الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبدأ الجيوثقافية المستدامة: البدائل السياسية للعرب فيما بعد الحرب

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2024 / 1 / 11
القضية الفلسطينية


تقف القضية الفلسطينية الآن مجددا في مفترق طرق؛ تحديدا في البحث عن المسارات السياسية لما بعد حرب غزة.. فأيا كان الوضع التكتيكي على الأرض وتطور الحرب في الأرض الفلسطينية المحتلة بين الفلسطينيين وبين قوات الاحتلال، سيكون على المفاوض العربي والدبلوماسية العربية أن تملك تصورا سياسيا تطرحه وتعرف كيف تدير المعركة أو التدافع الإقليمي والدولي حوله.

مبدأ "الجيوثقافية المستدامة"
وحق الأجيال القادمة في استكمال المسار

بداية يجب التأكيد على أن التصور السياسي الذي على المفاوض العربي العمل من خلاله؛ لابد أن ينبع من قلب الجغرافيا الثقافية العربية، وليس عليها أن يخالفها، أو يتخلى عن قيمها، أو ثوابتها الثقافية بكامل أبعادها ومكوناتها.
وعليه أيضا أن يكون تصورا مستداما بمعني أن التصور السياسي الذي سيتحرك به المفاوض العربي، عليه في كل الأحوال ألا يقدم تعهدات أو اتفاقيات طويلة المدى تنتقص من قدرة الأجيال القادمة في الدفاع عن الحقوق العربية.
وهذا مبدأ سياسي مهم للغاية في هذه المرحلة المتراجعة من تاريخ الذات العربية في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وهو المبدأ الذي يمكن أن نسميه مبدأ "الجيوثقافية المستدامة" الذي يرى بأن أي تصور أو اتفاق سياسي عربي، يجب عليه أن يحتفظ بحق الأجيال القادمة ولا يقطع عليهم الطريق في الدفاع عن مستودع هويتهم، بكامل مكوناته وتصوراته، حتى لو كانت الظروف الراهنة غير مواتية فعلى المفاوض العربي الاكتفاء المرحلي بما هو متاح وممكن، دون مصادرة تقضي على الحق المستدام للأجيال القادمة في استكمال الطريق، عندما يتغير الظرف التاريخي وتستعيد الذات العربية ما لها في المستقبل القريب أو البعيد.

المسار السياسي لمقاربة ما بعد صفقة القرن
وليس ما بعد حرب غزة

من هنا يمكن الإشارة إلى أن المفاوض العربي ليس عليه الآن أن يطرح تحرير كامل القدس الشرقية والغربية، ولكن ليس عليه أيضا أن يقبل بتفاهمات صفقة القرن وهيمنة الاحتلال والصهاينة اليهود على القدس وعلى المسجد الأقصى، ليس على المفاوض العربي والدبلوماسية العربية أن يعلن اليوم قيام الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وفق حدود ما قبل 1967م، ولكن ليس عليه أيضا أن يقبل الاعتراف بدولة الاحتلال مجانا، ويشارك في أوهام "الاتفاقيات الإبراهيمية".
بوضوح أكثر على المفاوض العربي على المستوى السياسي والجيوثقافي أن يبدأ تصوره ومفاوضاته، انطلاقا من الوعي بأننا لسنا في مرحلة ما بعد حرب غزة، ولكننا في مرحلة ما بعد الاتفاقيات الإبراهيمية وصفقة القرن، على المفاوض العربي أن يزكي الدماء الفلسطينية الطاهرة وينطلق من أن هدف عملية طوفان الأقصى العسكرية وما تلاها من حرب دخلت في شهرها الرابع الآن، كان القضاء على تفاهمات صفقة القرن و"الصهيونية الإبراهيمية" الناعمة، وينطلق مجددا من شرعية الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وفق القرارات الأممية والحقوق المستقرة له، ويُجْهِزُ تماما على صفقة القرن وتبعاتها.

جولة بلينكن
وتكتيكات تفجير التناقضات وإدارتها

وفي سياق النظر إلى المفاوض في المقعد المقابل للذات العربية ودبلوماسيتها على طاولة المفاوضات؛ سنجد المفاوض الأمريكي بخبراته المتراكمة في العصر الحديث، التي تعتمد على تفجير التناقضات في مستودع هوية الشعوب المستهدفة وفق تصورات نظريات الصدام الحضاري التي خرجت في نهايات القرن العشرين مع فوكويا وهنتنجتون وبرنارد لويس، وأبلغ دليل على ذلك جولة بلينكن الأخيرة في المنطقة العربية وما أصبح معروفا بالشرق الأوسط.
ففي جولته إلى تركيا حاول استمالتها إلى أجندته التفاوضية او إملاءاته، عن طريق الحديث عن صفقة الطائرات المقاتلة الأمريكية المجمدة إلى تركيا، وفي السعودية تحدث عن التطبيع ومخاطر اتساع الصراع في إشارة مضمرة إلى وقوع السعودية في حصار الكماشة الشيعية بين إيران والحوثيين في الجنوب ولبنان وبعض شيعة العراق الموالين في الشمال، وفي مصر استخدمت الإدارة الأمريكية –ووكيلها الصهيوني في المنطقة- التكتيك القديم نفسه حيث تواكبت زيارة بليكن مع تكتيك العصى والجزرة حيث أعلنت بنك "جي بي مورجان" خروج مصر من إحدى المؤشرات الاقتصادية الهامة التي تمنح الاقتصاد ثقة عالمية، وفي الوقت نفسه صرحت وزيرة الخزانة الوقوف إلى جانب مصر في محنتها وظرفها الاقتصادي! وقبلها بقليل أعلنت أثيوبيا تمددها في البحر الأحمر باتفاق مع دولة "أرض الصومال" عبر ميناء بربرة!

الجغرافيا الثقافية بوصفها أولوية

والدرس المستفاد من المقاربة الأمريكية في السياسات الخارجية تجاه المنطقة العربية أنها لا تحترم الجغرافيا الثقافية العربية وثوابتها، وتعتمد على تكتيكات تفجير التناقضات في مستودع الهوية العربي (إرث نظريات الصدام الحضاري)، من ثم يجب على الذات العربية والمفاوض العربي أن يعمل وفق سياسات مضادة تعتمد على تفكيك التناقضات وإدارتها واستعادة الجغرافيا الثقافية بوصفها المادة الرابطة/ اللاصقة للكتلة الجغرافية العربية، بدونها لا توجد لها جغرافيا سياسية داخلية فاعلة وناجحة، ولا جغرافيا سياسية إقليمية "جيوبولتيكية" متكاملة، ولا جغرافيا جيواستراتيجية دولية تحترمها القوى الدولية أو القوى الغربية تحديدا.

الجانب الصهيوني والأفق المسدود

وكذلك يجب على المفاوض العربي أن يعي بالمسار السياسي وجذوره الجيوثقافية التي وصلت لها الصهيونية ودولتها الآن، في حقيقة الأمر دولة الاحتلال لا تملك أفقا للسلام منذ تسعينات القرن الماضي بعد اغتيال إسحاق رابين، والسكتة القلبية لمشروع السلام واتفاقيات أوسلو، وجُل الحكومات التي تولت الصدارة منذ ذلك التاريخ حتى الآن حكومات متطرفة لا تريد حل الدولتين الذي توقف مع اغتيال رابين، ولا تريد حل الدولة الواحدة مع استمرار صدور القوانين العنصرية التي تميز بين أصحاب الأرض من الفلسطينيين العرب، وبين المستوطنين من الصهاينة "الإسرائيليين".
لذا فحقيقة الأمر التي على المفاوض العربي الاعتراف بها أنه لا يوجد شريك سياسي في حكومة الاحتلال الحالية يقبل بالفلسطينيين لا في حل دولة واحدة ولا حل في دولتين، من ثم عليه أن يبنى تصوره التفاوضي وفق هذه الرؤية الواقعية للمفاوض الأمريكي صاحب نظريات الصدام الحضاري، والمفاوض الصهيوني صاحب نظريات النفي الحضاري التام والتهجير للفلسطينيين خارج حدود فلسطين ما قبل 1967 وخارج حدود دولة الاحتلال نفسها التي أعلنت وفق قرار التقسيم عام 1947م.

خاتمة: الإجهاز السياسي على صفقة القرن

من ثم يبقى أمام المفاوض العربي طريق وحيد للسير فيه؛ وهو طريق وضع الطرف الآخر الأمريكي والصهيوني أمام الوقائع التاريخية والحصول على الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني بوصفه شعبا تحت الاحتلال، مع التأكيد على الثوابت الجيوثقافية العربية، والخروج بأقل الخسائر من على طاولة المفاوضات الحالية، بعنوان واضح وهو الإجهاز على تفاهمات صفقة القرن، والمطالية باحترام القرارات الأممية ذات الصلة.
مع وضع خطة عمل عربية لتجاوز وإدارة التناقضات الجيوثقافية التي تفجرت تمهيدا لاستعادة الكتلة الجغرافية العربية لنفوذها وروابطها الثقافية، والاقتصادية والسياسية، بما يضمن للأجيال القادمة حقهم المستدام في استكمال المسيرة عندما تصبح الظروف مواتية.. لأن طوفان الأقصى صنعت تمددا في الجغرافيا الثقافية العربية سيحتاج بعض الوقت حتى تستجيب له الجغرافيا السياسية، وتتغير الدورة الحضارية والجيوثقافية لصالح الذات العربية، وهذا هو مبدأ "الاستدامة الجيوثقافية" الذي لا يصادر على حق الأجيال القادمة في الدفاع عن مستودع هويتها بكامل مكوناته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم