الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحرمات الثلاث في رواية -باب الدروازة- علي لفتة سعيد

رائد الحواري

2024 / 1 / 13
الادب والفن


المحرمات الثلاث في رواية
"باب الدروازة"
علي لفتة سعيد
من ميزات الأدب تقديم الواقع بصورة أدبية جميلة، وبما أن الواقع العربي بائس/تعيس، فلا بد من وجود أشكال/طرق أخرى لتقديمه، من هنا تأتي أهمية الرواية كجنس أدبي قادر على حمل ثقل الواقع وعرضه أمام المتلقي بأخف الأضرار، في هذه الرواية يقدم لنا السارد التحولات التي جرت في العراق وتحديدا في العقد السابع وبداية الثامن قُبيل الحرب العراقية الإيرانية، من خلال حديثه عن الفتى "الخلاوي" القادم من الجنوب إلى بغداد، متناولا الطريقة (الغريبة) التي عامله فيها "سعيد" زوج خالته، وكيف كان يتكلم بعبارات محيرة خاصة عندما تكون متعلقة بالآلهة والدين والسياسة، كما تناول علاقته مع "فتحية" تلك الفتاة التي أعطته وعلمته معنى الحب، كعاطفة وكملامسة، وكعلاقة طبيعية يحتاجها كل إنسان.
وبهذا يكون "خلاوي" قد خرج من ثوب البكرية إلى عالم آخر، وعليه أن يخوضه رغم ما فيه من تغييرات جديدة عليه، وبما أن عمره لم يتجاوز الثامنة عشر، فقد جاءت التحويلات المعرفية/الفكرية/السلوكية متوازنة ومتماثلة مع عمره.
إذن بطل الرواية تعرف على محرمات/محظورات اجتماعية وسياسية، وعليه دفع الثمن، هو ومن علمه/عرفه على هذا المحرمات، من هنا يتم إبعاد "فتحية" من حياته بواسطة الجدة "أم يوسف" "وأم صلاح" التي كانت تكيد لها بعد أن عرفت عورتها المتمثلة بوجود شعر كثيف على جسدها، ويقترب "سعيد" من الهاوية بعد أن أخذ يتكلم (كالبهلول) بين الناس بالخطر المحدق بهم وبالعراق بعد أن اقتربت الحرب ودقت طبولها، وبهذا يكون السارد قد أكد أن كل من يتحدث/يتعامل مع المحرمات فإن مصيره الإبعاد/الرحل/الموت، هذا ما حدث ل"فتحية" ومهد له "سعيد" الذاهب إلى الاعتقال أولى الإعدام، و"خلاوي" الذي تنتظره الجبهة، وبهذا تكون كل الشخصيات التي تعرفت/تحدثت/مارست المحرمات مصيرها الإبعاد.
الدين
يتم تناول الدين من خلال "سعيد" الذي يجده مجرد حركات فارغة لا تقدم ولا تؤخر في الواقع أي شيء سواء إبقاء الحاكم في مراكزهم: "الجميع يأتي إلى هنا للصلاة والدعاء من أجل البقاء في الحكم، لكنهم جميعا أما يقتلون أو يموتون بحادث... أولاد الطلب السياسيين، يصلون بالنهار ويكفرون بالليل، ويعدمون الناس في الفجر" ص44، في هذا القول نجد فكرة "الدين أفيون الشعوب" بكل تجلياتها فالدين هناك مجرد شعائر فارغة من التقوى، وتُجمل الحاكم بينما هو في الواقع مجرم وفاسق وقاتل.
أما "سليم" شقيق "خلاوي" فيرى في الدين: "المهم أن تؤدي مناسك الزيارات كجزء من تعويض روحي إيماني، قال له أخوه سليم إنه لجوء للتعويض عن الفقر والواقع والاحتماء بما هو غيبي" ص12، هنا نجد شيئا من النظرة الإيمانية التي تريح النفس وتهدئها، فالمتحدث متعلم أكاديمي، وليس رجل سياسي، لهذا قدم الدين بصورة مغايرة.
السياسية
السياسة تعد أخطر المحرمات في المنطقة العربية، فمن يتعاطها عليه دفع الثمن حتى ماته، ويمكن أن يطال العقاب ذريته بحيث تبقى تلاحقهم لعنة الأب وحتى الجد إن كان يشكل خطرا على النظام، "سليم" يتحدث عن فهمه للسياسة بهذا الشكل: "التفكير بالسياسة يعني الدخول في المتاهات، دع الأمور تأخذ مجراها فلا تكن غارقا فيها، فلا احد سيخرجك.. لا تكن مشغول البال في أمور الناس فكل له هواه والناس لا تتبع دين الله حين يختنقون وحين يطعمون" ص227، نلاحظ التحذير من خطورة التعاطي مع السياسة، وضرورة تجنبها لأنها تدخل الشخص في متاهات، والمتاهات هنا يقصد بها السجن: "لا أحد سيخرجك" هكذا يرى المتعلم/المثقف السياسي، فهو حذر يسعى لتحقيق ذاته بعيدا عن الصراعات والأخطار، بينما "سعيد" السجين السابق الذي تعرضت للتعذيب فهو يراها مركب لا بد من ركوبه لإزالة الأخطار عن الناس وعن الوطن: "أن تعيش حرا بلا قيود كي لا تتغير القناعات ولا الأهداف ولا الميول، أفضل من الخنوع والحياة تحت سلطة الخوف، فالخوف يعني أن تعيش مثل زواج فاشل" ص166، نلاحظ الفرق بين رؤية السياسي الذي اعتقل وعذب وبين المتعلم/المثقف الذي يهادن ولا يريد خوض التجربة، مكتفيا بالمعرفة.
الحب
ومن المحرمات في المنطقة العربية الحب، فهو الحوش الذي يلتهم الناس، خاصة الإناث، فالمرأة/الأنثى إذا ما أقدمت على فعل الحب قبل الزوج أو بعده ستكون نهايتها الموت أو النفي، هذا ما حدث مع "فتحة" التي تم اغتصابها من قبل ابن عمها ورفيقه ولأكثر من مرة، مما دفع والدها للهروب بها إلى بغداد بعد أن قرروا أعمامها غسل شرف العائلة بقتلها رغم أنها ضحية، ولم يقتصر الأمر على هذه الرحيل، بل تبعه رحيل آخر بعد أن أقامت علاقة بريئة مع "خلاوي"، فتركت الخان لترحل إلى مكان جديد، تدافع عن نفسها أمام الجدة أم يوسف: "ـ والعباس أبو فاضل والكاظم أبو الجوادين خلاوي فقير بس اثنينا خايبين ونشعر بالغربة وضحية ونحتاج واحد يسولف الثاني بس كل شيم اكو بعد؟" ص198، ومع هذا ترحل وتغادر، فالعلاقة بين الفتاة والشاب يجب أن لا تكون إلا ضمن نطاق الزواج، والمجتمع لا يرحم، والقانون يبرر جريمة الشرف.
الجندي العراقي
يكاد الأدب العربي يجمع على الصورة الإيجابية للجندي العراقي، فنجده دائما يحارب خارج العراق دفاعا عن الأقطار العربية، فهو جندي قومي، عروبي، يؤكد السارد هذه الصورة من خلال حديثه عن "أم صلاح": "هي وحيدة الآن منذ أن قتل زوجها في الحرب ضد إسرائيل ودفن في سوريا في حرب الثلاثة والسبعين المشهورة كما يصفها زوج خالته، وله شاهد في مقبرة دمشق" ص35.

الحرب العراقية الإيرانية
يتناول السارد الحرب في اكثر من موضع وطريقة في الراوية، منها ما جاء من خلال الإيحاء بخطورة قدومها: "صار يرى الآلهة الذين شبع من الاستماع إلى أقوال زوج خالته وتصريحاته الرنانة، وهي ترتدي السواد وتبرز من أيديهم كتل النار، ... صار يؤمن أنها الآلهة الذين يحذر منهم زوج خالته وحتى الفنان حسن حيث سيأتون بالحريق والموت ولت تبقى المدن هادئة هالجعة، ...إنك أول الحريق حيث ستساق كقربان إلى المهالك التي لن تتوقف" ص185، نلاحظ أن الأفعال جاءت بصورة نبوءة ستحصل في المستقبل، لهذا جاءت بصيفة المضارع، وهي تقدم الحرب بصورة أسطورية/"آلهة" مرعبة تتجلل بالسواد رمز الشؤم والخراب، لكن بعد اقتراب الحرب تتغير اللهجة والشكل، فقدمها بصورة واقعية: "التظاهرات والتفجيرات والإعدامات التي طالت قيادات عليا في الحزب الحاكم وتوتر العلاقات بين العراق وإيران" ص227، فاللغة الخاطب هنا أقرب إلى المباشرة والوضوح، وكأن السارد من خلال الحالتين أراد أيصال قسوة الحرب بأقل الأضرار، فقبل وقوعها نوه إلى خطورتها مستخدما الأسطورة/"آلهة" كتخفيف من قسوتها، لكن عندما اقتربت وأصبحت على الأبواب تخلى عن الأسطورة وقدمها بصورتها الحقيقية، وكأنه يقول ـ بطريقة عير مباشرة ـ إن الحرب تفقد الإنسان القدرة على استخدام الخيال/الأدب وتجعله واقعي، وتفقده معارفه/مواهبه بحيث يكون عاجزا أمامها لا يقدر على الهروب منها أو التخفيف من نيرانها.
الواقع القاسي والكلاب
غالبا عندما يتم ذكر الحيوان في الأدب كمؤشر على حالة الضغط والاضطراب التي يمر بها السارد، من هنا نجد يتحدث عن الكلاب في أكثر من موضع في الرواية، فالكلاب اقترنت بالحالة السيئة التي تمر بها شخصيات الرواية، فهناك كلاب حقيقية وأخرى بشرية: "ظل خلاوي يركض حتى وصل باب القبلة، توقفت الريح عن الهبوب، توقفت الأشجار عن مطاردته وابتعدت الكلاب وغاب الشرطة والانضباط، ثم سمع صوت جدته: إنك في مكان آمن ومحروس بالله فلا تخف" ص187، فالكلاب هنا مقرونة برجال الأمن وما يفعلونه بالسياسيين، يؤكد السارد هذه النظرة المزدوجة للكلاب: "هو يرى الناس السيئين على شكل كلاب والعم سعيد يراهم على شكل رجال أمن" ص154، فالكلاب البشرية كانت تلاحق كل من يقول لا: "بدأت الاعتقالات، صاروا يعتقلون ربعهم ويعدمونهم، تبقى عليك أنت؟
ـ ثم وصفه بأنه بالنسبة لم مثل كلب سائب.
شعر خلاوي بالخوف والارتباك حين سمع كلمة كلب، تراءت له الأشياء بوجوه كلاب نابحة... صورة مرعبة تخرج له مدججة بالمخالب" ص111، وإذا ما توقفنا عن المقاطع التي ذكرت فيها الكلاب سنجدها اكثر من عشرين، وهذا ما يجعل الرواية غارقة في القاتمة، مما جعل السارد يعبر عن هذا السواد من خلال الكلاب.
المثقف والسياسي
إذا ما توقفنا عند شخصية "سعيد" السياسي نجده رجل صدامي لا يهادن ولا يجامل، بينما نرى "سليم" و"الفنان "حسن" يتجنبون المواجهة أو الصدام ويتعاملون مع الواقع كما هو دون محاولة تغييره، وهذا يخدم النظرة الماركسية للمثقفين (الانترجيسة) وسلبيتهن تجاه قضايا الشعب، وبهذا يكون السارد منحاز ل"سعيد" الثوري رغم سلوكه القاسي والعنيف، فهو يريد من "خلاوي" أن يكون مثل زوج خالته وليس مثل "سليم" أو الفنان "حسن" رغم ما يتميزان به من معرفة.
الرواية من منشورات وزارة الثقافة والسياحة والآثار، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، العراق، الطبعة الأولى 2022.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح