الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسييس أمريكي أم تعددية قطبية؟!

ندى أسامة ملكاني

2024 / 1 / 9
السياسة والعلاقات الدولية


تسييس أمريكي أم تعددية قطبية؟
فكيف نحلل قيام دولة عظمى بتحويل منظمة دولية إلى أداة تخدم أجندتها السياسية؟ وماذا يعكس سعي روسيا إلى بناء عالم متعدد الأقطاب؟
بداية يرتكز تحليل دور المنظمات الدولية على أساسين مهمين خطتهما النظريتان الواقعية والوظيفية. في حين أن الوظيفية ترى أن المنظمات الدولية تعزز التعاون الدولي، وتعبر عن هاجس جميع الدول ورغبتها في بناء عالم قائم على الاستقرار والسلام الدوليين وحل الصراعات الدولية، لأنه وبناء على هذا الافتراض تكون الدول أكثر ميلا للعمل سوية انطلاقا من وجود مصالح مشتركة لتيسيير التعاون الدولي. في المقابل، ترى الواقعية أن المنظمات الدولية أداة تخدم مصلحة الدولة المهيمنة. كما يرتكز التحليل الواقعي على افتراض مفاده أنه إذا أذعنت الدولة للمصلحة العالمية في إطار المنظمات الدولية بينما سعت دولة أخرى في النظام الدولي لتحقيق مصالحها الخاصة، فإن ذلك يعني خسارة الدولة التي غلبت المصالح العالمية المشتركة على مصالحها الخاصة.
نعم، إذا ارتكزنا على التحليل الواقعي في فهم آلية عمل المنظمات الدولية نجد أن هناك هيمنة أمريكية وتسييسا لعمل المنظمات الدولية ولذلك مؤشرات، فقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية المنظمات الدولية لتحقيق أهدافها طيلة فترة مابعد الحرب الباردة، ومما ساعد في غزو العراق هو وجود نظام دولي أحادي القطب غاب عنه دور فاعل للمنظمات الدولية. وإذا أخذنا بالتحليل الوظيفي ربما يكون سعي روسيا والصين لتشكيل حلف استراتيجي يمثل تهديدا لنظام القطب الواحد كما عبر عن ذلك أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، يشكل وجها من وجوه التعاون الدولي في مواجهة هيمنة القطب الأوحد. وبناء على ذلك يرى بعض المحللين أن هناك دورا واضحا للصين وروسيا في منظمات كمنظمة شنغهاي كأداة روسية صينية تسعى لمواجهة الهيمنة الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. ما يعد من إرهاصات تكون نظام عالمي متعدد الأقطاب. فنضيف على التحليل الوظيفي للمنظمات الدولية أن المنظمات الدولية في هذا السياق تعزز تعاون دول صاعدة في مواجهة الهيمنة الأمريكية. يدعم هذا التحليل ما ذكره المؤرخ البريطاني بول كينيدي في كتابه (سقوط الإمبراطوريات العظمى)، في أن بداية انهيار القوى الكبرى يكون عبر التوسع الخارجي، وعلى هذا الأساس تنبأ بتقهقر القوة الأمريكية نتيجة لتوسعها الخارجي الذي أثقل كاهلها بعد حرب أفغانستان عام 2001 وغزوها للعراق واحتلاله في العام 2003، فضلا عن انغماسها في القضايا الدولية واستمرارها في محاصرة القوة الأخرى.
هناك سعي حثيث من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لاستمرار جعل المنظمات الدولية امتدادا لإرادتها وهيمنتها بالرغم من جهود القوى الصاعدة لوقف توصيف النظام الدولي ومؤسساتها على أنه نظام دولي أحادي القطب. فالنظام الدولي الذي تحاول واشنطن تعزيزه تعمل موسكو على تغييره. صرح ألسكندر شولغين المندوب الدائم للاتحاد الروسي لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أثناء ندوة عامة نظمها المعهد الدبلوماسي في وزارة الخارجية والمغتربين بدمشق في تاريخ الخامس من أيلول ٢٠٢٣"إن الأمريكيين دائما يحاولون تحويل منظمة الحظر إلى أداة تخدم أجندتهم السياسية". ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية هي منظمة دولية تقع في لاهاي وتعمل على تطبيق معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية والتي دخلت حيز التنفيذ في العام 1997. هذا التصريح يعكس أفكار ألكسندر دوغين، مؤسس الحركة الأوراسية في روسيا، والذي يرى أن مهمة روسيا تتمثل في تحدي هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم لإنشاء حكومة عالمية تقودها نخبة أمريكية. ويضيف أن الصراع بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية لم يعد صراعا إيديولوجيا بل أضحى صراعا جيوبولتيكيا. من الممكن أن ندرك أن المحركات الرئيسة لسياسات الكرملين في منطقة الشرق الأوسط جيوبولتيكية الطابع، ولا يخلو الصراع الروسي الأمريكي من هذا المضمون الجيوبولتيكي نظرا للأهمية الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط للقوتين من الناحية الاسترتيجية.
إن وجود دول صاعدة رافضة لهيمنة نظام القطب الواحد يشكل دافعا محركا لتغيير طبيعة نظام أحادي القطبية ولو على المدى غير القريب، ولو نظرنا إلى تاريخ العلاقات الدولية نجد أنه كلما حاولت دولة فرض هيمنتها تألبت ضدها دول أخرى كما حدث في التحالف ضد نابليون في القرن التاسع عشر. فالتعبير عن الرغبة بعالم متعدد الأقطاب هو تصريح مستمر يرد على ألسنة سياسي موسكو، بل إن موسكو تجد وفي إطار سعيها إلى إعادة تشكيل نفسها كقوى عظمى أن التعددية القطبية قضية مهمة لتحقيق ذلك.
بالرغم من ذلك وعلى المدى المنظور يوجد مؤشرات بقاء سمة أحادية القطب والسيطرة على المنظمات الدولية وتسييسها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية:
أولا: امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية مثلث القوة القائم على القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، وهو ما سماه جوزيف ناي أستاذ العلوم السياسية ومساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الأمن الدولي سابق، حيث يرى أن التوصيف الأكثر دقة لطبيعة النظام الدولي هو وجود تفوق أمريكي، ويتساءل ما إذا كان ذلك يتجه للزوال، مجيبا على هذه النقطة أنه لا يمكن إعطاء إجابة قاطعة نظرا لامتلاك واشنطن لهذا المثلث.
ثانيا: إذا كان غزو العراق مؤشر بالنسبة للبعض على الانغماس في القضايا الخارجية لقوى عظمى كمؤشر على أفولها، فإن هذا الغزو ذاته تم بتسييس عمل المنظمات الدولية. حيث ذكر شولغين بغزو الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها للعراق بذريعة استخدامه أسلحة الدمار الشامل....وتابع: " الآن نرى نتيجة ذلك في ليبيا والعراق والدمار الهائل الذي لحق بهذين البلدين، وطبعا منذ 2015 قاموا بشكل مستمر باستخدام طرق أخرى ضد سورية، وأولوا اهتماما كبيرا لتخريبها وتلفيق الاتهامات لها في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية".
ثالثا: مارست الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على سورية استعراض قوتها في تشكيل عالم المنظمات الدولية والتحكم بها، فقد بين شولغين أن المسؤولين الغربيين كثفوا حملات التضليل ضد سورية في نيسان من عام 2017 ، فيما يتعلق بمزاعم استخدام السلاح الكيميائي في خان شيخون دون وجود أية أدلة واضحة. بالرغم من التعاون الدولي في إطار المنظمات الدولية في مجالات مهمة كالتنمية إلا أن التسييس سمة واقعية لعملها.
إذن، هناك تسييس في إطار نظام دولي أحادي القطب تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية يحمل إرهاصات تشكل نظام دولي متعدد القطبية وإن لم يكن على المدى المنظور، وإذا كان التحليل الواقعي يفسر لنا كيف تكون المنظمة الدولية أداة سياسية لهيمنة قوة كبرى، فإن رسم عالم متعدد الأقطاب بوجود قوى صاعدة كالصين وروسيا يوحي وحسب تعبير جوزيف ناي بأن هناك "تغييرات كبرى تلوح في الأفق".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس