الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرواية والمدينة في الخليج

حسن مدن

2024 / 1 / 10
الادب والفن


يلاحظ الأكاديمي والناقد السعودي البارز د. سعد البازعي أن الاشتباك بين الرواية والمدينة في بلدان الخليج والجزيرة العربية يكاد يفوق في وضوحه ما حدث في بيئات كثيرة أخرى. ويقدم البازعي تفسيراً مهماً لذلك ينطوي على قدر كبير من الوجاهة، يكمن في ما أطلق عليه «القرب الزمني لعملية التمدّن نفسها»، من زاوية أن عملية التحديث قريبة عهد تاريخياً إذا ما قيست بنظيراتها في بلدان عربية أخرى كمصر وبلاد الشام، إذا ما تحدثنا عن المشرق العربي، وهذا ما جعل الرواية في الخليج والجزيرة العربية "تتوازى مع المدنيّة من حيث حداثة التطور".

بحث البازعي نُشر في كتاب «المدن العربية بين العراقة والاستدامة»، الصادر عن مؤسسة الفكر العربي، ونرى أنه من أهم الكتب التي تناولت موضوع المدينة العربية من الأوجه المختلفة لباحثين من مختلف الأقطار العربية، وتناول علاقة المدينة بأمور التاريخ والهوية، محو الذاكرة وإحياء التراث، المستقبل، وأخيراً المدينة العربية في المخيال الروائي، وهو المحور الذي جاء البحث موضوع الحديث فيه.

ثنائية المدينة والرواية موضوع بُحث كثيراً، وذائعة الصيت عبارة الناقد المجري جورج لوكاش: «الرواية ابنة المدينة»، وإن كنا نحسب أن لوكاش لم يقصد أن المدينة هي وحدها فضاء الرواية، ولكنه قصد، كما نرجّح، أن نشوء المدينة وصيرورتها، هما اللذان اقتضيا ظهور جنس أدبي، بانورامي، جديد هو الرواية بديلاً عن الملحمة مثلاً.

لذلك، فإن الوقوف عند حضور المدينة الخليجية في روايات أبرز روائيي المنطقة على غرار ما فعل البازعي، أمر مهم وجدير بالبحث فيه، فهو ضرورة ليس فقط للتعرف على أعمال روائية مهمة لكتّاب من الخليج والجزيرة العربية، خاصة في الفترة الممتدة من تسعينات القرن الماضي، «وهي الفترة التي وصلت فيها الرواية بالمنطقة إلى مستويات تنافسية عالية في المشهد الروائي العربي»، دون أن ينفي ذلك أن المدينة حضرت في روايات خليجية أخرى قبل تلك الفترة، حتى لو لم تحظ بالصيت الذي تستحقه.

يتناول الباحث الموضوع من أكثر من جانب، واتخذ من أعمال لروائيين من السعودية والكويت وسلطنة عمان أمثلة أو نماذج لإيضاح أطروحاته حول نشوء وتطوّر الرواية في منطقتنا، ومع عدم تجاهل بعض الخصوصيات بين بلد خليجي وآخر، بل أحياناً داخل البلد نفسه، فإن البازعي يرى، محقاً، أن المشتركات وأوجه التشابه أوسع بكثير، بل إن من المدن في بلد خليجي ما يحضر في روايات بلد آخر مثل حضور البحرين في رواية «شارع العطايف» للسعودي عبدالله بن بخيت، والكويت في رواية «سيّدات القمر» للعمانية جوخة الحارثي.
في مستهل دراسة البازعي التي عنونها بـ «مدن وروايات من الجزيرة العربية والخليج»، يشير إلى خماسية عبدالرحمن منيف "مدن الملح". ومع أن منيف توزع بين بلاد الشام والعراق حيث ولد وعاش، والجزيرة العربية التي ولد فيها والده وإليها ينتسب، فإن «رصده السردي التاريخي للمنطقة يجعله شديد الصلة بالمدينة في الجزيرة العربية والخليج»، ومن جوانب أهمية «مدن الملح» تناولها لمخاض تحوّل المنطقة من مرحلة ما قبل اكتشاف النفط إلى ما بعده، وهو التحوّل الحاسم الذي عنى الكثير، وساهم بمقادير كبيرة في تشكّل صورة المدينة الخليجية الراهنة.

المدينة تحضر في الرواية الخليجية ك «نوستالجيا» أيضاً، يقول الدكتور البازعي، ويعطي مثلاً بحضور مدينة الرياض في أعمال روائية سعودية، كأعمال أميمة الخميس، وعبدالله بن بخيت، وبدرية البشر، واختار الباحث الرياض كمثال فقط، حيث نعلم أن مدناً سعودية أخرى، بينها مكّة، حضرت في أعمال روائية، حتى أن رواية الأديبة رجاء عالم الأخيرة «باهبل» حملت عنواناً شارحاً هو «مكّة Multiverese 1945 – 2009». ولو وسعنا دائرة النظر فرأينا الأفق الخليجي الأشمل، لوجدنا أن المدينة كذاكرة تحضر في أعمال روائيين وروائيات من بلدان المنطقة، بما في ذلك أعمال روائيين من الجيل الجديد، ومن ذلك حضور مدينتي الشارقة ودبي في روايتي «لعلّها مزحة» و«دائرة التوابل» لصالحة عبيد، وفي الرواية الأخيرة لريم الكمالي «يوميّات روز»، وحضور مدينة مسقط في روايتي «الباغ» و«دلشاد» للروائية بشرى خلفان، ونسوق هذه الأسماء والعناوين كأمثلة فقط.

ولوعدنا إلى البدايات الروائية في بلدان المنطقة لوجدنا، يومها، ميلاً لتناول وتصوير المرحلة السابقة لاكتشاف النفط، حيث عوالم الغوص والهجرات بحثاً عن الرزق، وقد يكون السبب في ما ذكره الدكتور البازعي، وأشرنا إليه أمس، هو في «القرب الزمني لعملية التمدّن نفسها»، من زاوية أن عملية التحديث قريبة عهد تاريخياً إذا ما قيست بنظيراتها في بلدان عربية أخرى، أي أن المدينة لم تتشكل كذاكرة في الأعمال الروائية الخليجية الأخرى، دون أن ينفي ذلك أن بعض أوائل الروائيين انعطفوا، في أعمال تالية لهم، نحو المرحلة التالية، بينهم الأديب البحريني الراحل عبدالله علي خليفة، ويمكن أن نعطي مثالاً بروايته «ساعة ظهور الأرواح»، التي تناول فيها «حي العدامة»، الذي لم يعد موجوداً، وكان حياً فقيراً مهمشاً في أطراف المنامة، وهو بالمناسبة الذي نشأ فيه الموسيقار الراحل مجيد مرهون.

الروائي البحريني الراحل فريد رمضان جعل من المدينة فضاء لبعض رواياته أيضاً، ومن بينها رواية «التنور» التي نقرأ في ثناياها وصفاً أخاذاً لشارع باب البحرين، الذي يشكل مدخل العاصمة، وكان الميناء المحاذي له يستقبل السفن والمراكب القادمة من إيران والهند والبصرة ومسقط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل