعزل عن إرادة المرء . لا يمكن إنكار ذلك و حتّى أقلّ لا يمكن إلغاؤه ، و إنّما يمكن و يجب إدخال تعديلات عليه . و فيما كان لا بدّ مطلقا من تشكيل أوسع جبهة متّحدة ممكنة ، بما فيها فئات من البرجوازيّة الكبيرة و بعض الملاّكين العقّاريّين لإلحاق الهزيمة بالعدوان الياباني ، في بعض الأحيان ، ضمن هذه الجبهة المتّحدة ، يتعيّن على الحزب الشيوعي الصيني أن يستمرّ في القتال من أجل و أن يمارس إستقلاليّته و مبادرته في جميع المجالات و منها المجال العسكريّ . لا يتعيّن بأيّ شكل كان أن يلحق نفسه بالبرجوازيّة الكبيرة و الملاّكين العقّاريّين أو أيّة قوى طبقيّة أخرى ، و بدلا من ذلك ، ينبغي أن يقاتل لكسب قيادة الجبهة المتّحدة .
طوال هذ الفترة من الجبهة المتّحدة ، وصولا إلى إلحاق الهزيمة بالمعتدين اليابانيّين سنة 1945 ، إستمرّ تشانغ كاي تشاك و أتباعه في توجيه نارهم الأساسيّة ضد الحزب الشيوعي و القوّات المسلّحة و قواعد الإرتكاز المحرّرة التى كانت تحت قيادته . و رفض الكيومنتانغ حتّى تطبيق سياسة التقليص في الإيجار و الفوائد ما كان يمثّل ، كما تمّت الإشارة إليه أعلاه ، تسوية ، تعديلا من جانب الحزب الشيوعي الصيني ذاته خدمة للجبهة المتّحدة الواسعة ضد اليابان . و قد هاجم الكيومنتانغ بلا توقّف الحزب الشيوعي لإنجازه مثل هذه الإصلاحات في الريف و لسعيه إلى إرساء الحقوق الديمقراطيّة للجماهير الشعبيّة عبر الصين كافة .
في " حول الحكومة الإئتلافيّة " ، التقرير السياسي الذى قدّمه ماو إلى المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الصيني سنة 1945، غداة الإنتصار في الحرب المناهضة لليابان ، لخّص ماو ضمن أشياء أخرى ، الصراع حول مسألة الإصلاحات خاصة في الأرياف . و لاحظ أنّه :
" بدون الإصلاحات السياسيّة فإنّ جميع القوى المنتجة ، الزراعيّة منها و الصناعيّة ، سيكون مصيرها الدمار .
و إذا أخذنا الأمر من جميع جوانبه و جدنا أنّه من المحال تطويرالصناعة بدون صين مستقلّة حرّة ديمقراطيّة و موحّدة ." (20) ( م 3 ، ص345 )
بكلمات أخرى ، كلّ شيء حينها كان متوقّفا على إلحاق الهزيمة باليابان و إنجاز الثورة الديمقراطيّة الجديدة . لأنّه كما إسترسل ماو ليقول :
" في الصين شبه المستعمَرَة و شبه الإقطاعيّة و المنقسمة فإنّ عددا كبيرامن الناس كانت قد راودتهم ، لسنين طويلة ، الأحلام في تطوير الصناعة و بناء الدفاع الوطني و تحقيق الرفاهيّة للشعب و كسب الإزدهار و القوّة للأمّة ، لكن أحلامهم كلّها تبدّدت . إنّ الكثيرين من رجال التربية و العلماء و الطلاّب ذوى النوايا الطيّبة قد إنهمكوا في أعمالهم أو دراساتهم دون أن يعيروا السياسة أدنى إهتمام إعتقادا بأنّهم يستطيعون أنّ يخدموا البلاد بما تعلموه ، لكن هذا أيضا قد أصبح ، في نهاية الأمر ، حُلما مبدّدا . و إنّ هذا لخبر سار ، إذ أنّ تبدّد هذه الأحلام الصبيانيّة هو بالذات نقطة الإنطلاق للصين نحو الإزدهار و القوّة . إنّ الشعب الصينيّ قد تعلّم أشياء كثيرة خلال حرب المقاومة ضد اليابان ، فقد أدرك أنّه من الضروري بناء صين قائمة على الديمقراطيّة الجديدة مستقلّة حرّة ديمقراطيّة موحّدة مزدهرة و قويّة بعد هزيمة الغزاة اليابانيّين ، و أن هذه العوامل مترابطة لا يستغنى عن أي منها . و إذا تحقّق ذلك فستنفتح أمام الصين الآفاق . إنّ تحرير القوى المنتجة للشعب الصينيّ و تقديم إمكانيّات وافرة لتطوّرها هما مرهونان بتحقيق الشروط السياسيّة للديمقراطيّة الجديدة في جميع أرجاء الصين . إنّ عدد الذين يفهمون هذه النقطة أخذ يزداد يوما بعد يوم . " (21) ( م 3 ، ص 345-346 )
هنا شدّد ماو على المبدأ الأساسيّ و مفاده أنّ الثورة كانت القوّة المحرّكة للمجتمع و أساس إطلاق العنان للقوى المنتجة و أنّ تحرير الأمّة الصينيّة و الشغّالين الصينيّين بصورة خاصة و بناء بلد مزدهر يلبّى حاجيات الجماهير الشعبيّة كلّها ، كلّ هذا مرتهن ب " وضع السياسة في مصاف القيادة " . كانت تلك الحقيقة الجوهريّة التي شدّد عليها مرارا و تكرارا ماو، ليس في المضيّ بالثورة الديمقراطيّة الجديدة نحو النصر فقط بل أيضا في مرحلة الثورة الإشتراكيّة التي تبعت ذلك النصر.

قتال الإنهزاميّة

مثلما جرت الإشارة إلى ذلك قبلا ، وُجدت قوى داخل الحزب الشيوعي ذاته ، و بعضها عارض أصلا تشكيل الجبهة المتّحدة ضد اليابان ، عندما تشكّلت الجبهة المتّحدة إنتقلت إلى سياسة إستسلاميّة تماما و دعت إلى إخضاع المفترض أو حتّى الفعليّ للحزب الشيوعي و القوّات المسلّحة و حتّى المناطق المحرّرة في ظلّ قيادته ، إلى تحكّم الكيومنتانغ . و عند خوض صراع حاد جدّا صلب الحزب الشيوعي لهزم هذه النزعات ، أجلى ماو العلاقة بين خطّ الإستسلام الطبقي المقدّم في صفوف الحزب الشيوعي و خطّ إستسلام وطني للإمبرياليّة اليابانيّة في ما يتّصل بصراع الأمّة الصينيّة ككلّ . و بيّن ماو كيف أنّ هتين النزعتين الإستسلاميّتين كانتا مرتبطتين و كلّ منهما تعزّز الأخرى . (22) ( أنظروا مثلا " الوضع و المهمّات في حرب المقاومة ضد اليابان بعد سقوط شانغهاي و تاي يوان " المكتوب في نوفمبر 1937 ؛ م 2 ، ص 92-93 )
وحدها البروليتاريا و حزبها الشيوعي ، كما أكّد ماو بصفة متكرّرة و ناضل من أجل ذلك ، إستطاعا أن يقودا مقاومة شاملة لليابان و إستطاعا أن يخوضا النضال إلى بلوغ الإنتصار النهائيّ . وحدها البروليتاريا و حزبها الشيوعي بوسعهما ، في الظروف التاريخيّة الملموسة للصين و الوضع العالمي ، أن يقودا الثورة الديمقراطيّة البرجوازيّة في الصين إلى النصر ، ناهيك عن قيادها قُدما إلى مرحلة الثورة الإشتراكيّة .
أثناء فترة الجبهة المتّحدة ضد اليابان و حرب المقاومة ضد اليابان ، و كذلك أثناء الثورة الصينيّة ككلّ ، لم يؤسّس ماو خطّ و سياسة الحزب الشيوعي على تحليل القوى الطبقيّة داخل الصين و الوضع في البلاد ككلّ فحسب بل أيضا على تحليل الوضع العالمي في ما يتّصل بمختلف المراحل و ما يتّصل بالقوى الطبقيّة المشاركة في الصراع على الصعيد العالمي . و في سبتمبر 1939 ، عندما إندلعت الحرب العالميّة الثانية ، حلّل ماو في الحال طابعها الإمبريالي من الجانبين و أكّد :
" إنّ الحرب التي إندلعت الآن ، أكانت من الجانب الأنجلوفرنسي أم من الجانب الألماني ، حرب غير عادلة ، حرب قرصنة، حرب إمبرياليّة . فيجب على جميع الأحزاب الشيوعيّة و جميع الشعوب في بلدان العالم أن ينهضوا لمعارضة هذه الحرب و أن يفضحوا الطابع الإمبريالي الذى يحمله كلّ من الجانبين المتحاربين ، أي الطابع الذى لا يجلب لشعوب العالم سوى الأضرار من دون أيّة منفعة على الإطلاق ، كما يجب أن يفضحوا تلك الأعمال الإجراميّة التي إرتكبتها الأحزاب الإشتراكية الديمقراطيّة وهي خيانتها لمصالح البروليتاريا بتأييدها الحرب الإمبرياليّة ...لقد شنّت ألمانيا الحرب من أجل نهب الشعب البولندي و من أجل سحق أحد أجنحة الجبهة الإمبرياليّة الأنجلوفرنسيّة . فهذه الحرب من حيث طبيعتها ، حرب إمبرياليّة لا ينبغي العطف عليها بل يجب مناهضتها . " (23) ( م 2 ، ص 382-383-385 )
و من الناحية الأخرى ، ثابر ماو على التطبيق الصحيح لسياسة إستخدام التناقضات صلب القوى الرجعيّة بما في ذلك بين الكتلتين الإمبرياليّتين المنخرطتين فى الحرب الإمبرياليّة زمنها . و جعل هذا من الممكن أن تتواصل الجبهة المتّحدة مع تشانغ كاي تشاك ، عميل الإمبرياليّة الأمريكيّة و البريطانيّة ، و على قاعدة أوسع وحدة ممكنة لخوض مقاومة العدوان الياباني في الصين دون السقوط في سياسة الوقوف إلى جانب كتلة من الكتلتين الإمبرياليّتين ضد الكتلة الأخرى . و واقع أنّ الطابع العام للحربالعالميّة حينها كان إمبرياليّا لم ينفِ الدور الثوري لحرب مقاومة الأمّة الصنيّة ضد اليابان ، و العكس بالعكس .

الإستقلاليّة و المبادرة صلب الجبهة المتّحدة

و قد كانت مسألة الحفاظ على إستقلاليّة و مبادرة الحزب الشيوعي و القوّات المسلّحة و المناطق المحرّرة تحت قيادته حيويّة للحفاظ على الخطّ الثوريّ في هذا الوضع و الإستيعاب الصحيح و معالجة العلاقةب ين النضال في الصين والنضال العالمي . و دون هذا ، كان الحزب الشيوعي ، بالفعل ، سيقود جماهير الشعب الصينيّ إلى الإلتحاق و الإرتهان بكتلة إمبرياليّة في وضع حرب بين القوى الإمبرياليّة . و بالضبط بالحفاظ على و القتال لأجل المبادرة و الإستقلاليّة ، تمكّن الحزب الشيوعي من أن يواصل الحفاظ الصحيح على الجبهة المتّحدة و من أن يخوض حرب المقاومة ضد اليابان .
و لاحقا ، أدخل الهجوم الألماني على الإتّحاد السوفياتي سنة 1941 تغييرا في الطبيعة العامة للحرب العالميّة الثانية من حرب بين القوى الإمبرياليّة إلى حرب طابعها الأساسيّ و هدفها العام كان الدفاع عن الإشتراكيّة و إنتصار القوى المتحالفة مع الإتّحاد السوفياتي . في تلك الظروف ، إستمرّ ماو في معارضة الخطّ الذى صار أقوى في تلك الفترة ، خطّ ربط الحزب الشيوعي و القوّات المسلّحة و المناطق المحرّرة تحت قيادته بالكيومنتانغ و سادته البريطانيّين و الأمريكان . و إستمرّ في القتال من أجل سياسة الحفاظ على الإستقلاليّة و المبادرة و في النضال من أجل قيادة البروليتاريا في الحرب المناهضة لليابان . و مرّة أخرى ، هذا المنهج الصحيح و هذا الخطّ الصحيح الذى قاد إلى انتصار الشعب الصينيّ في الحرب ضد اليابان و حال دون قطف تشانغ كاي تشاك و أسياده الإمبرياليّين لثمار إنتصار النضال البطولي للشعب الصينيّ .
و كجزء هام من الإستراتيجيا الثوريّة ، عرف ماو كيف يأخذ بعين النظر و يستخدم التناقضات في صفوف المعسكر الرجعيّ بهدف التقدّم بالثورة في كلّ لحظة . لكنّه عرف أيضا و سلّح الناس بفهم الإختلاف بين مثل هذه التناقضات و التناقض الأساسي بين الشعب و الرجعيّين . فكان هذا حيويّا لكلّ من إنجاز الثورة في مرحلة معيّنة و بناء القوى الثوريّة للجماهير و الإعداد للتقدّم بالثورة إلى المرحلة التالية و في نهاية المطاف إلى الإنتصار الكامل .

الثورة الديمقراطيّة الجديدة

خلال الحرب المناهضة لليابان ، طوّر ماو أكثر نظريّة و إستراتيجيا الديمقراطيّة الجديدة و تطبيقها على الظروف الملموسة في الصين وقتها . " الثورة الصينيّة و الحزب الشيوعي الصيني " المكتوب في ديسمبر 1939 ، و " حول الديمقراطيّة الجديدة " المكتوب في جانفي 1940 و كلاهما عملان كبيران لتلك الفترة فيهما زاد ماو من تطوير و صياغة خطّ الثورة الديمقراطيّة الجديدة . في " الثورة الصينيّة و الحزب الشيوعي الصينيّ " بوجه خاص ، طوّر ماو أكثر التحليل الطبقي الذى أنجزه أوّل ما أنجزه في " تحليل لطبقات المجتمع الصيني " سنة 1926 و بوجه خاص طبّق التحليل الطبقي على الوضع حينها و على إصطفاف القوى المتباينة في الصين في الحرب ضد اليابان .
و بعد ذلك ، في العمل نفسه ( " الثورة الصينيّة و الحزب الشيوعي الصيني " ) ، عند عرض طبيعة الثورة الصينيّة ، شرح ماو بصفة شاملة :
" إلى أيّ نوع من الثورات تنتمى الثورة الصينيّة في مرحلتها الحاليّة على وجه التحديد ؟ أهي ثورة ديمقراطيّة برجوازيّة أم ثورة إشتراكيّة بروليتاريّة ؟ من الواضح أنّها ليست من النوع الثاني ، بل من النوع الأوّل ...
بيد أنّ الثورة الديمقراطّة البرجوازيّة الجارية حاليّا في الصين ، ليست ثورة ديمقراطيّة برجوازيّة من الطراز القديم و العام، إذ أنّ هذا الطراز من الثورة قد فات أوانه ، بل هي ثورة ديمقراطيّة برجوازيّة من طراز جديد و خاص . و يأخذ هذا الطراز من الثورة في النهوض حاليّا في الصين و في كافة البلدان المستعمَرَة و شبه المستعمَرَة الأخرى ، و نحن نسمّيه ثورة الديمقراطيّة الجديدة . إنّ ثورة الديمقراطيّة الجديدة هذه جزء من الثورة الإشتراكيّة البروليتاريّة العالميّة ، فهي تناهض بكلّ حزم الإمبرياليّة أي الرأسماليّة الدوليّة . إنّها تسعى ، في المجال السياسيّ ، إلى تحقيق دكتاتوريّة مشتركة لعدّة طبقات ثوريّة على الإمبرياليّين و الخونة والرجعيّين ، وهي تعارض تحويلالمجتمع الصينيّ إلى مجتمع تمارس البرجوازيّة فيه الدكتاتوريّة. و إنّها تهدف ، في المجال الاقتصادي ، إلى تأميم رؤوس الأموال الضخمة و المشروعات الكبرى التابعة للإمبرياليّين و الخونة و الرجعيّين ، و توزيع الأراضي التي في حوزة ملاّك الأراضى على الفلاّحين ، مع الإبقاء على المشروعات الرأسماليّة الخاصة بصورة عامة ، و عدم إلغاء إقتصاد الفلاّحين الأغنياء . و هكذا و رغم أنّ هذه الثورة الديمقراطيّة من الطراز الجديد هي ، من جهة ، تمهّد السبيل أمام الرأسماليّة ، إلاّ أنّها ، من جهة أخرى ، تخلق أيضا الشروط الأوّليّة للإشتراكيّة . إنّ المرحلة الحاليّة من الثورة الصينيّة هي مرحلة إنتقال بين إنهاء المجتمع المستعمَر و شبه المستعمَر و شبه الإقطاعي و بين إقامة مجتمع إشتراكي ، هي مرحلة ثورة الديمقراطيّة الجديدة . و لم تبدأ هذه المرحلة إلاّ بعد الحرب العالميّة الأولى و ثورة أكتوبر الروسيّة ، و قد بدأت في الصين مع حركة 4 مايو ( أيار ) 1919 . إنّنا نقصد بثورة الديمقراطيّة الجديدة الثورة المناهضة للإمبرياليّة و الإقطاعيّة التي تخوضها جماهير الشعب الغفيرة بقيادة البروايتاريا . و لا بدّ أن يمرّ المجتمع الصينيّ بهذه الثورة لكي يتقدّم خطوة أخرى إلى الأمام و يصل إلى المجتمع الإشتراكي ، و إلاّ فلن يستطيع الوصول إليه . " (24 ) ( م 2 ، ص 451-452 )
وفى ختام هذا العمل ، لخّص ماو تطوّر الثورة الصينيّة على النحو التالي :
" إنّ إنجاز ثورة الصين الديمقراطيّة البرجوازيّة ( ثورة الديمقراطيّة الجديدة ) ، و الإنتقال منها إلى الثورة الإشتراكيّة عندما تتوفّر جميع الشروط الضروريّة – إنّ هذا ليشكّل كلّ المهمّة الثوريّة المجيدة و العظيمة التي تقع على كاهل الحزب الشيوعي الصيني ... الثورة الديمقراطيّة هي التمهيد اللازم للثورة الإشتراكيّة ، و الثورة الإشتراكيّة هي النتيجة الحتميّة للثورة الديمقراطيّة . و الهدف النهائي لجميع الشيوعيّين هو أن يحقّقوا بكلّ الجهود مجتمعا إشتراكيّا و مجتمعا شيوعيّا تحقيقا كلّيا. و لا يمكننا قيادة الثورة الصينيّة قيادة صحيحة إلاّ إذا فهمنا جيّدا أوجه الخلاف و الروابط على السواء بين الثورة الديمقراطية و الثورة الإشتراكيّة ." (25) ( م 2 ، ص 456-457 )


القيادة البروليتاريّة المفتاح

ما مثّل الصلة بين الثورتين و الظروف الضروريّة ككلّ من إنتصار الثورة الديمقراطيّة و التقدّم نحو الثورة الإشتراكيّة كان قيادة البروليتاريا . و هذا شيء قاتل ماو من أجله بصفة مستمرّة و قدّم القيادة لبلوغه . كان نقطة أساسيّة شرحها المرّة تلو المرّة بما في ذلك في هذا العمل ، و شرط صارع بصفة متكرّرة و مصمّمة داخل الحزب الشيوعي وخارجه لتحقيق ذلك و تطويره .
و في " حول الديمقراطيّة الجديدة " ، حلّل ماو و طوّر الثورة الديمقراطيّة البرجوازيّة في الصين و خطّ الديمقراطيّة الجديدة. و شرح أنّ الديمقراطيّة الجديدة ستكون مرحلة الثورة الصينيّة لفترة معبّرة و أنّها " ستمرّ خلال سيرها بعدّة مراحل بسبب التبدّلات الطارئة على معسكر العدوّ و على صفوف الحلفاء ، بيد أنّ طبيعتها الأساسيّة ستبقى كما هي دون تبدّل . " (26) ( م 2 ، ص 480 )
و مرّة أخرى ، في هذا العمل ، أعار ماو إهتماما خاصا لتحليل دور البرجوازيّة في الثورة الصينيّة و شرح كيف أنّها تحتلّ مكانة مختلفة في الصراع مقارنة بالبرجوازيّة في روسيا القيصريّة . و مثّل هذا مظهرا هاما كانت فيه الثورة الصينيّة تختلف عن الثورة الروسيّة حتّى و إن وُجدت في الأخيرة مرحلة ثورة ديمقراطيّة برجوازيّة سبقت الثورة البروليتاريّة الإشتراكيّة. و في الآن نفسه ، فسّر ماو نزعة البرجوازيّة الصينيّة إلى إقامة تسوية مع العدوّ و واقع أنّها لم تكن طبقة ثوريّة صراحة في الصين وقتها كما كانت البرجوازيّات في البلدان الرأسماليّة الغربيّة في فترة صعود الرأسماليّة هناك . (27) ( م 2 ، ص487 )
و مطبّقا هذا على الوضع في الصين زمنها ، أكّد ماو أنّ " من يستطيع اليوم أن يقود الشعب لطرد الإمبرياليّة اليابانيّة و يطبّق السياسة الديمقراطيّة فإنّه منقذ الشعب . و لقد أثبت التاريخ أنّ البرجوازيّة الصينيّة لا تستطيع أن تتحمّل هذه المسؤوليّة التي لا بدّ أن تقع على عاتق البروليتاريا ." ( 28) ( م 2 ، ص 487 )
و أسترسل ماو ليشير إلى أنّ " في الصين الحاليّة فإنّ الجبهة المتحدة ضد اليابان هي بالضبط التي تمثّل شكل دولة الديمقراطيّة الجديدة . " (29) ( م 2 ، ص 489 ) و كان هذا منسجما ليس مع التحليل الصحيح للمرحلة الضروريّة من الديمقراطيّة الجديدة عامة فحسب بل كذلك نضال الأمّة الصينيّة ضد اليابان والخونة الصينيّين الذين تواطؤوا مع اليابان . لكن مجدّدا ، في هذه المرحلة الفرعيّة الخاصة من الثورة الصينيّة ، و بصورة أعمّ ، عامة ما أعطى الجبهة المتّحدة طابعها الثوريّ و ما حدّد المرحلة العامة من النضال على أنّها ديمقراطيّة جديدة هو ، كما أكّد ماو ، قيادة البروليتاريا و حزبها الشيوعي .
هذا هو الخطّ و هذه هي نظريّة و إستراتيجيا الديمقراطيّة الجديدة ، الذين قادوا البروليتاريا و الجماهير الشعبيّة الصينيّة و الأمّة الصينيّة ككلّ في كسب الإنتصار في حرب المقاومة المناهضة لليابان . و مثّل هذا النصر نهاية مرحلة فرعيّة خاصة ضمن المرحلة العامة للديمقراطيّة الجديدة . و هزيمة اليابان لم تستطع و لا تعنى نهاية الثورة الديمقراطيّة الجديدة في الصين لأنّها لم تمثّل بعدُ الإنتصار التام للشعب الصيني على الإمبرياليّة و عملائها المحلّيين ، خاصة طبقة الملاّكين العقّاريّين و البرجوازيّة الكبيرة ( لا سيما الرأسماليّين – البيروقراطيّين الذين دُمجت مراكمة رأسمالهم بموقعهم في الحكم في الدولة و دكتاتوريّة الحزب الواحد للكيومنتانغ ).

الحرب الأهليّة ضد الكيومنتانغ

بطبيعة الحال ، مع هزيمة الإمبرياليّة اليابانيّة ، حاول الإمبرياليّون الأمريكان ، إلى جانب و من خلال عميلهم تشانغ كاي تشاك ، أن يقطفوا ثمار هذا النصر . فقاد ماو الحزب الشيوعي الصيني في التفاوض بمهارة مع الكيومنتانغ ، و حتّى مقدّما بعض التنازلات بينما رفض المساومة على المبادئ الأساسيّة – التخلّى عن بعض المناطق المحرّرة لكن رفض التخلّى عن السلاح و تفكيك قوّاته المسلّحة و رفض الإستسلام إلى و رهن نفسه بالإمبرياليّة الأمريكيّة و عملائها الذين يمثّلهم تشانغ كاي تشاك .
كان خطّ الحزب الشيوعي الصيني في ظلّ قيادة ماو ، خلال و مع إنتصار الحرب ضد اليابان ، تحقيق تفكيك دكتاتوريّة تشانغ كاي تشاك للحزب الواحد ، ممثّلة مصالح الإمبرياليّة و الإقطاعيّة و الرأسماليّة – البيروقراطيّة ، و تعويضها بالدكتاتوريّة المشتركة للطبقات الثوريّة في الصين ، بقيادة البروليتاريا . كان ذلك هو شكل سلطة الدولة المناسب لمرحلة الديمقراطيّة الجديدة . وكان الشكل الأساسي للحكم الذى جرت ممارسته في المناطق المحرّرة في ظلّ قيادة الحزب الشيوعي.
لكن تشانغ كاي تشاك ، و من يقف وراءه من الإمبرياليّين ، خاصة الولايات المتّحدة ، رفض القبول بهذا . و لم يواصل الهجوم على الحزب الشيوعي و القوّات المسلّحة و المناطق المحرّرة تحت قيادته طوال كامل الحرب المناهضة لليابان فحسب ، و إنّما بالضبط بعد تحقيق الظفر في تلك الحرب ضد اليابان أقام الإستعدادات و شنّ هجوما شاملا ساعيا إلى فرض حكمه الرجعيّ على الصين بأكملها . إلاّ أنّ النتيجة كانت العكس بالضبط . و بفضل الخطّ الصحيح و قيادة ماو تسى تونغ ، عندما أطلق تشانغ كاي تشاك العنان للحرب الأهليّة ، تمكّن الحزب الشيوعي الصينيّ من فضح قوّات تشانغ كاي تشاك و عزلها التدريجي و هزمها ، لتتوسّع المناطق المحرّرة ، و خلال معركة سنوات ثلاث ، طُرد تشانغ كاي تشاك من الأراضي الأساسيّة و تمّ تحرير تقريبا كامل الصين ، موصلا الثورة الديمقراطيّة الجديدة إلى نهاية مظفّرة و مدشّنا عصر الإشتراكيّة في الصين .
لكن ، مجدّدا ، في الفترة الممتدّة بين هزيمة اليابان و بداية هذه المعركة النهائيّة لإتمام الثورة الديمقراطيّة الجديدة نشب صراع معتبر و شديد في صفوف الحزب الشيوعي الصيني بشأن مسألة ما إذا كان من الممكن أم لا خوض نضال ضد تشانغ كاي تشاك و إلحاق الهزيمة به و الحال أنّه مدعوم من قبل الإمبرياليّة الأمريكيّة . و قاد ماو هذا الصراع في صفوف الحزب الشيوعي الصيني ضد الذين بالغوا في قوّة الإمبرياليّة الأمريكيّة و وضعوا تشديدا كبيرا على القنبلة النوويّة و إعتقدوا أنّها جبّارة و حاسمة و الذين زرعوا الشكّ في قدرة الشعب الصيني و القوّات الثوريّة الصينيّة على خوض حرب تحرير مظفّرة ضد الإمبرياليّة الأمريكيّة و عميلها تشانغ كاي تشاك .

الصراع من أجل الإنتصار الثوري

و كجزء من هذا الصراع الهام و الحيويّ الداخلي في صفوف الحزب ، كتب ماو مقال " بعض التقديرات حول الوضع الدوليّ الراهن " في أفريل 1946 و فيه أكّد على أنّه بينما الإتّحاد السوفياتي سيتوصّل بطريقة صحيحة إلى بعض الإتّفاقيّات و التسويات مع البلدان الإمبرياليّة المنتصرة ، خاصة بريطانيا و فرنسا و الولايات المتّحدة ، مع ذلك ، " مثل هذه التسوية لا تتطلّب من شعوب العالم الرأسمالي بأن تقوم بالتالى بتسويات في داخل بلدانها ، إذ أنّ تلك الشعوب سوف تواصل خوض نضالات مختلفة طبقا لظروفها المغايرة ." (30 ) ( م 4 ، ص 108 )
لا مجال للشكّ هنا في أنّ ماو كان يفكّر ليس في النضال في البلدان الرأسماليّة ذاتها ، مثل بريطانيا و فرنسا و الولايات المتّحدة فقط بل أيضا في تلك المناطق حيث هذه القوى الإمبرياليّة و الولايات المتّحدة بصفة خاصة ، كانوا يبذلون طاقتهم للحفاظ على الهيمنة الإستعماريّة بشكل أو آخر . و مثلما شرح هامش لهذا المقال لماو تسى تونغ ، صيغت هذه الوثيقة إذ " أظهر بعض الرفاق من جرّاء مبالغتهم في تقدير قوّة الإمبرياليّة و إستصغارهم قوّة الشعوب و خوفهم من الإمبراليّة الأمريكيّة و خشيتهم من نشوب حرب عالميّة جديدة ، ضعفا أمام الهجمات المسلّحة التي شنّتها رجعيّة تشانغ كاي شيك الأمريكيّة ، و لم يجرؤوا على معارضة الحرب المعادية للثورة بالحرب الثوريّة معارضة حازمة . إنّ الرفيق ماو تسي تونغ كافح هذا التفكي الخاطئ في هذه الوثيقة ." ( 31 ) ( م 4 ، ص107 )
و أيضا كان ماو يعارض رأي ستالين الذى نصح وقتها الحزب الشيوعي الصيني بعدخوض صراع شامل من أجل السلطة ضد تشانغ كاي تشاك و بدلا من ذلك السعي إلى الحصول على أفضل إتّفاق ممكن معه حينها . و في هذا الصدد ستالين كذلك بالغ في قوّة الإمبرياليّة الأمريكيّة و إستهان بقوّة الشعب و قد مدّ هذا بالقوّة أولئك داخل الحزب الشيوعي الصيني الذين " لم يجرؤوا على معارضة الحرب المعادية للثورة بالحرب الثوريّة معارضة حازمة " . و ينبغي أن نلاحظ ، مع ذلك ، أنّ ستالين ( مثلما سيعلّق هو نفسه لاحقا ) كان فرحا لأنّ النضال الثوريّ امظفّرفى الصين أثبت خطأه . و ليس هناك ما يقال من أنّه كان على الشيوعيّين الصينيّين أن يقبلوا بالنصيحة الخاطئة لستالين. أن يفعلوا أو لا يفعلوا أمر مرتبط بخطّهم الخاص، كما تبيّن بنبذ ماو لهذه النصيحة و تجرّئه على قيادة حرب التحرير ضد تشانغ كاي تشاك و الإمبرياليّة الأمريكيّة - و لخوضها تماما إلى تحقيق النصر .
و كان هذا الصراع الإيديولوجي في صفوف الحزب الشيوعي الصيني حاسما في إرساء أسس القيادة الناجحة للجماهير في خوض حرب التحرير و بلوغ النهاية المظفّرة للثورة الديمقراطية الجديدة ، مقيّما مسارها المظفّر و معدّا للمرحلة التالية من الثورة ، لخّص ماو المسألة الحيويّة ، مسألة قيادة البروليتاريا . و أعاد التذكير بكيف أنّه قبلا كان التقدّميّون الصينيّون ييممون شطر الغرب لإنقاذ الصين و أخذوا " العلم الجديد " المستوردة و المتبنّاة من هناك كسلاح ضد الثقافة الإقطاعيّة القديمة في الصين .
" لمدّة طويلة " ، قال ماو ، متحدّثا عن الفترة الممتدّة من أربعينات القرن التاسع عشر إلى بدايت القرن العشرين ،
" ظلّ الذين تعلّموا هذا العلم الجديد مقتنعين ... بأنّ من شأنه أن ينقذ الصين ، و بإستثناء أتباع المدرسة القديم ، قلّما كان أنصار المدرسة الجديدة يشكّون في ذلك . إذن لا يمكن إنقاذ البلاد بغير تحديثها ، و لا سبيل إلى تحديثها سوى التعلّم من البلدان الأجنبيّة . و بين البلدان الأجنبيّة في ذلك العهد ، كانت البلدان الرأسماليّة الغربيّة وحدها تمثّل التقدّم ، إذ أسّست بنجاح دولا برجوازيّة حديثة . و لمّا أحرز اليابانيّون نتائج جيّدة بتعلّمهم من الغرب ، كان الصينيّون يتمنّون أيضا أن يتعلّموا من اليابانيّين ...
إنّ العدوان الإمبريالي حطّم أحلام الصينيّين الذين كانوا يجهدون للتعلّم من الغرب . إنّه لأمر عجيب ، لماذا كان المعلّمون يقترفون العدوان دائما ضد تلاميذهم ؟ إنّ الصينيّين تعلّموا أشياء كثيرة من الغرب و لكنّهم كانوا يصطدمون بالواقع ، مثلهم لم تكن تتحقّق دائما . إنّ نضالاتهم المتكرّرة ، بما فيها الحركة ذات النطاق الوطني كثورة عام 1911 ، إنتهت جميعا بالفشل. و كان وضع البلاد يسوء من يوم إلى يوم و ظروفها تسدّ على الحياة مسالكها . و تولّدت الشكوك و نمت و تطوّرت . إنّ الحرب العالميّة الأولى هزّت الكرة الأرضيّة كلّها . لقد قام الروس بثورة أكتوبر و أنشأوا أوّل دولة إشتراكيّة في العالم . و تحت قيادة لينين و ستالين ، فإ،ّ الطاقة التي ظلّت كامنة و غير منظورة بالنسبة إلى الأجانب ، تفجّرت فجأة كبركان ، فإذا الصينيّون و البشريّة قاطبة بدأوا ينظرون إلى الروس نظرة جديدة . حينذاك و حينذاك فقط ظهر عهد جديد تماما في تفكير الصينيّين و حياتهم . و لمّا إكتشفوا هذه الحقيقة الشاملة الصحّة ، الماركسية – اللينينيّة أخذ وجه الصين يتغيّر ." ( 32) ( م 4 ، ص 521-522)
و على هذا النحو ، إستخلص ماو ، تمكّنت الصين من الإبحار على الطريق الثوري للديمقراطيّة الجديدة . و على هذا النحو، تمكّنت من التقدّم نحو " جمهوريّة شعبيّة بقيادة الطبقة العاملة " ، و إلى الإشتراكيّة المنقذ الحقيقيّ للشعب الصيني .

المساهمات الفلسفيّة

لم يصغ ماو خطّ الديمقراطيّة الجديدة في إطار الصراع السياسي و لم يقد المعركة على كافة اجبهات لتركيز قيادة البروليتاريا من أجل إنجاز الثورة الديمقراطيّة الجديدة و التقدّم صوب المرحلة الإشتراكيّة و حسب بل قام كذلك بمساهمات هامة في مجال الفلسفة الماركسيّة كجزء ضروريّ من تطوير خطّ الثورة الديمقراطية الجديدة و الدفاع عنه و تطبيقه .
سنة 1937 ، في الفترة الأولى من الجبهة المتّحدة ضد اليابان و الحرب المناهضة لليابان ، ألّف ماو عملين فلسفيّين عميقين هما " في الممارسة العمليّة " و " في التناقض " . و أسهم هذان العملان إسهاما هائلا في تطوير الفلسفة الماركسيّة عامة. لكن بالأخصّ إستهدفا الكفاح ضد نزعات خاطئة داخل الحزب الشيوعي الصيني وقتها في ما يتّصل بالصراع الدائر : كلاّ من نزعة إنكار الحاجة إلى الجبهة المتّحدة و الإخفاق في الإعتراف بالمرحلة الراهنة للصراع المتميّزة بحرب المقاومة ضد اليابان ، من جهة ، و من الجهة الأخرى ، نزعة إنكار الحاجة إلى الدور القيادي للبروليتاريا في الجبهة المتّحدة ، لربط البروليتاريا و الحزب الشيوعي بالكيومنتانغ و القوى الطبقيّة التي كان يمثّلها و بالتالى الإخفاق في القيام بالتحضيرات في المرحلة الراهنة من الصراع للتقدّم مستقبلا نحو إستكمال الثورة الديمقراطية الجديدة و الشروع في الثورة الإشتراكيّة .
في " في الممارسة العمليّة " ، أوضح ماو الأساس الفلسفي بالخصوص لنظريّة المعرفة لكلّ من هذين الخطّين اليميني و " اليساري " :
" بيد أنّه كثيرا ما يحدث أن يتخلّف التفكير عن الواقع ، و السبب في ذلك يعود إلى أنّ معرفة الإنسان مقيّدة بظروف إجتماعيّة عديدة . إنّنا نعارض المتعنّتين في صفوف الثورة ، إذ أنّ تفكيرهم يعجز عن مجاراة تغيّرات الظروف الموضوعيّة فأظهروا أنفسهم تاريخيّا في صورة الإنتهازيّة اليمينيّة . إنّ هؤلاء الناس لا يدركون أنّ صراع التناقضات قد دفع العمليّة الموضوعيّة إلى الأمام ، فبقيت معرفتهم في مرحلتها القديمة . هذه هي الخاصيّة الملازمة لتفكير جميع المتعنّتين . و بما أنّ تفكيرهم ينفصل عن الممارسة العمليّة الإجتماعيّة ، فلا يمكنهم أن يتقدّموا ليقودوا عجلة المجتمع ، و كلّ ما يمكنهم عمله هو أن يتخلّفوا وراء العجلة متذمّرين من سرعتها الفائقة و محاولينجرّها إلى الوراء أو تحويلها في الإتّجاه المعاكس .
و نحن نعارض كذلك ثرثرة " اليساريّين " الفارغة . إذ أنّ تفكيرهم يتخطّى المرحلة المعيّنة من مراحلتطوّر العمليّة الموضوعيّة ، فيحسب بعضهم الأوهام التي يحملونها كأنّها حقائق ، و آخرون منهم يتكلّفون في الوقت الحاضر تحقيق مثل أعلى لا يمكن أن يتحقّق إلاّ في المستقبل ، منعزلينعن الممارسة العمليّة الراهنة التي تباشرها غالبيّة الناس و عن الواقع الحالي ، و يتجسّد تفكيرهم هذاعمليّا في صورة المغامرة ." (33) ( م 1 ، ص 448-449 )

سيرورة التطوّر

و أكثر من ذلك ، حلأّل ماو من وجهة نظر فلسفيّة أساس التغيّر في الثورة الديمقراطيّة – البرجوازيّة الصينيّة من الثورة الديمقراطيّة القديمة إلى الثورة الديمقراطيّة الجديدة ،و أساس المراحل الفرعيّة داخل ثورة الديمقراطيّة الجديدة ، و أيضا أساس التقدّم من الديمقراطيّة الجديدة إلى الثورة الإشتراكيّة :
" إنّ التناقض الأساسيّ في عمليّة تطوّر شيء ما ، و جوهر العمليّة يحدّده هذا التناقض الأساسي ، لن يتلاشيا قبل إكتمال العمليّة ؛ لكن الوضع في كلّ مرحلة من مراحل عمليّة التطوّر الطويلة للشيء كثيرا ما يختلف عن وضع مرحلة أخرى . و السبب في ذلك أنّه على الرغم من أنّ طبيعة التناقض الأساسي في عمليّة تطوّر شيء ما و جوهر العمليّة لا يتغيّران ، إلاّ أنّ التناقض الأساسي يتزايد حدّة في المراحل المختلفة من عمليّة التطوّر الطويلة . و فضلا عن ذلك فإنّ بعضا من التناقضات العديدة ، الكبيرة منها و الصغيرة ، التي يحدّدها التناقض الأساسي أو يؤثّر فيها يصبح متزايد الحدّة ،و البعض الآخر يحلّ مؤقّتا أو جزئيّا أو تخفّ حدّته ، و إنّ تناقضات جديدة تنبثق ، و بنتيجة ذلك تظهر في العمليّة مراحل مختلفة . فإذا لم يعر الناس إنتباها لوجود مراحل مختلفة في عمليّة تطوّر شيء ما فإنّهم لن يستطيعوا معالجة تناقضاته كما يجب ...
و إذا نظرنا إلى عمليّة الثورة الديمقراطيّة البرجوازيّة في الصين ، التي بدأت بثورة 1911 ، وجدنا أيضا مراحل خاصة متعدّدة . فالثورة في فترة قيادة البرجوازيّة لها و الثورة في فترة قيادة البروليتاريا لها تتمايزان على الأخصّ ، كمرحلتين تاريخيّتينمختلفتين إختلافا كبيرا . ذلك أنّ القيادة التي مارستها البروليتاريا غيّرت وجه الثورة بصورة جذريّة ، و أدّت إلى ترتيب جديد في العلاقات الطبقيّة ، و إلى إنطلاق عظيم في ثورة الفلاّحين ، و منحت الثورة الموجّهة ضد الإمبرياليّة و الإقطاعيّة صفة الحزم الذى لا يعرف المهادنة ، و جعلت من الممكن الإنتقال من الثورة الديمقراطيّة إلى الثورة الإشتراكيّة، و هلم جرّا . و ما كان يمكن أن تحدث هذه الأشياء كلّها عندما كانت الثورة بقيادة البرجوازيّة . و على الرغم من أنّه لم يحدث تبدّل في طبيعة التناقض الأساسي في العمليّة كلّها ، أي في طبيعة هذه العمليّة بوصفها ثورة ديمقراطيّة مناهضة للإمبرياليذة و الإقطاعيّة ( و نقيضها هو طبيعة البلاد كشبه مستعمَرَة و بلد شبه إقطاعي ) ؛ فإنّ العمليّة قد إجتازت مع ذلك مراحل عديدة من التطوّر في مدّة تزيد على عشرين عاما ...
و كانت هذه المراحل تحتوى على أوضاع خاصة ، مثل إشتداد بعض التناقضات ( حرب الثورة الزراعيّة و الغزو الياباني للمقاطعات الشماليّة الشرقيّة الأربع مثلا ) ، و الحلّ الجزئي أو المؤقّت لتناقضات أخرى ( تصفية أمراء الحرب الشماليّين و مصادرتنا للأراضي التي في يد ملاّك الأراضي مثلا ) ، و الإنبثاق الجديد لتناقضات أخرى ( الصراع بين أمراء الحرب الجدد ، و إستعادة ملاّك الأراضي لأراضيهم بعد أن فقدنا القواعد الثوريّة في الجنوب مثلا ). (34) ( " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 472-473-474؛ باللغة العربيّة ، دار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين 1977)
و كما تمّت ملاحظة ذلك قبلا ، لعملي " في الممارسة العمليّة " و " في التناقض " تطبيق دائم و عام و قد أثريا إثراء عظيما الفلسفة الماركسيّة ، كانت أهمّيتهما خاصة و حيويّة في الثورة الصينيّةفى تلك المرحلة الخاصة من إرساء أساس التقدّم من الحرب المناهضة لليابان إلى إستككمال الثورة الديمقراطيّة في الصين على قاعدة جديدة و التقدّم على هذا النحو بإتّجاه الإشتراكيّة . و كما لاحظنا في بداية هذا الفصل ، إنتصار الثورة الديمقراطيّة الجديدة في الصين و تقدّم الصين نحو الإشتراكيّة كان يمثّل قفزة كبرى إلى الأمام ليس بالنسبة إلى الشعب الصينيّ و حسب و إنّما أيضا لشعوب العالم قاطبة في نضالها ضد الإمبرياليّة و الرجعيّة و في سبيل الإشتراكيّة و في نهاية المطاف الشيوعيّة . و قد أحدث ذلك تغيّرات عميقة ليس في الصين فقط بل في كامل الوضع العالمي و في الصراع الطبقيّ عالميّا . و مثلما جاء في تلخيص بتصريح للأجهزة القياديّة للحزب الصيني و الدولة الصينيّة عند وفاة ماو تسى تونغ :
" أثناء فترة الثورة الديمقراطيّة الجديدة ، بإبداع رسم الرئيس ماو وفق الحقيقة العالميّة للماركسيّة – اللينينيّة و بمزجها مع الممارسة العملية للثورة الصينيّة ، الخطّ العام و السياسات العامة للثورة الديمقراطيّة الجديدة ، و أسّس جيش التحرير الشعبيّ الصيني و أشار إلى أنّ إفتكاك السلطة السياسيّة بالقوّة المسلّحة في الصين لا يمكن تحقيقه إلاّ بإتّباع طريق بناء قواعد إرتكاز ريفيّة ، و إستخدام الريف لمحاصرة المدن و في النهاية الإستيلاء على المدن ، و ليس أيّ طريق آخر . و قاد حزبنا و جيشنا و شعب بلادنا في إستعمال حرب الشعب للإطاحة بالحكم الرجعيّ للإمبرياليّة و الإقطاعيّة و الرأسماليّة – البيروقراطيّة ، محقّقا إنتصارا عظيما للثورة الديمقراطيّة الجديدة و مؤسّسا جمهوريّة الصين الشعبيّة . إنّ إنتصار الثورة الشعبيّة الصينيّة بقيادة الرئيس ماو قد غيّرت الوضع في الشرق و في العالم و أنارت طريقا جديدا في قضيّة تحرير الأمم المضطهَدَة و الشعوب المضطهَدَة ." ( 35) ( بالأنجليزيّة ، " مجلّة بيكين " عدد 38 ، 1976 ؛ 13 سبتمبر 1976 ، ص 7-8 )

الدفاع عن الأمميّة البروليتاريّة

كبلد إشتراكي ، جمهوريّة الصين الشعبيّة ، و كذلك الحزب الشيوعي الصيني في ظلّ قيادة ماو تسى تونغ ، واصلا دعم النضالات الثوريّة لشعوب العالم بما فيها نضالات التحرّر الوطني لشعوب البلدان المستعمَرَة .
و بالكاد أحرزت تحرّرها الخاص ، إتّحدت الصين مع الشعب الكوري في الحرب ضد عدوان الولايات المتّحدة في بدايات خمسينات القرن العشرين . و في الآن نفسه ، ساندت الصين نضالات شعوب الهند الصينيّة و شعوب مناطق أخرى ضد الإمبرياليّة و الرجعيّة . و زيادة على ذلك ، أواسط و أواخر خمسينات القرن العشرين و بعد ذلك ، مع تفسّخ الحزب السوفياتي و تحوّله إلى حزب تحريفي و خيانة خروتشاف و بريجناف و آخرين ، و إعادة تركيز الرأسماليّة فى الإتّحاد السوفياتي ، خاض الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسى تونغ صراعا حيويّا ضد الطبقة البرجوازيّة السوفياتيّة الحاكمة بما فى ذلك صراعا إيديولوجيّا نشيطا لفضح و تعرية و قتال الماركسيّة المزيّفة و خيانة هؤلاء التحريفيّين السوفيات المعادية للثورة .
و من أهمّ محاور هذا الصراع كان مسألة مساندة أو عدم مساندة الحركات الثوريّة لشعوب آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة، التي تحوّلت إلى إعصار قويّ ضد الإمبرياليّة إثر الحرب العالميّة الثانية . و كان مقال " مدافعون عن الحكم الإستعماري الجديد " مقالا هاما كتبه الحزب الشيوعي الصيني في سياق جداله ضد التحريفيّين السوفيات بشأن هذه المسألة الحيويّة .
كُتب هذا المقال سنة 1963 عندما كان التحريفيّون السوفيات منغمسين كلّ الإنغماس في سيرورة إعادة تركيز شاملة للرأسماليّة في الإتّحاد السوفياتي و كانت علاقتهم العامة بالإمبرياليّة الأمريكيّة حينها تتميّز بالإستسلام لها و التعاون معها. و مع ذلك " مدافعون عن الحكم الإستعماري الجديد " أرسى أسس تحليل و مبادئ أساسيّة تكتسى أهمّية كبرى و صلوحيّة كبرى اليوم في وضع حيث جدّت تغيّرات لها دلالتها في العام ، حيث محلّ النزاع كمظهر رئيسيّ للعلاقة بين الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة حلّ التوافق و حيث لم تعد الإمبرياليّة الأمريكيّة وحدها أكبر مستغلّ و مضطهِد في العالم و معقلا للإستعمار . و اليوم القوّتـان الأعظم ، و كلاهما تمارسان الإستعمار الجديد ، هما العدوّان الساسيّان لشعوب العالم و يجب عامة أن تكونا هدف نضالات التحرّر الوطني في آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة .
و في ذلك المقال ، بيّن الحزب الشيوعي الصيني بدقّة في ما يتّصل بنضالات آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة :
" إنّ أحد الخطوط الفاصلة الهامّة بين الماركسيّين اللينينيّين من جانب و المحرّفين المعاصرين من الجانب الآخر هو الموقف الذى يتّخذه كلّ من الجانبين تجاه هذه القضيّة التى أصبحت فى أقصى درجات الحدّة فى السياسة العالميّة المعاصرة . إنّ الماركسيين الليننيين يقفون بحزم إلى جانب الأمم المضطهّدة ، و يؤيّدون حركة التحرّر الوطني تأييدا نشيطا . أمّا المحرّفون المعاصرون فهم يقفون فى الواقع مع المستعمِرين و الحكّام الإستعماريّين و ينكرون و يقاومون حركة التحرّر الوطني بكلّ وسيلة ممكنة ." (36)
( باللغة العربيّة ، " مدافعون عن الحكم الإستعماري الجديد" ؛ صحيفة " جينمينجباو " و مجلّة " العلم الأحمر" – 22 أكتوبر 1963 ؛ طبع فى جمهورية الصين الشعبية – دار النشر باللغات الأجنبية ، بيكين 1963 + الفصل الرابع من كتاب شادي الشماوي،" نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفياتية 1956 - 1963 : تحليل و وثائق تاريخية"؛ مكتبة الحوار المتمدّن ، ص 95 )

الموقف من الحركات الثوريّة

حاول التحريفيّون السوفيات أن يخرّبوا و عمليّا أن يقمعوا حركات الشعوب الثوريّة في البلدان المستعمَرَة و ذلك لأنّهم كانوا يخشون ، و هم محقّون في ذلك ، أن تشوّش هذه الحركات على تعاونهم مع إمبرياليّو الولايات المتّحدة و محاولاتهم للظهور كقوّة عظمى . فإدّعى خروتشاف و زمرته أنّ النظام الإستعماري كان قاب قوسين أو أدنى من الإضمحلال في آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة و أنّه لم يعد هناك أيّ نضال جماهيري ثوري له دلالة يُخاض من أجل التحرّر الوطني في هذه المناطق. و بالفعل ، كان خروتشاف يعتبر مثل هذه النضالات في منتهى الخطورة .
و في إطار الردّ على ذلك ، أشار الحزب الشيوعي الصيني إلى أنّ :
" إنّ الحقائق واضحة . و لم يتخلّ المستعمِرون ، بعد الحرب العالميّة الثانية ، عن الحكم الإستعماري بكلّ تأكيد ، و لكنّهم فقط تبنّوا شكلا جديدا هو الحكم الإستعماري الجديد . إنّ إحدى المميّزات الهامّة لمثل هذا الحكم الإستعماري الجديد هي أن المستعمِرين قد أجبروا على تغيير أسلوبهم القديم – أسلوب الحكم الإستعماري المباشر فى بعض المناطق و إتباع أسلوب جديد فى الحكم و الإستغلال الإستعماريين بالإعتماد على العملاء الذين إختاروهم و درّبوهم لهذا الغرض . إنّ المستعمِرين برئاسة الولايات المتحدة يسيطرون أو يستعبدون البلدان المستعمَرة و البلدان التى أعلنت إستقلالها و ذلك عن طريق تنظيم الكتل العسكرية ، وإنشاء القواعد العسكرية ، و إقامة " الإتحادات " أو " المجموعات " و تدعيم الأنظمة القرقوزية . كما أنّهم ، عن طريق " المعونة " الإقتصادية او الأشكال الأخرى ، يبقون هذه البلدان أسواقا لبضائعهم ، و مصادر المواد الأولية ، و منافذ لتصدير رؤوس أموالهم كما ينهبون ثرواتها و يمتصّون دماء شعوبها . و بالإضافة لذلك يستخدمون الأمم المتّحدة كأداة هامة للتدخّل فى الشؤون الداخليّة لمثل هذه البلدان و لممارسة العدوان العسكري و الإقتصادي و الثقافي عليها. و عندما يعجزون عن مواصلة حكمهم لهذه البلدان بالوسائل " السلميّة " يلجأون إلى تدبير الإنقلابات العسكرية . و يقومون بالأعمال الهدّامة إلى حدّ اللجوء إلى التدخّل و العدوان المسلّحين المباشرين ...
إنّ الحكم الإستعماري الجديد هو حكم إستعماري أشدّ وبالا و شرّا . " (37) ( مصدر سابق ، ص 97 )
و فضح الحزب الشيوعي الصيني تمام الفضح إفلاس القادة التحريفيّين للحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي بصدد هذه القضايا الحيويّة . و نبّه إلى :
" لقد إبتكر قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ايضا " النظرية " التى تقول بأنّ حركة التحرّر الوطني قد دخلت " مرحلة جديدة " محورها المهمّات الإقتصادية . و حجّتهم هي أنّه بينما " كان النضال فى السابق أساسا فى المجال السياسي " أصبحت القضية الإقتصادية اليوم " المهمّة المركزيّة " و " الحلقة الأساسيّة فى دفع تطوّر الثورة "...
إنّ المهمّة الأوّلية و الملحّة التى تواجه هذه البلدان لا تزال هي دفع تطوير النضال ضد الإستعمار و الحكم الإستعماري القديم و الجديد و عملائهم . و لا يزال هذا النضال جاريا بعنف فى الميادين السياسيّة و الإقتصاديّة و العسكريّة و الثقافيّة و الإيديولوجيّة و غيرها . و لا تزال النضالات فى هذه الميادين تجد أقوى تعبير لها فى النضال السياسي ، الذى كثيرا ما يتطوّر لا محالة إلى نضال مسلّح عندما يلجأ المستعمِرون إلى القمع المسلّح المباشر أو غير المباشر . من المهمّ جدّا للبلدان المستقلّة حديثا أن تطوّر إقتصادها المستقلّ و لكن يجب ألاّ يفصل هذا الواجب أبدا عن النضال ضد الإستعمار و الحكم الإستعماري القديم و الجديد و عملائهم .
إنّ نظرية " المرحلة الجديدة " هذه التى يدافع عنها قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ، مثل نظرية " إختفاء الحكم الإستعماري " التى يروّجونها ، يقصد بها بوضوح تبييض النهب والعدوان اللذين يباشرهما الحكم الإستعماري الجديد المتمثّل بالولايات المتحدة فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية ، و ستر التناقضات الحادة بين الإستعمار و الأمم المضطهَدة ، و شلّ النضال الثوري لشعوب القارات .
و وفقا لنظريّتهم هذه ، فإنّ الكفاح ضد الإستعمار و الحكم الإستعماري القديم و الجديد و عملائهم ، لم يعد بالطبع ضروريّا، لأنّ الحكم الإستعماري أخذ يختفى و أصبح التطوّر الإقتصادي الواجب الرئيسي لحركة التحرّر الوطني . و إذا إتّبع المرء هذا المنطق ألا يصل إلى نتيجة أنّه يمكن الإستغناء تماما عن حركة التحرّر الوطني ؟ "
" و هناك فكرة طالما دعا لها قادة الحزب الشيوعي السوفياتي مرارا وهي أنّه بوسع قطر ما أن يبني الإشتراكية تحت أي قيادة كان نوعها حتّى إذا كانت تشتمل على قومي و رجعي كنهرو . وهذا أمر بعيد كلّ البعد عن فكرة القيادة البروليتارية."
(38 ) ( مصدر سابق ، ص 98 + 104 )

تواصل الحاجة إلى القيادة البروليتاريّة

و هذا لم يعن طبعا أنّ الصين لم تدعم بلدانا في آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة حتّى تلك التي كانت تحت قيادة أمثال نهرو و آخرين ، في مقاومتهم للهيمنة الإمبرياليّة . ساندت الصين هذه المقاومة بعدّة طرق و شجّعت تعزيز مثل هذه المقاومة . لكن ما يقع التشديد عليه هو أنّ مثل هذه المقاومة لا يمكن أن تعوّض و بالتأكيد لا يمكن أن تُرفع فوق النضال الثوري للجماهير و الحاجة إلى البروليتاريا و حزبها الشيوعي لقيادة حركة التحرّر الوطني نحو الإنتصار الكامل و تاليا يقود الجماهير في بناء الإشتراكية .
و أعاد الحزب الشيوعي الصيني تأكيد المبدأ الغاية في الأهمّية ألا وهو مبدأ العلاقة بين نضالات التحرّر الوطني في البلدان المستعمَرَة و نضالات البروليتاريا في البلدان الرأسماليّة المتقدّمة ،وحدتها المشتركة في القتال ضد الإمبرياليّة و من أجل الهدف النهائيّ للإشتراكيّة ، و في النهاية الشيوعيّة :
" لا يستطيع أحد أن ينكر أن وضعا ثوريّا مؤاتيا للغاية موجود اليوم فى آسيا و أفريقيا و أميركا اللاتينية . إنّ ثورات التحرّر الوطني فى آسيا و أفريقيا و أميركا اللاتينية اليوم هي أهمّ القوى التى تكيل ضربات مباشرة للإستعمار . كما أنّ التناقضات فى العالم تتركّز فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية .
إنّ مركز التناقضات العالميّة و النضالات السياسية العالميّة ليس ثابتا بل يتنقّل مع التغيّرات فى النضالات العالميّة و الوضع الثوري . و نحن نعتقد أنّه مع تطوّر التناقض و النضال بين البروليتاريا و البرجوازية فى أوروربا الغربية و أميركا الشمالية - معاقل الرأسمالية و مواطن قلب الإستعمار، سيحين اليوم الحاسم فى المعركة . وعندما يحلّ ذلك اليوم ستصبح أوروبا الغربيّة و أميركا الشماليّة بدون شكّ مركز النضالات السياسية العالميّة و التناقضات العالميّة . " (39) ( مصدر سابق ، ص 102)
و ملتزما و مدافعا بصلابة عن الأمميّة البروليتاريّة عارض الحزب الشيوعي الصيني و عارضت جمهوريّة الصين الشعبيّة في ظلّ قيادة ماو تسى تونغ ، عارضا موقف الحكّام التحريفيّين في الإتّحاد السوفياتي مشيرين إلى واجبات و مسؤوليّات البروليتاريا و حزبها الشيوعي في السلطة في البلدان الإشتراكيّة :
" فوفقا للماركسية اللينينية و الأممية البروليتارية ، يجب على كلّ قطر إشتراكي أحرز النصر فى ثورته أن يؤيد ويساعد بنشاط نضالات التحرّر التى تخوضها الأمم المضطهَدة . كما يجب على الأقطار الإشتراكيّة أن تغدو قواعدا لتأييد و تطوير ثورة الأمم و الشعوب المضطهَدة فى جميع أنحاء العالم ، و أن تشكّل أوثق تحالف معها و تسير بالثورة البروليتارية العالمية قدما حتى النهاية .
و لكن قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يعتبرون فعلا أن إنتصار الإشتراكية فى قطر واحد أو عدّة أقطار هو نهاية للثورة البروليتارية العالمية . إنّهم يريدون أن يخضعوا ثورة التحرّر الوطني لخطّهم العام للتعايش السلمي ، و المصالح القوميّة لبلادهم نفسها . " (40) ( مصدر سابق ، ص 105)
حينذاك و في ما تلاه من السنوات ، واصل ماو قيادة الحزب الشيوعي الصيني و الشعب الصيني في تقديم الدعم لنضالات الشعوب في مختلف أنحاء العالم ، لا سيما في بلدان آسيا و أفريقيا و أمريكااللاتينيّة بما أنّ هذه المناطق غدت مركز تناقضات النظام الإمبريالي العالمي و مركز إعصار الحركة الثوريّة في العالم . و طوال ستّينات القرن العشرين ، أصدر ماو عدّة تصريحات في لحظات حيويّة دعما لنضالات مفاتيح في العالم ، خاصة في تلك المناطق ، عبّرت عن مساندة الشعب الصيني و دعت الشعوب الثوريذة و الجماهير العريضة في كافة البلدان إلى الوقوف إلى جانب هذه النضالات . حينها ، في 1970، في أوج العدوان الأمريكي في الهند الصينيّة ، أصدر ماو تصريحا آخر مساندا لشعوب الهند الصينيّة و كذلك شعوب العالم قاطبة و خاصة شعوب آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة ، في نضالها ضد الإمبرياليّة الأمريكيّة و كلابها السائبة . في تلك الفترة و بعدها ، حذّر ماو كذلك بصفة متصاعدة شعوب العالم من الطبيعة الرجعيّة للإمبرياليّة الإشتراكيّة السوفياتيّة و دورها بما في ذلك تشديد بذل الجهود لإختراق و تخريب الحركات الثوريّة التي تعادى الإمبرياليّة الأمريكية و تحويلها إلى أدوات في نزاعها ( الإمبرياليّة الإشتراكيّة ) المتنامى مع الإمبرياليّة الأمريكيّة .

أمميّ عظيم

بمعزل عن التغيّرات الخاصة في الوضع ، ما فتأ ماو تسى تونغ يقاتل من أجل موقف و خطّ أساسيّين لدعم النضالات الثوريّة لشعوب كافة البلدان بما فيها حركات التحرّر الوطنيّ في آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة ، و قتال التخريب التحريفيّ لهذا النضال ، و ذلك إلى آخر نفس في حياته . و من كلّ هذا يمكن أن نلمس أنّ الدور العظيم لماو تسى تونغ في علاقة بالثورة في البلدان المستعمَرَة يكمن أوّلا في تطوير نظريّة و إستراتيجيا التقدّم من خلال الثورة الديمقراطيّة – البرجوازيّة نحو الثورة الإشتراكيّة في مثل هذه البلدان ، و تاليا في عدم الكفّ عن تقديم الدعم للنضالات الثوريّة لشعوب العالم بما في ذلك ، و كجزء حيويّ من ذلك ، تقديم المساعدة لنضال الشعوب في البلدان المستعمَرَة ، إيديولوجيّا و سياسيّا و عمليّا .
و اليوم ، رغم أنّ الوضع في مختلف بلدان آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة متباين و رغم أنّ الظروف الملموسة يمكن أن تختلف ببعض الطرق عن تلك خلال الثورة الديمقراطيّة الجديدة الصينيّة ، فإنّ النظريّة و الإستراتيجيا و الخطّ و القيادة الأساسيّين الذين تقدّم بهم ماو تسى تونغ لهذه الثورات في هذه البلدان تمثّل مساهمة عظيمة حقّا و خالدة من مساهمات ماو في الماركسيّة – اللينينيّة و النضال الثوري بإتّجاه الهدف الأسمى ، الشيوعيّة عبر العالم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية