الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإضراب

محمد المهدي السقال

2006 / 11 / 26
الادب والفن


قصة قصيرة
شاركتَ في الإضراب ؟
واستنهض همَّته لتغيير نبرة صوته البارد , فوجئتُ بالسؤال ,
فقد انتهيتُ للتَّو من تقديم درس النصوص , على مدى ساعة كاملة , عشتُ لحظة بلحظة مع الإحساس بالانزعاج المفرط من زيارته , سأبقى مدينا لهؤلاء التلاميذ الذين لم يعيروا لوجوده أدنى اهتمام , تفاعلوا كعادتهم مع حكاية , " انتحار بلبل " ,
نجحتُ في تمهيرهم على التساؤل عما يستيثرهم في النص , يميلون إلى تحليل تفاصيل ظروف انتحار البلبل , فأميل بهم إلى تحليل اللغة التعبيرية , وأجد العذر في ضرورة الاهتمام بالنص في كليته شكلا ومضمونا , ظللتُ باستمرار أحرص على عدم الزجِّ بهم في مطلق الحقائق المؤلمة في الواقع المعيش , وظلوا بإلحاح حريصين على مكاشفة مظاهر ذلك الواقع اللعين :
ـ إضراب الأمس ؟
تحاشى التقاء عينينا , واصل كتابة جملة امتدت لآخر السطر بدون فواصل , كم وجدت خطه رديئا , لكنني تذكرت قولة معلمي , وهو يعلق على فشلي الدراسي, حين لم يجد بدا من الاعتراف بجمال حروفي على الورق:
ـ الخط فن الحمير , عليك أن تهتم بدروسك , وزاد, الخطوط تُزيَّن بها الحيطان , أما الدروس فتبقى خالدة في الذاكرة .
ـ لا لم أشارك فيه .
استعدتُ حضور ذهني , نظرت إلى أصابعه الممسكة بالقلم في ارتعاش غير واضح , فهمت سياق السؤال الاستفزازي , كدت أباشره بالاستفسار عن المناسبة , فهو مفتش يقوم بزيارة , وليس ممثل نقابة , ثم تذكرت انتماءه السياسي , جرت العادة أن نسأل عن هوية السيد المفتش الجديد , قبل أي سؤال عن تجربته أو مؤهلاته, أعرف أنه من يمين اليسار الذي دخل لعبة التوافقات الخشبية تحت موائد الحوار, لكنني أعرف أيضا مما شاع عنه , أنه لم يكن دائما راضيا على توجه حزبه , سُمع عنه أنه قال بوجود انحرافات وخروقات تنظيمية ما أنزلت بها القوانين الداخلية أو الأدبيات من سلطان ,غير أنه بعد هذا وذاك , ظل من دعاة الانضباط لقرارات القمة,
ـ ولماذا لم تنخرط في الاستجابة للدعوة إلى إضراب أمس ؟
لم يرفع بصره بعد , لعله في سطره الخامس أو السادس, يزداد خطه رداءة , صارت السطور أشبه بمنعرجات , هل كانت عينه على ما يكتب , كيف يواصل الدوران بالحروف غير المتناسقة الأحجام ؟
ـ لم أشارك ,فضلت هذه المرة أن يكون لي رأي شخصي , ودون طلب منه , وجدتني مسترسلا في تبرير موقفي , بصراحة , للمرة الأولى في حياتي , أحس أنني قمت بشيء فكرت فيه ونفذته , انتظرت أن يسألني عن هذا الخروج المفاجئ عن الجماعة , وتخيلت أن يقول لي بأن الجماعة لا تتفق على ضلال, لكنه ظل يكتب , لعله انتهى , وضع النقطة ورفع القلم , عادة ما يكون إيذانا بالانتهاء ,
ـ كل ما في الأمر أنني استغربت عدم مشاركتك , و أنتَ الذي ..
لم يكمل الجملة , أخذ يستعد للمغادرة ,
كنتُ أعرف الباقي , وحتى لا يخرج من غير الجواب عن سؤال ألح علي , استعجلته بالاستفسار عن هذه الزيارة المفاجئة , ولم تمر على زيارته الأخيرة إلا أيام معدودات على مجموع أصابع اليدين والرجلين , كم حزنت لحاله , حين أخبرني بأنه يزورني بأمر من السيد النائب عن السيد الوزير النائب عن السيدة الحكومة , كلهم يتساءلون عن تخلفي هذه المرة في مجاراة الدعوة إلى الإضراب , كان يتكلم بصوت خافت غير الذي اصطنعه في مفتتح حديثه وهو يسألني :
ـ شاركت في الإضراب ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??