الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هي الديمقراطيّة الإشتراكيّة و لماذا هي دكتاتوريّة رأسماليّة ؟ ( الجزء الرابع )

شادي الشماوي

2024 / 1 / 12
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ما هي الديمقراطيّة الإشتراكيّة و لماذا هي دكتاتوريّة رأسماليّة ؟ ( الجزء الرابع )
من آتاش / شعلة عدد 146 / مجلّة الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي )
جريدة " الثورة " عدد 835 ، 8 جانفي 2024
https://revcom.us/en/reality-communismwhat-social-democracy-and-why-it-capitalist-dictatorship

ملاحظة الناشر : المقال أناه نُشر باللغة الفارسيّة في مجلّة آتاش / شعلة عدد 146 ، جانفى 2024 على موقع أنترنت cpimlm.org . و ترجمه إلى الأنجليزيّة متطوّعون من موقع أنترنت revcom.us . و الكلمات / الجمل الواردة بين معقّفين و بعض الهوامش أضافها المرتجمون قصد التوضيح . و قد نُشرت الأجزاء 1و2و3 قبلا على revcom.us .
والمصدر الأساسي لهذه السلسلة من المقالات هو كتاب بوب أفاكيان" الديمقراطيّة : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك؟" و أعماله الأخرى حول الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة .
-------------------------
في المقالات السابقة من هذه السلسلة ، ناقشنا أمثلة من الديمقراطيّة البرجوازيّة . و في هذا الجزء الرابع نناقش الديمقراطيّة الإشتراكيّة . إثر الحرب العالميّة الثانية ، سادت الديمقراطيّة الإشتراكية المعروفة ب " دولة الرفاه " ، سادت في معظم بلدان أوروبا الغربيّة . و قد حاولت الديمقراطيّات الإشتراكّة أن تصوّرها على أنّها مختلفة عن الديمقراطيّة البرجوازيّة من النوع السائد في الولايات المتّحدة . و رغم أنّ للديمقاطيّات الإشتراكيّة بعض أوجه الإختلاف الهامةعن أنواع أخرى من دكتاتوريّة الدول البرجوازيّة ، فإ،ّ أوجه الشبه أكثر جوهريّة : الدول الديمقراطيّة الإشتراكيّة دكتاتوريّات برجوازيّة .
في هذا المقال ، من خلال تحليل أوجه الشبهو أوجه الإختلاف و تفحّص وجهات نظر المدافعين عن الديمقراطيّة الإشتراكية، نبيّن كيف أنّ الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة في ظلّ الإشتراكيّة مغايرة كلّيا لهذه النماذج و لأيّ توسيع أو تحسين للديمقراطيّة / الدكتاتوريّة البرجوازيّة . و في النهاية ، سنلقى نظرة على نظريّة كارل بوبر حول الديمقراطيّة الإشتراكيّة .
الديمقراطيّة الإشتراكيّة :
اليوم ، يمثّل المدافعون عن الديمقراطيّة الإشتراكيّة كنموذج مرغوب فيه لمستقبل إيران ، قوّة نشيطة في المشهد السياسي ، و لهذه الفكرة تأثير كبير في صفوف المثقّفين . و يفصل هؤلاء المثقّفين تماما تاريخ الديمقراطية التاريخيّة في إيران عن الإطار التاريخي الأشمل لإندماج إيران في إطار الرأسماليّة العالميّة ( الرأسماليّة – الإمبرياليّة . و مثل البلدان الأخرى من " جنوب الكوكب " ، إيران بلد " تحت هيمنة الإمبرياليّة " . وهو خاضع لمتطلّبات مراكمة رأس المال في بلدان " المراكز " ( المرتروبولات ) و ، داخليّا ، [ تطوّرها ] مشوّه و مفكّك .
و قد شهد تطوّر الرأسماليّة في غيران عدّة منعرجات متنوّعة كلّ منها كان مرتبطا بتغيّرات كبرى في النظامالرأسمالي العالمي . ( لمزيد النقاش نحيلكم على الفصل المتّصل بالإقتصاد في " بيان و برنامج الثورة الشيوعيّة في إيران " -2017). و رفض المدافعون عن الديمقراطيّة الإشتراكيّة في غيران هذا الواقع الحيويّ . و بالنتيجة " حلّهم " لإيران – " توسيع " البنية السياسيّة السائدة فى البلدان الرأسماليّة – الإمبرياليّة في الغرب إلى إيران – عقيم و غير قابل للتطبيق في إيران .
و شرح بوب أفاكيان في كتابه " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ " أنّ نزعة الديمقاطيّة الإشتراكيّة يمكن أن تنقسم إلى مجموعتين ؛ مجموعة تركّز على الخطط الإصلاحيّة المتنوّعة لبلوغ " الديمقراطيّة الإقتصاديّة " في أوروبا ( ما يُدعى بالمدافعين عن الديمقراطيّة الإشتراكيّة لدولة الرفاه ) . و هؤلاء في المموعة الأولى أصبحوا يشاركون في السلطة ضمن دولهم البرجوازيّة الخاصة ، و يشدّ>ون على أنّ الديمقراطيّة غير ممكنة دون عدالة إقتصاديّة .
و بالتالى ، توزيع النهب الإمبريالي على صفوف الأقسام الأوسع من السكّان هو محور برنامجهم . و في علاقة بالديمقراطيّة ، كانت الممارسة و كان الدور الأساس لهذه المجموعة الدفاع و الدعوة إلى المجتمع البرجوازي و تقاليده في الغرب – ضد تحدّى الإمبرياليّة الإشتراكيّة السوفياتيّة في الماضي و الآن ضد الثورة الحقيقيّة و الشيوعيّة الثوريّة .
و تحاول المجموعة الثانية من الديمقراطيّين الإشتراكيّين أن تُميّز نفسها عن رؤساء المشجّعين للإمبرياليّة الغربيّة بتقديم وجهات نظرهم حول الديمقراطيّة بصيغة أكثر راديكاليّة و حتّى " ماركسيّة . إلاّ أنّه في نهاية التحليل ، مساعيهم لجعل الماركسيّة تنسجم مع الديمقراطيّة البرجوازيّة عقيمة هي الأخرى .
لننظر في البعض من وجهات نظر المدافعين الإيرانيّن عن الديمقراطيّة الإشتراكيّة . و من أشهر الأسماء المعروفة من هؤلاء المثقّفين محمدّ رضا نكفار . فأثناء تمرّد جينا ، نظر و جعل مثلا أعلى كيف أنّ هذا الصنف من الديمقراطيّة يمكن أن يعارض به الحكم التيوقراطي و الملكي . " في نهاية المطاف ، لا وجود لأكثر من طريقتين للتعاطي مع الفوضى و الإضطراب الراهنين : دمج لأ الحركةالشعبويّة مع النظام القائم ] إستنادا إلى المساواة و المشاركة ، أو التعزيز القائم على السلطة الإستبداديّة و القمع و التسلّط . و هذا خيار بين شرف و كرامة أن يكون المرء مُواطنا مقابل الإهانة و الإذلال التاريخيين لأن يكون فلاّحا ". (1) و عدا واقع أنّ الظروف التاريخيّة للإهانة و الإذلال للشعب الإيراني لم تكن" إنتقائيّة " للغاية مثل كلّ هذا ، يجب أن نشدّد على أنّ مَثَل نكفار الأعلى للمساواة و مشاركة المواطنين – جوهر المَثَل الأعلى للديمقراطيّة البرجوازيّة – بعدُ قد فشلت .
و لأنّ نكفار يجهل الإطار الشامل لإندماج إيران في النظام الرأسمالي العالمي ( رغم أنّه واعيا جدّا لتاريخه ) ليس بإمكانه واقعيّا و علميّا أن يشرح لماذا فشلت الجهود الديمقراطية – البرجوازيّة في إيران ، و و يتواصل فشلها – هناك عائقان عالميّا تاريخيّان : أوّلا ، في عالم إمبريالي ، لا يمكن للديمقراطيّة البرجوازيّة أن توسّع إلى البلدان التي تهيمن عليها الإمبرياليّة ( خاصة النوع الخاص من " دولة الرفاه " لحفنة من البلدان ). و القيام بذلك يتطلّب تغييرات راديكاليّة في العلاقة بين بلدان " شمال الكوكب " و " جنوب الكوكب " و أيّ محاولة مشابهة ستفجّر التماسكالداخليّ للبلدان الإمبرياليّة ( إلى جانب واقع أنّ الديمقراطّة البرجوازيّة في هذه البلدان نفسها تتهدّدها اليوم القوى الفاشيّة ).
ما يجعل الديمقراطيّة ممكنة – و الديمقراطيّة البرجوازيّة بشكل أعمّ – في هذه القلّة القليلة من البلدان هو نهبها للبلدان في " جنوب الكوكب " . الأنظمة الدكتاتوريّة [ في البلدان المهيمن عليها ] رديف للإزدهار النسبيّ و الاستقرار السياسي المحلّي اللازم لوجود الديمقراطّة البرجوازيّة في البلدان الإمبرياليّة .
ثانيا ، رغم أنّ قسما كبيرا من ما كان يُعتبر " حركة شيوعيّة " في إيران يعتبر أنّ عصر الثورات البجوازيّة في " جنوب الكوكب " لا يزال قائما ، الواقع هو أنّ عصر الثورات البرجوازيّة قد إنتهى . و هذا النوع من التفكير – أنّ الثورة البرجوازيّة لم " تستنفذ " بعدُ من عديد الكرامات التي وفّرتها إلى " شمال الكوكب " -يمكن رؤيته في المُثُل العليا التي صاغها أشباه هابرمان (2) ، و يروّج لها عديد المثقّفين في " جنوب الكوكب " .
و مع ذلك ، أيّ مشكل يظلّ غير معالج في عصر الثورات البرجوازيّة لم يعد ممكنا معالجته ضمن الإطار ذاته ذلك أنّه في الممارسة العمليّة ( و ليس في الخيال ) ، أضحى هذا الإطار هو الإطار المعولم للرأسماليّة – الإمبرياليّة . و اليوم بشكل خاص ، أيّ محاولة للديمقراطيّة البرجوازيّة تتحوّل إلى مخفر أماميّ للإمبرياليّة ما يساهم في نهاية المطاف في نشر الأصوليّة الإسلاميّة ( و في أماكن أخرى ، الأصوليّة المسيحيّة ) ، كبديل . و لوضع ذلك بشكل بسيط ، تقتضى معالجة جميع " بقايا الماضي " كالعودة الرهيبة إلى إيديولوجيا عصر الظلمات و العلاقات الإجتماعيّة الأكثر تقليديّة ، تقتضى القطيعتين الراديكاليّتين اللتين شدّد عليهما ماركس [ و إنجلز – المترجم ] ، القطيعة مع علاقات الملكيّة التقليديّة و القطيعة مع الأفكار التقليديّة .
لأجل جعل نظريّته السياسيّة الديمقراطيّة الإشتراكيّة صالحة ، قلب نكفار واقعا هاما رأسا على عقب إذ كتب : " ثنائيّة الأوضاع في العالم تنجم عن التمييز الذى يؤدّى إلى ثنائيّة الموقف و إلى الظروف الناجمة عن الإستغلال . التمييز يسبق الإستغلال ، من موقف تحليليّ و منطقيّ و كذلك من موقف تاريخيّ " . (3)
لكن في الوقاع ، على عكس ما يوجد في ذهن البعض ، العلاقة بين التمييز و الإستغلال على عكس ذلك بالضبط . ليست بالضرورة علاقة واحد لواحد بل علاقة معقّدة حيث يرسى الإستغلال في " نهاية المطاف " أساس نظام هو جزء لا يتجزّأ من كافة أشكال الإضطهاد و التمييز .
و للعلاقة بين التمييز و الإستغلال عدّة أوجه و عدّة مستويات . لمّا صاغ ماركس " الكلّ الأربعة " (4) شرح صلاتها الداخليّة و الجدليّة . كما أوضح ما هو أوليّ و مسافاتها [ ما ينجم عن ماذا ] . هذا يقلب الواقع رأسا على عقب ( قول إنّ التمييز يسبق استغلال ) ، و يجعل نكفار يستنتج أنّه من الممكن معالجة مشكل التمييز ضمن إطار الرأسماليّة ، و لا يرى أنّ هناك حاجة إلى ثورة تهدف إلى سحق النظام الرأسمالي و تعويضه بنظام إشتراكي يعمل على إلغاء " الكلّ الأربعة " .
و يرى مدافعون آخرون عن الديمقاطيّة الإشتراكيّة كذلك مثل هذه الثورة غير واقعيّة . و على سبيل المثال ، كتب مهرداد درفيشيور ، مستلهما من فردريك جاميسون (5)، أنّ الدفاع عن مكاسب دولة الرفاه – بدلا من التصريحات الرومنسيّة و غير الواقعيّة حول إلغاء الطبقات و إلغاء العمل الملأجور – مهمّة هامة للقوى اليساريّة اليوم " .(6) و يقوم مشروع الديمقراطيذة الإشتراكيّة على " دمج الدفاع عن الديمقراطيّة مع العدالة الإجتماعيّة و الدفاع عن البيئة و المساواة الجندريّة و إلغاء التمييز ( بما في ذلك قتال العنصريّة و التمييز الإثنيّ ) " و " قد وقف في معارضة المشاريع اليساريّة الكلاسيكيّة ، مثل المصادرة السلبيّة للملكيّة الخاصة و تركيز الدولة الإشتراكيّة ".
لكن مصادرة الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج و تركيز الإشتراكيّة ( الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة البروليتاريّة ) ، التي ينعتها بأنّها مشروعا " كلاسيكيّا "، من المتطلّبات الحيويّة ، لإنشاء أساس ماديّ للعدالة الإجتماعيّة و لإنهاء التمييز و حماية البيئة. ففي الواقع ، على الرغم من كلّ ما يفكّر فيه أيّ شخص ، مصدر هذه المشاكل هو اسير و الديناميكيّة الفعليّين للرأسماليّة . و رغم أنّها ضرورة بالنسبة إلى الإشتراكيّة ، اليوم و مستقبلا ، القطيعة مع ممارسات الإشتراكيّة الأولى في الإتّحاد السوفياتي و الصين ( كما فعل ذلك بوب أفاكيان بتلخيصه الموجة الأولى من الثورات الشيوعيّة و إرسائه لأسس الشيوعيّة الجديدة ) ، لم يكن هذا أبدا و لن يكون أبدا ممكنا بنظرة ديمقراطيّة إشتراكيّة . و إنتظار بلوغ " الكلّ الأربعة " ضمن الديمقراطيّة البرجوازيّة ، شيء يسمّى " المشابكة " ، ليس واقعيّا ، بل طوباويّا – وهو شيء نُتّهم به نحن الشيوعيّين الثوريّين .
و طبعا ، يكتب درفيشبور بأنّ مشروعه الأليف ، " من كلّ من وجهة نظر تحقيق التقدّم و [ الحفاظ عليه ] على المدى الطويل ، أكثر فعاليّة بكثير بالنسبة إلى الدفاع عن الرفاه العام و في الوقت نفسه توسيعه " .
و كذلك ، أكّد فرج سركوجي ، أثناء برنامج يُطلق عليه " ضرورة الديمقراطيّة الإشتراكيّة في إيران " (7) ، أكّد أنّ " بقاء المجتمع على قيد الحياة ، و تطوّره المستدام ، و حتّى نموّ الرأسماليّة فيه لا يمكن أن يقوم على التمييز . " و في تصريحاته ، نرى مثالا صريحا أكثر للديمقراطيّة الإشتراكيّة و هدفها : جعل الرأسماليّة عقلانيّة ! و يسعى هذا المشروع إلى التدليل على أنّ النظام الرأسمالي و قوّته المحرّكة التي لا يمكن التحكّم فيها " التوسّع أو الموت " أنّه سيكون أكثر فعاليّة و إستدامة أن يأخذ بعين النظر حقوق النساء و السود و المهاجرين و البيئة . و يحاول إستخدام نمط الإنتاج الرأسمالي القائم على إستغلال قوّة العمل غير أنّه يجعل الأرباح " أكثر عدلا " و بالتالى يُقلّص من الإضطهاد المبنيّ في أسس هذا النظام .
و في بعض المناسبات ، يستعير مقولات من الأدب الماركسي ك " الهدف النهائي لإلغاء الإستغلال " . لكن كيف يحاول أن يبلغ هذا الهدف ؟ ب " التشديد المتزامن على الإشتراكيّة و على الديمقراطيّة ، و تطبيقهما خطوة خطوة ، إلى أن تُصبح غالبيّة العمّال واعية " ( حسب فرج سركوحي ). و هذا الصنف من التحليل و مقترحاته أمثلة لفصل البنية الفوقيّة السياسيّة عن القاعدة الإقتصاديّة للمجتمع .
و أحد أهمّ المنظّرين لهذا النوع من الأخطاء هي أنياس هالار (8). في مجموعة بحوثها ، إرتأت – شأنها في ذلك شأن منظّرين آخرين من مدرسة بودابست – ديمقراطيّة غشتراكيّة تكون على النقيض ممّا سمّاه بوب أفاكيان ب " الإشتراكيّة الميكانيكيّة و الإقتصاديّة " للكتلة السوفياتيّة . لكن بدلا من القطيعة معها ، تقع هالار في حبال المثاليّة . فهي تسيء فهم العلاقة بين القاعدة الإقتصاديّة للمجتمع و بنيته الفوقيّة السياسيّة و الإقتصاديّة . و يُفضى بها هذا في نهاية المطاف إلى النظر إلى الديمقراطيّة كمَثَل أعلى يمكن أن ينسجم سواء مع البنية التحتيّة الإقتصاديّة الرأسماليّة أو البنية التحتيّة للإشتراكيّة !
كتبت أنياس هالار : " المبادئ الديمقراطيّة ذاتها ، إلى حدّ أنّها مبادئ شكليّة ، يمكن أن تخدم كمبادئ جوهريّة في دستور إمّا مجتمع رأسمالي أو مجتمع إشتراكي " . و أضافت : " بالفعل ، الديمقراطيّة الشكليّة ، يمكن أن تتحوّل إلى ديمقراطيّة إشتراكيّة دون معرفة أيّ أدنى تحوير . مبادئ الديمقراطيّة الشكليّة تصف كيفيّة التصرّف في التعاطى مع شؤون المجتمع، وكيفيّة إيجاد حلول للمشاكل ، لكنّها لا تفرض بايّ شكل من الأشكال حدودا على مضمون التطلّعات الإجتماعيّة المتنوّعة ." ( التشديد مضاف من آتاش )
و على النقيض من هذه الطوباويّة المثاليّة لأنياس هالار ، يؤكّد بوب أفاكيان :
" ...ليس بوسع الديمقراطيّة ، كمجموعة من المبادئ الشكليّة ، أن تخدم الإشتراكيّة كما تخدم الرأسماليّة " دون معرفة أيّ أدنى تحوير " ... لتكرار النقطة الأكثر أساسيّة ، يجب على الديمقراطيّة في ظلّ الإشتراكيّة أن تشهد تغييرا نوعيّا ، راديكاليّا مقارنة بما كانت عليه في ظلّ الرأسماليّة – يجب قلبها – كي تمارس الديمقراطيّة في صفوف الطبقة الحاكمة الجديدة ، البروليتاريا ، بينما تمارس الدكتاتوريّة من قبل البروليتاريا على الطبقة الحاكمة السابقة ، البرجوازيّة .
دون القطيعتين الراديكاليّتين اللتين تحدّث عنهما ماركس و إنجلز على أنّهما حيويّتين ... دون معركة المرتفع التي ينبغي خوضها من أجل ذلك عقب تركيز الإشتراكيّة في البداية ... لن توجد إشتراكيّة ، ناهيك عن بلوغ الشيوعيّة في نهاية المطاف. هناك حاجة في مجال السياسة إلى المبادئ التي تعكس هذا و تخدم النضال لتجاوز مقاومة البرجوازيّة المطاح بها ( و القوى الطبقيّة البرجوازيّة الحديثة الولادة ) و تمكين الجماهير الشعبيّة لتصبح سيّدة كافة المجالات ... هناك حاجة إلى تطبيق الديمقراطيّة ( و الدكتاتوريّة ) بمضمون طبقيّ واضح و صريح ، و ليس المبادئ الديمقراطيّة الشكليّة " دون أيّ أدنى تحوير " . " (9)
كارل بوبر :
ومن المنظّرين الديمقراطيّين الإشتراكيّين الآخرين كارل بوبر ( فيلسوف من أصول مجريّة ) . عرض نظريّته وهي نقد للماركسيّة في كتابه الشهير " المجتمع المفتوح و أعداؤه " (10). و يتمثّل نقد بوبر للماركسيّة في كونه يعدّ أنّها تنتهج مقاربة " جوهريّ " [ أسنسيالست – المرتجم ] للإستغلالالرأسمالي و الدولة الرأسماليّة ذلك أنّ الماركسيّة لا تعتبرهما قابلين للإصلاح . و فى تسعينات القرن العشرين ، بحماس روّج الجناح الإصلاحي للجمهوريّة الإسلاميّة نظريّة بوبر و كتابه . و في الواقع ، أصبحت دعامة نظريّة كبيرة لسياساتهم الداعية " للإصلاحات " و إستُخدمت لتعبأة قسم من المثقّفين حول إعتقاد في " إمكانيّة إصلاح الجمهوريّة الإسلاميّة ".
وفق بوبر ، النظريّة الماركسيّة – أنّ أيّ شكل من أشكال الدولة ، دون إستثناء ، يمثّل دكتاتوريّة هذه الطبقة أو تلك ، و أنّ حتّى أكثرها " ديمقراطيّة " هي عمليّا دكتاتوريّة طبقيّة – نظريّة " جوهريّة " . في رأيه ، من الممكن لدولة أن توجد وهي ليست دكتاتوريّة . و يرى بوبر الديمقراطيّة و الدكتاتوريّة ككوكبين مختلفين ، قائلا إنّه حيث توجد ديمقراطيّة لا وجود للدكتاتوريّة و العكس بالعكس . و من أهمّ معايير أن تكون دولة " ديمقراطيّة " و " ليست دكتاتوريّة " هو أنّ الناس بوسعهم " إقالة " قادتهم السياسيّين . و في تعليقات نقديّة بالغة الأهمّية ، أجاب بوب أفاكيان :
" ... يمكن للناس " إقالة " ( يصوّتوا لإقالة ) سياسيّين معيّنين ، ليس بوسعهم بهذه الطريقة – أو أيّ طريقة أخرى عدا الثورة – " إقالة " الطبقة الرأسماليّة ( البرجوازيّة ) التي تحكم في الواقع المجتمع ، و هي تسيطر على السيرورة الإنتخابيّة نفسها ، وهي على أيّ حال تهيمن على سيرورة صناعة القرار السياسي و الأكثر أساسيّة ، تمارس إحتكار القوّة المسلّحة " الشرعيّة " ... ما من تحليل جدّيّ – و بالتأكيد ما من تحليل علميّ حقّا – لديناميكيّة السلطة السياسيّة و سيرورة صنع القرار السياسي في البلدان " الديمقراطيّة " ، من مثل الولايات المتّحدة ، يمكن أن تُفضى إلى أيّ إستنتاج آخر إلاّ أنّ كلّ هذا ، في الواقع ، تحتكره و تسيطر عليه تماما الطبقة الحاكمة الرأسماليّة – الإمبرياليّة ، و أنّ الآخرين، عدا هذه الطبقة الحاكمة ، مستبعدة فعليّا من ممارسة سلطة سياسيّة و صناعة القرار السياسي الذى له مغزى ، على الرغم من مشاركة عامة الناس في الانتخابات " . (11)
و في النهاية ، الحلّ الذى يقترحه بوبر هو التالي : بدلا من التساؤل " ما هي الطبقة الحاكمة " ، يجب على الماركسيّين أن يتساءلوا " كيف تحتويها " ! لكن لا وجود لتجربة تبيّن أنّ الجماهير الشعبيّة يمكن أن " تحتوى " دكتاتوريّة البرجوازيّة التي لديها جهاز أمني و عسكريّ . و وجود مثل هذه الأوهام ( التي كانت الطبقة الحاكمة تروّج لها على الدوام ) كانت دائما توجّه ضربات يتعذّر إصلاحها لمعارضى الرأسماليّة و لمقاتلى الحرّية على طريق الحرّية .
" حلّ " بوبر للإستغلال الرأسمالي هو كذلك " إحتوائه " . و يعارض " حرّية الرأسماليّة غير المحدودة " قائلا : " في ظلّ النظام الرأسمالي المنزوع اللجام " ، الشخص الأقوى إقتصاديّا حرّ ل" إرهاب " الضعيف إقتصاديّا و يستولى على حرّيته ... يجب أن نطالب بتعويض سياسة الحرّية الإقتصاديّة غير المحدودة بتدخّل الدولة بالتخطيط الإقتصاديّ ". (12)
هنا نجد أنفسنا أمام نظريّة الكفالة و المفتاح فيها يقلّب بوبر الكلمات ليشوّه طبيعة الرأسماليّة . و كما كتب ريموند لوتا ، " الرأسماليّة علاقة إجتماعيّة و سيرورة إجتماعيّة ، جوهره بالفعل هو سيطرة مصالح غريبة و مناقضة بشكل عدواني على العمل . " ( ريموند لوتا ، " إنهيار أمريكا " ) (13) و الدولة البرجوازيّة ( سواء كان شكلها ديمقراطي – إشتراكي أو ديمقراطيّة – ليبراليّة أو فاشيّة ) ، حيويّة لفرض هذه العلاقة [ الإجتماعيّة ] . و دونها ، لا يمكن أبدا للبرجوازيّة أن تسيطر على قوّة العمل . ما من طلب بوسعه أن يوقف " الرأسماليّة المنزوعة اللجام " لأنّ قانون " التوسّع أو الموت " قانون " جوهريّ " للرأسماليّة ، و العنف الجسديّ هو النتيجة الحتميّة : حتّى إلى درجة التسبّب في الحروب المدمّرة و تدمير البيئة.
و كافة البلدان التي يقدّمها الديمقراطيّون الإشتراكيّون الإيرانيّن ك " أمثلة " و " نماذج للديمقراطيّة الإشتراكيّة – بما فيها البلدان السكندينافيّة – هي بلدان رأسماليّة إمبرياليّة و نتيجة نهب و منتهى إستغلال " جنوب الكوكب " ، إلى درجة معيّنة و لفترة من الزمن ، قادرة على توفير الرفاه و بعض الحقوق السياسيّة لتأمين مراكز قيادتها الخاصة .
لكن اليوم ، نشاهد هذه البلدان ذاتها تنزع أقنعتها " الديمقراطيّة " و تظهر بجلاء قبضتها الحديديّة الفاشيّة . و إنّه لمن المُدهش رؤية العديد من المثقّفين الديمقراطيّين – الإشتراكيّين يلتزمون صمتا مطبقا عن جريمة الإبادة الجماعيّة الإسرائيليّة ضد الشعب الفلسطيني – و هذا يشبه كثيرا صمتها المطبق عن المجازر و المذابح التي إقتُرفت في حقّ السجناء السياسيّين في إيران سنة 1988 !
هوامش المقال :
1. Radio Zamaneh, “The Dignity Movement”, Nikfar, Mohammad Reza, May 17, 1401 [From 2011 through July, 2023 Mohammad Reza Nikfar was Radio Zamaneh’s editor-in-chief. He continues to work closely with Radio Zameneh, and to write and teach.].
2. Jürgen Habermas is a prominent 20th century social-political theorist. For decades he has been a major figure in the Frankfurt School, which is known for revising the revolutionary heart out of socialism. One of his most widely read books is The Structural Transformation of the Public Sphere: An Inquiry into a Category of Bourgeois Society, a detailed social history of the development of the bourgeois public sphere from its origins in the 18th century salons up through modern, capital-driven mass media. His writings have been translated into more than 40 languages. Sources: Wikipedia and Library of Congress. [footnote added by translators]
3. Website Critique of Political Economy "belonging, not belonging," Nikfar, Mohammad Reza.
4. Bob Avakian: "To review: Marx said specifically the dictatorship of the proletariat is the transition to the abolition of all class distinctions, of all the production relations on which those class distinctions rest, of all the social relations that correspond to those production relations, and the revolutionization of all the ideas that correspond to those social relations."
5. Frederic Jamison is a "Western" Marxist, in the tradition of the Frankfurt School. He is best known for his critique of post-modernism, Postmodernism, or, The Cultural Logic of Late Capitalism (1991) and his research on critical theory. https://en.wikipedia.org/wiki/ [footnote added by translators]
6. “In Defense of Social Policy of the Social Democratic Welfare State” by Mehrdad Darvishpour, 2022. [Darvishpour is an Iranian-Swedish sociologist, and a Stockholm activist.)]
7. https://www.youtube.com/watch?v=14s95RjRjE&list=PLWDzMTmOOMFr3gwPQg5KTLP_Qd2bgRD6L, 09 May 2023.
8. Agnes Heller, [quoted in Democracy: Can t We Do Better Than That? Chapter 6: “Bourgeois Socialism and Bourgeois Democracy.”] Bob Avakian, 1986.
9. Ibid.
10. The Open Society and Its Enemies, Karl Popper, 1945. Its Persian translation by Ezatollah Fouladvand was published in 2005.
11. Avakian. “Making Revolution and Emancipating Humanity, Part 1.” In the section titled “Marxism as a Science—Refuting Karl Popper: Marxism’s falsifiability, Popper’s falsehoods, and a scientific approach.” 2007.
12. The Open Society and Its Enemies, Volume II in English pp. 124-125.
13. "Capital is a social relation and process whose essence is the domination of labor power by alien, antagonistic interests and the reproduction and expanded reproduction of that relation. The most fundamental law of the capitalist mode of production is the law of value and production of surplus value. The most important production relation of capitalism is the relation of capital to labor. And exploitation of wage-labor is the basis of the creation and appropriation of surplus value." From "On the Driving Force of Anarchy and the Dynamics of Change—A Sharp Debate and Urgent Polemic: The Struggle for a Radically Different World and the Struggle for a Scientific Approach to Reality," by Raymond Lotta [footnote by translators]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج


.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي


.. وقفة احتجاجية لأنصار الحزب الاشتراكي الإسباني تضامنا مع رئيس




.. مشاهد لمتظاهرين يحتجون بالأعلام والكوفية الفلسطينية في شوارع