الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين - الحلقة السابعة (الأخيرة)

عبد الحسين شعبان

2024 / 1 / 14
الادب والفن


نقد التجربة وإعادة قراءة الأولويات
كان رأي الدكتور خير الدين حسيب، أننا ثلاثة أقطاب عروبية: هو رمز للقوميين العرب وناصري عريق، وصلاح رمز للبعثيين، وسبق له أن اعترض على سياسات النظام، وأنا مثقف شيوعي بارز وموقفي مشرف خلال الحرب العراقية – الإيرانية وضدّ الحصار وضدّ الاحتلال، على الرغم من معارضتي للنظام. وهو ما يعطي لهذه المجموعة صدقية إذا ما أعلن عنها.
ومن جانبي، قلت للدكتور خير الدين حسيب أن الذي يعمل في المعارضة اليوم ليس كمن كان يعمل في السابق في أحزاب وحركات سريّة، إذْ كان يكفي جهاز رونيو وبضعة أشخاص للإعلان عن حركة سياسية مع برنامج سياسي (أيًا كان)، وكفى الله المؤمنين القتال، (سورة الأحزاب - الآية 25)، وهكذا يكوّنون بالتدرّج شارعًا خاصًا بهم، أمّا اليوم فإن العاملين في السياسة في العراق لديهم الأموال والمسلحين ودعم دولة أجنبية (أمريكا أو إيران)، ومستلزمات أخرى. ونحن لا نملك من ذلك شيئًا سوى أسمائنا، وعلينا المحافظة عليها وعدم التفريط بها.
وأن مجرّد الإعلان عن تكتّل بهذا المعنى، فإننا سنستهدف من جميع القوى المستفيدة من الوضع الحالي، ناهيك عن أمريكا وإيران، وكان رأينا أن مركز دراسات الوحدة العربية ممكن أن ينظّم فاعليات وأنشطة تخدم التوجّه المناوئ للاحتلال. وكنت قد توصّلت إلى ذلك قبل فترة ليست بالقصيرة، وقرّرت العمل بصفتي الشخصية الحقوقية اليسارية المستقلة، دون الانخراط في أيّ تجمّع. وقد عبّرت عن رأيي في بعض تحرّكات المعارضة الجديدة، الحديثة العهد بالسياسة، بأنها ستعمل لعشرين سنة أخرى، وستضطر إلى التعاون مع الولايات المتحدة مثلما تعاونت المعارضة السابقة، وهو ما كنّا نعرفه صلاح وأنا، ونأينا بأنفسنا عنه.

النشاط الفكري
حين اقترح علينا حسيب حضور بعض الفاعليات التي كان ينظمها، رحّبنا بذلك، لاسيّما المؤتمرات والندوات الفكرية والثقافية، أما اجتماعات المعارضة، التي سعى لتأطيرها فقد اعتذرت عن حضورها، علمًا بأنها لم تصل إلى النتيجة المرجوّة، وقد انتقلت أمراض المعارضة السابقة إلى المعارضة الجديدة، التي كان بعضها أكثر تهافتًا، بحيث كانت عينه الأولى على المعارضة، والثانية على المواقع والإغراءات التي لوّح بها الأمريكان والحكم الجديد.
وكنا قد اتفقنا صلاح وأنا، وبعد مناقشات مستفيضة، أن الانخراط في مثل هذه المشاريع لا جدوى منه، وهو مضيعة للوقت، وعلينا التركيز على نقد الأوضاع بالوسائل الإعلامية والثقافية والفكرية. وبالفعل فقد شاركنا في الاجتماعات التي دعا إليها المركز مع شخصيات عربية، وكنت مقررًا للجنة عربية لصياغة دستور عراقي، وقمت بإعداد صيغته النهائية، إضافة إلى صياغة قانون للأحزاب وقانون للانتخابات، وصدرت عن المركز بكتاب بعنوان "برنامج لمستقبل العراق بعد انتهاء الاحتلال" ، مجموعة مؤلفين، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005.
كما أعدت صياغة قانون تحريم الطائفية وتعزيز المواطنة في العراق، ثم أعددته ليكون صالحًا عربيًا، وقمت، بصفتي مقررًا، مع لجنة خبراء بصياغة قانون اتحاد فدرالي، لأي بلدين عربيين أو أكثر، ولم يكن لتلك الجهود التي قمنا بها علاقة مباشرة بالعمل السياسي أو بشؤون المعارضة، التي أخذت بعض أطرافها تنتقل من مناوئة الاحتلال إلى التعامل معه، والانخراط في العملية السياسية التي أسسها، وذلك بعد تأسيس مجلس الحكم الانتقالي وتأسيس وزارة عراقية أولى وفقًا له (2003 – 2004)، وهي فترة حكم بول بريمر (أيار / مايو 2003 – حزيران / يونيو 2004)، حيث تم صياغة دستور في (8 آذار / مارس 2004)، وهو الذي وضع مسودة نوح فيلدمان وأدخل عليه بيتر غالبرايت ألغامًا عديدة، وعلى أساسه صيغ الدستور الدائم 2005.
وكنت قد كتبت كتابين عن الدستور، صدرا في مصر، الأول عن مؤسسة الأهرام، وهو عن الدستور العراقي المؤقت: "الهياكل السياسية والحقوق الفردية"، والثاني عن دار المحروسة، وهو بعنوان "العراق: الدستور والدولة - من الاحتلال إلى الاحتلال"، وكانت الإدارة الأمريكية قد حدّدت جدولًا زمنيًا للانتقال من الدستور المؤقت إلى الدستور الدائم، وفقًا لما يأتي: في (15 آب / أغسطس 2005) تستكمل لجنة صياغة الدستور عملها بوضع اللمسات الأخيرة عليه، والمستمد معظمه من دستور نوح فيلدمان، وفي (15 تشرين الأول / أكتوبر) يتم الاستفتاء عليه، وفي (15 كانون الأول / ديسمبر 2005) يتم إجراء الانتخابات على أساسه، وتم بالفعل اختيار أول جمعية وطنية (برلمان)، وفقًا لهذا الجدول الزمني.
خلال العديد من الفعاليات والأنشطة في بيروت وفي دمشق والقاهرة وتونس، إضافة إلى بغداد، كنت أتبادل الرأي مع الأخ أبو عمر، ونستشير أحدنا الآخر. وكان صلاح قد اضطّر إلى مغادرة العراق بعد موجة التطهير الطائفي، وتوجّه إلى بيروت، وكنت قد انتقلت إليها في نهاية العام 2004، حيث استقرّيت فيها منذ العام 2005 لقربها من نبض المنطقة، وثانيًا لحميميتها وثالثًا لمعرفتي بها ورابعًا لاعتدال طقسها وخامسًا لمعقولية الحياة فيها قياسًا بلندن الغالية والبعيدة، وسادسًا للجو الثقافي والفكري.

في بيروت
في بيروت، وعلى مدى نحو 10 سنوات، كنّا صلاح وأنا على اتصال دائم ولقاءات مستمرة. وحتى حين أجريت عملية (قلب مفتوح – Open Heart، 2015)، وقام إجرائها لي الدكتور جبرين خوري (في مستشفى كليمنصو CMC، وهو طبيب لبناني الأصل يعيش في بروكسل )، كان صلاح هو الآخر ينتظر دوره، وقد أجراها عند ذات الطبيب وبنفس الإجراءات التي أعدها، ولكن في بروكسل بدلًا من بيروت.
كان معظم أصدقاء صلاح قد أصبحوا أصدقائي الذين أعتزّ بهم، سواء كانوا عراقيين أم سوريين أم لبنانيين، حتى أنني حين دعيت إلى تكريت لإلقاء محاضرة في نهاية العام 2012، أصرّ وليد عمر العلي، شقيق صلاح، على المجيء إلى بغداد لاصطحابي بسيارته الخاصة، وقام بإيصالي إلى أربيل بعد ثلاثة أيام قضيتها في قصور صدام، حيث كان الصديق سبهان الملّا جياد حينها نائبًا لرئيس مجلس المحافظة، الذي قام باستضافتي فيها، علمًا بأن الدكتور مصباح، شقيق صلاح، كان قد أعدّ مكانًا لاستضافتي في منزله، وكان معي في هذه الزيارة العم شوقي شعبان، وكان من المفترض أن أبقى يومًا رابعًا في تكريت، إلّا أن وفاة والد صديقي البروفيسور شيرزاد النجار في أربيل اضطّرني التوجّه إليها بدلًا من العودة إلى بغداد، للقيام بواجب العزاء ومواساة صديقي وحضور مجلس الفاتحة.
وبالمقابل كان معظم أصدقائي، وهم من بلدان عربية مختلفة، قد أصبحوا أصدقاء صلاح، إضافة إلى علاقة العائلتين، وعند كلّ صدور كتاب جديد لي أو بحث مهم، أرسله إلى صلاح، وغالبًا ما كان يتّصل بي ليعطيني رأيه أو يكتب لي ملاحظاته. وكنّا نلتقي "عراقيًا" الثلاثة: العلي، حسيب وشعبان على نحو مستمر، واستمرّ الحال حتى قرار صلاح مغادرة لبنان إلى اسطنبول في العام 2017، لكن الاتصالات بيني وبينه لم تنقطع، وقرّرت مؤخرًا زيارته في اسطنبول، ووجدته كما افترقنا، صافي الذهن مهمومًا بالعراق، كريمًا وودودًا ومحبًا للصديق ووفيًا له. وعائلته الصغيرة هي على شاكلته ترحيبًا بالضيف وكرمًا وعطاءً.

ملاحظة: وردتني العديد من الرسائل والاتصالات الهاتفية، تعليقًا وتعقيبًا وتدقيقًا وإضافةً وتصحيحًا، عن ما ورد في الحلقات الستة، التي نشرت في جريدة الزمان (العراقية)، والتي أعيد نشرها في العديد من المواقع الإلكترونية العامة والخاصة، وصفحات التواصل الاجتماعي، وربما سترد ملاحظات أخرى بخصوص الحلقة السابعة والأخيرة، الأمر الذي يضطرّني، استجابةً للأمانة العلمية ككاتب وخدمةً الحقيقة، التي هي هاجسي الأول والأخير، إلى مراجعة الأصل وإجراء التعديلات الضرورية والتصويبات اللازمة من خلال التدقيقات وإعادة فحص المعلومات ومقارنتها بما لدي، بهدف تنقيتها مما يكون قد علق بها أو شابها من نواقص، وهو ما سأخصص إضمامةً ملحقةً لهذه السردية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى