الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية -السيدة آوى-

رياض ممدوح جمال

2024 / 1 / 12
الادب والفن


للمؤلف الياباني : يوكو مشيما
ترجمة : رياض ممدوح جمال

الشخصيات : يوسوكو روكوجو(شبح سيدة) هيكارو (رجل كبير السن) آوى (زوجة هيكارو) ممرضة (غرفة في مستشفى. وقت متأخر من الليل. على يمين المسرح شباك فيه ستارة. وفي الخلف من المسرح يوجد سرير تنام عليه السيدة اوى. وعلى اليسار يوجد باب).

هيكارو: (يدخل، تقوده الممرضة. يرتدي معطف مطري ويحمل حقيبة سفر. أن مظهره غير طبيعي. يتكلم بصوت منخفض) أنها نائمة، أليس كذلك؟
الممرضة : نعم ، من الواضح أنها نائمة.
هيكارو : لا يمكن لها أن تستيقظ إذا ما تكلمت بصوت طبيعي، أليس كذلك؟
الممرضة : يمكنك التحدث بصوت أعلى قليلاً إذا كنت ترغب في ذلك. أنها تحت تأثير الدواء.
هيكارو : (ينظر إلى وجه آوى باهتمام) يا له من نوم هنيء نومها هذا.
الممرضة : يبدو على وجهها تمام الصحة والعافية الآن.
هيكارو : الآن؟
الممرضة : نعم. لكن في الليلة الماضية...
هيكارو : هل كانت متألمة جداً؟
الممرضة : ألم فضيع.
هيكارو : (يقرأ في اللوحة المعلقة عند قدم سرير المريض والخاصة بوصف وعلاج المريض) آوى واكاباشي. أدخلت في الساعة التاسعة صباحاً في اليوم الثاني عشر من... اعتقد انه بإمكاني أن اقضي الليلة في مكان ما هنا.
الممرضة : نعم (تشير إلى يسار الجزء الخلفي من الغرفة) في الغرفة المجاورة.
هيكارو : هل يوجد هناك سرير ومستلزماته؟
الممرضة : نعم، يوجد. هل تريد أن تنام الآن؟
هيكارو : كلا. سأبقى جالساً فترة أخرى. (يجلس على الكرسي، يشعل سيكارة) كنت في رحلة عمل حين وصلني نبأ مرضها. قالوا انه لا وجود للخطر عليها. لكن عندما يدخل شخص ما المستشفى فلا بد من وجود خطر، أليس كذلك؟
الممرضة : كانت زوجتك غالباً ما تنتابها مثل هذا، أليس كذلك؟
هيكارو : ليست هي المرة الأولى. لكنها كانت رحلة عمل مهمة جداً. تدبرت أمري هذا الصباح وتملصت من عملي وعدت بأسرع ما يمكنني. وجودي بعيد عنها جعلني أكثر قلقاً عليها.
الممرضة : أنا متأكدة من ذلك.
(التلفون الذي على المنضدة يرن)
هيكارو : (يرفع سماعة الهاتف إلى إذنه) لم أتمكن من سماع أي شيء؟
الممرضة : انه غالباً في هذا الوقت من الليل وبنفس الطريقة، يرن.
هيكارو : اعتقد، أن هذا أمر غير طبيعي. لكن لماذا يوجد هذا الهاتف في غرفة المستشفى.
الممرضة : كل غرفة في هذه المستشفى يوجد فيها هاتف.
هيكارو : وما حاجة المريض للهاتف؟
الممرضة : انه لاستخدامات المريض. حيث انه لا يوجد العدد الكافي من الممرضات ليدوروا على كل المرضى، ونحن نطلب من المرضى أن يطلبونا على خط الهاتف الداخلي عند وجود حالة طارئة، أو فرضاً المريض يحب الكتب، بإمكانه الاتصال بمحل بيع الكتب بنفسه. وذلك على خط الهاتف الخارجي لدينا ثلاث وجبات من العاملين خلال الأربع والعشرين ساعة في اليوم يعملون على خطوط الهاتف وبالتأكيد عندما يحتاج المريض هدوءاً تاماً، فلن يتلقى نداءات.
هيكارو : أليست زوجتي في هدوء تام؟
الممرضة : كانت تطرح نفسها أرضاً بعد أن عولجت سقطت نائمة. ترفع ذراعيها تتأوه، تحرك جسدها يميناً ويساراً. حقيقة لا يمكنك أن تقول إنها كانت هادئة.
