الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين والأفريقانية: بين جنوب أفريقيا التحريرية وأثيوبيا العنصرية

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2024 / 1 / 13
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


حركة "عموم أفريقيا" ومنظمة "الوحدة الأفريقية"

عرفت أفريقيا مشروعا ثقافيا جامعا في القرن الماضي عرف بحركة "عموم أفريقيا" أو "البان أفريقانيزم"، وتبلور شكلها السياسي الرسمي مع منظمة "الوحدة الأفريقية" التي تأسست في ستينيات القرن الماضي، وكان مشروعها بالأساس مشروعا تحريرا ضد الاستعمار الأوربي الأبيض في القارة عموما، وكان بها عدة تيارات فكرية وكان الحضور والدور المصري بها محوريا يقوم على دعم كافة حركات التحرر، حيث كان عبد الناصر من أبرز رموز التحرر الوطني في قارة أفريقا الذي ينظر الجميع له باحترام.

الأفريقانية العنصرية والاتحاد الأفريقي

لكن مع تفكك المشروع الناصري وتوجه السادات نحو الغرب سياسيا واقتصاديا بدأ الدور الثقافي المصري في التآكل في القارة، وتحولت الهيمنة الثقافية على حركة "عموم أفريقيا" باتجاه الأمريكين السود من أصل أفريقي مطورين ما عرف بحركة "الأفروسنتريزم" أو المركزية الإفريقانية السوداء العنصرية، كرد فعل على المركزية البيضاء الغربية ضدهم.
وبعد اتفاقية كامب دافيد اخترقت "إسرائيل" أفريقيا وتحديدا منطقة منابع النيل في أثيوبيا، وتبنت أثيوبيا فكرة "المركزية العنصرية الأفريقانية لكن مع إسقاط العداوة تجاه العرب سكان شمال أفريقيا والإسلام وتجاه مصر بشكل أكثر وضوحا، وفي الألفية الجديدة تم استبدال منظمة الوحدة الأفريقية بـ"الاتحاد الأفريقي" عام 2002م مع تبنيها بشكل واضح أيضا لأفكار العنصرية الأفريكانية السوداء ضد شمال أفريقيا ومصر.

أثيوبيا: علاقات صهيونية وتجويع لمصر

وبرزت القيمة الثقافية العميقة والحاكمة لأثيوبيا تجاه العرب في قضية فلسطين أثناء طرح صفقة القرن في عهد دونالد ترامب، التي تواكبت مع تسخين ملف سد النهضة، حيث توطدت علاقة أثيوبيا بإسرائيل سرا وعلانية وتبنى المفاوض الأثيوبي التكتيكات الصهيونية في المماطلة والتسويف كافة، ولم تخرج كلمة إدانة واحدة من اثيوبيا تجاه العنصرية الصهيونية تجاه الفلسطينيين العرب، في حين تعالى صوتها متهما مصر بالعنصرية الاستعمارية عند دفاعها عن حق الشعب المصري في الماء والزراعة الذي تسبب الآن في أزمة زراعية رفعت أسعار الأرز والسكر وهما من المحاصيل كثيفة المياة بعدما اضطرت السياسات الزراعية المصرية إلى تقليل زرعة الأرز وقصب السكر.

جنوب أفريقيا: قيم التحرر الأصيلة

من ثم يقارن هذا المقال بين التصور الثقافي الحاكم لأثيوبيا التي تكاد تهمين هيمنة جيوثقافية تامة على الاتحاد الأفريقي، وبين التصور الثقافي الحاكم لدولة جنوب أفريقيا التي تتبنى الفكر الأصلي لحركة "عموم أفريقيا" بوصفها فكرة ثقافية تحررية ضد العنصرية الاستعمارية الغربية ومن يمثلها، وهو ما تبدى مؤخرا في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية ضد "إسرائيل" بتهمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
لقد قدمت جنوب أفريقا مرافعة من تزيد عن ثمانين صفحة وقدمت أدلة وبراهينا على نية الاحتلال في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، ووقفت بكل شموخ تدافع عن حق الفلسطينيين الإنساني في الحياة على أرضهم، كما وقفت بالشموخ نفسه لتدين العنصرية والقتل المنهجي الذي تمارسه آلة الحرب الصهيونية، وسارعت العديد من دول العالم إلى إعلان مساندتها لجنوب أفريقيا، منتجة استقطاب عالمي شديد الأهمية ضد الحضارة الأوربية ومتلازماتها الثقافية باعتبار الصهيونية في حقيقة الأمر ليست سوى ممثل لها في الشرق العربي والمسلم.

فك الارتباط بين معاداة السامية وإدانة الصهيونية

لأن القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا سوف تسقط خرافة "معاداة السامية" التي يزايد بها الغرب عمن يرفض العنصرية الصهيونية لدولة إسرائيل، وسوف يسقط أوهام أن يهود إسرائيل هم ضحايا الاضطهاد النازي! وسوف يضع المور في نصابها ولو بشكل رمزي رغم أن معظم المؤشرات تقول بأن المحكمة قد تضطر لاتخاذ قرار بوقف الحرب تمهيدا لبحث موضوع الإدانة من عدمه.

تحرير البان أفريقانيزم من الأفروسنتريزم

والغرض أو الهدف من هذا المقال الإشارة إلى أن هناك تناقضات جيوثقافية حاضرة وكامنة في الاتحاد الأفريقي، يجب ان تطور الدبلوماسية من مشروعها الثقافي وآليات عملها داخل القارة لكي تحرر بها حركة عموم أفريقيا التاريخية (البان أفريقانيزم) من هيمنة الأفريقانية العنصرية السوداء (الأفروسنترزم)، مع الإشارة إلى أن هذه الحركة استطاعت اختراق الوجود العربي ذاته في القرن الأفريقي عندما دعمت جمهورية "أرض الصومال" الانفصالية مطلب أثيوبيا بالحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر، رغم أنه تاريخيا تنتمي هذه الدولة الانفصالية إلى جمهورية الصومال التي تحظى بعضوية كاملة في جامعة الدول العربية.

الدبلوماسية العربية واستعادة الدور

والشاهد في الأمر أن المشروع الثقافي العربي أو المظلة الجيوثقافية التي تتحرك من خلالها الدبلوماسية العربية أمامها الكثير لتدركه على عدة مستويات في الصعيد الإقليمي والأفريقي والدولي، فعلى الدبلوماسية العربية أن تجدد من دمائها وتتخلى عن المزايدات بين فريق الممانعة وفريق الموالاة أو المهادنة، وتطور آليات عمل بأجندات وأهداف واقعية تخدم الجغرافيا الثقافية العربية، وتجعلها تبحث عن مشروع جديد تلتف حوله في القرن الحادي والعشرين، بعد تفكك سردية القومية العربية وتفكك سردية الخلافة العثمانية في القرن الماضي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعات عراقية للمطالبة بوقف الحرب في غزة


.. مشاهد من لحظة وصول الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى قصر الإليزيه




.. فيضانات وسيول مدمّرة تضرب البرازيل • فرانس 24 / FRANCE 24


.. طبول المعركة تُقرع في رفح.. الجيش الإسرائيلي يُجلي السكان من




.. كيف تبدو زيارة وليام بيرنزهذه المرة إلى تل أبيب في ظل الضغوط