الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطلاب الفلسطينيون رهائن الصراع السياسي

ميخال شفارتس

2006 / 11 / 24
القضية الفلسطينية


اضراب المعلمين في مناطق السلطة الفلسطينية اصبح اقوى رمز للفوضى ولانهيار المؤسسات السلطوية منذ الانتخابات الاخيرة. وكشف الاضراب عن عمق الفجوات الطبقية داخل المجتمع الفلسطيني، ففي حين درس اولاد موظفي السلطة في المدارس الخاصة، ودرس اولاد موظفي حماس في المدارس الاسلامية، دفع اولاد عامة الشعب ثمن الحصار والاقتتال الداخلي.
ميخال شفارتس

توصل المعلمون والحكومة الفلسطينية لاتفاق في 7/11 تم بموجبه وقف الاضراب الذي عطّل المسيرة التعليمية منذ بداية السنة الدراسية. وبدأ التعليم بشكل كامل يوم السبت 11/11. جاء الاضراب احتجاجا على عدم دفع رواتب المعلمين والموظفين الحكوميين عن الاشهر الثمانية الاخيرة.

تبرز المعطيات عمق البؤس الذي وصله الشعب الفلسطيني. شمل الاضراب 40 الف معلم، ومليون و100 الف طالب لجؤوا للشوارع، باستثناء المدارس الاهلية والمدارس الاسلامية. الاجر الذي يتقاضاه معلم مبتدئ لا يتجاوز ال1900 شيكل شهريا، اما المعلم الذي يحمل لقبا جامعيا وله اقدمية فيتقاضى 2500 شيكل شهريا. وتبلغ قيمة مجمل رواتب المعلمين 23 مليون دولار شهريا، وهو مبلغ متوفر في خزينة الحكومة من جباية الضرائب، الا انها أصرت على عدم الدفع حتى تجبر المعلمين على كسر الاضراب دون ان يحققوا مكاسب.



المعلمون بين المطرقة والسندان

في النهاية كان المعلمون الطرف الذي تنازل عن مطالبه، والسؤال لماذا؟ جولة ميدانية قامت بها الصبار في منطقة ابو ديس والعيزرية والسواحرة الشرقية في 2/11، كشفت عن يأس ألمّ بالمعلمين وبالشارع الفلسطيني عموما.

اول مفاجأة في الزيارة كانت ان التعليم بدأ فعليا في مدارس تلك المنطقة حتى الساعة الثانية عشرة يوميا قبل انهاء الاضراب. وقد قرر المعلمون العودة للتعليم تطوعا في 27/10، بضغط من لجان الاهالي الذين اقترحوا دفع 30 شيكلا شهريا عن كل طالب بهدف تغطية نفقات السفر للمعلمين. مديرة احدى المدارس الابتدائية في العيزرية قالت ان الاهالي خشوا من ان يفقد الاولاد سنة دراسية كاملة، وخاصة طلاب الصفوف الاولى والثواني عشر.

مازن صلاح الدين، استاذ في الكيمياء من قرية حزما، يرى ان حماس استطاعت اعتلاء الموجة الشعبية وقرأت بشكل صحيح مشاعر الناس، فأسّست اللجان الاهلية بهدف كسر الاضراب. محاولات شبيهة لكسر الاضراب كانت ايضا في الخليل وطولكرم ونابلس. هكذا وجد المعلمون انفسهم بين شارع محبط وبين حركات سياسية متنازعة.

ويضيف صلاح الدين: "ندرك خطورة ضياع السنة الدراسية، ونحن مسؤولون، ومصلحة الطلاب اهم شيء بالنسبة لنا. لكن من جهة اخرى نرفض العمل مجانا دون رواتب. اضرابنا كان مطلبيا بالاساس، لكن القوى السياسية سيطرت عليه، وعمل بعضها قصارى جهده لكسره وعمل الفريق الآخر على إدامته. المفارقة ان اولاد موظفي فتح يذهبون للمدارس الاهلية التي افتتحت السنة الدراسية بشكل اعتيادي، وكذلك اولاد موظفي حماس يدرسون في المدارس الاسلامية. هؤلاء لم يشعروا بالاضراب. اما عامة الشعب فتعاني دون امل بالفرج".

المنطقة التي زرناها محشورة بين مستوطنة معاليه ادوميم والجدار الفاصل الذي يفصلها عن القدس. وكان اهالي المنطقة يعتاشون من عملهم في القدس، حتى اقيم الجدار. رئيس مجلس سواحرة الشرقية افادنا ان "ايرادات المجلس من ضرائب السكان انخفضت بنسبة 65% عما كانت عليه قبل عام بسبب الاضراب وتردي الاوضاع الاقتصادية والجدار الفاصل".

احد المواطنين قال لنا ان بعض المعلمين والموظفين يحصل على مِنح من فتح، والبعض الآخر من حماس. اما الاغلبية فلا تحصل على شيء ولا تفكر الا بالخبز ولا تثق بالتيارات السياسية. هؤلاء لم يعودوا يتحملون بقاء اولادهم في الشوارع او في البيوت الخاوية من الطعام والالعاب والراحة. وجاء العيد في خضم الاضراب ليزيد الشعور بالاحباط، وقضته عائلات كثيرة دون كعك العيد او اللحوم واضطروا للاكتفاء بالخبز والشاي.

عمر عساف مندوب الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين في اللجنة المطلبية الموحدة للمعلمين، رام الله، يشير الى ان الكثير من المعلمين رأوا في الاضراب دليلا على فشل جهاز الحكم الفلسطيني بشقيه، الرئاسة وحماس، وان على الجهتين الاستقالة. المشكلة في هذا المناخ تكمن في غياب تيار سياسي بديل، الامر الذي اضطر المعلمين لقبول الاتفاق رغم كونه ضعيفا، وذلك كحل وسط لانقاذ ما تبقى من السنة الدراسية.

احمد انيس، مندوب فتح في اللجنة المطلبية ومدير مدرسة رام الله الثانوية سابقا، اشار في حديثه للصبّار الى صعوبة تنظيم نضال مطلبي نقابي في حين تشن اسرائيل هجماتها الوحشية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وخلص الى القول: "ان العدوان يُربك أي تحرك نقابي".

رغم الوضع الاجتماعي والاقتصادي الخطير، الا ان الاعلام الفلسطيني والاسرائيلي لم يهتما باضراب المعلمين ولا بوقفه. ويبدو ان مصير الاطفال الفلسطينيين، تعلموا او لم يتعلموا، لا يعني احدا وموجود في اسفل سلم الأولويات الطرفين. التيارات الفلسطينية منشغلة بالصراع فيما بينها على السلطة، واسرائيل منشغلة بهجومها الوحشي على غزة وبيت حنون، اما الشعب الفلسطيني فضائع لا احد يسعفه او ينصفه.



حتى الخبز سياسة

تحول الاضراب من نضال مطلبي الى ساحة صراع سياسي بين فتح وحماس، على حساب الطلاب. وفي حين سعت فتح لاستغلال الاضراب لاسقاط حكومة حماس، عملت الحكومة جهدها لكسره. الاضراب النقابي المطلبي خرج من ايدي المعلمين وتحول الى رهينة بيد الكتلتين السياسيتين، علما ان اتحاد المعلمين محسوب على حركة فتح، ورئيسه معين من قبل الرئيس الراحل ياسر عرفات.

في الاضراب برز النفوذ الهائل الذي تتمتع به الدول المانحة داخل الجهاز الحكومي الفلسطيني. فخلال الاضراب دفعت هذه الدول للموظفين والمعلمين اربعة او ستة دفوعات مقدمة بقيمة 1500 شيكل عن كل دفعة. ودخلت المبالغ مباشرة الى حسابات البنوك الشخصية لكل معلم وموظف، وذلك للالتفاف على الحصار الاقتصادي المفروض على حكومة حماس. وكان تعطيل المدارس لمدة شهرين، وعدم البدء بالسنة الدراسية، وعدم دفع رواتب المعلمين لمدة ثمانية اشهر، اقوى رمز للفوضى ولانهيار المؤسسات السلطوية منذ الانتخابات الاخيرة التي عقدت في كانون ثان هذا العام.

في اواخر ايار (مايو) اجريت مفاوضات بين وزير التعليم ناصر الدين الشاعر وبين الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين واللجنة المطلبية الموحدة للمعلمين التي تعمل في اطار الاتحاد، ولكن الحكومة أفشلت المفاوضات بهدف كسر الاضراب. وكانت مطالب المعلمين ثلاثة: 1. تنظيم دفع الرواتب؛ 2. دفع نصف المبالغ المستحقة بشكل فوري مع العودة للعمل؛ 3. جدولة النصف الثاني من الديون المتراكمة.

ولكن في الاتفاق النهائي اضطر المعلمون للتنازل، كما يقول للصبّار محمد صوان، رئيس اتحاد المعلمين في فلسطين. والتزمت الحكومة بدفع المعاشات المتراكمة فقط ابتداء من 1/1/2007 على اربع دفعات شهرية. كما اتُّفق على ان تبدأ وزارة المالية باجراءات لصرف الف شيكل من راتب الشهر الحالي، وذلك بشكل فوري لجميع موظفي وزارة التربية والتعليم، على ان تُدفع بقية الراتب في موعد اقصاه 20/11.

كيف ستدفع الحكومة هذه المبالغ؟ الجواب كما يبدو سياسي. رئيس مجلس السواحرة الشرقية، محمد شقيرات، قال للصبّار ان الحديث يدور عن انه اذا تشكلت حكومة جديدة، وتنازلت حماس عن رئاسة الحكومة، سيدخل مبلغ قيمته ثلاثة ملايين دولار من السعودية، و500 الف دولار من الكويت، واضاف: "عند الشعب الفلسطيني كل شيء سياسة. حتى الخبز الذي نأكله سياسة".

عمر عساف افادنا بان الاتفاق يستجيب لمطالب المعلمين. ولكنه اضاف، ان هناك شكوكا بانه إن لم يتم التوصل لحل سياسي يتيح تشكيل حكومة مقبولة على الجانبين ويرفع الطوق الدولي، فمن المحتمل ألا تفي الحكومة بالتزاماتها تجاه المعلمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيارة الرئيس الصيني لفرنسا.. هل تجذب بكين الدول الأوروبية بع


.. الدخول الإسرائيلي لمعبر رفح.. ما تداعيات الخطوة على محادثات 




.. ماثيو ميلر للجزيرة: إسرائيل لديها هدف شرعي بمنع حماس من السي


.. استهداف مراكز للإيواء.. شهيد ومصابون في قصف مدرسة تابعة للأو




.. خارج الصندوق | محور صلاح الدين.. تصعيد جديد في حرب غزة