الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو استراتيجية وطنية للتدريب المهني في العراق .. لا تُعطني سمكة ولكن علّمني كيف أصطاد

همام طه

2024 / 1 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


يشكو العراق من مشكلة تعاني منها دول عربية عديدة وهي ضعف حوافز الانضمام إلى التعليم المهني والذي يشمل في العراق الإعداديات الصناعية والزراعية والتجارية، فمن الناحية الاجتماعية لا تزال هناك نظرة دونية من قبل المجتمع إلى تلك التخصصات وشهاداتها على رغم العائد المادي المرتفع الذي يمكن أن يرافق العمل المهني. وفي كثير من تلك التخصصات لا تزال ظروف العمل السائدة في كثير من القطاعات المهنية تفتقر إلى شروط العمل اللائق، ويعتبَر كثير من تلك القطاعات غير منظم ولا يوجد أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية للعاملين (1).
ونتيجة لضعف المكانة الاجتماعية لخريجي الإعداديات الصناعية في العراق أو ما يسمى في مصر "دبلوم الصنايع" يلجأ الشباب إلى الالتحاق بالجامعات للحصول على شهادة البكالويوس في ما يعرف بتخصصات العلوم الاجتماعية (تاريخ، علوم سياسية، لغات، أديان، وغيرها) ونظراً إلى الطبيعة «الراعية» للدول العربية، لم ينل خريجو التخصصات الاجتماعية فرص عمل في القطاع الخاص، أو فرص عمل مقبولة يولدها الاقتصاد، فانضموا إلى القطاع العام بمزاياه ورواتبه المرتفعة (نسبياً في بعض الدول)، ما أمّن في حد ذاته حوافز إضافية للطلاب كي يواصلوا التوجه إلى التخصصات التي لا تحتاج إليها السوق ولا يستطيع الاقتصاد استيعابها، فزاد الإقبال على تلك التخصصات غير المطلوبة. وهكذا دخلت الدول العربية في فخ سيكون من الصعب الفكاك منه: طلاب يختارون تخصصات غير مطلوبة، وقطاع عام يجب عليه استيعاب العدد الأكبر منهم (2).
وتقول الحكمة الشهيرة المنسوبة للتراث الصيني: "لا تُعطني سمكة ولكن علّمني كيف أصطاد" بمعنى أن المساعدة الخيرية قد تسدّ الجوع لفترة قصيرة لكن تعليم إنسان لمهارة أو مهنة ما مُدرّة للدخل سيساعده على أن يعيش حياةً كريمة باستقلالية هو وأسرته دون الحاجة لمساعدة أحد.
وفي سياق المشهد العربي، فإن ما تقوم به الدولة العراقية حالياً هو توزيع السمك على فئات من الناس من خلال الرواتب لموظفي الدولة من حملة البكالوريوس والدبلوم وتوزيع الإعانات الاجتماعية للأفراد غير الحاصلين على شهادات أو غير الماهرين في عمل معين؛ ولكن إلى متى ستتمكن الدولة من توزيع السمك وهل لديها ما يكفي من السمك لتوزيعه بعدالة على الأجيال الحالية واللاحقة؟! ألم يحن الوقت للدولة لتنتقل إلى تعليم أفراد المجتمع كيفية الصيد والاعتماد على الذات عبر ممارسة العمل الحقيقي الذي يوفر الإنسان من خلاله معيشة كريمة دون الاعتماد على الدولة؟! ولا يتم ذلك إلا من خلال الاهتمام بالتعليم المهني لتزويد الشباب بالمهارات والقدرات العملية اللازمة لولوج سوق العمل في التخصصات الصناعية والتقنية والزراعية والتجارية والخدمية والحصول على فرصة عمل حقيقية بدل البحث عن فرصة توظيف في القطاع العام؟!
وعليه يتحتم على الحكومة العراقية أن تنهج سياسة وطنية من شأنها النهوض بواقع التعليم المهني وإطلاق "الاستراتيجية الوطنية للتدريب المهني"، ونستخدم هنا مفردة "تدريب" بدل "تعليم" لأن التدريب يشمل الجوانب النظرية والعملية معاً فيما قد يذهب الذهن مع كلمة "تعليم" إلى الجوانب النظرية فقط أو تقديم المعلومات من دون ممارسة عملية حقيقية. ويمكن أن تتضمن هذه الاستراتيجية (3):
1- تشجيع الطلبة ذوي التحصيل المرتفع في الدراسة المتوسطة على الالتحاق بالتعليم المهني. وهذا يتم بتطوير الإعداديات المهنية من جهة، وتحويل عدد من المدارس ذات المستوى الدراسي المرتفع إلى مدارس مهنية من خلال توسيع الجانب المهني والتدريبي في التعليم عموماً من جهة ثانية. وأيضاً يمكن إنشاء ثانويات مهنية من خلال التركيز على الجانب المهني والعملي والتدريبي بدءاً من الدراسة المتوسطة وليس الإعدادية فقط.
2- تغيير النظرة الدونية لدى المجتمع إلى التعليم المهني من خلال الاهتمام بهذا القطاع التعليمي وفتح مسارات تدريب مهني في الفرعين العلمي والأدبي للدراسة الإعدادية فتكون كلمة "مهني" مرتبطة بكل ما عملي وتدريبي وعصري وحديث وليس بانخفاض التحصيل العلمي كما هو حاصل حالياً.
3- تطوير التعليم الزراعي والتعاون مع كليات الزراعة ووزارة الزراعة في هذا المجال وإقامة مزارع تدريبية تدار من كليات الزراعة وتستوعب تدريب طلبة كليات الزراعة وطلبة المدارس المهنية الزراعية.
4- المواءمة بين التخصصات الصناعية المهنية وسوق العمل من خلال إعادة النظر في المناهج وأساليب التعليم المهني والتدريب العملي. والاستعانة بوزارة التخطيط والجهاز المركزي للإحصاء في تحديد اتجاهات سوق العمل.
5- توقيع اتفاقية تعاون استراتيجي وتكامل مؤسسي بين وزارة التربية من جهة ووزارات الصناعة والنفط والاتصالات من جهة ثانية توفر بموجبها هذه الوزارات فرصاً تدريبية لطلبة التعليم المهني ليتم تدريبهم عملياً على أرض الواقع في المؤسسات الإنتاجية والخدمية.
6- دخول وزارتي الدفاع والشباب والرياضة كشريك ساند في عمل الاستراتيجية الوطنية للتدريب المهني. وتفعيل الدور التنموي والتعبوي للقوات المسلحة في هذا المجال عبر تقديم الجيش للتدريب المهني للشباب.
7- تشجيع المؤسسات الإنتاجية في القطاعين العام والخاص على توفير فرص تدريبية لطلبة التعليم المهني. وتحفيز المجتمع الأهلي على تأسيس معاهد تدريب مهني.
8- توفير الأبنية المدرسية التي يمكن استخدامها للتدريب المهني والعمل الإنتاجي في الوقت نفسه. وفتح أقسام تدريب مهني في المدارس وإدراج حصص التدريب المهني ضمن المنهاج الدراسي.
9- التعاون مع وزارة التعليم العالي لربط التدريب المهني بالتطورات التكنولوجية الحاصلة في العالم. ومنح الجامعة التكنولوجية مثلاً بأقسامها الهندسية الصناعية دوراً أساسياً في هذا المجال.
10- إعطاء الأولوية والأهمية القصوى للتطبيق العملي في كل التخصصات الإنسانية والعلمية في المدارس والجامعات بمعنى أن يكون التدريب المهني ركيزة أساسية من ركائز التنمية الوطنية. وتكريس ثقافة مهنية تعلي من شأن الممارسة التطبيقية والخبرة العملية والمهارات التقنية كروافد للتعليم الحديث.
11- أن تضطلع مجالس المحافظات بدور محوري في تنظيم ورعاية أنشطة الاستراتيجية الوطنية للتدريب المهني في المحافظات واعتبار التدريب المهني من محاور التنمية المحلية المستدامة.
12- توفير الإمكانات لقياس الجانب المهاري لخريجي التخصصات كافة لا سيما تخصصات التعليم المهني وخريجي الكليات الهندسية والمعاهد التقنية.
13- زيادة فرص القبول في الكليات والمعاهد لخريجي التعليم المهني الثانوي.
14- اعتماد نموذج التعليم المهني المزدوج الذي يجمعي بين الجانبين النظري والعملي من خلال تقسيم الدوام إلى يومين نظري في الإعدادية وثلاثة أيام عملي في المؤسسات الإنتاجية والصناعية تحت إشراف الكوادر التدريسية.
15- تشكيل لجنة تطوير التعليم المهني والتي تضم ممثلين عن وزارات التربية والصناعة والتعليم العالي والنفط والدفاع والشباب والرياضة. ومنحها صلاحيات حشد طاقات الدولة ومواردها وإمكاناتها لدعم حملة وطنية واسعة النطاق للتدريب المهني للشباب في المجتمع العراقي.
16- تغيير اسم التعليم المهني إلى "التعليم المهني المزدوج" ويعرّف بأنه جميع مستويات العملية التعليمية والتدريبية للطلبة بعد الدراسة المتوسطة ويتضمن الدراسة والتأهيل العملي أي اكتساب المعرفة النظرية والقدرات والمهارات والخبرة العملية والتدريب في اختصاصات ومهن حديثة في سوق العمل بالشراكة مع الوحدات الاقتصادية والخدمية وفق خطط التنمية المستدامة.
17- توفير شروط العمل اللائق في القطاعات المهنية لتشجيع الشباب على الانضمام للتخصصات المهنية.
18- اعتبار التدريب المهني للشباب من أهم الفقرات ضمن قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
19- توفير الحماية الاجتماعية للعاملين في القطاع الصناعي والورش الخاصة.
20- دخول الدولة إلى الأحياء الصناعية التقليدية في بغداد والمحافظات وتنظيمها وتطبيق قانون العمل والشروط البيئية والصحية فيها.

المصادر:
1- راجع: لماذا لا يُقبِل الطلاب العرب على التعليم المهني؟ إبراهيم سيف/ مركز كارنيغي
2- راجع: المصدر رقم (1) نفسه
3- راجع: آلية مقترحة لتطوير واقع التعليم المهني واثر ذلك في تخفيض مستوى البطالة وتطوير الاقتصاد العراقي بالاستفادة من تجارب بعض الدول الاقتصادية الكبرى/ جعفر جواد جاسم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رد إسرائيلي ضبابي على خطة بايدن حول غزة • فرانس 24


.. باب الويب • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أفشلت مخطط السيطرة.. خامنئي: عملية طوفان الأقصى أفشلت محاولا


.. الجيش الإسرائيلي: أنهينا تدريبات مقرات قيادة على مستوى هيئة




.. ألمانيا.. مسيرة تضامنية مع غزة في برلين تطالب بوقف إطلاق الن