الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكومة الاتحادية ومجالس المحافظات .. فكّر وطنياً ونفّذ محلياً

همام طه

2024 / 1 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


يمكن توصيف مسؤوليات مجالس المحافظات بأنها تركّز على التنمية المحلية في الوقت الذي يركّز فيه مجلس الوزراء على التنمية الوطنية. والواقع أن التنمية المحلية هي جوهر التنمية الوطنية فلا تكون التنمية تنمية أصلاً إلا إذا كانت محلية حقاً ومدركة ومستوعبة للحاجات والأهداف والفرص والتحديات التي تواجه المجتمعات المحلية والوحدات الإدارية على مستوى المحافظة والقضاء والناحية والقرية، فعناصر الشمول والعمومية والمساواة والعدالة لا يمكن أن تتحقق في العملية التنموية إلا باشتباكها مع القضايا المحلية التي تمسّ أفراد المجتمع في حياتهم اليومية وحاجاتهم الحيوية وهي حاجات جوهرية عندما يتعلق الأمر بتحقيق العدالة والاندماج الاجتماعي.
وعليه، فهناك ضرورة حتمية اليوم لتوزيع السلطات والمهام بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية، وبما يضمن قيام هذه السلطات المحلية بدور أكثر فعالية في التنمية الوطنية نتيجة لقربها من المواطنين وبالتالي فهي أكثر قدرة على تحديد المشاكل والتحديات والطموحات، وكذلك الإمكانات التنموية المحلية وبما يؤهلها لرسم الحلول الناجعة لتلك المشاكل (1)؛ ولكن من دون تغييب دور الحكومة المركزية التي يفترض أنها الجهة التي تنسّق جهود التنمية الوطنية وترسم وتدير "رؤية التنمية" باعتبارها المظلة التي يتحرك تحتها الجميع. بمعنى أننا بحاجة إلى الوصول إلى حالة مُثلى من التناغم والتنسيق والشراكة بين الحكومة الاتحادية ومجالس المحافظات.
إن العمل على خلق التكامل بين الرؤية التنموية الوطنية والسياسات التنموية المحلية وفق قاعدة "التفكير وطنياً والتنفيذ محلياً" هو الأساس الذي ينبغي أن يحكم العلاقة المستقبلية بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية. والسؤال اليوم هو حول كيفية تعزيز الحقوق المدنية وإشباع الحاجات الأساسية وتكريس العدالة الاجتماعية على المستوى الوطني من خلال تلك المؤسسات التي تعمل على المستوى المحلي (2). وكيف يمكن التفكير باستراتيجيات وطنية تأخذ بعين الاعتبار والاهتمام الحاجات والفرص التي تتحلى بها المجتمعات المحلية. فالمرحلة المقبلة تحتاج جهوداً مكثفة لتنسيق وتشبيك العمل بين الوزارات الاتحادية ومجالس المحافظات باتجاه نمط من اللامركزية المرنة والرشيدة والمتوازنة التي تجمع بين رؤيتين وطنية ومحلية في عملية التنمية وتراعي ظروف الحالة العراقية ومدى التعقيد البيروقراطي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي يواجه التحوّل المباشر والشامل إلى اللامركزية، وبما يتيح توظيف الموارد والإمكانات لتحقيق مصالح المجتمع. فالمحافظات ليست جزراً معزولة عن بعضها بل هي جزء من منظومة إدارية تسمى "جمهورية العراق"، وسكان المحافظات ليسوا شعوباً متفرقة ولكنهم سكان مجتمع واحد ومواطنون ومواطنات في دولة واحدة وهم قبل كل شيء بشر يتشاركون في الحاجات والحقوق والآمال والطموحات. وفي الوقت نفسه، فإن خطة التنمية الوطنية لن تؤتي ثمارها من دون الأخذ بنظر الاعتبار الحاجات والأهداف والفرص والتحديات المحلية للمحافظات والأقضية والنواحي والقرى.
إن كلمة السر في المرحلة المقبلة هي "التنمية المحلية" التي من خصائصها أنها عملية شاملة؛ إذ إنها تشمل كافة قطاعات وفئات المجتمع، ولا تلغي وجود أي عنصر من عناصره. وتسعى إلى تحسين الأوضاع المعيشية والتعليمية والخدمية والاجتماعية في المجتمع. كما تهدف التنمية المحلية إلى الاستفادة من الموارد كافة واستثمارها على الوجه الأمثل (3). وتضمن التنمية المحلية الوصول إلى فئات المجتمع وشرائحه كافة لاسيما في القرى النائية والمناطق الهشّة والمهمشة وبؤر الفقر والحرمان. فالتنمية المحلية هي أداة التنمية الوطنية في تحقيق أهدافها الاستراتيجية الكبرى على المستوى الوطني.
إن التنمية المحلية هي مجموعة العمليات والإجراءات التي يتم من خلالها إحداث تغيرات ضمن جميع المجالات المتاحة في المحليات (محافظة أو إقليم أو منطقة) من أجل خلق التوازن والتوزيع العادل للعوائد، وذلك من خلال الاعتماد على الأساليب العلمية والمناهج المدروسة بهدف تحقيق الوعي المحلي والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة. ولا يتحقق ذلك إلا بخلق وتعزيز روح التعاون والمشاركة الفعلية بين الحكومات المحلية والمجتمع بشرائحه المختلفة (4).
ومهما تعددت التعاريف والمفاهيم التي تعالج وتناقش مفهوم التنمية المحلية، فإننا نجد أن التنمية المحلية، بصفة عامة، هي عبارة عن عملية وأسلوب واستراتيجية تهدف إلى دمج الجهود الشعبية والحكومية ضمن محافظة أو إقليم أو منطقة معينة عن طريق استغلال الموارد المحلية المتاحة في البيئة الداخلية، وأيضاً الفرص الموجودة ضمن البيئة الخارجية بهدف الارتقاء بالوحدات الداخلية حضرية كانت أو ريفية في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنظيمية وهي عبارة عن حجر الزاوية الذي تُحقق وتُحسّن من خلاله التنمية الشاملة والمتوازنة (5).
أما التنمية المحلية المستدامة فهي العملية التي يتمكن بها المجتمع المحلي من تحديد حاجاته وأهدافه، وترتيب هذه الحاجات والأهداف وفقاً لأولوياتها، مع إذكاء الثقة والرغبة في العمل لمقابلة تلك الحاجات والأهداف بما يستجيب لحاجات الأجيال الراهنة دون تعريض قدرة الأجيال القادمة للخطر (6).
وعليه فإن المطلوب من الحكومة الاتحادية هو توسيع وتعميق دائرة التنسيق مع الحكومات المحلية بهدف تعزيز دور المجتمعات المحلية في الأخذ بزمام المبادرة والمشاركة الاقتصادية والاجتماعية والمدنية. وفي المقابل، لن يكون بإمكان مجالس المحافظات أن تعمل بكفاءة من دون تنسيق مع الوزارات الاتحادية لضمان تقديم أفضل الخدمات للمجتمعات المحلية التي تُشكّل بمجموعها وبمصالحها المشتركة وفرصها الواعدة المجتمع العراقي الكبير.
المصادر:
1- السلطات المحلية والتنمية: تحليل في اللامركزية الإدارية والتنمية المحلية مع إشارة إلى التجربة العراقية/ صبيح لفتة فرحان الزبيدي
2- Think Nationally, Act Locally: Cities and the Struggle for Social Justice/ Harold A. McDougall
3- موقع موضوع: مفهوم التنمية المحلية/ مجد خضر
4- المعهد العربي للتخطيط/ التنمية المحلية المستدامة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة/ محمد باطويح
5- المصدر رقم (4) نفسه
6- المصدر رقم (4) نفسه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم