الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طنطورية رضوى عاشور وهذا النداء للتوثيق

رشيد عبد الرحمن النجاب
كاتب وباحث

(Rasheed Alnajjab)

2024 / 1 / 11
الادب والفن


ظننت أنني قرأت "الطنطورية" ذات يوم، ولما اتفق هذ الجمع الطيب على الانتداء ضمن مجموعة آفاق اللغة لحوار حول هذه الرواية، وددت تقديم قراءة في هذه الرواية، ولأن الزمان تباعد بالقراءة الأولى، كان لابد من قراءة ثانية وهذا ما كان، وهنا كانت المفارقة، فقد أيقنت بعد أن قطعت نحو عُشر الرواية أنها تمضي في غير الإتجاه الذي قدرت، أدركت أن الأمر التبس علي بين هذه الرواية وكتب أخرى تبحث في نفس الموضوع.منها ما كتبه المؤرخ إيلان بابيه تحت عنوان "التطهير العرقي في فلسطين". ولكن هذا لم يفسد للود للقضية ومضيت مع الرواية إلى آخرها. ويا لها من رواية بل ملحمة.
الروائية الراحلة د.رضوى عاشور غنية عن التعريف، إلا أنني لا استطيع المرور في هذا المقام دون أن أنوه بكونها مصرية المولد، عروبية الهوى، تقدمية الفكر، وأنها كانت في كل كلمة من كلمات هذه الرواية فلسطينية اللغة والدم والإنتماء.
تبدأ هذه الملحمة على شاطيء فلسطين قرب حيفاها حيث تتعايش"الطنطورة" تلك القرية الوادعة قرب بحر قال عنه درويش: "هذا البحر...لي هذا الهواء الرطب لي" .... وهذا ما عبرت عنه رضوى على لسان "رقية" راوية هذه الملحمة وأيقونتها، وحاملة مفتاح البيت بأمانة إلى أن سلمته إلى حفيدتها "رقية" الصغيرة عبر السياج، هذا المفتاح وحبله الذي لم يفارق صدر الأم ولا ابنتها، حتى مع الإستحمام إلى أن وصل الحفيدة.
نقلتنا الرواية إلى أجواء الطنطورة منذ أن وعت رقية الحياة، ثم تصاعدت الأحداث في بناء درامي متقن يبدأ بالتلميح إلى وجود مستوطنين وإنجليز، ثم تقترب اللقطة تدريجيا كعدسة مصور حاذق لترصد قتالا مستميتا من الرجال في سبيل الدفاع عن قريتهم، ثم مذابح وأهوال وتشريد وسط صدمة وذهول، و"رقية" تتساءل وهي تسمع أخبار المدن الفلسطينية تتوالى في سقوطها، حيفا، يافا، وعكا ، تقول : "وهل يمكن أن تسقط عكا؟ كيف تسقط عكا وهي عكا؟!!!"
ثم كان الرحيل والتهجير، والأم التي رأت ولديها فوق كوم الشهداء فأبت لصدمتها أن تصدق ما رأت، ورسمت في مخيلتها مصائر أخرى لولديها؛ هما في مصر حتما ولا بد من اللقاء بهما ذات يوم، لا بدمن البحث عنهما. وغير ذلك من الأوهام.
وباتت لبنان مثل كثير من الدول العربية الأخرى المأوى والمستقر لعديد من الفلسطيينيين عاشوا ويعيشون فيها على هامش الحياة، ولكن مع كثير من القيود والممنوعات في لبنان، ناهيك عن المنغصات من عدم القبول وغيرها من مفردات لغة الكراهية. وليتها وقفت هنا!!
مضت الرواية في وصف حياة واحدة من عائلات فلسطين في المهجر، رقية وابن عمها أمين والعائلة التي كوناها، بشخصيات متعددة ومصائر متباينة، وعيش في عوالم متعددة عبر أقطار الأرض، ولكن بانتماء واحد وبوصلة واحدة، ورقية تعاني، وتوثق، فتعيش الألم مرات بفعل التوثيق، تحاول التهرب أحيانا، ولكن ابنها حسن يقف بالمرصاد ويقول مشجعا "إنها شهادة وما أنت إلا شاهدة"
إلا أن رقية لم تعش الشهادة التي أرادها حسن بل عاشت الملحمة، تحدثت عن أفراح الشعب الفلسطيني على ساحل الطنطورة، وامتدت هذه الأفراح بأغانيها وأهازيجها ومضامينها ورقصاتها التي التقت بفنون لبنان حتى شواطيء اليونان احتفالا بزواج حسن، وامتد الحديث عبر سطور الرواية عن الأطعمة الفلسطينية، والأزياء والعادات التي انتقلت عبر القارات برغم محاولات السرقة؛ سرقة التراث والهوية التي عبرت عن نموذج منها من خلال "وصال صديقة رقية" في استهزائها بالخواجا الذي ادعى نسبة زيها الفلسطيني إلى إسرائيل. وجدير بالذكر الإشارة إلى قدرة د.رضوى على إدخال أجواء الفرح أحيانا بالرغم من قتامة المشهد.
وتتناول الرواية إشارات إلى مذابح تتابعت ضد الفلسطينيين في المنفى وتقف أحداث تل الزعتر، وصبرا، وشاتيلا، وغيرها من المذابح التي تعرض لها الشعب الفلسطيني عبر نحو سبعة عقود من حياة الشعب الفلسطيني شواهد على هذه المعاناة، كما تشير الرواية إلى شعب متعلم تم التعبير عنه من خلال المعماري صادق، والباحث حسن، والمحامي عبد، والطبيبة مريم، ورقية التي تعلمت وعلمت، وعاشت في المهجرا دورا اجتماعيا رياديا.
تعود أهمية هذا النوع من الأعمال الأدبية في الظروف الحالية، إلى ربط ما يجري من فظائع في قطاع غزة، ونحن نتجه نحو مئة يوم من العدوان، وأرقام الضحايا تتضاعف كل يوم للإشارة إلى أن العبرة ليس في مقارنة أعداد الضحايا بين الأمس واليوم، بل بالدلالة على أن ما كان في الطنطورة ، ودير ياسين، والدوايمة، وقبية، وكفر قاسم وغيرها، لم يكن إلا البدايات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل