الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان: خطاب البرهان الديماغوجي في الخامس من يناير

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2024 / 1 / 11
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


كرد فعل للتعبئة الشعبية التي تنتظم السودان والدعوة لحمل السلاح للتصدي لمليشيا الجنجويد ووقف انتهاكاتها لحقوق المواطنين والتنكيل بهم، ظهر رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 5 يناير 2023 يخاطب عددا من الضباط والجنود بمدينة جبيت. وكالعادة اختار البرهان ان تكون كلمته بأحد مقار الجيش، فمنذ اندلاع الحرب ظل البرهان يحرص على يكون خطابه امام جمهور من العسكريين (أحيانا مختارا بعناية) في حين يتجنب اللقاءات الجماهيرية المفتوحة. والبرهان لم يعقد مؤتمرا صحفيا واحدا للإجابة على أسئلة المواطنين منذ اندلاع الحرب؛ وعلى ذكر انعدام هذه الشفافية، فان التقصير المحير في مخاطبة الشعب يشمل رئيس هيئة الأركان، محمد عثمان الحسين ووزير الدفاع ياسين إبراهيم ياسين الذى وفق الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين في تصريح له في أبريل الماضي بأن ياسين هرب إلى مسقط رأسه بأم روابة بشمال كردفان ودعا البرهان للاستسلام بعد عشرة أيام من اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع.

إن التعبئة الشعبية أدخلت البرهان في رهبة ولهذا خرج يخاطب المواطنين بكلمة غاب عن فحواها أن تحرك المواطنين والدعوة لحمل السلاح جاءت ليس تماما لدعم القوات المسلحة، بل هبة شعبية يأسا في جدية قادة الجيش وعلى راسهم البرهان في التصدي الحازم للمليشيا وحسم الحرب. لكن اراد البرهان نقل رغبته في احتوائها بتصويرها على أساس انها دعوة لتدعيم الجيش (يشكر المواطنين عليها).

ان الذعر من التعبئة الشعبية المسلحة في السودان تمدد ليشمل حكومات الإقليم في مصر واثيوبيا وأوغندا وكينيا، وخير شاهد على هذا ما صدر عن نظام الجنرال السيسي في 3/1/2023 عن طريق الصحفية أماني الطويل، التابعة للمخابرات المصرية، عندما كتبت تقول ( ليس أمامك سيادة الفريق إلا أن تنخرط في مبادرة "تقدم". أن تخسر جزئيا خير من أن تخسر كليا. الرهان على الجبهة القومية الإسلامية " أخوان السودان" قد خسر على الأرض. أساليب الاستنفار لن تحدث فرقا في الموازين العسكرية وسوف تتحمل وحدك المسئولية الأخلاقية والسياسية بمفردات عن حرب أهلية واسعة في السودان).

وتجاوزا للهجوم الشخصي على قائد المليشيا والعبارات البذيئة المستخدمة، فان كلمة البرهان لم تأت بجديد ولم تخاطب المسائل الملحة في الساحة السودانية التي تمثل الشغل الشاغل للموطنين. لقد كان الهدف الرئيس للبرهان هو كبح التعبئة الشعبية وتشديده في كلمته أن تكون خاضعة تنظيميا للجيش بحجة تحديد وضبط سلاحها. إن البرهان يسعى لتطبيق نفس ما فعله تجاه حملة الاستنفار الشعبي التي انطلقت في الأشهر الماضية داعية المواطنين للانضمام إلى صفوف القوات المسلحة السودانية؛ فالجيش لم يتحمس لفكرة الاستنفار في البداية، ثم مارس التلكؤ في تسليح المستنفرين وتنظيمهم بصورة جادة للاشتراك في المعارك.

وكان غريبا أن يأتي حديث البرهان عن التعبئة الشعبية في اطار هجومه الشخصي البغيض الذى أراد به الرد على تهكم حميدتى منه. لم يتناول البرهان في حديثه النشاط التآمرى للتمرد الذى يتمدد إقليميا وقادة المليشيا وذراعها السياسي القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) الذين يعاملون معاملة المسؤولين السودانيين الرسميين في دول يوغندا واثيوبيا وجنوب السودان وكينيا؛ يحدث هذا وفى الداخل يحتل قادة المليشيا أجزاء كبيرة من ولايتي دارفور والجزيرة ويتجولون بحرية في تخوم الخرطوم، وتمهيدا لاحتلال ولايات سنار والقضارف وكسلا، يشترون ذمم بعص السياسيين ويعقدون التحالفات معهم. ولم يذكر البرهان شيئا إزاء ما يسمى ب (القوى القوى الديمقراطية المدنية "تقدم") الواجهة الجديدة لقوى "الحرية والتغيير - المجلس المركزي" وحياكتها مع أعداء السودان للمؤامرات التي تتبلور حاليا في الجهر بدعوة الأمم المتحدة للتدخل تحت البند السابع أو من خلال دول "الإيقاد" للتدخل العسكري ل " القوة الاحتياطية لشرق أفريقيا-EASF-".

كذلك لم تأت كلمة البرهان حول التعبئة كضرورة لمواجهة التدخل السافر لدولة الامارات بالدعم العسكري لمليشيا الجنجويد ووكلاءها المحليين (القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"). إن دولة الامارات سيرت خلال الفترة (مايو-ديسمبر) 27 رحلة جوية تحمل موادا وعتادا عسكريا وجهته السودان؛ قامت بالرحلات طائرات إماراتية بين الامارات- عنتيبي "اوغندا"؛ عنتيبي-ام جرس" تشاد". والى الآن لم يتخذ السودان أي اجراء حاسم ضد دولة الامارات التي ما زالت تعمل على تدمير السودان.

إن التعبئة الشعبية المسلحة لجأ اليها الشعب لحماية نفسه والدفاع عن أمنه ونتيجة لفقدان الثقة في الجيش بعد مشاهدته لسقوط حامياته العسكرية الواحدة تلو الأخرى بدون أسباب واضحة. إن خطاب البرهان كشف عن رغبة الجيش في احتواء التعبئة الشعبية المسلحة التي اتسع مداها بكسر الحواجز بين مكونات الشعب المختلفة حتى ظهرت في اتحاد رائع. لكن الربط التنظيمي للمقاومة الشعبية بالجيش وادغامها في مظلته وعملها تحت ادارته وخضوعها لقوانينه يعنى فناءها أو هزيمة السبب الرئيس لتأسيسها وهو تجنب سلبيات الجيش؛ فالهدف من أجل ضم التعبئة الشعبية المسلحة تنظيميا للقوات المسلحة، ينسجم مع االوجه السياسي لقيادة االجيش؛ فالقيادة الحالية للجيش (البرهان ورئيس هيئة الأركان محمد عثمان الحسين) تأتمر بأوامر صادرة من دولة الامارات التي تسعى للهيمنة على السودان عبر تصعيد الدعم السريع وجناحه السياسي (القوى الديمقراطية المدنية "تقدم") للسلطة السياسية. فاتصالات البرهان مع القوى المدنية الموالية للدعم السريع ودولة الامارات لم تتوقف يوما، ولتقويتها كان أن نقل البرهان المفاوضات المتعلقة بالحرب من "جدة" الى "الايقاد".

وأخيرا، ان الصراع المسلح الدائر في السودان ليس صراعا محليا، بل تقف وراءه قوى عالمية ذات مصالح متناقضة ولذلك فوعى جماهير الشعب بهذه الحقيقة والتعرف على القوى السياسية الوطنية الحقيقية مسألة مهمة لتحويل التعبئة الشعبية لحركة قوية تقف سدا منيعا ضد التدخل الأجنبي بكل أشكاله ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري


.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج


.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي