الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (الحلقة السادسة)

عبد الحسين شعبان

2024 / 1 / 13
الادب والفن


في دمشق مع عبد الحليم خدام وفي القاهرة مع عمرو موسى

صادف يوم تكريمي في القاهرة لحظة بدء العدوان على العراق تمهيدًا لاحتلاله (20 آذار / مارس 2003)، وكم كانت لحظات ترقّب وقلق وألم مصحوبة بمخاوف كبيرة لما سيحصل لأهلنا. وقد استعضت عن كلمتي التي أعددتها لأرتجل كلمة تعطي المناسبة حقها، ارتباطًا ﺑ "تطورات الأوضاع"، وهو ما تمّ نشره في كتاب (عبد الحسين شعبان - الحق والحرف والإنسان) لاحقًا كما جرت الإشارة إليه.
في مساء اليوم التالي، وقد أخذت محطة الجزيرة الفضائية ومحطات التلفزة في كلّ مكان، تنقل أخبار ما يتعرّض له العراق على يد قوات التحالف الدولي، اتصل بي الأخ صلاح عمر العلي يسألني عمّا يمكن عمله في تلك اللحظات العصيبة، واتّفقنا على اللقاء في دمشق بعد ثلاثة ايام.
طرت من القاهرة إلى دمشق، ووصل أبو عمر في اليوم ذاته من لندن، واتّفقنا على اختيار فندق الفردوس تاور "برج الفردوس"، الذي اعتدت على النزول فيه، لعلاقة الصداقة التي تربطني بمديرة العلاقات فيه رلى الركبي، وبعد اللقاء اتفقنا على خطّة للتحرّك، تبدأ من دمشق، وذلك استمرارًا لتحركنا منذ الحصار الدولي، الذي كاد أن يخنق العراق، وضدّ نظام العقوبات المفروض عليه، من جانب الأمم المتحدة، وفي ظلّ الهيمنة الأمريكية.

اللقاء مع عبد الحليم خدام
طلبنا موعدًا مع عبد الحليم خدّام، نائب الرئيس حينها، وذلك بعد لقائنا بالصديق فوزي الراوي، عضو القيادة القومية لحزب البعث (السوري)، وكم كان اللقاء بخدّام محبطًا ومخيبًا للآمال، فبدلًا من المخاوف التي أبديناها، والمخاطر التي أوضحناها، واحتمالات تمدّد العدوان ضدّ ما سُمي ﺑ "محور الشر" ومنه سوريا، فضلًا عما يمكن أن يهدّد الاستقرار والأمن في المنطقة بوجود قوّات أمريكية في العراق، ناهيك عن التحكّم بمصير الشعب العراقي، فقد كان خدّام في غاية الانشراح، وحاول التذاكي بالإشارة إلى احتمالات إيجابية ستحصل في المنطقة، وأن ثمة تغييرات تنتظرها.
وقد دخل الأخ أبو عمر في جولة حوار ساخن معه، موضحًا أن نجاح المخطط الأمريكي وما هو معلن منه يعني إعادة ترتيب أوضاع المنطقة، بما فيه ما يشمل سوريا أيضًا، وذلك لتأسيس شرق أوسط كبير، وأَضفتُ عليه أن الوجود العسكري الأمريكي سيهدّد بلدان المنطقة، ويعزز من التعنّت "الإسرائيلي"، لأن وجود العراق كقوّة عسكرية في المنطقة، هو عامل ردع ﻟ "إسرائيل"، بغض النظر عن النظام القائم فيه، وغياب هذه القوّة سيكون لصالح تل أبيب، وذلك بغضّ النظر أيضًا عن نظام الحكم الذي كنّا نعارضه ومختلفين مع أساليبه ونهجه السياسي، إلّا أن خدّام كان يرى الأمور من منظار آخر، مستبشرًا بالخير الذي سيعمّ المنطقة، معلنًا رأيه أحيانًا بعبارات عمومية، ومبهمة أو غامضة.
وقد نقلنا وجهات نظرنا إلى الصديق فوزي الراوي، الذي كان يشاطرنا تلك المخاوف، وكان قلقنا يزداد كلّ ما كانت مجريات الحرب تتعقّد، ودائرتها تتّسع، وللأسف فإن الكثير من المعارضين كانوا يعبّرون، لاعتبارات كثيرة عن وجهات نظرهم، التي لا تختلف في التقدير عن وجهات نظر خدّام، بل أنهم كانوا لا يتورّعون عن مخاطبة بعض القوى الدولية المتنفّذة، مطالبين إيّاها باستمرار فرض نظام العقوبات، وتشديد الحصار باستخدام جميع الوسائل، بما فيها التدخّل العسكري للإطاحة بالنظام، بزعم إجباره على الامتثال للقرارات الدولية، تلك التي تفرض على العراق نظام عقوبات قاسٍ جدًا، وحصار دولي شامل، وهي قرارات مجحفة ومذلّة، بل قرارات إذعان وإكراه، وتمثّل نوعًا من أعمال الإبادة الجماعية، ويمكن هنا أن نتذكر رسالة بعض العراقيين في لندن، الموجهة إلى رئيس الوزراء توني بلير، تدعوه لتشديد الحصار على العراق، بل أن بعض الوفود باسم "المعارضة الرسمية"، كانت تتوجّه إلى الأمم المتحدة تطالبها بتشديد الحصار على العراق، بزعم أنه الإجراء المناسب لإضعاف النظام والإطاحة به.
عدنا إلى لندن واتفقنا على الذهاب إلى بغداد والعمل على اللقاء مع النخب الفكرية والسياسية والثقافية، لتحفيزها على عدم التعاون مع المحتل، وهذا أضعف الإيمان، علمًا بأنه لم يكن لدينا أي وهم من أن ذلك سيُحدث تغييرات في موازين القوى، لكنه على الاقل سيعرف المواطن العراقي المنكوب من النظام، والمُستلب من الاحتلال، أن ثمة عراقيين من تيارات شتّى وقفت ضدّ الاحتلال بالكلمة والصوت والرأي، على الرغم من الضغوطات التي تعرّضنا لها، والمغريات التي وُضعت أمامنا من جهات مختلفة، لكن رأينا، وكلّ على انفراد، وحتى دون تنسيق، أن البقاء في مواقعنا وعدم مغادرتها، هو السبيل الصحيح والمناسب حينها.
وقد حاول زلماي خليل زاد، السفير الأمريكي الذي أشرف على مؤتمر المعارضة في لندن أواخر العام 2002 وعشية الحرب على العراق، الاتصال بصلاح عمر العلي، طالبًا منه حضور مؤتمر لندن باسم العرب السنّة، لكن صلاح رفض الأمر رفضًا قاطعًا، كما جرت محاولات عديدة لاستدراجي لحضور المؤتمر المذكور باسم الشيعة العلمانيين، وهو ما بيّنت خطله ورفضي للطائفية وكلّ المسوّغات التي تبرّر غزو العراق، مبينًا أن احترامي للعقائد الدينية ولحق الجميع في ممارسة طقوسهم وشعائرهم بحريّة، أمر ينطلق من حقوق المواطنة المتساوية والمتكافئة.
وبالمناسبة فإن الأخ أبو عمر يقف على ذات الأرضية المناوئة للطائفية، متمسكًا بموقفه الوطني العروبي، الذي هو الأساس، مع احترامه للأديان والطوائف والقوميات والتمايزات ذات الهويّة الخصوصية، وأشير هنا إلى موقفه من حقوق الشعب الكردي.
وبالمناسبة، بعد توقف القتال في كردستان 1994 - 1998، زرت أربيل لإلقاء محاضرات في جامعة صلاح الدين لطلبة الدراسات العليا (كلية القانون)، ووجدت في تجربة الأخ نجرفان بارزاني، رئيس وزراء إقليم كردستان حينها، ما يستحق التوقّف عندها، وقد التقيته أكثر من مرّة، وقدّمت له مقترحات وملاحظات أخذ بالعديد منها، ومنها إنشاء وزارة باسم حقوق الإنسان في كردستان، وتعزيز العلاقات العربية - الكردية بإطلاق أسماء شخصيات عربية على مرافق عامة ومؤسسات ثقافية وساحات وشوارع، وهو ما أكّده صلاح عمر العلي بعد زيارته أيضًا إلى أربيل مع صفاء الفلكي، ولقائه بالقيادي الشاب حينها نجرفان بارزاني ، كما قال لي.


في جنوب أفريقيا
كنت قد التقيت بالسفير العراقي السابق، منذر المطلك، في جنوب أفريقيا خلال حضوري مؤتمر ديربن (أيلول / سبتمبر 2001)، وكان هو يحضر على رأس وفد باسم العراق، ومازحته بالقول، تعال معي إلى لندن كي تحصل على اللجوء فتتخلّص من "التمساح"، فأجابني كي أصبح عميلًا؟ فقلت له كلنا لاجئون، فهل كلّنا عملاء كما تعتقد؟ فقال أقصد جماعتنا، وحاشى لأسمائكم، فقد سبقتنا وطنيتكم. قلت له: لهذا استهدفتمونا أكثر من غيرنا؟ فضحك بقوله: لأنكم تنافسونا على الوطنية، وهذه هي الباقية لدينا، فأنتم ضدّ المشروع الأمريكي والإيراني، وضدّ الحصار والقرارات الدولية، فماذا تبقّى لنا؟ والأكثر من ذلك أنكم تتحدّثون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي الغائبة عندنا. كان برفقته الصديق رياض عبد العزيز النجم ونقيب المحامين نعمان شاكر نعمان وثائرة عبد الواحد، وقد تعرّفت على الأخيرين في ديربن.
وفي محاججتي له، ذكرت له أسماء بعض من جماعتهم، ومن بينهم صلاح عمر العلي، فقال لي كلامًا لا يُعقل، كان هو الرائج في الأجهزة كما أخبرني، وبعد أن صححت له معلوماته، قال لي سلّم لي على صلاح، وأذكر أنني قلت له، إذا كانت معلوماتكم عن صلاح مشوشة بهذا القدر، فكيف معلوماتكم عن الآخرين؟ وهو ما يدلّ على استهدافات معيّنة لبعض الشخصيات، وهو ما ذكرته لصلاح حينها، وكنت قد أبلغته بأنني سأخبر صلاح بمحادثتنا هذه، ولعلّ السفير المطلك ذكّرني بهذا اللقاء قبل فترة قصيرة في عمّان، علمًا بأن نوري عبد الرزاق، كان حاضرًا في مؤتمر ديربن، وخلال الأسبوع الذي قضيناه في جنوب إفريقيا، كنا في لقاء يومي، بما فيه حين دعانا عمرو موسى، مع نخبة من الشخصيات الحقوقية البارزة.

لقاءات بغداد وما بعدها
التقينا في بغداد أكثر من لقاء (حزيران / يونيو - تموز / يوليو 2003)، وقام العلي بزيارتي مع عدد من أصدقائه ورفاقه القدامى في منزلي، وجرى تبادل الأحاديث بيننا والسبل الكفيلة لمواجهة العدوان وآثاره، لاسيّما التأكيد أن ما حصل ليس باسم العراقيين، وأن الدفاع عن العراق ليس دفاعًا عن النظام السياسي الذي عارضناه، وهو في أوج قوّته، وكنّا من ضحاياه، بل هو دفاع عن حق العراقيين في اختيار نظام الحكم الذي يريدونه بعيدًا عن الاحتلال والإملاءات الخارجية.
وهو ما عبّرت عنه في محاضرتين؛ الأولى – في الاحتفالية التي أقيمت لي في الجامعة المستنصرية (أواخر حزيران / يونيو 2003)، بحضور نخبة كبيرة من الأكاديميين وأساتذة الجامعة، إضافة إلى كوكبة من الشيوعيين واليساريين وشخصيات بعثية وقومية وإسلامية. وأتذكّر من بين الحضور الرفيق كاظم فرهود، رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في العام 1959، وهو عضو سابق في المكتب السياسي للحزب الشيوعي، والرفيق نواف الحسن، سكرتير عام اتحاد الجمعيات الفلاحية، والرفيق سلمان الحسن والرفيق حمدان يوسف، إضافة إلى محسن الشيخ راضي، عضو القيادة القطرية لحزب البعث ومحمد دبدب رئيس الاتحاد الوطني لطلبة العراق وعشرات من الشيوعيين والبعثيين والإسلاميين.
والثانية – في النجف (3 تموز / يوليو 2003)، حيث تناولتُ مشكلة الحكم في العراق والدستور المطلوب سَنّه، وفقًا لمتطلبات الدولة العصرية والمواطنة المتكافئة والمتساوية، فضلًا عن إعادة طرح مشروعي، الذي كنت قد اشتغلت عليه في الثمانينيات والتسعينيات، وهو ضرورة تشريع قانون لتحريم الطائفية وتعزيز المواطنة في العراق، وقد لقت الدعوة التي أطلقتها في المحفلين ترحيبًا كبيرًا، خصوصًا وأن المظاهر التميزية والشحنات الطائفية والمذهبية، كانت قد أخذت طريقها إلى الشارع، بفعل تأليب وإثارة ومحاولات بث الكراهية والثأر والانتقام.
وقمت من جانبي بزيارة الأخ صلاح عمر العلي في منزل شقيقه وليد، مع عدد من الرفاق والأصدقاء، ووجدنا باستقبالنا عدد من الأصدقاء أيضًا، وتبادلنا الأحاديث، وألقى خالي المحامي جليل حمود شعبان قصيدة بالمناسبة، في هذا الجمع المبارك، كما أسماه. وفي بيروت لاحقًا أهداه نسخة من مجموعته الشعرية الموسومة "بين الأرز والنخيل".

جريدة الوفاق في بغداد
كان صلاح قد أعاد إصدار جريدته "الوفاق" في بغداد، وكانت صحيفة جديدة مقروءة، ولعبت دورًا تعبويًا إيجابيًا، على الرغم من أن الأمور كانت تسير باتجاه آخر، وهو الاتجاه الذي أراده المحتل والمتعاونون معه. وبالتدرّج تصاعدت أعمال العنف والتطهير والاستهداف الطائفي على الهويّة، وزادت بشكل متفلّت بعد أحداث تدمير مرقديْ الإمامين الحسن العسكري وعلي الهادي في سامراء (2006)، وقبل ذلك بدأت عمليات صدام مع قوات الاحتلال، وشهدت مدينة الفلوجة انتقامًا شديدًا بعد مقتل جنود أمريكان، كما حوصر الصحن العلوي في النجف، وحصلت صدامات مع مجموعة السيد مقتدى الصدر، وأعرف أن صلاح زار الفلوجة إثر عمليات العنف التي حصلت، والتقى وجهاء وشخصيات من أهل المدينة.

مع عمرو موسى
كان تحرّكنا كلّ من موقعه ودون أن يتخّذ صيغة محدّدة، وكنت قد تفرغت كليًا للجانب الحقوقي والفكري كما أشرت، واختصّ صلاح بالجانب الإعلامي، وحتى دون تنسيق، كنّا نتبادل المعلومات والآراء واتفقنا على تحرّك عربي، وقررنا شرح موقفنا من الاحتلال إلى جامعة الدول العربية وأمينها العام عمرو موسى، الذي استقبلنا في القاهرة في مقر الجامعة، ونقلنا إليه رأي جمهرة واسعة من العراقيين المناوئين للاحتلال، وحضر معنا ماجد مكي الجميل (وهو من كوادر الحركة الاشتراكية العربية سابقًا)، والتميمي الذي كان يعيش في الإمارات، والتقينا عدد من الدبلوماسيين العرب، ثمّ انتقلنا إلى بيروت، والتقينا عدد من الشخصيات العربية واللبنانية، أبرزهم خير الدين حسيب، مؤسس المؤتمر القومي العربي، الذي دعانا إلى عمل مشترك أو إقامة تيار فكري واسع. وكان رأينا عدم الانخراط في عمل سياسي مباشر، وإنما التحرّك كشخصيات عامة فكرية وثقافية وسياسية، يمكن أن يكون لها تأثيرًا أكبر من أي تنظيم.
وباختصار، فقد كنّا صلاح وأنا قد مررنا بتجربتين سياسيتين حزبيتين، كما كان لكلينا دورًا في تحركات المعارضة الخارجية، وكلا التجربتين كانتا مريرتين، وخرجنا منهما بذخيرة لا بأس بها وبدروس وعبر، أقل ما يُقال عنها أننا لا نريد إعادتها أو تكرارها بسبب فشلها.
يتبع في الحلقة السابعة والأخيرة بعنوان " نقد التجربة وإعادة قراءة الأولويات".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا