الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول مسألة الجنس

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2024 / 1 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


منذ شروعي في العمل على هذه المادة ، وانا اتعرض لهجوم البوليس السياسي حتى لا يتم التحرير ، ولا يتم النشر / الدولة البوليسية المزاجية الارتجالية.
اثارت مسألة الجنس وسط المجتمع العربي ، كثيرا من المواقف التي شغلت سنين وسنين ، ولا تزال مطروحة بحدة ، دون الوصول الى تحقيق منظومات تساير الركب وتساير التطور ، كما يجري به العمل في المجتمعات المتحضرة والمدنية .
وبالرجوع الى كيفية طرح الإشكالية بالمجتمع العربي ، سنستشف ، موقفين طاغيين ، كلا هما يتموقع في التطرف ، وكلاهما عجزا في طرح متغيرات تسير بالعلاقة وبمسألة الجنس ، الى المعالجة المنطقية ، خاصة الوسطية التي تبتعد عن موقفي التطرف .
فللموضوع أهميته القصوى بسبب السقوط في التحريفية والتأويلات الذاتية ، وبدأوا ينظرون الى الجنس كبديل للقمع المسلط من طرف المجتمع حول هذه القضية ، مشاعة الجنس في اطار علاقتهم ، غير ان المرور الى التطبيق ، اصطدم بالمواقف التقليدية التي تنسب نفسها الى جهاز المحافظة ، طبعا يدخل فيه طقوسية الدولة المتخلفة ..
ان اثارت هذا الموضوع الخطير ، وفي دولة طقوسية لا تختلف عن الطقوسية المنعم بها في البلاد العربية ، وفي غياب الموقف العقلاني من المسألة ، وبالتالي يسقط الجميع في انحرافين : يميني ان صح التعبير ، والذي يدعو الى التزمت وتغييب العلاقة مع الآخر الا في اطار علاقة مستغَل ومستغِل التي يقننها الزواج خاصة الطقوسي ، والزواج البرجوازي ... وانحراف يسراوي دائما ان صح التعبير ، الذي يجعل من معركته الأساسية ، انجاز اكبر عدد من المغامرات ، تحت ستار التحرر والثورة الثقافية .
ان الهدف الثاني الذي نتوخاه من نشر هذا البحث ، ولخطورة الموضوع ، هو اثارة هذه الإشكالية ، بموضوعية حتى نزيل اللثام عن حقيقية المسألة كما يجب ان تعالج ، ولكي لا يتم تغييب الأساسي من اجل الثانوي ..
من المتفق عليه من قبل السوسيولوجيين ، والسيكولوجيين ، ان الانسان لا يموت من غياب الجنس ، ولكنه يموت من غياب الخبز / القوت و الدواء / العلاج ، والفكر / الوعي بالذات وبالآخر وبالعالم .
لم تشيد حضارة او مدنية في التاريخ على الاشباع الجنسي ، بل على كبته / قمعه وضبطه ، وتنظيمه بشكل من الاشكال . ما يكبت من الجنس ، الجانب الحيواني في الانسان ، يفيض ليطفح على صفحاتي التاريخ : السدود الأولى في التاريخ ، المدن الأولى في التاريخ ، الاهرام الأولى في التاريخ ، الاعمال الإنسانية الضخمة أنجزت في غمرة الكبت والحرمان الجنسي .
الفكر والفلسفة اليونانيان اللذان جاءا على غير مثال في تطور الفكر عصرا من رحيق حياة العبيد . عندما كبت وحرم جزء من المجتمع الاغريقي من نزوعه الذاتي ليصرف في شكل عمل منتج ، حيث اعتبر العبيد أدوات / آلات حية . نحن لا ننطلق هنا من موقع تبريري للكبت والحرمان ، خصوصا ونحن نقصد هنا عملية الكبت في اطار مخاض الصراع الطبقي ، وبروزه بشكل جلي عبر الانتقال من المشاعية البدائية ، الى المجتمع العبودي الطبقي .
في اطار المجتمع البدائي ، حيث مشاعية موارد العيش ، ظل الاشباع الجنسي مشاعيا ، وبالتالي بدائيا ، ما قبل تنظيمي ، لا مؤسساتي ، ولم يكن الانسان البدائي يعاني من الحرمان الجنسي ، بقدر معاناته من شظف العيش وندرته .وكثرة الاهوال والمخاوف وجسامتها ، تقلبات الطبيعة وخطورتها على امن الانسان البدائي . ومن ثمة لم يكن الجنس حافزا على العمل والابداع والإنتاج .
وعبر العمليات الاجتماعية ، وعبر ديناميات الصراع مع الطبيعة وبين الانسان من اجل البقاء ، برز الجنس كعامل له خطورته في حياة المجتمع / القبيلة ،حيث تسند مهام القيادة / الزعامة ، والسياسة / الكهانة ، والتفكير لزعيم القبيلة ... وتجدر الإشارة ان المشاعية لم تكن مطلقة ، إذ ان بروز الزعامات نقل المشاعية في مجال الجنس من مستواها المجتمعي Macrocosmique ، الى المستوى الفردي Microcosmique ، فغلت ايدي عامة القبيلة عن النساء ، لتطلق يد الزعيم فوق جميع الايدي ، وظهرت قوانين المنع والتحريم L’inceste مثلا في صور واشكال تختلف باختلاف الظروف والاحوال .
اننا لا نقصد من خلال هذا السرد التاريخي ، أن نعطي درسا حول تطور مفهوم الجنس ، ولكننا نقصد بالضبط ، تبيان ان حلقات التاريخ في مجال الجنس ، كانت لولبية تطورية ، تعتبر كل حلقة من حلقات التاريخ ارقى من التي تقدمتها . فعلى هذا الأساس ، فالبحث عن نقلة او قفزة ، تنقلنا من مرحلة العقم والركود والتخلف في هذا المجال بالتحديد ، لن يكون بالرجوع القهقري ، لن يكون بالعودة والحنين الى المشاعة البدائية ، ذلك ان هذا الشكل من الاشكال الطموح ، أقل ما يمكن ان يوصف به سلفية نصوص الى الوراء . انه إعادة للتاريخ ، غير ان التاريخ لا يعيد نفسه مهما كانت محاولات إعادة انتاج الماضي السحيق .
ان مرحلة الاحتكار في مجال الجنس التي ترتبت عن عملية الاحتكار في موارد القوت ، كانت ارقى من سابقاتها المشاعية لأنها على الأقل نقلت المجتمع من سكونية قاتلة ( غياب الصراع الطبقي ) ، الى حركية منتجة ، حيث خلخلت البناء السابق ، وعرضته للانهيار ، لتقيم على إنقاذه أسس بناء جديد لا يلبث ان يهرم ويرشى ، لتدعو الضرورة الى هدمه من جديد ، حتى يستجيب لحاجيات المجتمع الجديدة ..
وهكذا ، فعملية الاحتكار التي تبدو لنا الآن كظاهرة مرضية ، لو فصلناها عن ذاتنا ، عن شعورنا الآن ، لنضعها في اطارها التاريخي ، لأدركنا مدى تقدميتها بالنسبة لسابقاتها المشاعية البدائية . انها تراكم الإنتاج في ايدي مجموعة معينة / نخبة ، وتحدث بالتالي خللا في توازن أسس المجتمع البدائي ، فضلا عن انها ملازمة لظهور السلطة / التنظيم . أي سن وخلق قوانين وضوابط يسير عليها المجتمع ، عوض الفوضى والتلقائية والعفوية / البداوة . ومن ابجديات التطور نقل السلط وقلبها وتغييرها ، وبالتالي تثوير القوانين والأعراف والدساتير ، ولائحة الممنوعات والمحرمات ، لتتلاءم مع دينامية التحول في الواقع المعاش ، ومستلزمات ترسيخ التحولات / الثورات .
ان البحث عن بديل تاريخي طموح الى الامام ، لا يتم الا على أرضية تاريخية واقعية . ولعل مقياس التطور الأصيل هو مدى واقعيته ، طالما ان الاصالة هي الواقع بكل تناقضاته وتجلياته ، وتبقى المعاصرة في منظورنا هي الاستناد والاستنارة بالأسلوب / المنهج العلمي الذي أحرزته الإنسانية في مجال البحث والتنقيب . فالبديل التاريخي اذن لصورة ومضمون تصريف الجنس في مجتمعنا الحاضر ، ليس العودة الى المشاعية البدائية ، لان هذه العودة السلفية قاتلة ، وإعادة انتاج للبداوة ، ولو لبست لبوسا ثوري ، لان في هذه العودة السخيفة يتجلى غياب منطق التاريخ / الجدل ، وغياب الواقعية والعقلنة ، وهيمنة " الاجتهادات " التحريفية التعتيمية ، المترتبة أساسا عن غياب الادراك الموضوعي لما هو كائن في الواقع ، وهيمنة ما ينبغي ان يكون بالاستناد على منطق الذات / الرغبة الذاتية .
ان ما ينبغي ان يكون ليس ذاتيا نرجسيا طالما ان " ألما ينبغي ان يكون " ، نريد ثوريا يعم المجتمع بأكمله . فحضور النرجسي في اطار ما نريده ثوريا ، يجعل انجاز الثورة مستحيلا او مشوها ..
ماذا تضيف المشاعة الجنسية الى حصيلة مكتسبات قضية المرأة ؟ . الا يصح ان نقول انها تعزز النظرية التقليدية القائلة بشيطانيتها وشرها ؟ .ماذا تفيد المشاعة الجنسية في سبيل تثوير او على الأقل تقدم اصلاح مدونة الأحوال الشخصية ؟ . هل هذا هو كل ما يمكن ان تجود به قريحة الثوريين بخصوص دعم حقوق المرأة وانتزاعها لها .؟
وفي النهاية ، ماذا سنربح ، وماذا سنخسر في ظل المشاعة الجنسية ، وبالتحديد ، في ظل أوضاع مجتمعتنا هذا ؟ . أي طرح لشيوعية الجنس ، في ظل مجتمع فاحش التراتب ؟ . هل تريدون توزيعا عادلا للجنس ، ام اشباعا فاحشا ( فضائح البترودولار ) ؟ . ان التوزيع العادل ، يعني ضبط وتقنين وتنظيم للعلاقات الجنسية .
وما دام التنظيم الراهن غير عادل وتقليدي ومتخلف .. الى غير ذلك من الاوصاف ، فالمهام المطروح إنجازها الآن ، هي التركيز على هذه الاشكال ، هي إحلال قواعد وقوانين تنظيمية ثورية ، تحل محل القوانين العتيقة . فحق الطلاق مثلا بيد المرأة والرجل على حد سواء . حق اختيار شريك الحياة من دون تدخل طرف ثالث . الغاء " الرسوم الجمركية " على مؤسسة الزواج ، أي الغاء المهر او الصدقاء / البيع والشراء . حق التصويت والترشيح وولوج مختلف الاسلاك داخل مؤسسات المجتمع السياسية والاجتماعية .
اذن اين نحن من هذه الحقوق البسيطة ؟ . ام ان النزوع الذاتي ضبب ادراك الشباب التائه من دون بوصلة ؟ . هل ستشعرون وانتم تمارسون المشاعة ، انكم تخلصتم بالجملة ، من رواسب المجتمع التقليدي ؟ . الم يشته البعض اكثر من قدره العادل ؟ . الم يشته البعض بحساسية تقليدية ؟ . وأين مكان الحب الذي هو شرط تعايش الانسان مع الانسان ، تلك العلاقة التي تنبثق منها ضرورة الدفاع والتضحية من اجل من نحبه ؟ . وأخيرا . متى كان مشروع الثورة الجنسية ، اسبق من الثورة الاجتماعية والسياسية والثقافية ، ام انها اسبق ، لأنها اقرب الى الذات ، حيث يصبح كل كلام ثوري مجرد غطاء وتدليس للوصول لإشباع رغبات ذاتية / انانية ؟ .
ان للثورة اخلاقياتها وآدابها ، وبالتحديد ايديولوجيتها القابلة طبعا للتطوير ، في اتجاه ما هو احسن واعقل ، وما هو اعم نفعا .
ان الثورة التزام صارم بعد اختيار حر . ونجاح المشروع الثوري ، رهين بمدى احترام هذا الالتزام ، ومدى التفاني والاستعداد للتضحية من اجله . والايمان بالثورة عن قناعة وفهم يتنافى مع عبادة الذات ، وتضخمها ، والالتزام والانضباط لا يتنافى مع الحرية ، والحرية مفهومة هنا كوعي للضرورة بشكل عقلاني وموضوعي .
ان الالتزام بهذا الشكل ، هو امتحان الثوار العسير ، والا فليختاروا الدفء والفراش الوثير ، والجسم الناعم ، والحياة السهلة ، بدل الخنادق والسجون ومخافر التعذيب ، ولهربوا من امام المدافع .
ان التزام الرجل في مجال الجنس مع امرأة معناه أولا ، احترام وتقدير لباقي البشر ، في حين يبقى الخروج عن هذه الدائرة من الالتزام ، اختلاسا بسرقة ، واستهتارا بحقوق الاخرين . ان اختيار طريق الالتزام ، عوض الإباحية ، هو مقياس الثورية في هذا المجال ، ما دامت الثورة تنظيم ونظام والتزام ، ويبقى اشبه الخروج اذن عن الالتزام باستعمال الرشوة لقضاء غرض ما ، بدل المواجهة التي تتطلب وعيا وتنظيما وتركيبا للأمور من اجل انتزاع الحقوق ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل