الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صَنْدَلُ مِيكَا أَزْرَقُ يَنْزَلِقُ مِنَ آلْقَدَمَيْنِ(5)

عبد الله خطوري

2024 / 1 / 12
الادب والفن


تختلط الأشياء في هذه الرأس التي لا تريد أن تنسى .. تمنى مرارا أن ينهض في إحدى سِناته ليجدها في غير محلها في أي داهية لا يهم لتبتعِدْ ليتخَلصْ منها .. لو أنها تزول من هناك تنتحي جانبا وتترك المكان .. لو تسنى له ذلك، لرَمَى بها في أقرب سلة مهملات يصادفها في طريقه ولآقتنى من أقرب حانوت بَزَارٍ رأسا مناسبا معتدلا مستقيما ثابتا و .. هههه .. جميلا، بيد أنه ليس في الإبداع أبدع مما كان .. يُسَلِّمُ مصيره للمصائر تفعل به ما تشاء مهدئا إياها راضيا مقتنعا حامدا النعمة ومَنْ جاد بها، لكن أوجاعا تنتابه من حين لآخر يكون سببها رأسه المنحوسة التي تأبى إلا أن تتذكر ولا تنسَى، فيتكدر طبعه ويسود ميزاجه .. يعوذ بالله من شر ما خلق من الوساوس والهواجس .. يغتسل .. إيييهْ .. يتوضأ كما كانت تفعل طفولتُه طقوسَها آلأثيرة .. يقصد مُصلى قريبا هناك .. يصلي المغرب بركعات ثلاثة كما عهدها آخر مرة قبل أنْ .. لم يتغير شيء، ثم يقضي ما بقي في ذمته من صلوات لم يُصلها في وقتها .. قضى ما تذكر منها وتمنى مخلصا أن يتذكر ما تبقى لكنه لم يتذكر .. مَنْ يدري .. قد يكون صلاها ونسي ذلك في غمرة ما يكابده مع هذه الرأس اللعينة العامرة بالمفارقات .. دعا صادقا أن يُغفرَ له تهاونه وكسله وأن تتم مساعدته في محنه آلعشواء المتناسلة التي لا تريد أن تنتهي .. بقيَ كذلك مدة من الزمن آستمع لأصوات ذَكَّرَتْهُ بادية الجبل .. فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ .. كانوا يرتلون .. وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .. لا، لم يخلد هناااك ولا هنا .. هي لحظات من جمر وجِنان كلٌّ منها ينخسه بلواعج تسيخ به تارة في الأسفلين وأخرى تسمو تعلو حتى لَيُوشك يصدق حقيقة النعيم وأزله الدائم .. لااا .. هي محن كبرى، عليه أنْ يسلُوَ يَنسى .. لكن هاته الفضاعة التي فوق الرقبة تفعل ما تشاء دون أن تراعي خواطره الثكلى .. ليقاوم إذن بعض الوقت ليشاكس ليناور قليلا حتى .. قضى والجماعةَ العشاء وما بعد العشاء، ولم يخرج إلا ونفسه راضية مرضية، هكذا أحس، كذلك شعر، لكن فور معاودته دخوله الدار إلا و .. طق طق طق .. المطارق ذاتها تعاود الرجوع والطرق والضغط والضرب بلا هوادة آتية بآلااااف الوساوس تحط رحالها في مسامه من جديد مرفرفة بأجنحة من صديد قميئ لا يهدأ لا يلين .. يحاول طردها بتلاوة بعض الآيات تحفظها طفولته الأولى عن ظهر قلب منذ زمن مسيد الجبل العالي وكُتَّاب الحي القديم في المدينة ذات مَرَج البحرين لا يلتقيان بينهما برزح لا يبغيان .. لقد ولى زمن الجبال والبحار يا لِيتِيلْ بيݣْمَانْ فاسحا الفُسحَ لمزيد من العثار والبوار .. لا مفر .. لقد جرب وخبر .. كل براري الداخل فلوات عجاف لا تُبقي وحوشها لا تذر لواحة للبشر عليها رؤوس ناتئة متورمة كرأسه آلمشدوخة محملةً على خوازيق مدببة مسننة حادة تشجُّ تشقُّ تقصل تفتق تُدْمي دون أنْ تترك الروح تذهب لحالها، فهي رهينة المحابس .. مأكلها رُغام مشربها زؤام .. لا حينَ لها يرحمها لا حتف يأويها ولا ثقة في أعين حُورها الحَوَر .. يحاول قراءة الكتب التي لم يقرأها قبل أنْ ... أو قرأ صفحات معدودات كثيرة أو قليلة ولم يكملها لظروف شتى كهذه التي يعيشها الآن .. لا فائدة .. فور تصل عيناه الصفحة الرابعة عشرة يعتريه نوم جديد .. يصفع خديه .. يقسو في الضرب .. يضيئ الغرفة كلها ليعطي آنطباعا بيقظة فائقة .. يحس نفسه ثقيلا كركدن كحلوف غابة تالف لم يألف مدن الإسمنت وحواري أسياخ النحاس .. باسر الوجه والعينين مقتضب العبارة والإشارة لا يكلم إنْ تكلم غير نفسه .. يعجز عن إبداء أدنى الحركات يُسرا .. يتناسل في قدميه الإرهاق يتنملان يتشنجان ينحبس فيهما صعود الدماء وآنحدارها .. يجر جثته بالزعط يحس رغبة في مزيد من السبات .. يحاول أن يقاوم هذه الطبيعة المقيتة .. ينهض من مرقده الدائم يرتاح من نوم بنوم .. بنَوم .. دائما مُكبل بسلاسل ثقال ينوء بجرها بدنه الموشوم بعشرات العلامات شوهت تضاريسه جعلتها مساحة لخرائط محدودبة لعالم ينهار .. تنهار قواه مجرد أن يستفيق .. يزمجر يلعن يغضب يسب الهواء المضغوط .. يهفو للصراخ .. يحاول .. يفتح فاه ليُخْرِجَ هَواما وفواجع ومنغصات، فلا تخرج غير زفراته المبتورة تاركة الأصوات تنحبس بالداخل تشل حباله والذبذبات تقف وقفات حادة تلهث من فرط الإنهاك .. يجف الحلق ويُهْلِك الحَنجرةَ الكسادُ .. يمر الزمن متثاقلا بين يديه .. لا يقدر أن يوقفه .. لا يبدي أدنى محاولة في هذا الاتجاه .. الساعات تتلو الساعات .. الدقائق تتراقص والدقائق .. تتواتر الثواني بالرتابة نفسها مثل نزيف يتدفق رقراقا دون نهاية من أحد ثقوب رأسه الكثيرة .. يجلس في أحد الأركان .. تبا لكَ كونتان سحقا لكِ كاندس (1) .. لا يلوي على شيء تتابع مقلتاه بفتور الفيضان الأحمر يخضب بدنه لا يبالي .. شيء ما بالداخل شيء ما بالخارج شيء ما في كل مكان يسعى يزحف يخبش يخز ينخس يوسوس تتسابق اللحظات بتراخ ممل .. العقرب الصغير يطارد الكبير أو العكس .. يتبادلان المطاردة. يدورالعَقْرَبان حول نفسيهما بعَتَهٍ واضح لا هدف من ورائه سوى عودة الدورة نفسها من نقطة لنقطة، من بداية تلبس لبوس النهايةً ومن نهايةٍ تُعيد البداية ذاتها بالإيقاع ذاته لا تغيير في المدة الفاصلة بين حركة وأخرى لا تبديل في قوانين اللعبة، ويبدو أن المؤشريْن آستهواهما الدوران في الفراغ فراحا يتكتكان بحماس يزيد صدى وقعه الصمتُ المطبقُ في الأرجاء .. فراجيل يغرق أزلُهُ في فوهة شرهة تفتح الأفواه لا قرار لقعرها .. تسقط فيها أحلامه، أمانيه، رغباته وأوهامه .. ينظر إليها تخر من سقف الغرفة تصطدم بإسمنت وياجور وحديد ونحاس كطائر أرعن يروم آختراق زجاج لا يراه، تتخبط بين رجليه كسمكة أخروجوها للتو من جالوقها الذي تتنفس فيه تغرق في عراء عار، بصمت يرقبها يتابع حركاتها العشواء دون أن يفعل شيئا .. فقط ينظر مستسلما لثقل لذيذ يسافر به إلى أطياف أرجوانية لا يفيق بعدها إلا على صوت أجش عميق يحفر أخاديد رأسه المليئة بالطين وركام الأحجار، يعمق الحفر بكلمات رصاصية تقول ...

مَجِّدُوا آلْكَرَى عَظِّمُوهُ، فَلَهُ آلْمَقَامُ آلْأَوَّلُ، تَحَاشُوا مُرَافَقَةَ مَنْ سَاءَ رُقَادُهُمْ وَمَنْ آسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ آلْأرَقُ ... (2)

☆إشارات :
1_(كونتان)و(كاندس):شخصيتان رئيستان في رواية (الصخب والعنف) لوليام فوكنر
2_هكذا تكلم زرادشت، فريديرك نيتشه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كندة علوش ملهاش في الأكشن وبتمنتج معايا أفلامى .. عمرو يوسف


.. كيف برأ الباحث إسلام بحيري فراس السواح و يوسف زيدان من التط




.. -للحديث عن الغناء الكلاسيكي-.. صباح العربية يلتقي بالفنان ال


.. الفنان السعودي مشعل تمر يوصف شعوره في أسبوع الأزياء بباريس




.. الفنان السعودي مشعل تمر يتحدث عن حصوله على مليار مشاهدة على