الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسات مقترحة لمعالجة تأنيث الفقر في العراق

همام طه

2024 / 1 / 12
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


يشير مصطلح تأنيث الفقر في العراق إلى ظاهرة مركبة تتألف من ثلاثة أبعاد؛ الأول هو تزايد نسبة النساء اللواتي يعشن دون خط الفقر. والثاني هو الحواجز المؤسسية المترسّخة في النظام الاجتماعي - الاقتصادي والتي تبقي النساء أسيرات لدورة الفقر. والثالث هو ارتفاع عدد الأسر التي ترأسها وتعيلها نساء غير مؤهلات في الغالب تعليمياً أو مهنياً نتيجة الحروب والأزمات التي مرّ بها العراق (1). وتتداخل ظاهرة تأنيث الفقر مع ظواهر أخرى مثل الأمية والتسرّب المدرسي وعمالة الأطفال والنزوح والسكن العشوائي؛ ويمكن أن تؤدي معالجة هذه الظواهر إلى التخفيف من أنثوية الفقر في المجتمع العراقي كما أن وضع وتطبيق سياسات لدعم وتمكين النساء ومكافحة أنثوية الفقر ينبغي أن يأخذ بنظر الاعتبار الطبيعة البنيوية لأنثوية الفقر فهي جزء من البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للمجتمع وتتشابك مع ظواهر أخرى مؤذية للنساء وليست ظاهرة سطحية أو هامشية أو معزولة.
ويصف صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة تأنيث الفقر بأنه «عبء الفقر الذي تتحمله المرأة، خاصة في الدول النامية». وهذه الظاهرة ليست نتيجة لضعف الدخل فقط، بل هي أيضاً نتيجة للحرمان من الإمكانات والقدرات بفعل التحيّزات الجنسانية الموجودة في المجتمعات ولدى الحكومات. وهذا يشمل فقر الخيارات والفرص، مثل التمكّن من عيش حياة طويلة وصحية وخلّاقة، والتمّتع بالحقوق الأساسية مثل الحرية والاحترام والكرامة. وترتبط حصة المرأة المتزايدة من الفقر بارتفاع معدل انتشار الأسر التي تعولها الأم وحدها (2).
في العام 1978 قامت ديانا بيرس (Diana Pearce) بصياغة هذا المصطلح «تأنيث الفقر» بعد القيام ببحث في الولايات المتحدة ولاحظت أن ثلثي الفقراء ممن هم فوق سن 16 سنة من النساء (3). ويبدو مصطلح "تأنيث الفقر" (Feminization of Poverty) أكثر واقعية من "أنثوية الفقر" كون إفقار النساء وصبغ الفقر بصبغة أنثوية يحصل بفعل فاعل هو المجتمع وتقاليده وأعرافه وهياكله الاجتماعية والاقتصادية؛ بمعنى أن العملية عملية "تأنيث" متعمد حتى لو لم يتم الاعتراف بحصوله أي إضفاء الطابع الأنثوي على الفقر نتيجة عاملين كمي ونوعي: الكمي هو زيادة عدد الإناث الفقيرات مقارنة بالذكور، والنوعي هو زيادة حدة الفقر الي تعاني منه النساء عن فقر الذكور.
وترتبط ظاهرة تأنيث الفقر بالعنف البنيوي، وقد عرّف عالم الاجتماع النرويجي يوهان غالتونغ، في عام 1969 العنف البنيوي بأنه الإيذاء أو الضرر الذي يمارسه المجتمع، بشكل خفي في الغالب، ضد المواطنين أو ممتلكاتهم، عبر غياب العدالة الاجتماعية أو التفاوت في إتاحة الرعاية الصحية، أو التمييز على أساس العِرق أو الجنس أو غيرها من أشكال التحيز واللامساواة الممنهجة. وقد يتوفى ضحايا العنف البنيوي قبل الأوان، ويعانون من مشاكل بدنية ونفسية. لكن رغم وضوح آثار العنف البنيوي إلا أنه من الصعب تحميل أحد المسؤولية عنه (4). بمعنى أن أنثوية الفقر هي ظاهرة مترسخة في البنى الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية وهي نتيجة (وسبب أيضاً) لغياب العدالة الاجتماعية والتمييز على أساس الجنس والإيذاء المستتر وغير المرئي الذي تتعرض له النساء بسبب سيادة الثقافة والتقاليد الذكورية. فمثلاً يتم التعامل مع الزواج المبكر في المجتمع التقليدي بوصفه أمراً طبيعياً وعادة مشروعة في حين أنه يؤدي إلى حرمان الفتاة من إكمال التعليم والقدرة على إعالة نفسها بمعنى أنه نوع من العنف البنيوي الخفي والبطيء الذي يفضي مع مرور الزمن إلى إفقار الإناث عبر حرمانهن من قدرات التعليم والعمل والرعاية الصحية وبالتالي تأنيث الفقر.
كما يرتبط تأنيث الفقر بما يسمى "التقاطعية" (Intersectionality)‏ أو تقاطع أشكال التمييز، وهي فرع من الدراسات النسوية تؤكّد على أن المرأة هي ضحية لأشكال متعددة من التمييز تتعدد وتتقاطع بتعدد وتقاطع أشكال الهويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والجغرافية التي ينتمي إليها الفرد كالهوية الجنسانية (ذكر أم أنثى)، والعِرق أو الهوية الإثنية، والدين، واللغة، والطبقة الاجتماعية - الاقتصادية، والتوجه الجنسي، والإعاقة، والحالة الصحية، والعمر، والمستوى الثقافي، والانتماء الإقليمي أو الجغرافي. فعلى سبيل المثال، النساء السود هنّ ضحايا لنوعين متداخلين أو متقاطعين من التمييز هما: التمييز على أساس الهوية الجنسانية (كونهن نساء) والتمييز على أساس العِرق (كونهن سود). وعلى سبيل المثال أيضاً: النساء الريفيات هنّ الأكثر عرضة لخطر التسرّب المدرسي والزواج المبكر لأنهن يحملن هويتين متشابكتين هما الهوية الجنسانية (كونهن نساء) والهوية الاجتماعية أو المناطقية (كونهن من الريف) وبالتالي يتعرضن لتمييز مركب نتيجة تقاطع هاتين الهويتين. والتقاطعية إطار تحليلي نوعي يحدد كيفية تأثير تشابُك أنظمة النفوذ (السلطة) على المهمشين في المجتمع. استُحدث المصطلح من قبل الباحثةُ النسوية كيمبريلي وليامز كرينشو في عام 1989. وتهدف نظرية تقاطع أشكال التمييز لتفكيك وفهم التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للتمييز المركب أو المتداخل الذي تتعرض له النساء بهدف معرفة كيف تتشابك هويات الفرد وتؤدي إلى تشابك أشكال التمييز التي يتعرض لها وكيف يؤثر هذا التشابك ويتجلى في الأعراف والتقاليد السائدة في المجتمع والنظم والسياسات التي تحكمه، وتنادي التقاطعية بأخذ هذه التشابكات/التقاطعات بالحسبان عند العمل على دعم العدالة السياسية والاجتماعية (5).
وتشير الباحثة أسماء خيرالله كريم إلى أن القراءة الجنسانية للفقر تؤكد ضرورة تسليط الضوء على مفهوم تأنيث الفقر الذي عرّفته منظمة العمل الدولية بأنه زيادة نسبة الفقر بين النساء عن مثيلتها بين الرجال، كما يعني أن حدّة الفقر النساء أكبر مما هي بين الرجال، إذ أن فقر القدرات التعليمية والصحية خاصة مع انتشار الأمية والتسرب المدرسي بين الفتيات يؤدي إلى زيادة الفجوة بين الجنسين ويصبغ الفقر بصبغه أنثوية. وبحسب الباحثة فإن منظّري النسوية أكدوا أن للفقر عند النساء أسباباً، من أهمها التاريخ العريض من الاضطهاد والتهميش للمرأة وتسيّد الرجال في العائلة من خلال النزعة الأبوية التي تجعل المرأة تابعة للرجل بلا أية حقوق.
وتميّز الباحثة بين "فقر الدخل" و"فقر القدرات"، ووفق الباحث محمد عبد الشفيع عيسى فإن الفقر وفق ما هو شائع نوعان: «فقر الدخل» في ضوء خط الفقر المرسوم لمن يقعون تحت حد أدنى معين للدخل السنوي للفرد، ثم «فقر القدرات» في ضوء الندرة النسبية الشديدة للخدمات الاجتماعية الأساسية، ولا سيما التعليم والصحة (6).
وترى الباحثة في مقالتها "تأنيث الفقر في العراق.. مشكلة تحتاج إلى حلول" أن مفهوم تأنيث الفقر يتضمن وجود فجوة جنسانية بخصوص الفقر، إذ أن نسب النساء الفقيرات تفوق نسب الرجال الفقراء، وفي البحث عن أسباب هذه الفجوة ينبغي اعتماد تعريف فقر القدرات للنساء، وفقر القدرات هو فقر في القدرة على الوصول إلى الخدمات التعليمية والصحية حيث أن نتائج مسح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمرأة في العراق عام 2021 يبيّن أن معدلات الأمية ترتفع عند الإناث بنسبة 17% مقارنة بالذكور إذ بلغت نسبة الأمية بينهم 7% فقط. وتضيف: "وبالنظر إلى التوزيع النسبي للسكان من عمر 12 سنة حسب التحصيل الدراسي لسنة 2017-2018 نجد أن نسبة الأمية في الإناث من عمر 12 سنة فما فوق في المدن تبلغ 15% مقارنة بالذكور إذ تبلغ 6% وترتفع هذه النسبة في الريف إذ تبلغ نسبة الأمية عند الإناث إلى 18%".
وتعتقد الباحثة أن من أسباب ارتفاع نسبة الأمية لدى الفتيات الظروف الاقتصادية والزواج المبكر والعادات والتقاليد التي لا تسمح للإناث بإكمال تعليمهن، حيث أن نسبة 5% من الفتيات يتزوجن في سنة 15 في سنة 2006 إلا أن هذه النسبة ارتفعت في سنة 2018 إلى 7.2 % وذلك ربما يعود إلى الأوضاع الأمنية المتردية إبان سيطرة تنظيم داعش على عدد من المدن، ونجد في تلك السنة أنها تشهد أيضاً ارتفاعاً في زواج الفتيات في عمر 18 مقارنة بسنة 2006 و2011 حيث كانت أقل من ذلك. كما شهد عام 2022، توضح الباحثة، تسجيل العراق 70 ألف حالة طلاق ويعدّ الزواج المبكر واحداً من أسباب ارتفاع نسب الطلاق، فخلال العام 2020 سجّلت 1498 حالة طلاق لمراهقات لم يبلغن سن الـ 15 عاماً بعد.
وتنقل الباحثة عن الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية أن نحو 11% من الأسر العراقية تعولها نساء، وبلغت نسبة هذه الأسر في الحضر 11.4 %، وفي الريف 7.6 %، وتشكّل ما نسبته 10.5% من مجموع سكان العراق.
ووفق الباحثة فبين كل 10 نساء عراقيات هناك 9 غير ناشطات اقتصادياً بينما في صفوف الرجال نجد أن الأرقام تكاد تكون معكوسة. وتؤكد أن النسب المتدنية لعمل النساء أو لرغبتهن في العمل تعود إلى جملة من العوامل المرتبطة بطبيعة المجتمع العراقي ونظرته لدور المرأة، والتي تتركز على أن وظيفتها ودورها الأساسي يكمن في كونها "ربة بيت"، كما أن طبيعة سوق العمل وغيرها من العوامل تجعل نسبة كبيرة من النساء لا يعملن أو لا يرغبن بالعمل.
وتختم الباحثة مقالتها التي نشرها مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية بالقول إن التزام العراق باتفاقية سيداو التي انضم إليها عام 1986 والتي تنص على إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة يتطلب القيام بإجراءات للحد من تهميش المرأة والنهوض بواقعها المعيشي صحياً وتعليمياً واقتصادياً واجتماعياً بما يضمن لها حياة كريمة. وتشدد على أن أكبر عقبة أمام النساء هي فقر القدرات لديهن والذي يؤدي إلى تهميش دورهن على صعيد المجتمع والدولة، الأمر الذي يجعل من تأنيث الفقر واقعاً معقداً يحتاج لسياسات نستطيع من خلالها أن نمكّن المرأة من التعليم والصحة والعمل في ظل الزيادة المستمرة لظاهرة الأسر التي تعيلها نساء في الوقت الراهن (7).
وبهدف مكافحة تأنيث الفقر يمكن الأخذ بالتوصيات والمقترحات التالية (8):
1- تقديم دعم وتسهيلات وحوافز للنساء الأمهات و/أو المعيلات لإكمال تعليمهن سواء من خلال برنامج محو الأمية أو من خلال الامتحانات الخارجية في الدراسات الابتدائية والمتوسطة والإعدادية أو في الدراسات المسائية في الجامعات.
2- معالجة الظواهر المسببة لتأنيث الفقر أو الناتجة عنه مثل التسرّب المدرسي، وعمالة الأطفال، والزواج المبكر، والنزوح، والسكن العشوائي بحلول علمية واجتماعية وقانونية وتنموية وخدمية.
3- تخصيص نسبة من الدرجات الوظيفية في الدولة لتعيين النساء المعيلات وإعطاء الأولوية للمرأة الراعية لأطفال بالتعيين في هذه الوظائف كي تتمكن من رعاية أطفالها وتحسين أوضاعها.
4- إيلاء الاهتمام بالنساء المهمشات واللواتي يعانين من أوضاع هشة اجتماعية واقتصادية وتفعيل سياسات مكافحة الفقر بصورة عامة وتفكيك بؤر التهميش والحرمان في المجتمع، وإدماج المناطق النائية والمهمشة ضمن العملية الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
5- فتح دورات تدريب مهني للنساء في مختلف التخصصات المهنية الزراعية والصناعية والخدمية لا سيما تلك التي تتناسب مع وضع المرأة في المجتمع العراقي وبالشكل الذي يشجّع النساء على الانخراط في الدورات دون التصادم مع تقاليد المجتمع. يمكن في هذا السياق اختيار مجموعة من التخصصات المهنية التي تناسب النساء العراقيات وإقامة دورات تدريبية في هذه التخصصات.
6- تقديم القروض الميسّرة للنساء لافتتاح مشاريع منتجة وتحسين أوضاعهن ومواجهة الفقر. وإعادة تصميم نظام الإقراض المصرفي بشكل يقدّم تسهيلات تفضيلية للنساء خاصة الأمهات والمعيلات منهن. والعمل على توسيع مظلة الشمول المالي لتشمل النساء المهمشات وغير القادرات على الوصول إلى الخدمات المالية. والشمول المالي يعني أن الأفراد لديهم إمكانية الوصول إلى منتجات وخدمات مالية مفيدة وبأسعار معقولة تلبي احتياجاتهم – معاملات ومدفوعات ومنتجات ادخار وتسهيلات ائتمانية وقروض وخدمات تأمين، ويتم تقديمها على نحو مسؤول ومستدام (9).
7- توسيع وتحسين شبكة الحماية الاجتماعية لتشمل النساء المعيلات برواتب شهرية تؤمّن لهن ولأسرهن حياة كريمة لحين الانتقال إلى وضع اقتصادي أفضل من خلال الحصول على عمل أو افتتاح مشروع منتج بدعم الدولة.
8- إنشاء مراكز الأسرة والأمومة والطفولة لتوفير التوعية والإرشاد للنساء لتدريبهن على كيفية الاعتناء بأطفالهن وأسرهن صحياً وغذائياً للتخلص من تداعيات الفقر الصحية والبيئية عليهن وعلى أسرهن.
9- حشد طاقات وإمكانات وموارد الدولة لتنفيذ الخطوات أعلاه من خلال مشروع وطني للتنمية الاجتماعية يستهدف مكافحة الفقر والهشاشة والبطالة في المجتمع العراقي.
10- على كل وزارة من وزارات الدولة ومؤسسات الدولة كافة أن تأخذ دورها في "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة تأنيث الفقر" لا سيما وزارة الصحة والوزارات المعنية بالتعليم والتدريب وهي التربية والتعليم العالي والثقافة والشباب والرياضة، والوزارات ذات الإمكانات كالدفاع والداخلية من خلال إطلاق تعبئة وطنية عامة للتصدي لظاهرة تأنيث الفقر.
المصادر:
1- تعريف تأنيث الفقر: لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا
2- موسوعة ويكيبيديا: تأنيث الفقر
3- المصدر رقم (2) نفسه
4- تعرف على "العنف البطيء" الذي يؤثر على الملايين/ بي بي سي عربي
5- موسوعة ويكيبيديا: التقاطعية
6- عن الفقر والتنمية.. من هنا نبدأ/ محمد عبد الشفيع عيسى/ صحيفة الشروق المصرية
7- تأنيث الفقر في العراق.. مشكلة تحتاج إلى حلول/ أسماء خيرالله كريم/ مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية
8- راجع: ظاهرة تأنيث الفقر ومبادرات الاستجابة الدولية والمحلية (دراسة تحليلية)/ أطياف عصام فاضل ووفاء جعفر المهداوي
9- تعريف الشمول المالي/ مجموعة البنك الدولي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نبض أوروبا: قانون إيطالي يسمح لمناهضي الإجهاض بالترويج لأفكا


.. ممرضة مصرية تعالج الأطفال القادمين من غزة تنهار في البكاء




.. عالمة الآثار المصرية د. مونيكا حنا: استرجاع الآثار المصرية س


.. المشاركة تيجان شلهوب




.. المشاركة أمل المدور