الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشقاء العربي والأحزاب القومية(4)

محمد علي مقلد
(Mokaled Mohamad Ali)

2024 / 1 / 13
مواضيع وابحاث سياسية



لم تنشأ الحركة القومية ولا أحزابها استجابة لحاجة الانتقال من حضارة الأرض إلى حضارة المصنع ومن التواصل بالمطي والحمام الزاجل إلى المواصلات بسكة الحديد والطائرة والسيارة، بل كردة فعل على حركات قومية أخرى، ضد التركية في البداية ثم ضد الصهيونية في مرحلة لاحقة.
مصطلح "الثورة" أول ضحية لهذه الانطلاقة المغلوطة. تأسست مسيرة العروبة على هذا الخطأ، منذ "الثورة العربية الكبرى" في بداية القرن الماضي إلى احتلال الجيش العراقي الكويت عند نهاية القرن. الثورة تعني السلطة ولا شيء غير السلطة.
البداية مبررة. في لحظة تفكك ولايات السلطنة كان لا بد من البحث عن إطار سياسي حديث لإدارة شؤون الاستقلال، فاختزلت السياسة بالسلطة، وفاز قائد الثورة بمملكتين في العراق وشرق الأردن كجائزة ترضية. الحركة القومية ورثت هذا الهوس وحولته إلى نهج عنوانه التمسك بالسلطة ولو كان الثمن تفكك الدول والأوطان وزجها في أتون الحروب الأهلية.
يمكن، على ما قيل، اختصار الاقتصاد الرأسمالي بعبارة "السلعة صنم". سمير أمين حاول أن يستكمل نظرية ماركس الاقتصادية فاختصر السياسة بعبارة "السلطة صنم"، ولو عاصر ماركس الأحزاب القومية العربية، بما فيها الأحزاب الشيوعية، لقال السلطة وثن، وثن من تمر يأكله الحاكم حين يجوع. حافظ الأسد ليس الوحيد الذي مات وهو على العرش. ورث منه خالد بكداش هذا التقليد فغادر هو الآخر منصة "إلى الأبد"، من غير قافية، لكن بعد أن قضى على وحدة حزبه، تاركاً ذريته في مهب البعثرة.
الخطأ الأول، بل الخطيئة الأصلية، أي هوس السلطة، شكل منبع أخطاء متناسلة. لم تكن العروبة استجابة لحاجة التطور بل استئناف للعصر الذهبي للخلافة، وفي أفضل الحالات استعادة لعصر الدويلات. أراد حافظ الأسد من التاريخ، بحسب أحد ظرفاء المعارضة السورية، أن يكتب في سجلاته عن دولة بني الأسد، على غرار دولة الحمدانيين أو بني بويه أو السلاجقة.
الأمة قبل الدولة، والسلطة قبل الدولة في نظر أحزاب الأمة وحكامها. ولسان حالهم، "ألا كل شيء ما عدا السلطة باطل" هي إلههم الأرضي وقبلتهم. كل شيء باطل ومؤجل، ولا سيما الحرية، مع أنها ركن ثابت في ثلاثياتهم، وحدة حرية اشتراكية، وحدة تحرر ثأر. أخذوا عن بسمارك استخدام القوة لتأسيس الوحدة، فكرروا محاولاتهم الفاشلة في تجارب الوحدة لا لتعزيز الدولة الوطنية بل للقضاء عليها لأنهم لا يعترفون بوجود كيانات وأوطان حتى لو صار عمرها قرناً من الزمن، بل وطن واحد هو الوطن العربي.
الفكرة القومية تولى الحديث عنها نخبة من المفكرين الكبار، ثم ما لبث الناشطون السياسيون أن صادروها واحتكروا تمثيلها وشحنوها، مدفوعين بهوس السلطة، بشوفينية مقيتة، وحولوها إلى أداة تسلط واستبداد إلى الحد الذي جعل أحد المؤرخين العرب يرى فيها ما يشبه النازية والفاشية والتوتاليتارية والصهيونية التي لم تكن كلها سوى "ثمرات مرّة للفكرة الجوهرانية المطلقية عن الأمة وهويتها"
الدعوة إلى الوحدة العربية ابتكار شامي، تولى الدعوة إليها أحزاب تأسست في سوريا وانتشرت في بلاد الشام ولم يكن لها سوى"سفراء" في الجزيرة أو في إفريقيا العربية. حين استقلت الولايات العربية عن السلطنة أعيد رسم حدود الأوطان في بلاد الشام وحدها. التجزئة كانت موجودة في ظل السلطنة وقبل الاستعمار، لكن الأحزاب القومية لم تعترف بحقائق التاريخ وتمسكت بنظرية المؤامرة وصوبت على عدو خارجي لتتستر على ممارستها الاستبداد.
أحزاب الأمة لم تنجح في إيجاد علاج للشقاء العربي، لأن فاقد الشيء لا يعطيه وربما لأنها أحد أسبابه؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القومية المليتانت
حميد كشكولي ( 2024 / 1 / 13 - 15:34 )
أتفق معك في أن الفكرة القومية العربية قد نشأت على يد نخبة من المفكرين الكبار. ولكن هذه الفكرة سرعان ما تم اختطافها من قبل الناشطين السياسيين، الذين حولوها إلى أداة لتثبيت سلطتهم.
وهذا ما دفع أحد المؤرخين العرب إلى القول بأن الفكرة القومية العربية هي -ثمرة مرّة للفكرة الجوهرانية المطلقية عن الأمة وهويتها-.
والفكرة الجوهرانية المطلقية عن الأمة هو الاعتقاد بأن الأمة هي وحدة متجانسة، لها خصائص مشتركة لا تتغير، مثل اللغة والتاريخ والدين. وهذا الاعتقاد هو الذي أدى إلى التعصب والتمييز والعنصرية بحق الأمم والأقوام الأخرى، كما أنه أدى إلى الصراعات بين الدول العربية.
ولإصلاح الفكرة القومية العربية، يجب علينا أن نعيد النظر في مفاهيمها الأساسية. يجب علينا أن نتخلى عن الفكرة الجوهرانية المطلقية، وأن ندرك أن الأمة هي وحدة مرنة، تتغير بمرور الوقت.
• يجب أن تركز الفكرة القومية العربية على القيم الإنسانية المشتركة، مثل المساواة والعدالة والحرية.
• يجب أن تحترم الفكرة القومية العربية التنوع الثقافي والتعددية الدينية.
• يجب أن تسعى الفكرة القومية العربية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية.


2 - انحطاط الاحزاب القومية واليسارية والاسلامية
منير كريم ( 2024 / 1 / 14 - 08:44 )
الحضور الكريم
انحطاط الاحزاب اليسارية والقومية والاسلامية العربية وغير العربية وارتدادها الى مستوى العصبيات البدائية العرقية والطائفية والقبلية والاسرية يعود الى افتقارها الى مفهوم الدولة اي استقلالية الدولة والى انعدام حل مشكلة السلطة
شكرا للكاتب


3 - الليبرالية آخر موضة أيديولوجية للبورجوازيات الكولو
حميد فكري ( 2024 / 1 / 14 - 15:45 )
آخر موضة أيديولوجية ،تحاول بورجوازياتنا الكولونيالية ،أن تركبها ،لتظهر بمظهر التحضر والتحديث ،هي الأيديولوجيا الليبرالية. فلم تسعفها حتى الآن الأيديولوجيا القومية ،والدينية والطائفية ،في بناء الدولة الوطنية /القومية .
هذا يعني أنها لاتزال تعاني من أزمة مزمنة ،يستحيل أن تخرج منها ،طالما هي طبقات تبعية .

اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك