الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تاريخ القضية الفلسطينية هو تاريخ التخاذل العربي أم غير ذلك؟

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2024 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


في عام 1982، كانت جمهورية مصر العربية خارج الجامعة العربية بسبب معاهدة السلام بينها وبين إسرائيل.. وقُطِعت العلاقات العربية معها، وانتقل مقر الجامعة العربية إلى تونس..
كان هناك دبلوماسيا عالي المرتبة في وفدِ سلطنة عُمان لدى الأمم المتحدة في نيويورك، من الجنسية المصرية، ولكنه كان (مُستأجَرا) للعمل في وفد عُمان(يعني دبلوماسي مُرتزق.. وما أكثر الدبلوماسيين المرتزقة الذين يُشتَرون بالمال، كما المُقاتلين المرتزقة، والإعلاميين والكُتّاب المرتزقة) كان يؤيِّد بقوة اتفاقية كامب دافيد، ويدافع عن سياسة عُمان وتوجهاتها، والتي كانت حينها ذات توجهات مصر، ولذلك عُمان لم تقطع علاقتها الدبلوماسية مع مصر كما فعلت بقية الدول العربية.. ولم تكن في أي وقت في عداء مع إسرائيل..
ذات مرّة حصل نقاش بيني وبينهُ في صالةِ استراحة الوفود في مبنى الأمم المتحدة في نيويورك.. فقال، تاريخ القضية الفلسطينية هو تاريخ الفُرص الضائعة.. وكان بذلك ينتقد العرب لأنهم لم يلحقوا بمصر..
فأجبتهُ، تاريخ القضية الفلسطينية هو تاريخ التخاذل العربي.. وكنتُ بذلك انتقد كامب دافيد..
**
اليوم، وبعد 76 عاما على هذا الصراع، أيّهما القول الصحيح :
القضية الفلسطينية ضحية الفُرص الضائعة، أم ضحية التخاذُل العربي..
أعرفُ أن هناك كثيرون من المُحبَطين واليائسين سوف يؤيّدون وجهة النظرالأولى لأسباب عديدة، ولكن علينا أن نُدرِك أن الفُرص الضائعة قد أضاعتها إسرائيل وليس العرب..
فالعرب مدُّوا أياديهم للسلام منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وربما كثيرون يتذكّرون تصريح إسحاق شامير الشهير في المؤتمر الصحفي الذي عقدهُ على هامش المؤتمر وقال فيهِ جملتهُ الشهيرة: (سوف نُغرِقهم بالتفاصيل وسوف تستمر المفاوضات عشرُ سنوات). كنتُ أسمعُ هذا الكلام عبر التلفزيون وأنا أتابع مُجريات مؤتمر مدريد، وكنت حينها عضوا في وفد بلادي في جنيف..
ولعلّ كثيرون يتذكّرون كيف غضب وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر، من المماطلة الإسرائيلية في وقتٍ ما، فقال تلك الجملة الشهيرة: هذا هو رقم هاتف البيت الأبيض وحينما تكونوا جادّين للسلام، اتّصلوا معنا..
فإسرائيل هي من أضاعت فرصة مؤتمر مدريد لحل هذا الصراع، وهي من أضاعت فرصة المبادرة العربية التي وافق عليها العرب في قمة بيروت 2002 وقامت على معادلة الأرض مقابل السلام، وقال عنها شارون حينها: إنها لا تساوي الحبر الذي كُتبت به..
وهي من أضاعت فرصة تطبيق القرار 242 منذ عام 1967 ..
وهي من أضاعت فرصة اتفاق أوسلو الذي قام على معادلة حل الدولتين، والذي تمّ التوقيع عليه في البيت الأبيض برعاية الرئيس كلنتون، من طرف ياسر عرفات وإسحاق رابين.. بل بدلا من تطبيق الإتفاق، قتلوا إسحاق رابين لأنه وافق على حل الدولتين..
وها هو نتنياهو يقولها علنا: لن نسمح بقيام دولة فلسطينية.. ولن نعيد الجولان..
إذا ما هو الحل؟.هل هو الخنوع والإستسلام والتخلّي عن الحقوق؟.
كل فُرص السلام أضاعتها إسرائيل، وليس العرب.. ولم يكُن أمام العرب سوى خيارين: إما الصمود والصبر، أو الخنوع والإستسلام..
**
نعم العرب يتحملون مسؤولية كبيرة في أمرين:
الأوّل، أنهم ذهبوا للتطبيع(سابقا ولاحقا) قبل أن يكون هناك حلّا شاملا للقضية الفلسطينية، وقبل أن تنسحب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها في عدوان حزيران 1967 ، بما فيها القدس الشرقية، والجولان السوري.. وهنا تجلّى التخاذُل العربي، والأنانية العربية، في رفعِ كل حكومة شعار: بلادي أولا.. وإدارة الظهر للأراضي المحتلة عام 1967، وللدول المُحتلّة أراضيها..
وثانيا: عدم اتّخاذ أي موقف إزاء الولايات المتحدة، يُشكّل ضغطا عليها ويضِرُّ بمصالحها، والعلاقات معها، باعتبارها هي الداعم المُطلَق لإسرائيل والاحتلال، وبلا حدود أو قيود، وهي بذلك مسؤولة عن كل هذا التعنُّت الإسرائيلي، والإجرام الإسرائيلي، وعن كل التوتر في المنطقة، الذي سببه الرئيس الإحتلال.
**
إسرائيل عطّلت كل فُرص السلام مأخوذةٌ بعامل القوة والغرور، وليست قوتها وإنما قوة الولايات المتحدة.. فقوّة إسرائيل، وكما اتّضحَ بعد طوفان الأقصى أنها كانت كذبةٌ كبيرة توهّمنا بها، وانفضحت في عملية طوفان الأقصى.. فأسرعت الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو لنجدتها بكل أساطيلهم وبوارجهم ومدمّراتم.. وحتى بقوات “دلتا” الأمريكية الخاصّة.. وعشرة آلاف طن من الأسلحة والذخيرة والعتاد..
**
مشكلة العرب في فلسطين هي مع الولايات المتحدة أولا، ومع إسرائيل ثانيا.. أكثر من خمسين فيتو أمريكي في مجلس الأمن الدولي لمصلحة إسرائيل..
الولايات المتحدة تنظر لإسرائيل على أنها حاملة طائرات ثابتة ومتقدمة في الشرق الأوسط، ورأس حربة في المنطقة.. ولولاها كانت الولايات المتحدة ستضطر الى وضع ما يقرب من 5 حاملات طائرات في البحر الابيض المتوسط وكل حاملة طائرات تكلف عشرة بليون دولار في العام الى جانب المواجهة المباشرة مع العالم العربي، وكانت الولايات المتحدة ستتحمل ما يزيد عن 50 بليون دولار في السنة، بينما هي تعطي لاسرائيل عشرة مليار..
إذا وجود إسرائيل هو استثمار مُربِح للولايات المتحدة، سواء في زمن الإتحاد السوفييتي، كحارس ضد النفوذ السوفييتي، وفي زمن المد القومي العربي، كرأس حربة ضد ذلك، وضد امتلاك العرب لأسلحة ردع، كما السلاح النووي، بتدميرهِ، كما فعلت بالمُفاعل النووي العراقي.. وبالتآمر على أي حُكم عربي لا يخدم مصالح الولايات المتحدة..
يقول الرئيس بايدن منذ كان عضوا في مجلس النواب: بدون وجود اسرائيل كان على الولايات المتحدة ان تخترع اسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة.
**
اليوم المنطقة كلها في مأزق.. كل الأطراف في مأزِق.. الولايات المتحدة في مأزق... إسرائيل في مأزق... المُطبِّعون العرب في مأزق (مصر، الأردن، دول الخليج).. والمقاومة الفلسطينية في مأزق.. والسُلطة الفلسطينية في مأزق..
فما الحل، طالما أن إسرائيل ترفض أي حل، وتريد فقط أن تفرض إرادتها بالقوة على كل المنطقة ودولها؟.
هذا السؤال بِرسمِ أولئك الذين يلومون المقاومة الفلسطينية ويتحدثون بنفس المنطق الذي يتحدّث به الإرهابيون في إسرائيل..
صحيح أوضاع العرب عموما ليست صحّية وهزيلة، ومُشتّتون، ولكن توريث الهزيمة للأجيال القادمة لا يجوز.. الأوطان لا تُسقى الا بالدماء..
**
كل التقدير لحكومة جنوب أفريقيا التي رفعت دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية لارتكابها جرائم حرب، بينما نسمع بعض الأصوات العربية، كما مديرة مركز ميم لِدراسات الشرق الأوسط وشرق المتوسط، تتحدّث بأسوأ ما يتحدّث به نتنياهو، وسموتريتش، وابن غفير، وغالانت، وغانتس، وتقول عن حرب غزّة:(من الأفضل ان نسميها حرب تخوضها اسرائيل ضد الارهاب بالنيابة عن منطقة الشرق الاوسط).. يا للعار..
إسرائيل أكبر دولة إرهاب في التاريخ، تحتلُّ بالقوة أراضي الآخرين، وترفض أي مبادرة للسلام، وتقتل وتسجن وتعتقل وتطرد، وتُصادر وتُشرِّد، ومع ذلك هي بنظر البعض دولة (قِيم وأخلاق) وليست دولة إرهاب..
يبدو لم يكُن كافيا لمديرة مركز ميم أن ترى عائلة الدحدوح كلها تُباد، لأن بعض أبنائها ينقلون عبر الإعلام ما ترتكبه إسرائيل من جرائم.. لم ترى مئات الآلاف في دول الغرب تخرج للشوارع وتطالب بوقف جرائم إسرائيل في غزة..
الأفارقة في جنوب أفريقيا كانت لديهم مشاعرا إنسانية، وتضامنية مع شعب فلسطين وأهالي غزّة، أكثر من بعض العرب..
**
أكيد لستُ حمساويا.. ولا إسلامويا.. وإنما عروبيا عَلمانيا، ولكن قضية فلسطين ليست قضية حزبية، إنها قضية وطنية وقومية وإنسانية وأخلاقية، قضية حق في وجه الباطل.. قضيةُ عدالة في وجه الظُلم والشر والعدوان والهمجية والتوحُّش..
قضيةُ شعبٍ مشرّدٍ منذ 76 عاما ويعاني ما يعانيه كل يوم من قهر وظُلم وإبادة جماعية وتطهير عرقي، وعنصرية حاقدة..
فألا يعني هذا شيئا لبعض الأصوات العربية المأجورة ؟.
**
الرحمة للمفكِّر الكبير والمؤرِّخ الدكتور عبد الوهاب المسيري، صاحب القول الشهير: (لاحلّا إلا بالمقاومة والمزيد من المقاومة)..
ودون ذلك لا يوجدُ إلا الإستسلام والرضوخ لإرادة إسرائيل..
والمقاومة لا تعني دوما الإشتباكات العسكرية في الميدان.. وإنما يكفي أن تقول للإسرائيلي والأمريكي، حينما لا تسمح ظروفك للتحرير أو المواجهَة، كلمة : كلّا.. لن أتنازل عن حقي.. ولن أخنع.. ولا تُورِّث ثقافة الخنوع ، فهذه خطيرة في أي شعب أو أمّة.. لأنها تقضي على كرامتها وهويتها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح