الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اةوالسرد بين تكنولوجيا اللغة ومصطلح الادبية/دراسة نقدية تقنية ذرائعية عنرواية بين حياتين للأديبة الناقدة عبير خالد

عبد الرزاق عوده الغالبي

2024 / 1 / 13
الادب والفن


السرد بين تكنولوجيا اللغة ومصطلح الأدبية
باب جديد تفتحه الذرائعية لأول مرة
النموذج الأدبي المُعد للدراسة
رواية /بين حياتين/ للناقدة الذرائعية والأديبة الشاملة: عبير خالد يحيى

بقلم :عبد الرزاق عوده الغالبي

توطئة:
لكي لا تختلط معالم النقد الذرائعي بمعالم المناهج النقدية الأخرى، ومن هذا المشرب ننبه بأن علمية المنهج الذرائعي التقني تتأتى من كونه الفيصل في التمييز لاعتمادية المنهج الذرائعي على جميع العلوم التي تتطلبها الدراسة النقدية التقنية دون استثناء، لكون تعريف علم النقد عندها هو (تقييم وتقويم )، وهذا التقييم والتقويم يعني إن (كل شيء بين جنباته يخضع للنقد)، فالنقد الذرائعي شامل لجميع المعارف في المعمورة بمنهج يحدّد علمية نوع واحد من المعرفة بعلوم تتعلق بهذا الاختصاص الخاضع للنقد، فمجموعة العلوم حول اختصاص معرفي معين يسمى (منهج ) - ومجموع المناهج في في عمومية المعرفة تشكل( علم النقد) - فالنقد إذًا أوسع علم في عمومية المعرفة، واسم النقد (Criticism)هو المحد الذي يشير إلى كينونة التعريف، بمعنى (إن كل شيء يًنقد)، ولا ينصب النقد على مجموعة معينة من العلوم التي تحيط بالأدب وتشكّل فيه وحوله سورًا تبادليًّا لتطويره تمشيًا مع الحركة الحضارية والتكنولوجية المستمرة لاستلهام التغيرات العصرية التي تطرأ على المجتمع ورصد انعكاساتها المحملة بالجديد من التقنيات على الأدب، وما دام الأدب هو العين السحرية الساهرة على تسجيل حركات المجتمع على مرّ العصور ومدارالساعة، لكونه القلم الحر الساهر على حراسة هذا الحقل الجمالي، والذي يسجل كل شاردة وواردة بصورة معرفية وجمالية، ومادامت العربة المعرفية تتوق نحو التناصف، وتنقسم بين العلم والجمال الأدبي، بالإضافة إلى أن الأدب بحدّ ذاته يشكّل محتوى الجمال الناطق بالحرف من شعر ونثر، فلابدّ أن يُحاط هذا النموذج بقوة حامية له ولمكوناته البنائية، لذلك أمسى النقد الأدبي عرابًا حاميًا للأدب ونصوصه التي تتصدّرها النصوص القرآنية المقدسة، فحملت الذرائعية مبادئ هذا الجمال المعرفي المقدس من خلال مبدأين:
"الأدب عراب المجتمع والنقد عراب الأدب.".. وبالتبادل، حملت الذرائعية - كنظرية نقدية - همّ هذا العنصر الجمالي والمعرفي بمحتوى علمي يتماشى مع التطور الحضاري لدراسة النصوص الأدبية بأسلوب تقني حديث ومعاصر وغير مسبوق....

سأتناول هذه الرواية الموسومة ب / بين حياتين/ من خلال المحاور الذرائعية التالية:

المحور الأول:

التبئير الذرائعي وتعدّد البؤر في النص:

نوضح هنا مبدأ تهتم به الذرائعية وتبني عليه حركتها الإجرائية في النقد العلمي التقني الذرائعي، وهو التبئير وتعدّد البؤر في النص المعد للدراسة النقدية من داخل النص، فعملية الحدث والتبليغ فلسفة سردية، وربما تكون تقنية تعطي ثمارًا للمجتمع بصيغة دروس خالية من معدّات الفصل وسبورة التوضيح وتقنيات الوسائل، وهي تضمّ بين جنباتها ما يقوم به الكاتب بعجلة وبلفتة بسيطة، حين يذكر حدثًا بسيطًا مقرونًا بشيء متباعد في تقريرية السرد، ومتقارب في مجهولية الإيحاء، (أمي ودفتر الملاحظات)، أو (أين العصائر؟)، أو (حضر لي سلاحي) هذه أمثلة، كما يراها المتلقي البسيط، هي ألغاز غير مترابطة، لكن المتلقي الحديث أوالمختص يراها تقنيات محرّكة للتفكير وتستحق الوقوف عندها والتقدير، فهي تقنية تعطي فيها الكاتبة حيزًا واسعًا، من الدلالات الإيحائية لما يحدث بعد القول وتسمى هذه التقنية (synecdoche) (سيناكدوكي = مجاز مرسل) وهذه التقنية الرئيسية التي تُعدّ مرتكزًا للدراسة كونها نوعًا مستوعبًا لتقنيات تليها من الاقتصاد اللغوي(language Economy)، والتكنولوجيا السردية التي تحتضن هذه التقنية المستوعبة لتقنيات أخرى، أيضًا، في داخلها كالسخرية (sarcasm) والتهكم (Irony ( وغيرها، وهذا هو نوع من التعابير التقنية في تكنولوجيا الأدب تعبر عن الاختزال في السرد والترحيل المقتضب، البعيد عن الحشو في التعبير، وهذه هي الحالات التي تعطي أدبية السرد والتخصيص الذي يتميز فيه أسلوب السرد المنزاح عن السرد المقرّر، مايتم على الأصعدة التعبيرية والأسلوبية، مثال مقتص من الرواية :
(-" نعم، هو دفتر مذكراتي". ) يجرني هذا القول إلى أن: في الأدب السردي يتوجّب على الكاتب أن يفكر بكل مفردة يحتويها أسلوبه السردي، على أنها مرتبطة أصلًا بعلائق تقنية متعددة أخرى، سابقة ولاحقة من التقنيات السردية، وهذا هو المشرب الذي يصبّ فيه السرد كعلم، وليس كلامًا تعبيريًّا مسطحًا بلا بداية ولا نهاية فيه سوى هذيان مفرغ من العلمية والأدبية تستحوذ عليه الشخصنة الذاتية للكاتب والناقد، وهو حشو لا قيمة فيه ولا مفك منه في الساحة الأدبية والنقدية العربية....
في علم السرد، وفضلًا عن التقنية، فكل كلمة لها (حمولة في كيمياء اللغة) من رموز مفرداتية ذات مسارات كروية متناحرة ومتنوعة محمّلة بواجبات وذرائع واتجاهات مختلفة، ولها نسب من المشاركة مدروسة مسبقًا، مساراتها المعروفة للناقد الذرائعي والكاتب هي (سبع مسارات)، منها مكشوفة للكاتب والناقد في كيمياء اللغة، تضاف لها ثيم الكاتب واستراتيجياته الفكرية، لذلك أمست هذه السبعة مبادئ السردية لا ينفك عنها الناقد العلمي الذرائعي، لكونها تقدّر واجبات المفردة وحملها المتجه نحو المسار المرصود سايكولوجيا، وهي:
١. التنسيق الجملي بين المعاني بشكل غير مرئي.
٢. الترابط اللغوي المنظور والمتمثّل بأدوات رابطة.
٣. الهدف الذي يشير نحو نتائج مقرّر في التنصيص.
٤. المواقف المحيطية، وهي التوافق بين الموقف الأدبي والموقف النقدي.
٥. التوافقية، وهي عملية الرضى للنصّاص والناقد بأدبية النص.
٦. النسبة الأسلوبية بين الإخبارية والأدبية، وهو النسبة التي يتفوّق فيها الانزياح على التقرير،وبشكل معكوس أحيانًا.
٧ . الإغناء المعرفي والتوازي اللغوي والفكري، وهو خروج الناقد من دواخل النص بحثًا عن التوازي الفكري والشكلي.
السردي يتوجب على الكاتب أن يفكر بكل مفردة في أسلوبه السالالالالالالالالردي وعلاقتها بتقنية من التق

.المحور الثاني

الإغناء المعرفي لثيمة النص الموازي:

ترى الذرائعية أن المشرب الأساسي لها هو سايكولوجية الفرد وعمقه الحسي والعقلي وتُعدُّ سايكولوجية الفرد مستوعبًا واسعًا لمسيرة حياته منذ وعيه للدنيا حتى مماته، وهي صور وأحداث تسجل بكاميرات الحس الخمسة، وتستقر بين والوعي واللاوعي، وعندما يزدحم الوعي بتلك الأفكار والأحداث المسجلة قسرًا تُفرّغ في مستوعب النسيان، حتى يمسّها التذكّر، فالحالات التي يحتاجها الفرد في وعيه، تُنقل في استخدامها في حياة الإنسان اليومية إلى المخزن الآخر وهو اللاوعي، وهذا المخزن هو المسيطر على تأملات الإنسان وميولة الذاتية، إذ يغذّي الوعي بما يحتاجه عن طريق التذكّر، لذلك تبرز خطورته في تذكّر الذكريات والأفكار السلبية، وتكرارها فيه يشكّل خيبة ينقلها اللاوعي للوعي كأمنية سلبية تشكّل فشلًا مهنيًّا أو دراسيًّا أو علميًّا أو مرضيًّا....الخ، أحيانا تنتج عنها اضطرابات سايكولوجية ونفسية، منها تصوّر القرين عند الأطفال، هو انفصام نفسي ...والقرين في الإسلام يدخل في:
1.المعنى الفقهي:
( هو الجن هو الجن الموكَّل بكل إنسان لإغوائه وإضلاله،وقد جاء ذكر ذلك في القرآن في الآيات البينات التالية:
• في سورة الزخرف آية 36 :" وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ٣٦"...
• في سورة النساء آية 38 : "وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ".
• في سورة ق آية 27 : "قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ."

وفي السنَّة النبوية الصحيحة،
ينطبق على القرين ما ينطبق على الشيطان من سلبيات، وقد جاء ذكر الشيطان في القرآن الكريم كثيرًا كما لاحظنا في الآيات البينات في أعلاه....أما في السنة النبوية فقد جاء ذكره بنفس المعنى على لسان نبينا محمد(ص) وسأذكر بعض الأحاديث الشريفة عن ذلك:
• "حدثني هارون بن عبد الله ومحمد بن رافع قالا: حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن صدقة بن يسار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله ﷺ قال : "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمرّ بين يديه فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين."
• "حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق: أخبرنا وقال عثمان: حدّثنا جرير عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ : "ما منكم من أحد إلّا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير".
• قول النبي ﷺ : "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن قالوا وإياك قال وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير".
وهما روايتان مشهورتان، فمن رَفَعَ الميم (في كلمة أسلم) قال معناه أسلم أنا من شره وفتنته، ومن فتح الميم قال أن القرين أسلم (أي من الإسلام) وصار مؤمنًا لا يأمرني إلا بخير. والأرجح هو رفع الميم كما ذكر الخطابي ورجحه القاضي عياض.... لكل إنسان قرين متفرد؛ فلا يوجد قرين واحد لشخصين، ولا قرينين لنفس الشخص. والقرين يدفع الإنسان لارتكاب المعاصي وعصيان أوامر الله، باستثناء قرين النبي محمد ﷺ الذي (كما يؤمن المسلمون) لم يكن يؤمره إلا بالخير. . ومن أحاديث الرسول يتضح لنا أن القرين لا يكون سلبيًا في كل الأحوال، بل إيجابيًا أيضًا لو دخل الدين الإسلامي...

2. معنى القرين اللغوي:
القرين هو الصاحب الذي يلازم الإنسان أينما ذهب، ويشاركه كل شيء، ويؤثر عليه إجرائيًا ونفسيًا....
3. المعنى السايكولوجي للقرين :

لقد بحثت في هذا الأمر كثيرًا، ولم أجد مدخلًا شافيًا يثير عندي التوق غير التحليل السايكولوجي وغير مما تكنّه الذرائعية من رأي سديد في هذا المنحى السايكولوجي الذي يرافق الإنسان من النشأة حتى الموت، وهذا المنحى ثبّته المعنى الفقهي بتلميح للممارسة الأخلاقية السلبية التي يكون مبعثها الشيطان، والذرائعية تدخل أعماق الإنسان الداخلية وتتعرّف على إرهاصاته النفسية في عوامل الخير والشر بالميزان العجيب الذي خلقه الله في عقل الإنسان وهو الثلاثي الإلهي (الروح والنفس والضمير) ونلخص الأمر في الآتي:
- الروح هي سر الله في المخلوق الحي وهي المشغل الأساسي فيه وخروجها منه يقرّ نهايته في الموت.
- النفس هي كينونة الإنسان الكاملة شكلًا وفكرًا، ومستوعبه السلبي والإيجابي.
- أما الضمير فهو حصّة الحق في ذهن الإنسان، والصراع بين النفس والضمير هو مرتكز القرين، فإذا مال الصراع بنتائجه نحو النفس صار القرين شيطانًا لكون النفس أمّارة بالسوء، وإذا مال الصراع بنتائح نحو الضمير كان الإنسان مع الحق خيرًا وصار قرينه يسعى للخير ضد الشر...فهنا لا تجسيد للقرين ولا للشيطان بل هما تصوّر وفعل سايكولوجي..... وسنرى ذلك في أمثلة مقتبسة من دلالات الرواية....

المحور الثالث:
البؤرة (الثيمة) السيكولوجية المستقطعة للدراسة:
• المرحلة الأولى الحرجة للقرين:

وها نحن نمسك طرف الخيط بعد أن زودتنا الكاتبة بدلالاتها الرئيسية، والتي تشكّل فيضًا نفسيًّا، فصار الحدث أصابعَ تحرّك التقنيات لاستخراج الإجراء الوظيفي والفكري الذي يقدّمه الكاتب للمجتمع في عصر صارت فيه الروايات دروسًا فصلية تُقدَّم للمجتمع، و طرقًا تفرِش بإسفلت الشارع الحياةَ ومسالكَها لتسهيل سير الجمع وتخليصه من العثرات في طريقه المعمّد بالواجب، لذلك استخدمت الكاتبة هنا الكفاح من منطلق ....(الأدب عراب للمجتمع ) لذلك يحتاج الناقد أهم التقنيات التي يغوص فيها في أعماق الكاتبة لصيده النقدي هي تقنيات معروفة للقارئ العادي حتى، ومنها:
1. تقنية المنولوج الداخلي
2. تقنية مجرى الأحداث النفسي
3. تقنية الحدث
4. تقنية الحوار القصير
5. والصراع الدرامي
6. والعقدة
7. والحل
8. والنهاية
لكن هذه التقنيات اشتغل فيها الكاتب في بناء هيكله السردي فصار مسكُها حشوًا يندرج تحت( تحليل المحلّل) ومن المعيب الخوض فيه لكون هذه التقنيات خاصة بالكتابة، وليس النقد، والناقد يحتاج تقنيات تدخله في أعماق النص السايكولوجي....
المعروف عن الكاتبة (عبير خالد يحيى ) أنها ذكية في توجيه التقنيات لخدمة التوصيل الفكري باتجاه المتلقي ...لذلك أعطت دلالاتها التالية التي حدّدت فيها الثيمة العميقة:

الدلالة 1:

- " أرجوك لا تذهب،لا تتركني وحدي، وكيف تفعل هذا بي...؟"
- "هل أزعجتكَ بشيء؟ إن كنتُ فعلت فأنا أعتذر بشدّة".
- "أَفعلُ كلَّ ما تريد، لكن لا تذهب ".
هنا يتجسد القرين بشكل تراه (غالية) فقط، والسؤال هنا لماذا لا يراه الآخرون؟ الجواب لكونه تصوّر سايكولوجي يظهر من تركيز المريض على أعماقه الداخلية، فتخرج تصوراته بشكل مجسم، وهي (مبالغة سايكولوجية ) تظهر في الخفاء كالحلم، فأحلام الناس لا يراها الآخرون لكونها تركيز داخلي على أفعال حصلت فعلًا للشخص الحالم، لذلك يراها هو وحده، وعملية ظهور القرين (حلم يقظة) يحدث بتركيز داخلي كالنوم بمعنى انقطاع المصاب عن الوعي الخارجي لمدة بسيطة يظهر فيها تصوّر القرين كشخص يراه المصاب فقط...

الدلالة 2:

- " عصام أرجوك، لا تتركني ولماذا تتركني ؟ ماذا فعلت لك؟ بماذا أغضبتك حتى تتركني؟"
تسكتُ برهة، ثم تتابع باندفاع:
- "كنتَ معي منذ وعيت على الدنيا، منذ أكثر من ثلاث سنوات، أليس كذلك ؟"

الدلالة 3:

- "وأنا حفظتُ سرّك، وعملت بوصيّتك، لم أقل لأحد عن سرّ علاقتنا، حتى ولا لأمي التي تحاول كلّ ليلة استنطاقي قبل النوم لأخبرها عنك".
ويستمر هذا الصراع في ذهن غالية حتى نهاية الرواية......
وفي الدلالة الثانية نرى محادثة كاملة سلبية، يحاول فيها القرين إيذاء غالية، وذلك بدفعها نحو الخطأ بتهديدها بالرحيل...
فقد استخدمت الكاتبة أدواتها وتقنياتها السردية التي ذكرت في أعلاه، مع تقنية (الحوار الداخلي(interior monologue)، وتقنية مجرى الأحداث الداخلي (stream of consciousness)، وتقنية التغذية الراجعة (feedback)، وتقنية الوميض الخلفي(flashback).... وهذه التقنيات ساعدتها في توضيح موضوعها بتبئير مقتضب سهل على الكاتب التسلل إلى تكوينها الأدبي العميق باستخدام أدواته التقنية النقدية والذرائعية لسبر أغوار منتجها الأدبي العميق:
كناقد ذرائعي علي أن أفك طلاسم هذا النص بتقنيات وذرائع منهجية، وليس بسرد مسطّح مهدود خالٍ من القيمة، لأن النقد في المنهج الذرائعي(تقييم وتقويم)، وليس تعليقًا سرديًّا، فالعمل مع كاتب ذكي يستدعي التوجب باختيار تقنيات موازية لتقنياته، فهو استخدم في ولوجه لدواخل نفسيته مبدأ سلوكيًا، حيث قام باستخدام المحفزات السلوكية(stimuli) ليعطي للناقد طُعمًا لاستخدام استجابات للتلك المحفزات(responses) التي وضعها بشكل دلالات رئيسية وتساؤلات فلسفية، لكنني كناقد ذرائعي علي أن أسلك سلوكًا مغايرًا، وأن أعمل بشكل موازي، باستخدام تقنية التماثل الذرائعية (parallelism) في المستوى العميق لنص الكاتب، والبحث معًا بشكل متوازي، فهي تصرّفت سلوكيًّا في أعماقها النفسية ووضحت ذلك بنتوءات سلوكية طفحت عنها في سطح النص كدلالات لشخصيتها الرئيسية protagonist(غالية)، لذا يتوجّب علي كناقد أن أستخدم تقنية التقمص( empathy) للسفر في دواخلها النفسية لقراءة ما تعرفه عن غالية من المسكوت عنه سرديًّا.
ويستمر الحدث ينفث بين السطور دروسًا يتنفسها المرء في كفاحه اليومي ويدلقها الكاتب فوق أوراقه ليصنع منها جواهرَ يتحلّى فيها دربه ودرب قرّاءه دروسًا وعبر....ويبقى القرين المخبوء يهدّد (غالية) بالفراق كواجب شيطاني ليعمق الجرح في سايكولوجيتها ويجعل ما فيها مرضًا عضالًا يقرّر صحّة حياتها....فلا يمكّن الطفلَ صاحبَ القرين من أن يصبح أكبر من قرينه، بل سيبقى في داخله طفلًا حتى لوبلغ من السن الشيخوخة، تبقى تصرفاته تشوبها الطفولية...وأفعال القرين السلبية التي ذكرت من بين الأحداث في الفصل الأول والثاني هي:
1.محاولته في جعلها تكره أخاها عامر برمي سبب فراقه لها من غيرته منه ومن رفاقها الطلبة في المدرسة.
2.ليجعلها تكره المدرسة وتفشل فيها.
3.وسبّب لها حزن شديد حتى ظنت نفسها أنها تعيش في قبر.......

ولكن حبها للمعرفة كان جذرًا عميقًا في نفسيتها، لا يستطيع القرين اقتلاعه مهما حاول، ولحسن الحظ أن هذا الحب المعرفي غرس عندها قبل تمكّن القرين منها، وصارت حياتها صراعًا نفسيًّا بين المعرفة والقرين....وامتد هذا الصراع.. ولم يلتفت نحو السنين، لذلك ستبقى غالية طفلة حدّ فراش الموت والنزع الأخير...فهي تعتقد أنها مصبوغة بالفراق.......وهذا ما ضمّه الفصل 1و2و3 وصار تعلقها بالبحر والشمس أمرًا محتومًا سيرافقها طول حياتها( البحر يبتلع الشمس)....إيحاء البحر يبتلع الشمس مؤقتًا لكونها ستشرق في اليوم الثاني ويأتي عصام معها.....وعاشت غالية على ذلك الإيحاء حياتها الأولى...شاهد ما وصلنا إليه مع دواخل غالية في الدلالات التالية:

الدلالة 4.

"تغيّر الحال مع غالية كثيرًا، وأصبحت تنظر إلى ثالوث الشمس والبحر والقمر على أنه ثالوث حب تلتقي فيه مع عصام، لقاءً تبتهج فيه لا كما كان سابقًا، لقاء حزن وبكاء وألم ... اقتباس ص(45):"

الدلالة 5:

"كنتُ أمقت الشّعر الطّويل في سنواتي الأولى، عندما كنت أظنّ نفسي صبيًّا، وقد رافقني هذا الصّبي كظلّي لثلاث سنوات، ابتداءً من سن الثّالثة حتى السّادسة، مرشدًا لي، أطيعه وأنفّذ أوامره أكثر من أُمِّي وأبي ....!ص73"

صنع غياب القرين(عصام) في نفس غالية شرخًا كبيرًا جعلها لا تحسّ بالحياة كأي بشر، وخلف هذا الشرخ فجوة نفسية كبيرة لا تسدّ، حتى تصوّرت أنها ستسكن القبر قبل موتها ....إنظر الدلالة التالية:

الدلالة 6 :

"هناك فجوة كبيرة في نفس غالية، ما كان يملؤها إلّا وجود عصام ..! وعندما غادرها أخذت الفجوة تكبر وتتّسع أكثر ..!ص64"

المرحلة الثانية: البحث عن القرين البديل:

تظهر هذه الدلالة مرحلة النضوج الذي تتوق الأنثى فيها نحو التناصف الطبيعي، وها هي (غالية) شابة تدخل مرحلة التمعن والاختيار طلبًا للحب في الاقتران، لكن السوء يرفع أصبعه اعتراضًا بسؤال يطرح نفسه :هل هذا التمعن حقيقي لاختيار حبيب أو زوج لأنثى يساكنها قرين وتتوق لقاءه ؟ الجواب لهذا السؤال سلبي طبعًا وجلي من تلميح في سطور تلك الدلالة ينفي الواقع ويتشبّث بالحقيقة السالفة (تداعى إلى وعيها الكثير من الصور التي ما زال بريقها ينكسر على مرآة الماضي) فهي الآن تعاني من فجوة عميقة وفراغ واسع تشغله هوة نفسية عميقة في بنيتها الحسية العميقة، تتمنّع في كل شيء فيها على التقبل والاستقرار الإنساني، وهذا يقودنا نحو تقنية المزاجية (Mood) في حياة (غالية) اليائسة، والتي احتلتها نتيجة لما مرّت به من توق نحو (عصام)، جعلها تنظر باتجاه واحد لمن يداعب مزاجها ليحتل أو يسد جزءًا ولو بسيطًا من هذه الهوة التي تركها فيها فراق عصام، قرينها الأول...فأصبحت مزاجية في الاختيار والنوم والأكل وجميع مفردات حياتها اليومية، وأظن أن هذه المزاجية المرضية المصطنعة، والتي تنبع من اليأس، ستورط (غالية) ستقض مضجع ما بقي منها، إذ أن مزاجيتها متأتية من ضجر وتعب وفراق وأرق كما تشير الدلالة التالية:

الدلالة 7:

"دخل عيادة الأطفال في المشفى الحكومي الذي تعمل به لإصلاح عطل في جهاز التعقيم، عندما وقع نظرها عليه تداعى إلى وعيها الكثير من الصور التي ما زال بريقها ينكسر على مرآة الماضي، حاولت أن تقارب بين المهندس الشاب وطفل الذاكرة، وجدت تشابهًا كبيرًا بملامح الوجه، فقط غابت البراءة وحلّت مكانها نضارة الشباب، مازال العسل يسبح في عينيه، ص89"
وبعد هذا الانحدار النفسي تولّد لديها يأس قاتل سبّب لها أمراضًا عضوية، خصوصًا بعد زواجها من (مصطفى) كهروب من قرينها الأول، وإنجابها وليدتها الأولى، تكالبت عليها الأمراض العضوية من مبعثها النفسي الثاني، وهو مرتبط بتقنية المحفز(motif) التي تكمل تكنولوجيًّا تقنية المزاجية بالتحفيز القسري والمؤدي للانتقاء غير المدروس للأمور التعويضية لسد الفراغ والهوة النفسية العميقة التي لا تستطيع ردمها بالأخطاء المتكررة تقنيًّا، فهي هربت من عصام قسرًا لتلوذ بمصطفى، فصار هروبها (كالمستجير من الرمضاء بالنار) فهي تهرب من السيء نحو الأسوء، وكان الثاني أقسى من الأول على حياتها النفسية، لكن الدلالة الثامنة تشهد أن الأول - يعني عصام - لا يزال يسكن نفسيتها ويحفر فيها، زادته أخطاءها بالثاني (مصطفى) الذي كمّل عليها ليحيلها إلى ركام....

الدلالة 8:
تشير الأم لغالية لتقرّب أذنها، تهمس لها:
-" ستذهب عنها كما ذهب عصام".
بهتت غالية وأسرّتها في نفسها:
" لم يذهب عني عصام إلى الآن! ما زال طيفه يأخذني إلى عوالمه!".ص114و115

وهنا تحضرنا تقنية التنبؤ (foreshadowing) والإنذار، حين تنفض هذه الدلالة في مفرزات الذاكرة سمًّا من علق الطفولة المصاحب لغالية والذي أسمته مجازًا بـ (إبن الذاكرة) وهو لا يزال مؤثرًا ويفرض نفسه في مقود عواطفها، وهو الوهمي، حبها الأول(عصام)، ذلك البلاء الذي يظهرمن بين هواجسها خنجرًا مجسدًا لقتل كل من يقترب منها، وبدا، مع مصطفى، ينذر بأنه القشة التي تسنّمت ظهر البعير، وربما تقصمه في أول كبوة، فباتت (غالية)أسيرة لنصل خنجرين بدلًا من خنجر واحد، وستظل طول حياتها مهددة، فهي لا تزال تعيش ذكرى عصام الوهمية في كل عقد من عقود حياتها الواقعية، بزيادة ألم مشاهدة وجه (مصطفى) الواقعية، حتى اختلط عندها الواقع بالوهم، وأظنه سيبني وهم حياتها الثانية، ليجعل من حياتها فقاعة تنفجر في وجه كل قادم إليها بعقد عاطفي أو شرعي، وفي وجه كل من يقترب لها بإسم العلائق الأخرى، وسنراقب هذا القادم ونرى ما يحدث مع محرقة الوهم الحامية...وأتمنى أن يخيب ظني...

المرحلة الثالثة:
بوادر الحياة الثانية:
وبعد الحالات الثانوية المساعدة لثيمة النص المركزية السيكولوجية، نجد أن الحالات من كوارث سياسية وحروب مرّت بها سوريا، هذه بحدّ ذاتها سببت ضغطًا إضافيًا على نفسية (غالية) المتدهورة، لكن بصيص أمل بمسابقة أدبية محترمة من بين ركام الأحداث النفسية والسياسية والاجتماعية ساعدها على التماسك وأبعد عنها حالات الانهيار، وهذا البصيص بدأ يتسع في أعماق نفسها المحبة للأدب والكتابة، بعد فوز نص من نصوصها الأدبية وصار هذا الفوز نقطة أمل بدأت تتسع كاتساع دوائر الماء حين يلقى فيه حجر، إذ صارهذا الاقتباس(الدلالة) يحمل دلالة الحياة الثانية: الحل واستعادة حياتها الطبيعية والتخلص من مرض الوهم:
دلالة 9:
"ونال نصّها المرتبة الأولى وسط أكثر من مئة وخمسين نصًّا، كان هذا الفوز مفاجئًا لغالية لدرجة كبيرة، سيّما بعد أن علمت أنّ اللّجنة المشرفة على تلك المسابقة كانت مكوّنة من عدد من الأدباء الذين لهم مقاييس شديدة في تقييم هذا الجنس الأدبي الجديد، الكثيرون أطلقوا على غالية ألقابًا تدلّ على سرعة اختراقها هذا الوسط، كعاصفة، زلزال، قذيفة، ثمرة جوز الهند ذات القشرة القاسية التي تحتضن ألذّ مشروب، وأطيب لحاء......."ص177
أهمية تقنية العقدة الخاتمة للصراع الدرامي النفسي (Climax) وختام بين معامل الخير(Protagonist) والمعامل المعارض(Antagonist)
وطبقًا لعوامل نظرية (غريماس) حول عمل الشخصيات وما جاء به (بروب) حول أحداث الروي، تشكّل (العقدة) في القص أو الروي أهم عامل حيوي : فهي نقطة التحوّل في القصة، حيث تصبح النتيجة النهائية حتمية عادة، وهي شيء ما يحدث فجأة بشكل خاطئ أو بشكل رهيب ينهي الصراع الدرامي ويشكل "ذروة الدراما" للقصة، حين يقلب الأحداث رأسًا على عقب حين تصل القصة إلى ذروتها،عندما يُقتل شخصية مساهمة في الحدث، على سبيل المثال، ويتهم بها البطل أو المعارض، فتسير الأحداث بانفراج نحو الحل والنهاية، وذروة الحبكة هي النقطة التي يصل فيها الصراع المركزي إلى أعلى نقطة من حيث الشدة، بمعنى أكثر عمومية، هي الذروة التي تتبع الحركة الصاعدة وتسبق الحركة الهابطة، أي إنها أعلى نقطة في الشدة العاطفية واللحظة التي يتجه فيها عمل القص نحو النهاية، وغالبًا ما يتمّ التعرّف على الذروة باعتبارها الجزء الأكثر إثارة في القص أو الروي. في السرد الروائي، إذ تشكل تقنية العقدة (climax) القوة المحولة والقاصمة لظهر الصراع الدرامي (dramatic conflict) وتنهيه تمامًا بالتعاون مع تقنية (protagonist) الشخصية الرئيسية في العمل و تقنية (antagonist) الشخصية المعارضة، لتنشد التحوّل السردي وبلوغ تقنية الانفراج (breakthrough) لربما تحدث أزمة (crisis)، يفتعلها الكاتب لبلوغ تقنية النهاية (end)، أو بلوغها دون إفتعال، وكما نرى أن الكاتبة الناقدة (عبير خالد) تفهم العلاقات بين التقنيات، لذلك افتعلت أزمات بين غالية وزوجها(مصطفى) بعد ظهور (القرين الآدمي) لتأخذ مسيرتها السردية نحو مصطلح جديد وهو النهاية المفتوحة التي تعطي لها الحرية بتوجيه نصها الموازي نحو التعددية والانفتاح (open end) وبهذا المصطلح ضمنت التحدث عن حياتها الثانية بجزء (ثان أو ربما ثالث) من روايتها (بين حياتين).
من هذا العرض العلمي التقني نرى بأن العقدة هي أهم تقنية في السرد، حيث تقوم بسحق جميع الأحداث السابقة لها لتجعل النتيجة تغيير حتمي شامل بحدث غير متوقع لإنهاء الصراع الدرامي وخلق هذه "العقدة الدرامية"، التي تنقلب فيها الأحداث رأسًا على عقب تقنيًا من صالح الشر باتجاه صالح الخير، وهذا الانقلاب يعطي للكاتب حرية الانفلات من قولبة النص والتفكير بنهايات حرة، مما يسمح للقص أو الروي بالتقدم بسلاسة نحو القرار والخاتمة لحل إشكالية النتائج الفكرية والسردية المطابقة للثيم والبؤر التي وضعها الكاتب مسبقًا في التبليغ السردي، منطلقًا من النقطة التي تصل فيها حدّة الصراع الرئيسي إلى ذروتها....

وهذه شهادة علمية وتقنية بأن علم السرد القصصي(Narratology) يتيح لنا تعاون علمي تكنولوجي بين التقنيات السردية وعلم النقد (Criticism)، كما نرى الآن في حالة تقنية العقدة (Climax) التي وقعت حدًّا فاصلًا بين تقنية(Protagonist) بطل الرواية (مثال الخير) و(Antagonist) الشخصية المعارضة (مثال الشر) وحّدت العقدة من تأثير الثاني على الأول ومسحت الصراع الدرامي بينهما من الوجود، ثم قلبت الحدث من السوداوية نحو الخير والعدل الإنساني، فالعملية هي عبارة عن تعاون تقني أكثر من كونه سردًا مهدودًا مسطحًا لا قيمة فيه، والدليل على علمية السرد هو ثبوت توحيد استعمال تلك التقنيات في (البناء الفني) لكل قصص وروايات العالم أجمع....لذلك يجب أن نعترف بأن العالم الغربي حلّل لنا هذا(البناء) بتكنولوجيا نصية من تقنيات علمية، لكي نستعملها في كتابة الأدب، وحين نقوم بعملية النقد، من المضحك أن نعيد المحلل في القص والروي على أنه نقد ونرتكب مزحة (تحليل المحلل) بعناوين مثل (ثقافي وانطباعي) وغيرها ...

واستنادًا لما تقدّم، يجب إبعاد النقد السردي الإنشائي المهدود والاعتراف بعلمية النقد، بأنه العلم الذي يسند الأدب، ويمنحه المصطلحات النقدية، وليس هناك علم آخر لديه الحق في ذلك غير المنهج العلمي النقدي....
وفي مثالنا المطروح للدراسة (رواية بين حياتين) للكاتبة العبقرية عبير خالد يحيى تظهر لنا هذه الكاتبة بشكل جلي بمنطق جديد ترى فيه إمكانية أن يكون الأدب علاجًا لمرض سايكولوجي، والسبب في ذلك أن منشأ الأدب هو أعماق الفرد السايكولوجية، ومعنى ذلك أنها تدخلنا في علمية (علم النفس) كونه أقرب العلوم للعقل البشري، كأنها تقول لنا الأدب عراب للمجتمع والنقد عراب للأدب، فتجعل من ذلك سلسلة وربما دائرة متكاملة بين أدبية الأدب وبحتية علم الجمال الذي يكوّن الأدب جزءًا منه، وذلك من خلال شخصيتها الرئيسية (غالية) التي كانت تعاني في حياتين، حياة واقعية تعيشها مع الناس، وحياة وهمية تسكن في دواخلها النفسية،وكل واحدة من هذه الحيوات تغذي الأخرى وتتسارع لتنال الأولوية في السيطرة ومسك الأمور عند دواخلها النفسية عند مستوعبها، وترى الذرائعية إن كل شرارة تنطلق من نار مستعرة تكوي، وسيتحمل هذا المستوعب المسكين لسعات كل شرارة، وغالية مرّت عليها كل اللسعات حتى دفنت نفسها في قبر اتقاءً لهذا الشرر المنطلق من الصراع الدائر بين الحياتين، والذي يقوده الوهم المتصوّر لها بـ (القرين)، وهذا القرين مرض يغشى النفس ويتجمّع بمرأى بشر كوميض يظهر ويختفي في مرآة مستوعبه، حتى يقضي عليه نهائيًا أو يحرمه من الاقتراب صوب الممارسة الإنسانية العادية....لكن شغف (غالية) بالأدب، وهو المظهر السايكولوجي العميق والذي أصبح حائط صد، حماها من فتك القرين، وكما نرى كلما زاد شغفها بالأدب زاد إبتعاد القرين عنها، وكما نرى الدلالة التالية:
الدلالة 10:
"وانخرطتْ بعدها في دوّامة الكتابة، واستغرقت فيها حدّ الأحلام، سكرت بها حدّ الخدر، تعرّفت على التقنيات الأساسية في كتابة القصة القصيرة، تمكّنت من طبع بصمتها على كلّ ما تكتب، بصمة تخصّها هي، لا تشبه غيرها، أسلوبها يذوب فيه الألم بعذوبة الحرف، ويضحك فيه الأمل برشاقة الكلمات، نصوصها تنثُّ وجعًا من غير آهات".ص178
ولحسن حظها إن زوجها (مصطفى) شغلها بمشاكله السلبية معها فصارهذا الشاغل تعزيز حماية يضاف لشغفها بالأدب الذي يشكل لها حماية من هجمة القرين، فزوجها، إذًا هو شخصية سلبية ضعيفة واجبها السردي والتقني في تقنية توصيف الشخصيات (Characterization) ثانوي يعزّز الضغط عليها لتقوية دور القرين في بنيتها العميقة، لكن فوزها في جوائز الأدب خلق فيها مقاومة واقعية ضد ما يحدث في واقعها العاطفي، لكون هذا الواقع مرئي مشغول بحب الأدب، وبنيتها العميقة مشغولة بحب القرين (عصام) فلا يتسع لشخص آخر بالتمرد ومزاحمة القرين على مكانه، فصارت مشاكل مصطفى إلهاء ظاهريًّا يمكن الانفلات منه بالسفر أو التغير الزمكاني، كما نرى في الدلالة التالية:
الدلالة 11:
"أنّ مصطفى أدرك أنّها تخطو في طريق ستنجح فيه بلا أدنى شك، تضافر عنده دافعان لأن يلحق بها، أحدهما إلحاح زوجته الجديدة على مغادرة طرطوس أسوة بمن سبقها من أخواتها، ولغاية أخرى في نفسها، ستكشف عنها الأيام لاحقًا....."ص179
لم يشعر (مصطفى) إن ما يفعله أمسى لصالح (غالية) وليس لزيادة الضغط النفسي عليها حتى اطرد العداء بينهما بشكل ملحوظ من قبل عائلة (غالية)، وهذا السجال والعداء بينهما كان حماية مضافة وإشغال مسطّح يبعد المشاكل عن مستواها العميق وعمقها النفسي ويسطّح الأمر عندها....فتسطيح مرضها النفسي صار حالة عضوية جسدية بسيطة: أنظر الدلالة في الاقتباس التالي:
الدلالة 12:
"استشراف مصطفى لحال غالية مستقبلًا، فكان - دون أن يدرك- يسعى إلى أن يعيدها إلى حيّز سيطرته وسطوته...."ص 179 و180

المرحلة الرابعة :
الخلاص بظهور القرين البشري الواقعي البديل:
وهنا تتعثر أجنحة روح غالية المغادرة نحو السماء ابتلاع نفسها الأخير، عندما يعتدل صدرها من جديد ليعاد لها انتظام الشهيق والزفير تحت طائلة العمر الجديد وبزوغ شمس حياتها المشرقة بالأمل والرجاء تحت طائلة هذه الدلالة ومحتواها الوردي المغمس بالعسل:

الدلالة 13:

-" قرأتُ قصّتك ( أبناء الحروب) المنشورة في مدوّنتك، عثرتُ عليها بالصدفة، وقد أجريت دراستي النقدية عليها أعلاه، رأيك فيها وهل تسمحين لي بنشرها...؟"

والدلالة التالية تكمل الدلالة الأولى وتعطي مظهرًا جديدًا لحياة غالية المغادرة من هذا الهم الذي سحق حياتها، وفي هذه الدلالة تتحدّث غالية هي عن نفسها وبزوغ شمس حياتها الجديدة التي سبّبتها رسالة الناقد المجهول فتقول:

الدلالة 14:

"أخذت وقتًا لأنقّل نظرًا جائعًا إلى الدراسة النقدية، سرعان ما التهمت نواظري حروفها، كانت فوق متخيّلي ومدركاتي البسيطة عن علوم النقد ومصطلحاته، ما أعاد لي شهقة الحياة أنّ نصّي الذي كتبته بعفوية السرد بعيدًا عن إتقان تقنياته قد نال اهتمام هذا الناقد، الذي انتقلتُ سريعًا إلى صفحته لأعرف محدّثي، نظرة سريعة مسحتْ بها عيني صورةَ رجل وقور، تجاوز العقد الخامس بتقديري، مع سيرة ذاتية متواضعة، أيقنت بعد قراءة بعض الدراسات المنشورة على تلك الصفحة أنّها تواضع العلماء! ركضتْ حروفي على صفحة المحادثة تخطّ ردًّا بسيطًا "

والدلالة القادمة مهمة جدًّا لكونها ثبّتت روح الأمل والانتقال السريع بحياة غالية من اليأس الى الأمل، وهي تقول بفرح وغبطة:

الدلالة 15:

- "قرأتها أستاذ، الدراسة رائعة جدًّا، جزاك الله خيرًا، انشرها من قبلك، فهو شرف كبير لي....".ص200

وحضر ردّ من هذا الشخص المجهول، والذي صادر الأول والأخير، واشترى عذابات (غالية) واحدة تلو الأخرى بثمن معرفي جمالي نظيف، مفرغ من الغلّ والحقد والكراهية، دون أن يدري بأنه منح حياة جديدة لإنسانة تحتضر، وردّ لها النفس الأخير من جديد وأهداها شهيقًا وزفيرًا وأجنحة لتطير بعيدًا عن المقبرة والموت، وبثّ فيها الأمل من جديد، حين تحوّل القرين الوهمي عندها إلى قرين آدمي، سيمسح الوهم من حياتها وإلى الأبد، ويزرع مكانه الأمل في استعادتها القرار في ضمان نفسها والعيش بشكل طبيعي، وربما سيؤهلها هذا الباب إلى حب حقيقي قد يتصالح مع الأواصر القديمة أو بداية لنوع جديد من الأواصر واستقرار عاطفي مع هذ القرين الآدمي الجديد..... فعل هذا القرين أول فعل فوق ساحات المستوى النفسي الواقعي (لغالية)، وهذا فعل مستقل خالٍ من الوهم، بالطبع صار موضع قدم جديد لغالية في أرض الواقع، كما توضح الدلالة التالية:

الدلالة 16:

-"شكرًا أستاذة غالية، سأنشرها وأنت راقبي التعليقات، وردّي عليها من فضلك لتعرفي تفاعل وردود أفعال الناس حيال إنسانية كاتبة رائعة مثلك، تحياتي...."
-"بالمناسبة، وإذا كان عندك أيّ استفسار تواصلي معي هنا، أنا طلبتُ صداقتك، وافقي عليها، طبعًا إذا أعجبتك صداقتي،هههههه... تحياتي لك سيدتي...".ص202

عند هذه الاقتباسات الدلالية تفتقت كل أسارير غالية بالحب والسعادة، لدرجة أنها (بادلت صورته بـ (إلابتسام) متوهمة أنه موجود أمامها فعلًا لتعوّدها على الوهم الذي غزا كل مساحات حياتها منذ طفولتها حد الدقيقة، ومن هنا بدأت حياتها الجديدة على حطام نفسي عاشته عمرًا في حياتها الأولى ....هل ستنجح أم تخفق فيما تريد يا ترى؟ وقد لخصت حياتها القادمة والجديدة في الاقتباس التالي:

الدلالة17

"بادلتُ صورتَه الابتسامَ وكأنّه أمامي، محيّاه رسالة سمحة كتبَها في سمائي، أجبتها بعرفان، تقبّلتها بقبول حسن، وكأنّه فتح لي ذراعيه لينبتني نباتًا حسنًا... وغدا أبٌ يحنو، وأخٌ يغار، ومعلّمٌ يثقّف، عبر سماء تجمعنا فيها المعرفة والاحترام المتبادل... أراني صورًا من الحياة لم أرَها طوال حياتيَ الأولى....علّمني أنّ الحياة فنّ، والسعيد فيها فنّان، بدأ يخضعني لدورات في علوم الأدب، أخرجني من عفويّة السرد، وعرّفني على تقنياته وفنّياته، فدراستي لم تكن أدبية، وشهادتي الجامعية علمية بحتة، أعادني طفلة، وأعاد تكويني من جديد، وكلّما تمرّدتُ يعاقبني بحرمان من معرفته، لا يلبث أن يتخلّى عنه أمام بكاء حرفي، وفي كلّ مرّة أتصلّب ويشتدّ ساعدي، يريدني الأقوى والأجمد والأبدع دومًا...
كان هذا الحدث بمثابة التيار الكهربائي الذي أيقظ الحياة في كيان محكوم بالموت منذ عقدَين من الزمن، لم تزده محاولات الإنقاذ السابقة إلّا ولوجًا في صندوق الموت، بل علوقًا في عنق الزجاجة، لا موتٌ يُريح، ولا حياةٌ تُعاش...!
"نبت الريش في أجنحة الحمامة التي تعرّضت للقصّ والبتر، وبدأتْ ترفرف برفرفات بسيطة، كلَّ يوم أطير قليلًا ثمّ أعود إلى قبري، إلى أن كان ذلك اليوم الذي حلّقت فيه في السّماء ولم أرجع إلّا في الليل، كنت غريبة وسط الكثير من المُحلَّقين، لكنّي كنت أكثرهم حماسًا وعزيمة، بياضي جعلني محطّ أنظار الجميع، أمّا مثابرتي فكانت مثار دهشة، وبعد فترة بسيطة صرت أطير مع أهل الصّفوف الأولى، دم جديد بدأ يسري في عروقي، يأخذني نحو سماء صفحتي، سماء العالم الأزرق، كوّنت معها ثالوثًا بإضافة شمس وبحر، فنهضت من قبري ذات صباح لأجد الثالوث وقد استحال لوحة سريالية أخّاذة، وصورة وجه باسم يعتليه الوقار، ينقّل لوحتي من سماء إلى أخرى، ويهديني من كلّ سماء نجمة، رفعت إليه نظري قليلًا، ثم هويت به إلى قبري، أعدتُ النّظر هذه المرّة بثبات، فرأيتُ في قسماته دعوة للحياة ....! عدّلت من جلستي ونقّلت بصري بين تلك الدعوة وقبري، وغبت بعيدًا ... هل أترك قبرًا ألفته ...؟ وحصّنت نفسي فيه... ؟ أم أنّ هذه الدّعوة هي بداية نبوءة رأيتُها حلمًا....؟ ص 203و 204

و هذا الاقتباس الوارد في بداية الفصل العشرين تحت عنوان (بعث جديد) يببن مستوى الحياة الجديدة عند غالية، ونسبة اندفاعها نحو موهبتها في النقد العلمي أكثر من كمال الدرجة النهائية فعلًا، مبعث جديد في حياتها تحدثت به عن نفسها وسجلت ما تشعر في واقعها الحقيقي وفي بنيتها السايكولوجية العميقة، وكأنها برزت بسلاح جديد للمعركة لتشارك فيها بهذا السلاح، وهو سلاح الحرف والقلم، وأغنى حديثها عن الشرح النقدي، فهي نفسها من اشتركت بنقد نفسها وما مرت به فعلًا:
لننظر إلى الدلالة المؤكدة لقوتها واشتراكها الفعلي في الدفاع عن نفسها، فهي تقول:

الدلالة 18:

"...وبدأ البعث الجديد، وانشغلت غالية بإعداد دراسات نقدية تكوّن القسم التطبيقي في كتاب نقدي فتح فيه أستاذها الناقد منهجًا نقديًّا مثيرًا للجدل، فهي تملك موهبة امرأة يأخذها الأدب حدّ الغرق، وعلى هذه الخاصية صبّ الأستاذ اهتمامه، لكنه استطاع أن يجعلها مؤثّرة أكثر من أن تكون متأثرة، جعلها وعاءً يستوعب كلّ العلوم النقدية الثقيلة والمعرفة الأدبية التي كانت تزحم عقله،"ص206

وهذا ما زاد تعلقها بهذا الناقد حتى صار لها قرين بشري آخر، وهذا، إن حصل، سيعيدها للقبر من الجديد إن كان أنانيًّا يستغل ضعفها التعويضي العاطفي ووضعها المرضي، أمّا إذا كان رجلًا حقيقيًّا مخلصًا لها ولمقدرتها وموهبتها الأدبية والنقدية، ومقدرًا لوضعها السايكولوجي، سيدخل حتمًا عالمها ويعمل بشكل متوازي مع فعل قرينها الأول (عصام) لينقلها من الوهم باتجاه الحقيقة أولًا، وإذا مسكت (غالية) جوهر الحقيقة وتعوّدت العيش فيها ستضمحل ومضات الوهم الصادرة من بنيتها العميقة، وتقترب من الواقع تدريجيًّا وتعود لحياتها القديمة، وتنسى كل شيء حتى قرينها الأخير، لو ساعدها على عدم التعلّق به من خلال خلق الأزمات بينها وبينه، ليجعلها تهاب الاقتراب منه، وتكون بعيدة عن الأوهام، فهي ثروة لا يمكن التفريط فيها .....

لذلك تقرّر ميلاد الجزء الثاني لرواية (بين حياتين) لنرى فعل العقدة الثانية وعبقرية الكاتبة (عبير خالد يحيى) لبلوغ النهاية المرضية لبطلتها (غالية) بشكل علمي مقرّر بذرائع، والكاتبة (عبير خالد) تعتبر سيدة الذرائع....أظن أنها ستتمسك باختيار طريقة صناعة الأزمات في طريق(غالية)، وهذا ما نراه في الجزي الثاني إن شاء الله...ولنا موعد آخر مع المؤلفة العبقرية لتمتّعنا من هواجسها الجميلة وغير المتوقعة......

المحور الرابع :
البؤر الثانوية المختلفة المساعدة للبؤرة المركزية:
لقد احتوت رواية (بين حياتين) على فصول لتعزيز الاسترسال السردي وخدمة الزمكانية في الحدث، فقد كانت تقنية الزمكانية(setting) لاعبة مؤثرة في استمرارية السرد وربط الأحداث الخاصة بالعامة لاحتواء الإطار السردي للروي، لكن عملية الاستقطاع النقدي أبعدتني عن الخوض في الفصول الأخرى الداعمة للثيمة النفسية، فهناك فصول تحدثت عن :
• الحرب
• والوضع السياسي
• والوضع الاقتصادي
• والوضع الاجتماعي
• وأوضاع أخرى
لكني استقطعت ثيمة الرواية الرئيسية، لكونها رواية نفسية وقضية مرضية أردت إبرازها دون التطرّق للثيم الأخرى، لغرض الفائدة الجمعية ومنع تكرار المكرّر......

المحور الخامس:
المستوى الديناميكي الذرائعي
دقّت عبير خالد يحيى الكاتبة الناقدة أول مسمار تقني في سجلها الأدبي الحافل بالإبداع لتقول لنا الأدب الحقيقي هو سجال تكنولوجي أصلًا، حافل بالتقنيات ولا يمكن أن يكتب الكاتب جملة ما لم تكن مستلة من تقنية، ومحملة بحمولات أخرى من فلسفة ورمز وسايكولوجية بالإضافة إلى الواجبات المنهجية الأخرى التي أناطتها الكاتبة للمفردة الأدبية، فجاءت روايتها (بين حياتين) تحفة فنية (تقنية) حافلة بالتقنيات التي استخدمتها الكاتبة في روايتها النفسيةن وبشكل متسلسل بالواجبات والذرائع سرديًّا وزمكانيًّا:

- I بعض من التقنيات المستخدمة في الروايةTechnics

1. تقنية الاقتصاد اللغوي Economy
2. تقنية التوافق Agreement
3. تقنية السخريةSarcasm
4. تقنية التهكمIrony
5. تقنية التهكم الدراميDramatic Irony
6. تقنية المجاز المرسلSynecdoche
7. تقنية التغذية الراجعةFeedback
8. تقنية الوميض الخلفيFlashback
9. تقنية المحفز Stimulus
10.الاستجابة السلوكية Response
11.تقنية التقمص الوجداني Empathy
13.تقنية الحوار الداخليInterior monologue
14. تقنية المزاجية Mood
15. تقنية الدافع Motif
16. تقنية الإنذار والتنبؤForeshadowing
17. تقنية العقدةClimax
18. تقنية الشخصية الرئيسيةProtagonist
19. تقنية الشخصية المعارضةAntagonist
20. تقنية الانفراجBreakthrough
21. تقنية الأزمةCrisis
22. تقنية النهاية End
23. تقنية الزمكانيةSetting
24 .تقنية اختيار المفردةWording


II - التقنيات البلاغية المستخدمة من الكاتبة الناقدة عبير خالد:
كان استخدامها للتقنيات البلاغية من طباق وجناس وتورية وتشابه واختلاف وكناية وغيرها من التقنيات في البيان والبديع، فصار أسلوبها النصي شفيفًا وبدرجة عالية من الانزياح....

III - التجربة الأدبية لدى الكاتبة عبير خالد يحيى:
تنبع تجربتها من ازدواجية التخصص الأدبي والنقدي، وتمسّكها بمنهج علمي ذرائعي يمنحها القوة والعلمية المعرفية؛ فتكون مساهماتها مدروسة ومعمقة لا لبس فيها، فيه تتمسّك باعتمادية تقنية علمية مذرّعة، ونعني بالتذريع أي لا تتناول فكرة ما لم تكن مستندة لسبب وذريعة علمية تسند قولها.....لذلك جاءت مؤلفاتها بمستوى عالٍ من الموثوقية العلمية والمعرفية؛ لكونها كاتبة ناقدة...

IV -الإبداع عند الكاتبة الناقدة عبير خالد يحيى:
ينبثق إبداعها من عمق تفحصها الدقيق لما زاد أو نقص، فما زاد إبداع وما نقص تعثر أدبي تقني، وهي تهتم للثاني أكثر من الأول، لذلك ترتكز معرفتها النقدية على الدقة والحذر، فهي لا تكتب شيئًا خارجًا عن التقنيات العلمية التي يقذفها عليها المنهج العلمي النقدي الذرائعي الذي تنتمي إليه، ومن معرفتها من أن لا شيء يخلق دون أصل، لذلك، عندها، لا نقد دون منهج ولا أدب دون أدبية، ولا علم دون حقائق، وهذه البديهيات التي تعتمد عليها الدكتور عبير هي المكونات الأساسية التي تحرّك الحركة النقدية والأدبية االعالمية، التي تناساها الكل في الساحة العربية، حتى صارت الساحة العربية الأدبية والنقدية مرتعًا وسوقًا للفوضى والإسفاف، فالكل أدباءٌ ونقّادٌ في الهواء الطلق، دون سقف أو منهج أو ضوابط.....

المستوى الأخلاقي:
أما الجانب الأخلاقي في النص الموازي (بين حياتين) فهو مستوى عربي عادي لعائلة سورية عاشت الحرب والاضطرابات السياسية والاقتصادية وعانت منها كثيرًا، وكانت أسرة سورية أصيلة متماسكة بمسميات الأسرة العربية (أم وإبنة وأخت وأخ وحفيد وجد وجدّة) يجتمعون على بساط الله الأحمدي بمودّة عربية وأخلاق سورية عربية أصيلة يجمعهم الحنان العربي ولا يفرقهم إلّا الموت، ومن هذا المنطلق الأصيل، كُتبت رواية (بين حياتين) طبقًا للمنظومة الأخلاقية العالمية، بعيدة عن الطائفية والعرقية والمذهبية، فكانت رسالة إنسانية سايكولوجية لكاتبة تجيد أدواتها النقدية والأدبية على حدّ سواء......

أنا لست ناقدًا، لكن محاولتي في دراسة هذه الرواية النفسية وفكّ رموزها، هو شكل من أشكال شغفي بعلم النفس وتجاربه من جهة، وبقصدية من الأخرى، كي أضع جوابًا لفعل مكّنته في الوضع الأدبي والنقدي العربي، آمنت به وحقّقت نتائجه لصالح غيري وليس إرضاء لأنانيتي، وآمنت بأن له تأثير إيجابي على النص العربي لو تبنّاه الأدباء والنقاد العرب...وأظنني حاولت وفكرت، ومن يفكر فهو حي يرزق.....اعتذاري العميق عن هفواتي وتقصيري للقرّاء وللكاتبة الناقدة الكبيرة عبير خالد يحيى.....

عبد الرزاق الغالبي
الناصرية- العراق 1/1/2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا