الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متغيرات المشهد السياسي واحتمالات تمدد الحرب اقليميا

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2024 / 1 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


يبدو ان العملية العسكرية التي انطلقت في السابع من اكتوبر تجاوزت الابعاد التي نفذت من اجلها وان اسرائيل كانت في انتظار هكذا عملية لتقوم بمشروعها الخاص المعلن من سنوات على المستويين السياسي والعسكري وحتى الاعلامي ، حيث تتنصل اسرائيل من اتفاقات سابقة وقعتها مع السلطة الفلسطينية في اطار اعتراف متبادل.. اعترفت السلطة بدولة اسرائيل ولم تعترف الاخيرة للاولى بل عملت على تقليص مجالات السلطة وانتقاص من مساحتها عبر المستوطنات التي لم تتوقف يوما واحدا وعبر حملات عسكرية منتظمة لمختلف مدن الضفة واغتيالات لمسؤاليين في كثير من حركات المقاومة الفلسطينية واخيرا عدوانها اللامحدود على قطاع غزة وتدميره وقتل اكثر من خمسة وعشرون الف مع ستين الف جريح ..
ولايقف الامر هنا بل تستمر العملية العسكرية داخل القطاع بغية تهجير اجباري لكل السكان او نصفهم على الاقل مع التضييق المستمر في ايقاف دخول المساعدات الغذائية والدوائية ..كل هذا يتم بدعم مباشر من الادارة الامريكية التي كما اعلنت مرارا واخرها بالامس انه لامجال لوقف اطلاق النار في غزة وهو ذات الهدف الاسرائيلي التي تروم منه كما تزعم القضاء على كل افراد المقاومة وهو امر بعيد المنال ثم التهجير الاجباري واسهل امر حققته هو هدم المنازل وقتل السكان المدنيين ..
في هذا السياق تستهدف امريكا واسرائيل من هذه العملية امور كثيرة فرض الحضور الامريكي المنفرد باعتارها راعية ومنسقة للسلام في الشرق الاوسط (الحوار الاسرائلي الفلسطيني) وهو امر يكشف عدم حيادية امريكا وانحيازما الكامل لاسرائيل، والذهاب بعيدا من خلال انهاء القضية الفلسطينية وفق عملية متسارعة في التطبيع من الدول العربية واهمها التطبيع مع السعودية الذي تاخر قليلا وفقا للحرب الراهنة ،، والهدف الرئيسي ادماج كامل لاسرائيل في منطقة الشرق الاوسط سياسيا واقتصاديا وثقافيا ومن ذلك تطوير خليج العقبة وتعزيز استثمارت الدول المطلة عليه اقتصاديا وحضور كبير للشركات الامريكية والاسرائيلية . والتخطيط من سنوات حان تنفيذه الان لمشروع مضاد للمشروع الصيني وفق الطريق والحزام هنا تتجه امريكا الى ربط موانئ الهند بالخليج عبر سكة حديد تصل الى يافا عبر البحر الابيض وهذا الامر انتقاصا من قناة السويس وتهديدا لحركتها ومصالح مصر القومية . ثم تحويل فكرة العدو من اسرائيل كما اقره واقع الصراع والتعبير عنه رسميا وشعبيا من اربعينات القرن الماضي الى دول اخرى او جماعات ومليشيات متعددة ومن ثم اعتماد مفاهيم التطبيع القافي كما تم التعبير عنه من خلال اتفاق ابراهام واعتماد مفهوم واحدية الاديان الابراهيمية والتغاضي عن الايدولوجيا الصهيونية مقابل الحديث عن اليهودية كديانة .
واخيرا تقليص حجم ودور السلطة الفلسطينية داخل القطاع والضفة بل وجعل سلطة القطاع تشاركية مع دور اجنبي او اقليمي مع رفض وجود حماس فيها .. مع العلم ان امريكا تدعوا شكلانيا الى الانتخابات والممارسة الديمقراطية ومعنى ذلك انه في حال تشكل سلطة فلسطينية جديده وهو ما كتبت عنه واشرت له في اكثر من مقال منذ شهرين سابقين كمدخل لتغيير في بنية السلطة وقواعدها الاجتماعية من خلال انتخاب مجلس تشريعي ورئاسة جديدة هنا قد تحصل حماس على اصوات كثيرة تتمكن معها من الحضور داخل المجلس التشريعي وداخل بنية السلطة في غزة او ان تحظي بحكمها وفق اغلبية التصويت لها وهذا الامر لن يحظى باعتراف اسرائيلي او امريكي .
في هذا السياق يمكن القول ان امريكا منذ بداية الالفية الجديدة وانتهاء القطبية الثنائية ارادت ولاتزال ان تنفرد في ادارة النظام الدولي وان تعيد هندسة الشرق الاوسط وفق مسارات جغرافية وسياسية تخدم استراتيجيتها اولا ومعها مصالح اسرئيل باعتبارها جزء من الاستراتيجية الامريكية ،، ثم تمدد الحضور الامريكي منافسا وطاردا للتمدد الصيني والروسي وهذا امر معلن وليس خفيا على احد . فالصين لها حضور كبير في القارة السمراء منافسا الدور الامريكي ومتفوقا عليه كما روسيا ايضا تحل عسكريا كبديل للحضور الفرنسي الذي يتم تقليصه والتخلي عنه . زد في ذلك التضامن الصيني الروسي ومعهما دول اخرى ضمن تكتلات اقتصادية كبيرة اهمها البريكس وتجمع شنغاهاي .
الجدير بالذكر ان الصين كانت حاضرة وناظمة في اتفاق ايراني سعودي شكل ولايزال نقطة هامة في تجاوز صراعات قادمة نحو اقرار توافق سياسي وتعاون اقتصادي ..رغم ان ايران لاتزال حاضرة بقوة من خلال جماعات تابعة لها تشكل في مجموعها مايطلق عليه محور الممانعة او المقاومة وهو حاضر اليوم في حرب غزة بكل الاتجاهات التي تتمركز فيها المجموعات والتي بسببها قد تتمدد الحرب اقليميا خاصة مع حدود اسرئيل الشمالية ونقصد جنوب لبنان حيث تزايد الدور الاسرائيلي عسكريا وبعمليات خاطفة كاغتيالات داخل العاصمة اللبنانية بل وفي المربع الامني لحزب الله (الضاحية الجنوبية) وباستهداف قادة من المقاومة داخل الجنوب .ومن مصلحة اسرائيل ورئيس حكومتها لانه معرض للمسائلة وربما المحاكمة واحتمالات خروجه من المشهد السياسي امر قائم .. لذا يعمل مع حكومة الحرب على تمدد النزاع نحو لبنان وهو يدرك ان اخرين سنضمون لهذا الامر وهنا تتعرض مصالح العالم كله ومنها مصالح الشرق الاوسط لمزيد من الفوضى والعبث السياسي .
في هذا الاطار كل دول الاقليم غير العربية لها مصالحها الخاصة تستفيد في تحقيقها من المشهد الراهن سواء تركيا او ايران او اسرائل ،، المشكوك فيه وحده القضية الفلسطينية التي يتم الانتقاص من مسارها وحقوقها وثوابتها وفقا لانحياز امريكا مع اسرائيل وضعف الموقف الرسمي العربي بل والاسلامي وحتى العالمثالثي الذي كان قويا وفاعلا في مرحلة الستينات من القرن الماضي . اذا نحن امام مشروع امريكي يخطط لاعادة هندسة الشرق الاوسط وفق محددات جيوبولتيك في ابعادها الاستراتيجية ضمن لعبة دولية تنافسية مع الصين وروسيا بل ومع الاتحاد الاوربي ذاته حليف امريكا ..فهذه الاخيرة لاترغب بنظام دولي متعدد الاقطاب ولاتعترف بروسيا والصين كقطقبين ناشئيين بل تصر على حضورها كشرطي للنظام الدولي .
هنا كيف يفكر الفسطينيون ،، السلطة وكل الفصائل الاخرى ..؟ هل ليهم رؤية سياسية ذات طابع عملاني قابل للتحقيق ، ومن هم بالضبط مناصروها من الدول والنظم عربيا واقليميا ،، فالدعم الشعبي عربيا ودوليا رغم اهميته المعنوية والرمزية لايؤسس لواقع سياسي في الضفة والقطاع . هنا تكون القضية وسلطتها محل تجاذبات لاطراف عدة دولية واقليمية ، الاقل حضورا فيها اصحاب الحق ومحيطهم العربي . صحيح لايمكن ت هجير كل الفلسطينيين ولايمكن تجاهل وجود شعب وقضية لها حضور دولي اكثر من نصف قرن لكن الصحيح ايضا لايتاح لهؤلاء بناء دولة مستقلة ولن يكون القطاع في حالة استقرار بعد اليوم على الاقل لسنوات عشر قادمات .
لابد هنا من اتخاذ خطوات عملانية داخل الصف الفلسطيني منها الاتفاق على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية واجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ووضع خطة موحدة للعمل السياسي يكون التاكيد فيها على ثوابت القضية الفلسطينية " بناء الدولة واستقلالها" بمكانيها الضفة والقطاع والحق في عودة اللاجئين والمهجرين .. وخلق اصطفاف رسمي معها وفق نشاط دبلوماسي وسياسي مع نشاط اعلامي رسمي وشعبي يتجاوز مداه نحو الشارع الدولي اروبيا وامريكيا وفي مختلف القارات . دون ذلك ستبقى القضية الفلسطينية حبيسة ادوار تقليدية ترتبط بمصالح اسرائيل ودعم امريكا لها .
قلنا في مقال سابق انه آن الأوان دوليا لتمكين الفلسطينيين من دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس ضمن قرارات المشروعية الدولية التي يتم تجاهلها من الادارة الامريكية ..ولكن يتطلب ذلك حراكا فلسطينيا موحدا دون اصطفاف للفصائل مع مشروعات اقليميا تضعف الحق الفلسطيني . فنحن نعيش في مرحلة جد هامة وخطيرة على كافة الصعد سياسيا واقتصاديا وثقافيا بل وحتى على المستوى السيكولوجي حيث الاعباء كثيرة بيئيا ومعيشيا اضافة الى تهديدات مستمرة من الاوبئة المتجددة او مخاطر الحرب النووية التي يتم التلويح بها مرارا . زد على ذلك الاستقطاب الدولي بين مشاريع امريكية اوربية واخري صينية روسية او حتى اقليمية ضمن دول الجوار العربي التي اصبح لها حضور لافت .
هنا ندرك الدور غير الفاعل لامريكا في حل ازمات الشرق الاوسط التي تجاوز عمرها عشر سنوات في سوريا وليبا واليمن والعراق ثم السودان ولبنان .. وكلها تستطيع امريكا مع حلفائها في الناتو او الاتحاد الاوربي التسريع في حلها اقتصاديا وسياسيا وخلق حالة من الاستقرار والهدوء الى هذه الدول ..لكن امريكا لاترغب في ذلك لان هذه الازمات هي مبرر لسياساتها في المنطقة ومكسب للشركات الراسمالية من بيع الاسلحة تحديدا وغير ذلك . وربما انها لم تعد قادرة على حل هذه الازمات كما ازمة اوكرانيا لان واقع الازمات تمدد مكانيا وسياسيا وسمح بدخول لاعبين اقليميا لهم مصالح خاصة تتعارض احيانا مع مصالح امريكا .. ووحدهم العرب دون رؤية استراتيجية موحدة والسائد اوهام بعض النظم انها بمفردها تسطيع تحقيق مصالح كبيرة وفق الاصطفاف مع الاجندة الامريكية دون غيرها .
الحياة في زمن العولمة يتطلب تجمعات اقتصادية وسياسية خاصة للدول الصغيرة او ترتبط بتجمعات دولية او اقليمية كبيرة تحقق فوائد عملية وتبتهد لمسافات عن المسار الامريكي ..هذه الرؤية غير متبلورة في الوعي الرسمي والشعبي وحال عودة الوعي سيكون له تعبيراته وتجلياته في صناعة المشهد السياسي ..غزة فيما بعد الاحداث الاخيرة غير قبلها ولن تكون في حالة استقرار كما حال القضية الفلسطينية التي يتم التحايل على مضمونها وحقائقها بل مضمون قرارات الشرعية الدولية الصادرة منذ نصف قرن ..انه زمن الصراع بين الدول ( يشبه جري الوحوش) وكل دولة كبيرة تنهش في كعكة الموارد والطاقة والاسواق خصما من حصص الاخرين او التضييق عليهم ،، وحلبة الصراع مفتوحة لكل من يمتلك اسباب القوة في العلم والتكنولوجيا وادوات الحرب الفائقة ناهيك عن قوة الاعلام والتضليل للرأي العام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات الهدنة: -حماس تريد التزاما مكتوبا من إسرائيل بوقف لإ


.. أردوغان: كان ممكنا تحسين العلاقة مع إسرائيل لكن نتنياهو اختا




.. سرايا الأشتر.. ذراع إيراني جديد يظهر على الساحة


.. -لتفادي القيود الإماراتية-... أميركا تنقل طائراتها الحربية إ




.. قراءة عسكرية.. القسام تقصف تجمعات للاحتلال الإسرائيلي بالقرب