هيكارو : (يغضب) تريدين أن تقولي، في هذا المستشفى...
الممرضة : في هذا المستشفى نحن غير مسؤولين عن أحلام مرضانا.
(فترة صمت. الممرضة تظهر علامة الضجر)
هيكارو : ما الذي يزعجك إلى هذه الدرجة؟
الممرضة : ليس من الضروري أن يكون السبب هو إثارتك لي.
هيكارو : (يضحك رغماً عنه) : هذه المستشفى فيها أزمة في كل دقيقة.
الممرضة : كما تعرف انك رجل مقبول جداً انك أمير حقيقي. لكن انضباط الممرضات في هذا المستشفى قاس جداً. وإننا جميعاً تحت التحليل النفسي، ويكشف عن كل عقدنا العاطفية. (تنشر فاتحة ذراعيها) جميعهم. بإمكاننا أن نقنع أنفسنا بأن الأمور يستلزم ترتيبها هكذا. مدير المستشفى والأطباء الشباب المؤهلين لتولي هذا الشرف ومع ذلك خططوا على أن يكون العلاج هو عاطفياً. وليس لدينا أي مشكلة مع أي منهم.
هيكارو : (متأثراً) لا اعتقد انك تقصدين ما تقولين؟
الممرضة : ولذلك كما ترى انه من الواضح جداً أن ذلك ينطبق علينا جميعاً من دون أن نجري أي تحاليل خاصة وان كل أحلام زوجتك ناتجة من العقد العاطفية. وليس هناك ما يدعوك للقلق عليها. عليها أن تخضع للتحليل ويمكننا التخلص من عقدها. نحن هنا نعالجها بالنوم كمرحلة أولى.
هيكارو : أنت تقصدين أن زوجتي، النوم هو علاجها...
الممرضة : نعم (لا تزال تتململ) ولهذا تراني لا املك قائمة بوصف أمراض وعلاجات المريض، أو بعائلة المريض أو زواره. ألا تؤيد حتى أن أخرهم هو شبح العواطف. حتى ذلك الزائر الغريب الذي يأتي هنا كل ليلة...
هيكارو : كل ليلة؟ هنا؟ زائر؟
الممرضة : أوه ـ الآن أنا كنت قد قلت ذلك. إنها تأتي كل ليلة منذ أن دخلت المستشفى. وإنها تتأخر دائماً في هذا الوقت تقريباً، لأن الزائر ليست لديه الحرية في ان يأتي مبكراً. ومن المتعذر جداً أن أشير إلى وجوده أبداً لكنه يذهب قبل أن اعلم أنا بهِ...
هيكارو : هل هذا الزائر، رجل؟
الممرضة : ارجوا أن لا تشغل فكرك إنها امرأة متوسطة العمر جميلة جداً... ستحضر في أي لحظة الآن إني دائماً استفيد من زيارتها حيث اخرج واخذ قسطاً من الراحة. لا أعلم ما سبب ذلك لكنها تجعلني اشعر بضعف غريب لأكون قربها.
هيكارو : أي نوع من النساء هي؟
الممرضة : سيدة أنيقة الملبس جداً. تبدو أنها برجوازية، ذلك هو الانطباع الذي تعطيه. أنت تعلم، القيود البرجوازية بما يكفي، تجد انه في الأسر البرجوازية أسوأ العقد النفسية، على أية حال ستكون هنا بعد قليل. (تتمشى نحو النافذة الموجودة على اليمين ترفع الستارة) انظر قليلاً من المنازل باقية إنارتها المنزلية مضيئة. كل الذي يمكنك أن تراه هو خطين من الإنارة القوية للشارع. إنها الآن ساعة الحب. للحب، للصراع، للكراهية. عندما تنتهي معارك النهار تبدأ الحرب الليلية، والتي هي من اشد المعارك قدماً، أبواق الليل المطالبة بتعطيل أصوات الأعمال العدائية. الآن تريق النساء الدماء، تموت، وتعود إلى الحياة ثانية في كل مرة. وعليها أن تموت قبل أن تتمكن لتحيا. هؤلاء النساء والرجال الذين يقاتلون يرتدون شارات سوداء حداداً على نفاذ بارود بنادقهم. راياتهم جميعاً بيضاء نقية لكنها قد تجولت متجمدة وأحيانا ملطخة بالدماء. الطبال يضرب على طبلته طبلة القلب، طبلة الشرف والعار... كيف يتنفسون بلطف، وهم على مشارف الموت. انظر عند موتهم بوقاحة يتسامرن بجراحهم، الفجوة، جروح مميتة. بعض الرجال يذهبون إلى الموت بوجوههم المعفرة بالوحل. العار ديكور يرتدونه. انظر. ليس من المستغرب انك لا تستطيع أن ترى أي ضوء. ما الذي يمتد أمامك. صفوفاً بعدها صفوف، على مدى النظر، ليست بيوتاً تلك مقابر مقززة، مقابر عفنة. ضوء القمر لا يلمع على صخور الكرانيت. نحن ملائكة مقارنة بهم... نحن نقف بمعزل عن عالم الحب، عن ساعات الحب. كل الذي نقوم بهِ، وذلك من وقت لآخر، وهو أن ننتج التغييرات الكيميائية في السرير. لا يهم ما هو عدد المستشفيات التي مثل هذه المستشفى ممكن أن توجد إنها لا تكفي. المدير يقول ذلك دائماً... أوه، إنها قادمة. إنها قادمة إنها في تلك السيارة المعهودة التي دائماً تركبها، سيارة فضية كبيرة ستصعد هنا كما لو إنها تصعد بأجنحة تصعد ببراعة أمام المستشفى انظر!
(يذهب هيكارو نحو الشباك) تجتاز القنطرة، الآن وهي تأتي دائماً من نفس الاتجاه وكما ترى تسلك الطريق المستقيم الطويل... أوه إنها هنا حقاً إنها أمام المستشفى إن هذا متوقع من قبل أبواب السيارة مفتوحة سوف أتركك تصبح على خير (تتجه إلى الغرفة التي على يسار في الممر).
(يرن الهاتف أربعة رنات خشخشات، واطئة، مخنوقة. وقفة من الباب المفتوح على اليسار يظهر شبح حي ليوزوكو روكوجو، وهي ترتدي ملابس يابانية ثمينة ترتدي قفازات سوداء)
هيكارو : السيدة روكو جو!
روكوجو : هيكارو يا لها من مدة طويلة، أليس كذلك؟
هيكارو : لهذا كنت أنت زائر منتصف الليل.
روكوجو : من أخبرك بذلك؟ (هيكارو لا يجيب) لابد أن تكون تلك الممرضة. إنها ثرثارة جداً... أنت تعلم، إني لم أكن آتي إلى هنا لأقدم الزهور كل ليلة حسب اعتقادك منذ أن سمعت انك كنت بعيداً.
هيكارو : زهور؟
روكوجو : (تفتح يدها) لا، لاشي في يدي. زهوري هي غير مرئية. زهور من الألم هي كانت. (تتظاهر بترتيب الزهور الموجودة بجانب رأس سرير آوى) هذه البراعم التي أرتبها عند وسادتها سوف تتفتح أزهاراً ملونة. الكثير من الأشواك الرهيبة تختفي تحت الأوراق، والأزهار نفسها تبعث رائحة كريهة والتي ستسود الغرفة. انظر، إن تعابير الطمأنينة تغادر وجهها، وارتعاشات الخدين المليئة بالرعب. (تمسك وجه آوى بقفازات يديها) أن آوى تحلم الآن حيث أصبح وجهها بشع المنظر، الوجه الذي كانت تعتقده جميلاً، قد تحول إلى كتلة من التجاعيد عندما رأته في المرآة. تلك هي كل أحلامها. إذا لمست برقة أنا الآن بيدي حنجرتها (تلمس حنجرة المرأة المريضة) ستحلم آوى إنها وحيدة. يتدفق الدم إلى وجهها، وتختنق أنفاسها، وتنكمش أطرافها ألماً.
هيكارو : (يبعد يد السيدة روكوجو جانباً برعب) ما الذي تفعلينه لآوى؟
روكوجو : أحاول أن اجعلها تعاني.
هيكارو : عفواً، لكن آوى هي زوجتي، وأنا لا اسمح لكِ أن تعاملينها هكذا. ارجوا أن تتلطفي وتغادري.
روكوجو : )بلطف) إني سوف لن أغادر.
هيكارو : ماذا!
روكوجو : (تقاطعه وتأخذ يده بلطف) جئت الليلة لأني أردت أن أراك أنت.
هيكارو : (ينزع يده بسرعة) يدك باردة مثل الثلج.
روكوجو : ذلك لا يستدعي الاستغراب. فلا دماء فيها.
هيكارو : قفازاتك تلك...
روكوجو: إن كانت قفازاتي لا تعجبك فسوف اخلعها. لا شيء أسهل من ذلك. (تخلع قفازاتها وهي تسير في الغرفة فتضع القفازات بجانب الهاتف) على أية حال، لدي عمل، أعمال مهمة، والتي يجب إنهاؤها. لهذا السبب أنا جئت مسرعة في هذا الطريق، لا تعتقد أنها لم تكن مصدر إزعاج، في منتصف الليل... وسط الليل... (تنظر إلى ساعة معصمها) كل شيء بالتتالي، الليل ليس كالنهار، انه حر. كل الأشياء، الناس والجماد سواء، نيام. هذا الجدار، خزانة المجرات، زجاج النوافذ، الباب، الكل على حد سواء، نيام. وأثناء نوم هؤلاء يكونون هم مليئين بالتصدعات والشقوق، ولا توجد صعوبة في اختراقهم. وعندما تتغلغل خلال الجدار، فان الجدار نفسه لا يبالي بذلك. ماذا تعتقد أن يكون هو الليل؟ الليل هو عندما تكون جميع الأشياء في تناغم. خلال النهار، نيران وضلال حرب، لكن مع حلول المساء، يكون الليل داخل المنزل امتداد لليل خارج المنزل. يكون الاثنان متشابهان. هواء الليل يكون طرف في المؤامرة. الكراهية والحب، الألم والمتعة: كل شيء وأي شيء أيادي تتلاحم في هواء الليل. أنا متأكدة أن القتلة في الظلام يشعرون أن مودتهم للمرأة هي مقتلهم. (تضحك) ماذا جرى لك؟ لماذا تنظر لي بهذه الطريقة؟ لابد أن تكون قد صدمت، ترى أي امرأة مسنة أصبحت.
هيكارو : اعتقد انك سبق وان أقسمت بأن لن تريني ثانية أبداً.
روكوجو : وأنت كنت سعيداً جداً لسماعك قسمي ذلك. ثم تزوجت آوى. (تستدير إلى آوى النائمة) هذه الضعيفة، امرأة مريضة. ومنذ ذلك الحين لم أنم ولا ليلة واحدة. حتى عندما أغلق عيناي لم أنم. لم يغمض لي جفن منذ ذلك الحين.
هيكارو : وهل تأتين إلى هنا لتشفقي عليها وعليّ، أنا هو سبب ألآمها؟
روكوجو : حقيقة، أنا نفسي لا اعلم لماذا أجئ إلى هنا. عندما اشعر إني أريد قتلك، أفكر انه يجب أن أحب إيذاءك بقتلك أنت نفسك. وفي نفس الوقت تتنازع مشاعر مختلفة في داخلي. أليس من الغرابة إني كنت أحظر إلى هنا وأنا تنتابني كل تلك المشاعر المتضاربة؟
هيكارو : أنا لا افهم عن ماذا تتكلمين.
روكوجو : (تقرب رأسها نحوه) قبلني.
هيكارو : توقفي، أرجوك.
روكوجو : حاجبيك جميلين، وعينيك واضحة ومخيفة، انفك البارد...
هيكارو : توقفي عن ذلك، أرجوك.
روكوجو : شفتاك (تقبله بسرعة).
هيكارو : (يقفز إلى الخلف) قلت توقفي عن ذلك، أرجوك.
روكوجو : إن أول مرة قبلتك فيها هربت كالغزال، كما فعلت الآن.
هيكارو : نعم، لقد فعلت ذلك. لم أكن احبك تماماً. كان تصرفي هو فضول صبياني. وقد جنيت أنت ثماره. واعتقد انك الآن عرفت ما هي عقوبة المرأة التي تستغل التصرف الصبياني للرجل.
روكوجو : لقد كنت أنت درساً لي في الحب فقط. وهذا ما كنت تهدف أنت إليه. أليس كذلك؟ كم كنت أنت محبوباً! وأتمنى أن تبقى هكذا دائماً!
هيكارو : لم اعد طفلاً. أنا في الحقيقة الآن رب أسرة. ألا تشعري بالخجل. تلك هي زوجتي التي تنام بجانبك.
روكوجو : إن غايتي من المجيء إلى هنا هو فقط لأتجنب عملي. وليس لدي ما اخجل منه.
هيكارو : وما هو عملك؟
روكوجو : أن أكون محبوبة من قبلك.
هيكارو : هل أنت بكامل قواك العقلية، يا سيدة روكوجو؟
روكوجو : اسمي ياسوكو.
هيكارو : أنا لست مضطراً لمناداتك باسمك الأول.
روكوجو : (تركع فجأة، وتمد يداها حول ركبتي هيكارو، تحك خديها في ركبتيه) أتوسل إليك، أرجوك أن لا تكون بارداً تجاهي.
هيكارو : إن هذه هي المرة الأولى التي أراك قد فقدت فيها كبرياءك بهذا الشكل. (يحدث نفسه) انه أمر مضحك. ليس لدي شعور بأن كائناً بشرياً يطوقني، رغم عدم قدرتي على تحريك ساقي.
روكوجو : أنا منذ البداية لم أكن مغرورة.
هيكارو : يجب أن تراجعي نفسك أخيراً، فربما لديك أموراً أخرى قديمة لم تعترفي بها.
روكوجو : إن الخطأ كان خطأك أنت، لأنك لم تفهمني جيداً. لا يمكنك القول أن عيناي قد فقدت ذلك الغرور الذي كانت تحمله قديماً؟ وان أوضح علامة على أن المرأة قد فقدت اعتزازها بنفسها هي عندما تتحدث بطريقة متعالية. المرأة تتوق إلى أن تكون ملكة، لأن الملكة فاقدة كل غرور... آه، ركبتيك... ركبتيك باردتان، وسادة صلبة.
هيكارو : ياسوكو...
روكوجو : يمكنني النوم على هذه الوسادة. باردة، الوسادة الصلبة لا يمكن أن تدفأ... وسادتي تسخن حالما أضع عليها رأسي، ويقضي رأسي الليل هرباً من حرارة الوسادة باحثاً عن البرودة. وان الرجل الذي بإمكانه السير حافي القدمين على رمال الصحراء الملتهبة لا يمكنه أن يدوس على وسادتي.
هيكارو : (يلطف إلى حد ما) اهدئي رجاء. أنا رجل ضعيف جداً عندما تثار عواطفي.
روكوجو : الآن فهمت! انك تزوجت آوى شفقة عليها أيضاً! أليس كذلك؟
هيكارو : (يدفعها جانباً) لا تقفزي إلى مثل هذه الاستنتاجات. (يجلس على الكرسي، لا تزال روكوجو متشبثة بركبتيه وتدلك خديها فيهما كالقطة).
روكوجو : أرجوك لا تتخلى عني.
هيكارو : (يدخن) أنا قد هجرتك منذ زمن بعيد.
روكوجو : مازلت تحبني.
هيكارو : هل جئت إلى هنا لكي تقولي لي ذلك؟ (بغضب) اعتقد قلت انك جئت لتعذيب آوى.
روكوجو : كان هدفي أن اقتل عصفورين بحجر واحد. أعطني سيكارة، رجاء. (هيكارو يقدم لها سيكارة، ولكن روكوجو تخطف نصف السيكارة التي في فم هيكارو وتسحب نفساً منها وتنفخه عليه).
هيكارو : في تلك الأيام لم أكن أنا مستقراً. قدماي هشتان. كنت أريد قيداً. كنت أريد سجناً لأوضع فيه. وكنت أنت ذلك السجن. وعندما أردت استعادة حريتي ثانية، كنت أنت لا تزالين قيداً، سجناً.
روكوجو : أنا أحببت أن انظر إلى عينيك، تلك العينان التي تبحث عن الحرية من داخل القفص والذي كان هو أنا نفسي. القيد كان هو أنا نفسي. كان ذلك في بداية وقوعي في حبك. كان ذلك في فصل الخريف، في بداية الخريف. كنت قد زرتني في منزلي عند البحيرة. ذهبت للقاءك في مركبي الشراعي، بعيداً عن الميناء الذي يلي المحطة... كان يوماً رائعاً. وكان القارب يستجيب للشراع بلطف. القارب...
هيكارو : الشراع فوق القارب...
روكوجو : (بقسوة مفاجأة) لا تجد انه غير مقبول أن نتشارك بالذكريات؟
هيكارو : لم تكن جميع الذكريات متشابهة. ما حدث هو أننا أردنا أن نكون معاً فقط.
روكوجو : لكنه كان القارب نفسه. الشراع كان يرفرف فوقنا بجنون. أوه، لو كان ذلك الشراع هنا ثانية! لو انه فقط ينتصب فوقنا ثانية!
هيكارو : (يحدق خلال النافذة) أليس هو ذلك القادم من هناك؟
روكوجو : انه قادم! (موسيقى. من اليسار ينساب زورق شراعي على المسرح. متجهاً نحو بجعات تتهادى، ويقف بينهما وبين السرير، حيث توقف وكأنه شاشة تستر خلفها السرير. هيكارو وروكوجو يمثلان وكأنهما على ظهر القارب).
روكوجو : نحن الآن فوق البحيرة!
هيكارو : انه نسيم رائع!
روكوجو : وهذه هي المرة الأولى التي كنت قد جئت فيها إلى منزلي، أليس كذلك؟ انه بجانب البحيرة تحت الجبل. وقريباً سيكون بإمكانك رؤية السقف، وراء هذه المجموعة من الأشجار. انه سقف اخضر شاحب. تجول الثعالب حوله عند حلول الظلام، وكما تعلم، يمكنك سماع صراخهم في الجبال. هل سبق لك وان سمعت صرخات الثعالب؟
هيكارو : كلا، أبداً.
روكوجو : وستسمع الليلة صرخات الدجاجة قبل أن تموت، وعندما يمزق الثعلب حنجرتها.
هيكارو : لم يسبق لي أن سمعت مثل هذه الأشياء قبل الآن.
روكوجو : أنا متأكدة أن حديقتي ستعجبك. أنا متأكدة من ذلك. وفي الربيع ينبت البقدونس على طول حدود الحديقة ويملأها برائحة زكية ثم عند هطول أمطار الربيع، تصبح الحديقة مغمورة بالأزهار ويتغطى البقدونس تماماً. وترى الأزهار الغرقى تزحف مع المياه خلال الأعشاب. هل سبق لك أن رأيت أزهاراً غرقى؟ انه الخريف الآن، وأسراب من الحشرات الصغيرة تطير من أعشاب الحديقة، كالزبدة على سطح البحيرة، مثل زلاجات على الجليد.
هيكارو : ذلك هو منزلك، أليس كذلك؟
روكوجو : نعم، ذو السقف الأخضر الشاحب. يمكنك القول انه يبدو بعيداً جداً في المساء، بسبب غروب الشمس. السقف وبريق زجاج النوافذ، والضوء يشبه المنارة يدل على مكان المنزل. (توقف) ما الذي حدث؟ انك لم تتفوه بكلمة.
هيكارو : (بلطف) ليس هناك حاجة لقول أي شيء.
روكوجو : انه دواء بالنسبة لي أن تتحدث معي بهذه الطريقة، وهو الدواء الذي يشفي كل ما عندي من جراح في لحظة واحدة. انه دواء عجيب. أنا اعرف أي نوع من الرجال أنت. أنت تعطي الدواء أولاً وبعد ذلك تصيب الجرح، أنت تفعل هذه الطريقة دائماً. الدواء أولاً وبعد الدواء الجرح وبعد الجرح لا دواء أبداً... أنا افهم ذلك بما فيه الكفاية أنا بالفعل امرأة مسنة وبمجرد إصابتي بجرح لن أتعافى بسرعة كالفتاة. أنا ارتعش خوفاً، كل ما قلت شيء عاطفي. وأتساءل كم هو مرعب أن ينتظر الجرح الدواء الفعال؟ في الآونة الأخيرة، إن اقل كلام عاطفي منك يجعلني أكثر سعادة.
هيكارو : يبدو انك مقتنعة على الاستمرار في معاناتك.
روكوجو : الألم يأتي، كما يأتي الليل بعد النهار، عاجلاً أم أجلاً.
هيكارو : لا استطيع أن اصدق انه لدي القدرة على أن أكون السبب في إيذاء أي شخص.
روكوجو : هذا لأنك شاب. في يوم ما سوف تستيقظ في الصباح ولاشي يشغل فكرك، وبينما تسير خارجا مع كلبك، ربما، سوف تكون مفاجأة بالنسبة لعشرات النساء، دون أن تدري أنت، انك معاناة لهم، وسوف تدرك حقيقة أن وجودك على قيد الحياة في حد ذاته هو سبب لمعاناة الكثير من النساء. حتى وان كنت تعتقد انه ليس بإمكانك رؤيتهن، لكن بإمكانهن رؤيتك، وانه من غير المجدي إبعاد نظرك عنهن، انك واضحاً للعيان كقلعة عالية في المدينة.
هيكارو : لماذا لا نغير هذا الموضوع؟
روكوجو : نعم، لنغيره. طالما انه لا يزال بإمكاني الحديث عن مثل هذه الأشياء فيجب أن اعتبر نفسي محظوظة.
هيكارو : بإمكاني رؤية منزلك بوضوح الآن (بأسلوب شعري) شبابيك الطابق الثاني، والمحجل الخشبي للشرفة، لا احد في المنزل، أليس كذلك!
روكوجو : كلا، المنزل فارغ. هنا كنت ارغب أن أعيش معك حتى أموت.
هيكارو : إلى أن تموتي؟ يجب أن لا تتحدثي بمثل هذه الأمور الغيبية. من يدري، ربما نموت غداً. على سبيل الفرض، انقلب القارب.
روكوجو : ينقلب القارب! أتساءل لماذا لم اشتري لك قارب من الممكن أن ينقلب في الحال؟ من الواضح أن هذا غباء مني.
هيكارو : (يهتز الشراع) انظري! انه سوف ينقلب! (روكوجو تلقي ذراعيها حول هيكارو، يتعانقان).
صوت آوى : (صوت تأوهات خافتة من بعيد) النجدة! النجدة! (مثل ما كان صوتها مسموع، تتلوى على فراش المرض وظل يدها يظهران على الشراع).
هيكارو : الم يكن ذلك صوت من مكان ما؟
روكوجو : لا بد انه ثعلب. في النهار، عند البحيرة يمكنك سماع أصوات الثعالب وهي تنزلق إلى الماء على طول الطريق إلى الجبل.
هيكارو : لا استطيع سماع ذلك بعد.
روكوجو : أتساءل لماذا يجب أن يكون هناك يسار ويمين في كل شيء. الآن أنا أقف على جانبك الأيمن. ذلك يعني أن قلبك بعيد. لكني إذا انتقلت إلى جانبك الأيسر لا يمكنني رؤية جانبك الأيمن كاملاً.
هيكارو : الشيء الوحيد هو أن أتحول إلى الحالة الغازية وأتبخر.
روكوجو : نعم، عندما أكون على يمينك أغار على كل شيء في يسارك. اشعر كما لو كان هناك أكيد شخص ما يجلس بجانبك.
هيكارو : (يقوم بحركات لإمالة القارب جانباً ويغمر يده بالماء) البحيرة هو الشيء الوحيد الذي يجلس على يساري. كما أصبحت يدي باردة!... انظري إليها! (يريها يده المبتلة) لقد تجمدت تقريباً. إنها بداية الخريف. (هناك أصوات تأوهات خلف الشراع).
هيكارو : ما كان ذلك؟
روكوجو : ماذا؟
هيكارو : لا يمكنني أن اسمع. إنها أصوات كما لو أن أحد ما يغرق.
روكوجو : (تصغي باهتمام) انه صفير السارية.
هيكارو : قد تغير الريح أليس كذلك؟ (يقوم بحركات تلاعب بالشراع) الآن أرى القصب على الشاطئ بوضوح منحيا في مهب الريح. الريح تولد تموجات على سطح البحيرة.
روكوجو : نعم، أليس كذلك؟... كنت أفكر فقط بأنه لو انك قد وقعت في حب امرأة اصغر وأجمل مني بكثير، وتزوجتها...
هيكارو : نعم؟
روكوجو : أنا لا اعتقد أنني سأموت.
هيكارو : (يضحك) هذا جيد.
روكوجو : أنا لن أموت، لكن اعتقد أنني سأقتلها بالتأكيد. ستغادر روحي جسدي حتى إن بقيت على قيد الحياة، وان روحي سوف تعذبها وان شبح روحي سيصيبها بالعذاب ولن تهدأ حتى تقتلها. هي، مخلوقة فقيرة، سوف تموت مسكونة بروح الشيطان ليلة بعد ليلة.
صوت آوى : (أصوات تأوهات من بعيد) النجدة! النجدة!
هيكارو : ذلك الصوت مرة أخرى. ماذا يمكن أن يكون؟
روكوجو : انه مجرد صوت رفرفة الشراع في الريح. انه صوت الريح. (صورة ضلال يدي آوى تبدو على الشراع تدلل على الإبحار).
صوت آوى : (تأوهات عالية هذه المرة) آه..! النجدة! النجدة!
هيكارو : (مذعور) أنا متأكد من أني سمعت صوتاً.
روكوجو : كانت هذه صرخة الدجاجة التي قضم الثعلب قصبتها الهوائية. والريح نقلت الصرخة من الشاطئ إلى هنا. ذلك يدلل على أننا اقتربنا.
هيكارو : أخشى أن يكون احد ما قد غرق.
روكوجو : غريق؟ من يمكن أن يكون قد غرق؟ إذا كان هناك غرقى، فإنهم نحن!
صوت آوى : (تأوهات) النجدة! النجدة!
هيكارو : إنها آوى!
روكوجو : (تضحك) كلا، إنها الدجاجة.
هيكارو : أنا متأكد انه صوت آوى.
روكوجو : لا تتركني!
هيكارو : أنت مستحيل! انك كنت تعذبين آوى.
روكوجو : كلا، إنها ليست غلطتي. إنها غلطتك.
(صوت آهات آوى)
هيكارو : آوى!
روكوجو : حاول أن تتحمل المسؤولية! أنت لست مغرماً بآوى. انظر إلي. أنا متأكدة انك مغرم بي.
هيكارو : (يهز رأسه) كلا. أنا لست مغرماً بك. (الاثنان متوجها بعضهم لبعض بصمت، موسيقى. تستدير روكوجو عن هيكارو وتحاول ان تعبر خلف الشراع. هيكارو يستوقفها. روكوجو تخلص نفسها وتصبح حرة وتختفي خلف الشراع. يتبعها هيكارو. المسرح يصبح مظلماً. يتحرك الشراع ببطء مع موسيقى غريبة إلى يسار المسرح وعندما تنعدم الرؤية تضاء الأنوار ثانية. لا تبدو روكوجو واضحة. هيكارو يقف لوحده والذهول واضحاً على وجهه).
هيكارو : (كما لو أن فكرة مفاجئة صعقته. جعلته يلتقط سماعة الهاتف من على المنضدة) الو، الو. نعم. خط خارجي، رجاءاً.... هل هذا خط خارجي من فضلك أعطني ناكانو 999.... مرحباً. هل هذا منزل السيدة روكوجو؟ هل يمكنني أن أتكلم مع يوسوكو؟ نعم، السيدة روكوجو.... إنها متعبة وهو الآن وقت راحتها؟ نعم؟ في سريرها؟... أنا آسف، بإمكانها مساعدتي. أيقضيها رجاءاً. اخبريها أن هيكارو يتصل بها. انه أمر هام. أيقضيها رجاءاً. نعم... (توقف). يتطلع هيكارو بفارغ الصبر إلى السرير إنها تنام بسلام وفي حالة ضعف.
هيكارو : الو، الو... هل أنت يوسوكو؟ ماذا؟ هل أنت كنت في البيت طوال المساء؟ هل كنت نائمة؟ إنها هي يوسوكو التي أتكلم معها أليس كذلك؟ (لنفسه) نعم، الصوت بالتأكيد هو صوتها... إذاً الذي رايته كان شبح حي... نعم، الو، الو. (طرقات على الباب في اليسار).
صوت روكوجو : (من خارج الباب. إنها تتحدث بوضوح جداً) هيكارو لقد نسيت شيئاً، لقد نسيت قفازاتي. قفازاتي السوداء بجانب الهاتف هل تراها؟ أعطني أيها رجاءاً. (يلتقط هيكارو القفازات السوداء بحيرة، يترك سماعة الهاتف على المطرقة، يسير نحو الباب على اليسار. يفتح الباب ويخرج. حالما غادر هيكارو، صوت روكوجو من سماعة الهاتف فجأة يصبح مرتفعاً بما يكفي أن يسمعه الجمهور.)
صوت روكوجو : (من سماعة الهاتف) الو. الو... ما هذا، يا هيكارو؟ ما الذي حدث؟ توقظني عند منتصف الليل، ثم فجأة لا تنطق ولا كلمة. ماذا تريد؟ لماذا لا تجيب؟... الو، هيكارو، الو، الو... (وأخيراً "الو" من الهاتف، تندفع ذراعا آوى إلى الهاتف. صوت انهيار مرعب على السرير وموت. في الحال يعم المسرح ظلام).

ستار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال