الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من هي روزا لوكسمبورغ؟

أنكيتشا تشاكارديتش

2024 / 1 / 14
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


نُشر النص باللغة الإنكليزية في موقع المؤسسة المعفشة لاسم روزا لوكسمبورغ آذار/مارس ٢٠٢٠

“صديقي الشاب العزيز، أؤكد لك أنني لن أهرب حتى لو تعرضت للتهديد بالشنق، وذلك لسبب بسيط هو أنني أعتبر أنه من الضروري جداً تعويد حزبنا على فكرة أن التضحيات هي جزء من النضال الاشتراكي في الحياة”.

رسالة روزا لوكسمبورغ إلى والتر ستوكر، ١١ آذار ١٩١٤ (١)

روزا لوكسمبورغ (٢) هي واحدة من أهم المنظرين والثوريين والشخصيات في تاريخ الحركة الاشتراكية. هي واحدة من المؤلفين التي يستشهد بكلامها في ظل الظروف الأكثر تنوعاً، ولكن التي قلما ما يقرأ ويترجم ويكتب عنها. ينطبق نفس الشعور على حقيقة أنها ألهمت العديد من المنظمات السياسية، مع ذلك لم تُحدَد أي حركة واسعة النطاق انطلاقاً من منظورها النظري، كما شدد بيتر هوديس. (٣) بقدر ما كتب عنها، غالباً ما تبنى صورة أسطورية عن شخصيتها بشكل انتقائي وعشوائي عن حياتها الخاصة والعامة. كما تنسب مجموعة واسعة من الأفكار إلى نصوصها وغالباً ما تعطى أفكارها ونظرياتها نبرة شخصية. في واحدة من مقالاته الحديثة، كتب بول لو بلان، عن هذه الظاهرة على نحو كامل:

“لقد سمعت بعض الناس يصفون روزا لوكسمبورغ بشكل أساسي على أنها طوباوية راديكالية نسوية أو أنها “ماركسية” معادية للنسوية. وسمعت الناس يتحدثون عنها- بشكل إيجابي- كما لو أن تفكيرها يتوافق مع أناركية إيما غولدمان أو إصلاحية الاشتراكي الديمقراطي إدوارد برنشتاين أو رأسمالية الدولة البيروقراطية عند دينغ شياو بينغ. كما أنها كثيراً ما قدمت كما لو أنها أشد عداوة للينين في بعض المعارك الأخلاقية. […] من ناحية ثانية، تنتقد من قبل بعض اليساريين على “عفويتها”، وأنها ذات تفكير غامض لا تفهم الحاجة إلى التنظيم خلال النضال الثوري. كانت لوكسمبورغ مختلفة بشكل كبير، وما هو أكثر إثارة للاهتمام، أنها تستحق ما هو أفضل منا”. (٤)

كانت روزا اشتراكية ديمقراطية، شيوعية، ثورية، ومناضلة ضد الحرب، وواحدة من قياديي الأممية الثانية، اشتهرت بحب الرسم، واستمتعت بقراءة الأدب، ونمّت اهتمامها بعلم النبات، وعلم الشجرة، وعلم الحيوان. كتبت الكثير. كانت لوكسمبورغ كاتبة تُصوِّر على نحو خاص ما وصفته بكلماتها بأنه عالم من “الاحتمالات غير المحدودة”. تشهد على ذلك نصوصها العديدة، ومقالاتها الصحافية، وكتيباتها، وجدلها، والنشرات السياسية، والتحليلات والكتب وملاحظات القراءة، ومراسلاتها الخاصة الواسعة النطاق. كتبت بالبولونية والألمانية والروسية؛ وتحدثت بالفرنسية والإنكليزية، وكتبت أحياناً بضعة تعابير باليديشية.

مع مرور الوقت، ظهر بحث جديد يسد الفجوات في فهم إرث روزا لوكسمبورغ بالكامل. وكنتيجة لذلك، نتعرف كل يوم على روزا لوكسمبورغ على نحو أفضل وأعمق. وهذا ما يساعد في حقيقة أنه خلال السنوات القليلة الماضية، عثر على العديد من المواد التي لم تكن معروفة سابقاً من جانب الجمهور. (٥) تساعدنا هذه المواد، إلى جانب الترجمات الإنكليزية الحديثة، على فهم كامل تراث روزا. (٦) مع ذلك، يجب التأكيد كذلك على أن حالة روزا فريدة من نوعها. في حين أن كل اكتشاف جديد في أعمالها يقربنا منها، وفي الوقت عينه، بات واضحاً لماذا لم نتعرف عليها أبداً على نحو كامل. وفي وقت نعتقد أن موقفها من موضوع خلافي واضح ويمكن التعرف إليه، فإن ما يحصل غالباً هو أن بعض أعمالها المكتشفة مؤخراً تهز فهمنا السابق قليلاً، ومن جديد تخلخل تصوراتنا المطمئنة عنها وعن أعمالها. أو عندما يبدو أن أحد المواقف التي اتخذتها كان موقفاً معزولاً ضمن اتجاهها السياسي العام الأوسع، فإننا نصادف نصاً لاحقاً تكرر فيه هذا الموقف غير المعتاد بشكل واضح أكثر. بالنتيجة، يمكن القول أن ما هو أكيد في تعقيد روزا، والسياق التاريخي الذي ميزها، هو أننا لم نتعرف بعد على روزا لوكسمبورغ على نحو كامل.

على الرغم من أن روزا قد عاشت حتى الـ ٤٨ سنة، يبدو الأمر كما لو أنها عاشت على الأقل ثلاث حيوات مشبعة لا تعرف الكلل. كانت أيامها تعج بالأحداث العديدة واتسمت بجو متكرر من اللايقين. نادراً ما كان لها عنوان ثابت وكانت أيامها عامرة بالكثير من الصداقات، والأحباب، والجدالات النظرية اليومية، والاجتماعات والتنظيم السياسي. كانت حياتها كناية عن مشي على الحافة طوال الوقت. كان وجودها اليومي مكوناً من عناوين غير شرعية وسرية، والعديد من السجون والمحاكم، وفي بعض “الأيام العادية” كانت تقضيها تحت أعين الرقابة والتجسس المستمرين. على الرغم أنها لم تعرف الكلل في حياتها، وغالباً على هامش المجتمع وعرضة للتهديدات اليومية، لم تنسحب روزا أبداً من الحياة العامة ولا من الحياة السياسية. إنما العكس تماماً، كان الأمر كما لو أن حالة اللايقين التي عاشتها يومياً ركزتها ووجهتها نحو العديد من المشاكل الاجتماعية، حتى عندما لم تكن أولوية قصوى في النضال الثوري ضد السياسة المهيمنة وقتها. على الرغم من أنها كانت تلقى دوماً دعماً سياسياً وودياً من المقربين منها، الذين أحاطوا بها على المستويين الخاص والسياسي، تعرضت للسخرية، والازدراء وللكثير من الانتقادات والاعتداءات. كان هذا صحيحاً، بنفس القدر، بالنسبة لأعدائها السياسيين ورفاقها في الحزب.

ولدت روزاليا (أو روزا) لوكسمبورغ في ٥ آذار/مارس ١٨٧١، عام كومونة باريس، في كنف عائلة يهودية في بلدة بولونية صغيرة تسمى زاموستش، والتي كانت واقعة ضمن أراضي روسيا الامبريالية. انتقلت عائلتها إلى وارسو بعد فترة وجيزة، عام ١٨٧٣ دخلت روزا إلى المدرسة. وفي وقت لاحق، أصيبت بمرض هناك، وتعرضت لإصابة دائمة في وركها، بسبب خطأ في تشخيص مرض السل ومسار العلاج المناسب له. كانت الراحة المقترحة لها والإقامة الدائمة في المنزل تعني أنها، وهي في سن الخامسة، قد تعلمت القراءة والكتابة. من المثير للدهشة، أنها وهي في سن التاسعة قد ترجمت فعلياً الشعر والأدب الألماني إلى البولونية. وكانت محاولاتها الأدبية الأولى ناجحة إلى حد ما. في سن الـ ١٣، بدأت بكتابة الشعر الساخر ضد الملكية. أرسلت الرسالة التالية ضمن قصيدة إلى الأمبراطور الألماني فيلهام الأول بمناسبة زيارته لوارسو:

“شيء واحد أريد قوله لك، عزيزي ويليام، أخبر ثعلبك الماكر بسمارك،

من أجل أوروبا، يا إمبراطور الغرب، قل له ألا يلطخ سروال السلام”. (٧)

بدأت نشاطها السياسي في سن مبكر، وهي ما زالت في أيام دراستها الثانوية. كانت ناشطة في حزب البروليتاريا، حزب أسسه لودفيك تاديوس وارينسكي عام ١٨٨٢، والذي سيصير اسمه لاحقاً الحزب الاشتراكي الأول في بولونيا. (٨) وبسبب نضالاته الثورية و”غير الشرعية” المناهضة للدولة، بات حزب البروليتاريا عرضة لرقابة الشرطة المستمرة والتهديد الدائم بالاعتقال. وهذا ما أثر في نهاية المطاف على قرار لوكسمبورغ بمغادرة بولونيا.

ولتجنب اعتقالها واحتمال ترحيلها إلى سيبيريا، هاجرت لوكسمبورغ إلى سويسرا، بمساعدة من كاهن كاثوليكي. (٩) في زوريخ، عام ١٨٩٠، التحقت بالجامعة لدراسة الرياضيات والعلوم الطبيعية، ولكن بعد سنتين غيرت اختصاصَيها وبدأت بدراسة الحقوق والاقتصاد السياسي. (١٠) أكدت لاحقاً بكل فرح أنها رأت أن اهتمامها بالاقتصاد جاء من موهبتها الأساسية في الرياضيات. (١١) طوال حياتها، تابعت العلوم الطبيعية وبحثت في علمي النبات والحيوان. كان من المعروف أنها جمعت معشبة [نماذج من النباتات] طوال سنوات. (١٢) بما خص تطور أفكار روزا السياسية، يجب عدم نسيان أن سويسرا كانت إحدى أهم مراكز الماركسية الثورية الروسية خلال الفترة التي درست فيها هناك. وهذا بالتأكيد ما ساعدها على تشكيل آرائها السياسية المبكرة. كان جورجي فالينتينوفيتش بليخانوف من أكثر الماركسيين المقيمين في سويسرا تأثيراً وقتها. كذلك، كان هناك ثوريون قد عملوا في مجموعة تحرير العمال، مثل بافيل بوريسوفيتش أكسيلرود، وفيرا إيفانوفا زاسوليتش. (١٣) كما التقت روزا بـ ليو جوغي هناك، والتي تعاونت معه، وكانا مقربين طيلة حياتها.(١٤)

منذ عام ١٨٩٣، بدأت روزا بالتعاون مع نشرة قضية العمال (Sprawa Robotnicza) وبعد سنة باتت محررتها الرسمية باسم مستعار ر. كروسزينسكا. (١٥) في ذلك الوقت، كانت قد بدأت بمعارضة قادة الاشتراكيين البولنديين بسبب مواقفها الأممية. دافع هؤلاء القادة عن استقلال بولونيا، وعندما تزايد الانقسام الحزبي عام ١٨٩٤، أسست مع مجموعة من الرفاق في نشرة “قضية العمال” الحزب الاشتراكي الديمقراطي في مملكة بولونيا. بعد خمس سنوات من المشاركة في النواة النشطة في الحزب (إلى جانب روزا، كان من بين الأعضاء الأساسيين ليو جوغي، جوليان بالتزار مارشليفسكي وأدولف فارشفسكي، اسمه المستعار فارسكي)، انضمت إلى الاشتراكيين الديمقراطيين الليتوانيين بقيادة فليكس إدموندوفيتش دزييرزنسكي، مشكلين حزباً فريداً من نوعه هو الحزب الاشتراكي الديمقراطي في مملكة بولونيا وليتوانيا. (١٦)

على الرغم من وجودها في المنفى، استمرت روزا بكل نشاط بمتابعة الوضع ببولونيا وبدأت بالكتابة عنه في الصحف السويسرية. ونشرت مقالاتها في الألمانية للمرة الأولى. في الفترة الممتدة بين ١٨٩٥ و١٨٩٧ نشرت عملها الرائد حول الموقف من الحركة العمالية البولونية، في كل من جريدة زوريخ أربيتيرستيم وشتوتغارت نيو زيت. (١٧) كانت جدالاتها مع الاشتراكيين البولونيين معروفة على الصعيد العالمي، وكذلك بين صفوف الأممية الثانية، التي، ولقول ذلك بكلمات أخرى، لم تؤيد وجهات نظرها دائماً. يمكن القول إن مجموعتين مختلفتين لم توافقا دائماً مع روزا: إحداهما كان اتجاهاً أرثوذكسياً لم يعجبه منظور روزا النقدي تجاه نظريات ماركس (خاصة كاوتسكي وبليخانوف)، ومن جهة ثانية، مجموعة أخرى ولكن ذات نبرة نظرية أخف، التي ركزت بشكل أساسي على آرائها السياسية والتنظيمية. وغالباً ما كانت الطرق التي عبروا عنها- سواء تلك الخاصة أو العامة- عن خلافهم مع روزا مشبعة بالعبارات المهينة للنساء. ولهذا الهدف، كتب فيكتور أدلر (ممثل المجموعة الثانية) التالي إلى كارل كاوتسكي:

“إنها [روزا] تحاول أن تفكر عنا […]. أناشدك أن ترسل لي أي شيء قبل إرساله للطباعة- ليس حتى أعلق عليه، إنما لأتمكن من تهدئة الأمور، وتعويض كل الضرر الذي سببته هذه البطة العقائدية. فلتذهب إلى الجحيم مع كل اللاجئين”. (١٨)

في ربيع عام ١٨٩٧، دافعت روزا عن أطروحة الدكتوراه في جامعة زوريخ. كانت بعنوان التطور الصناعي في بولندا (١٩) كما نالت شهادة الدكتوراه في الحقوق. كانت من بين عدد قليل للغاية من بين النساء اللواتي نلن فرصة متابعة دراستهن، ناهيك عن الحصول على درجة الدكتوراه في الاقتصاد. في أطروحتها استفادت من المصادر التي لم تكن معروفة من قبل حول تطور الصناعة البولونية في القرن التاسع عشر، والتي جعلت من عملها أول تحليل اقتصادي جدي حول هذا الموضوع. (٢٠) استندت الأطروحة إلى بحث أصلي في مكتبة سزارتوريسكي في باريس والمكتبة الوطنية خلال عامي ١٨٩٤ و١٨٩٥. (٢١) كما أظهرت فوراً عن موهبة خاصة في الاقتصاد وأثبتت أطروحتها جدارتها كمنظرة جدية ومفكرة ماركسية. دافعت عن الفرضية التي تقول إن النمو الاقتصادي في بولونيا لم يكن ليحصل من دون السوق الروسية الكبيرة، وأنه يجب تحليل اقتصاد بولونيا في هذا السياق بالضبط. كتب بيتر هوديس: “أصرت على أن اقتصاد بولونيا يعتمد على نحو متزايد على رأس المال العالمي؛ أي مسار مستقل للتنمية المحلية سيكون معوقاً من الواقع الاقتصادي”. (٢٢) باتت هذه الأطروحة لاحقاً الدعامة الأساسية لأمميتها ولنقدها للمطالبة البولونية بالحق بتقرير المصير، فضلاً عن كونها مادة جادة في تصادمها مع القوميين البولونيين. بما خص الأسلوب، امتازت الأطروحة بقوة الربط بين الدراسة التجريبية الدقيقة والنظرية الاجتماعية- وكانت روزا موهوبة فيهما.

في ربيع عام ١٨٩٨، انتقلت روزا إلى ألمانيا، حيث سكنت حتى نهاية حياتها. ولأنه كان صعباً للغاية على الاشتراكيين والأجانب الحصول على أي ضمانة قانونية أو الحق بالإقامة، تزوجت زواجاً وهمياً من الاشتراكي الألماني غوستاف لوبيك، من أجل الحصول على الجنسية الألمانية. لخص ج.ب. [جون بيتر] نيتل انطباعاتها الأولى عن برلين، التي لم تكن مبهجة على الإطلاق، على الشكل التالي:

“يوم ٢٠ أيار/مايو ١٨٩٨ انتقلت إلى برلين- مدينة غريبة وقاسية مكونة من شوارع مستقيمة وشعب قاسٍ. كرهت المكان بمجرد وصولها؛ فجأة بدت زوريخ مريحة وجذابة على نحو مثير للفضول”. (٢٣)

أو بتعبير أدق، أبدت قلقها من برلين بواسطة كلماتها التالية:

“برلين هي المكان الأكثر إثارة للاشمئزاز، باردة، قبيحة، ضخمة، ثكنة حقيقية. والبروسيون المتميزون بغطرستهم كما لو أن كل واحد منهم أجبر على ابتلاع العصا نفسها التي كان يُضرب بها يومياً”. (٢٤)

زاد شعورها بالوحدة بعد وصولها إلى برلين، كما أوضحت روزا، وما جعل الأمور أكثر صعوبة هو أنها لم تلقَ ترحيباً حاراً. إلى جانب ذلك، إن الضغط المستمر للثقافة واللغة الألمانيتين المهيمنتين، والتي ستتقنها بعد ذلك مع الوقت، لم يكن مرحباً بها. في المجتمع الألماني- ولكن كذلك في حياة الحزب- واجهت وجهاً لوجه معاداة السامية، والتمييز المعادي للبولونيين والتحيز الجنسي. (٢٥) ورداً على ذلك، علقت في نشرة ليبزيغر فولكسزيتونغ حول أثر [نيل] حق النساء بالتصويت على تشكيل سياسات تقدمية ونهاية للأعراف والتقاليد المفروضة:

“في الحياة السياسية، والاجتماعية [للاشتراكية الديمقراطية] كذلك، ستهب رياحاً قوية وجديدة مع التحرر السياسي للنساء، ما من شأنه تطهير الهواء الفاسد من الحياة الأسرية الخانقة الحالية، كذلك الأمر في أوساط أعضاء حزبنا، العمال والقادة على حد سواء. (٢٦)

تركت كل هذه الانطباعات بصماتها على شخصية روزا، التي وجدت الثقافة التمييزية صعبة على الهضم، حيث أنها في كل جوانب حياتها كانت قد ألقت بظلال من الشك على الأعراف والنظم المؤسساتية. مع ذلك، أغنت النضالات اليومية والحياة بدون راحة على إعادة تشكيل أفكارها في برلين الباردة والقاسية. ليس لأن الصلابة المُدنية قد اختفت، إنما لأن الفراغ في برلين قد ملأته بأنشطتها السياسية بشكل حاسم. لاحقاً، نظرت روزا إلى زوريخ على أنها مرحلتها السياسية غير الناضجة، و[اعتبرت] وصولها إلى ألمانيا هو قمة نضجها السياسي.

مع تأخير بسيط، انخرطت فوراً في الحياة السياسية للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، وسرعان ما باتت واحدة من أهم المنظرين في الحركة الاشتراكية الأممية. في سنواتها البرلينية الأولى، بدءاً من أيلول/سبتمبر إلى تشرين الثاني/نوفمبر عام ١٨٩٨، حررت نشرة ساشيشي أربيتيرزيتونغ وتابعت تعاونها مع نشرة نيو زيت وليبزيغر فولكسزيتونغ. خلال هذا الوقت، بدأت بتكوين صداقة مع كارل كاوتسكي، ومع زوجته أكثر. وبدأت تشعر وكأنها فعلاً في منزلها، حيث أمضت وقتها برفقة أوغوست بيبل وبول سينغر وفرانتز ميرينغ. وفي تلك الفترة باتت مقربة جداً من رفيقتها الثورية كلارا زيتكين. لكن إلى جانب عالم الرفاقية والمحبة، ما هو الجو السياسي الثوري الذي وجدت روزا نفسها فيه فعلاً بعد وصولها إلى ألمانيا؟

على الرغم من واقع أنه بعد نهاية الـ ١٨٩٠ات كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني يزداد تأثيره- إذ نال في انتخابات عام ١٨٩٨ وحدها ٢١٠٧٠٠٠ صوتاً، (٢٧) وعام ١٩٠٣ أكثر من ٣٠ بالمئة من الأصوات (٢٨)- ومنذ فترة وفاة ماركس تقريباً، خلال السنة الثورية عام ١٨٨٤، كان الحزب يتدحرج رويداً، إنما بثبات، نحو أزمة سياسية. إحدى أسباب تلك الأزمة هو المعارضة المعبر عنها على نحو متزايد بين التيارات الراديكالية والإصلاحية بين صفوف الاشتراكيين الديمقراطيين. لاحقاً، فصّل إدوارد برنشتاين نظرياً الأزمة بطريقة دقيقة جداً. حملت سلسلة مقالاته، المعنونة بـ مشاكل الاشتراكية، والمنشورة في نشرة نيو زيت بدءاً من عام ١٨٩٦ إلى عام ١٨٩٨، بصمات النظرية التحريفية الكلاسيكية. لم يؤخذ نقده الممنهج للماركسية في البداية على محمل الجد، ولكن لاحقاً سرعان ما أدت الخلافات الحادة مع تحريفية برنشتاين إلى نشوب أزمة طويلة الأمد في الاشتراكية الديمقراطية الألمانية. لخص بول فروليتش هذه الخلافات على النحو التالي:

أدت الخلافات حول برنشتاين إلى دخول أصعب وأطول أزمة في تاريخ الاشتراكية الديمقراطية الأممية في مرحلة ما قبل الحرب. وقد استجلبت كل المنظرين الماركسيين والسياسيين إلى ساحة المعركة. بارفوس وكاوتسكي وميرينغ وبيبيل وكلارا زيتكين وروزا لوكسمبورغ في ألمانيا؛ بليخانوف الذي دافع عن المادية التاريخية قبل كل شيء في مجال الفلسفة، في روسيا؛ وأنطونيو لابريولا في إيطاليا؛ وجول غيسد وحتى جان جوريس في فرنسا. (٢٩)

في إطار هذه الدينامية السياسية على وجه الخصوص، بدأت روزا نضالها داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي. صعدت إلى الواجهة في هذه المعارك النظرية بسلسلة مقالاتها الأولى، بعنوان الإصلاح الاجتماعي أو الثورة، والمنشورة في صيف العام ١٨٩٨. وباتت واحدة من أكثر نقاد التحريفية حسماً ودقة من الناحية التحليليةـ عندما رد برنشتاين على منتقديه بالنص المعنون “الشروط المسبقة للاشتراكية” (٣٠). ردت روزا نقدياً في أوائل شهر نيسان مع سلسلة جديدة من المقالات. وكانت قد باتت فعلياً وقتها واحدة من الشخصيات الأساسية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني:

“عندما بدأت الحركة الثورية الألمانية تشق طريقها في القرن الجديد، كانت روزا في الطليعة، فأعطتها البنية النظرية والقيادة التكتيكية، وحفزتها ببلاغتها”.(٣١)

تميز هذا “القرن الجديد”، الذي بدأ مع بداية القرن العشرين، بنمو كبير للعسكرة، وخاصة العسكرة الألمانية. حذرت روزا مراراً من احتمال نشوب حرب، وهذا ما حصل فعلياً بعد فترة قصيرة. لا يمكن وصف العسكرة الألمانية المبكرة إلا بسرد بضعة أمثلة، مثل الدفعات لتمويل البحرية أو التدخلات الأوروبية في الصين تحت قيادة جنرال ألماني. (٣٢) تحدثت روزا عن هذه الظاهرة الخطرة في مؤتمر اشتراكي أممي في باريس عام ١٩٠٠. وعلى مر السنوات كتبت عن المسألة القومية البولونية، وانتقدت بشدة الوطنية عند الحزب الاشتراكي البولوني. في تموز/يوليو ١٩٠٤، سجنت لمدة ٣ أشهر بسبب خطابها ضد الإمبراطور الألماني ويلهام الثاني، حين لفظت الجملة الشهيرة التالية: “الرجل الذي يتحدث عن ضمان أمان العمال الألمان لا يملك أي فكرة عن الواقع”. (٣٣) في نشرة نيو زيت، في السنة نفسها، نشرت جدالها المؤثر جداً بعنوان المسألة التنظيمية للاشتراكية الديمقراطية الروسية، في هذا النص نتعرف إلى مدى معرفتها بحالة الغرب والشرق الأوروبيين، وكذلك مدى القوة والحزم الذي انتقدت بهما دور الاشتراكيين في الحكومات البرجوازية، وكذلك الميول غير الديمقراطية والقومية في الحركة الاشتراكية لأوروبا الشرقية، في وقت لاحق، بعد ٤ آب/أغسطس عام ١٩١٤، وبعد التصويت على اعتمادات الحرب، هاجمت من دون هوادة الاشتراكية الديمقراطية الألمانية، ووصفتها بـ “الجثة النتنة”، وهي جملة سرعان ما باتت شعاراً ثورياً أممياً. (٣٤)

خلال الثورة الروسية الأولى ١٩٠٥، وصلت بشكل غير شرعي إلى وارسو، تحت اسم مستعار هو آنا ماتسشكي، سرعان ما اكتشفت واعتقلت. ساعد تقرير كتبه جاسوس ألماني الشرطة في وارسو على كشفها واعتقالها. بعد ذلك، أعد المدعي العام المواد لمقاضاتها، وصفت روزا، في رسالة لها إلى كارل كاوتسكي الوضع في المعتقل على الشكل التالي:

“لقد وجدوني في وضع محرج، ولكن دعنا ننسى ذلك الآن. أنا أجلس في سجن[معتقل] المدينة حيث يجمعون [المعتقلين] “السياسيين” والمجرمين العاديين والمجانين معاً، في معتقلي، الذي هو جوهرة [تقصد أفضل القاعات] في هذا الوضع (زنزانة فردية عادية مخصصة لشخص واحد في الأحوال العادية)، يحتوي اليوم على ١٤ معتقلاً، لحسن الحظ كلهم من المعتقلين السياسيين. إلى جانبنا قاعتان وضعوا في كل منهما حوالي ٣٠ معتقلاً، مكدسين فوق بعضهم البعض[…] التنزه في الساحة غير معروف تماماً هنا، ولكن في النهار تترك أبواب الزنازين مفتوحة، ويسمحون لنا بالتجول طوال اليوم في الممرات[…]”. (٣٥)

ساءت صحة روزا أكثر فأكثر خلال اعتقالها. لم يكن المعتقل الذي وضعت فيه مزدحم بالمعتقلين فقط، إنما افتقر إلى التهوئة، إلى جانب ذلك، أضربت روزا عن الطعام في الكثير من الأوقات احتجاجاً على ظروف السجن البائسة، وقد وصفت ظروف السجن البالغة السوء في معتقل قلعة وارسو، وكيف أنه بعد بناء منصة الاعدام في ساحة القلعة “ساد صمت يعمه الرعب” على السجن، وقد روى فروليتش تلك اللحظات:

“وبكلمات خطيرة منذرة بسوء وإجراءات خاصة، كان الثوار يستدعون من معتقلاتهم، ولا يعودون على الإطلاق. دون الاستفادة من الإجراءات القانونية أو المحاكمة [العادلة]، جرى التخلص منهم بموجب “قنوات إدارية”. ما بدا أن روزا ستلقى مثل هذا المصير، روى ليو يوغي، [المعروف بـ] المتحفظ وغير العاطفي، الحادث بعد اغتيالها: (…) فعصبوا عينيها، وأخذوها من الغرفة، ولكن ثبت أنها استدعيت للاستجواب. كان إجراء غير معتاد بسبب خطأ أو بسبب فعل متعمد للتأثير عليها. ولدى سؤالها لاحقاً عما شعرت به في ذلك الوقت، أجابت روزا: “لقد شعرت بالخجل لأنني أحسست بالهلع”. (٣٦)

بفضل تدخلات عديدة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، دفعت الكفالة، وأطلق سراح روزا مؤقتاً، بعد ذلك، استقرت في فنلندا، حيث كتبت متأثرة بالثورة الروسية كتيبها الشهير “الإضراب الجماعي، والحزب السياسي والنقابات العمالية”. (٣٧) قدم هذا الكتيب مساهمة هامة في النقاشات الأوسع حول العلاقات بين النقابات العمالية والاشتراكية الديمقراطية، وبشكل محدود، كان استمراراً للنقد الثوري للإصلاحية التي بدأتها في كتابها السابق الإصلاح أو الثورة. تظهر الإحصاءات التالية مدى أهمية موضوعة العلاقات بين الأحزاب والنقابات والإضرابات في تلك الفترة (خاصة منذ إلغاء القوانين المعادية للاشتراكية عام ١٨٩٠): تنامت شبكة المنظمات النقابية بشكل يومي، فزاد عدد أعضاء النقابات العمالية من ٣٠٠ ألف عام ١٨٩٠ إلى أكثر من ٢،٥ مليون عام ١٩١٤، وازدادت قيمة [موازنة] النقابات العمالية من ٤٢٥٨٤٥ إلى ٨٨ مليون مارك ألماني، وعدد النقابيين المحترفين من ٢٦٩ عام ١٩٠٠ إلى ٢٨٦٧ عام ١٩١٤. (٣٨)

عادت روزا إلى ألمانيا عام ١٩٠٦. من دون أن تنقطع عن العمل السياسي، شاركت في مؤتمر اشتراكي ديمقراطي في مانهايم بشهر أيلول/سبتمبر. مع ذلك، لم يمر التزامها بهدوء: في كانون الأول/ديسمبر حكم عليها بالسجن لمدة شهرين بتهمة “الحث على الأنشطة العنفية”. (٣٩) في السنة نفسها (١٩٠٦) أسس الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا مدرسة حزبية ببرلين. حتى اندلاع الحرب، نظم الحزب جلسات تكوينية في العلوم الاجتماعية، فضلاً عن جلسات في التحريض السياسي. في كل مجموعة شارك ٣٠ رفيقاً، معظمهم كانوا أعضاء من المنظمات الاشتراكية الديمقراطية والنقابية. ألقت لوكسمبورغ محاضرات في هذه المدرسة منذ عام ١٩٠٧ وكان النص الأساسي للبرنامج التعليمي كتاب رأس المال لماركس. خلال عملها التدريسي الطويل الأمد في تلك المدرسة الحزبية، نشرت كتابين يعدان الأكثر شمولاً، هما: مقدمة في الاقتصاد السياسي (٤٠) وتراكم رأس المال (٤١)، والذي سنقدمه بمزيد من التفصيل في الفصل التالي من الكتاب.

كان عام ١٩٠٦، بمعنى ما، لحظة محورية للحركة العمالية الألمانية. كانت الكوارث التي توقعتها روزا في كتابها الإصلاح أو الثورة قد بدأت تؤتي ثمارها ببطء ولكن بثبات. لم يكتفِ عامي ١٩٠٥١٩٠٦ بزعزعة استقرار الامبراطورية الروسية، إنما، ولأول مرة، أثار الخلاف بين فرنسا وألمانيا حول المغرب شبح نشوب الحرب الأوروبية.(٤٢) وبات الوصول إلى موقف حيال الحرب المحتملة مسألة ملحة بالنسبة للأممية. في مؤتمر الأممية المنعقد في شتوتغارت عام ١٩٠٧، نوقشت هذه الاضطرابات لأول مرة على الإطلاق باعتباره مقدمة لحرب إمبريالية. (٤٣) عادت لاحقاً روزا إلى مسألة المغرب كنقطة فاصلة في تاريخ الحروب الامبريالية الجديدة. (٤٤) إلى جانب كل من لينين ومارتوف، وضعت روزا مشروع قرار ضد العسكرة والامبريالية عام ١٩٠٧، والذي وافق عليه المؤتمر، وخلص إلى التالي:

“إذا كان اندلاع الحرب وشيكاً، فمن واجب الطبقات العاملة وممثليها البرلمانيين في الدول المتورطة، بدعم من النشاط التنسيقي لمكتب الأممية الاشتراكية، بذل كل جهد لمنع نشوب الحرب بالوسائل التي يعتبرونها أكثر فعالية، والتي تختلف بطبيعة الحال بحسب اشتداد الصراع الطبقي وحدّة الوضع السياسي العام.

في حال اندلاع الحرب على كل الأحوال، من واجبهم التدخل لصالح وقفها السريع وبكل قوتهم للاستفادة من الأزمة الاقتصادية والسياسية التي خلقتها الحرب لحث الجماهير والتعجيل في إسقاط حكم الطبقة الرأسمالية”. (٤٥)

تميز عام ١٩٠٦ بسلسلة من المعارك السياسية الجديدة. انتهت فترة التحريض والتجمعات الجماهيرية الأوروبية، وبدأت فترة من الأعمال النضالية. مع ذلك، وعلى الرغم من الإدانة الرسمية لأفكار برنشتاين بين قيادة الحزب والنقابات العمالية، بدأ تأثير التيار الإصلاحي بالهيمنة. اشتراكيون مثل هيرمان مولكنبور، وفريريش إيبرت وفيليب شيدمان وأوتو براون وسواهم خرجوا بالكامل عن النضال الجذري. (٤٦) تحدثت روزا، بدعم من لينين، بدقة عن هذا الموضوع في مؤتمر الأممية المنعقد في شتوتغارت. من تلك اللحظة وصاعداً، يمكن تتبع الضعف التدريجي للتأثير السياسي لروزا داخل صفوف الاشتراكية الديمقراطية الألمانية الرسمية. وصل إلى حد أن سحبت روزا تعاونها مع كارل كاوتسكي عام ١٩١٠.

في إحدى رسائلها إلى كلارا زيتكين، عام ١٩٠٧، علقت روزا، من بين عدة نقاط، بشكل ساخر على مشكلة قيادة الحزب. تصف كيف أن مجال [القيادة] السياسي هو “النموذج البرلماني” وكيف أنها في موقف يسمح لها بحد جماح كل من يتجاوز حدودها بكل حماسة. (٤٧) في هذا السياق السياسي، كانت تفكر على نحو خاص بـ أوغست بيبل، على الرغم من صداقتها السابقة معه وقربها السياسي منه. (٤٨) ربما لم تكن تقصد كاوتسكي وقتها. ولكن منذ أن رفض كاوتسكي عام ١٩١٠ نشر إحدى مقالاتها، متبعاً “توجيهات قيادة الحزب”، تراجعت علاقتهما الخاصة والسياسية على نحو خطير. وكما يشرح فروليتش:

“كان كبح كاوتسكي [لروزا] إهانة قاسية. كانت روزا المتعاونة الأساسية لنشرة نيو زيت وكانت تقدم نصائح تحريرية لكاوتسكي بشكل مستمر. وكانت تمثله أحياناً في هيئة التحرير. وكانت السمعة التي تمتع بها كاوتسكي بين أوساط الجذريين في كل الأممية كلها تعود إلى تعاونه الفكري معها. كان موقف كاوتسكي أكثر من مجرد خضوع لقيادة الحزب. إنما كان يرمز إلى استعداده السياسي الخاص وحقيقة أن حلفه الفكري مع روزا قد وصل إلى نهايته”. (٤٩)

بالإضافة إلى ذلك، تفاقمت الحادثة بأكملها بسبب اشتباك آخر بينهما. ذهب الوضع إلى درجة أن انهيار صداقتهما أدى إلى زعزعة وحدة الأغلبية الراديكالية في الحزب. كانت الاشتراكية الديمقراطية في ألمانيا متوزعة على ٣ تيارات: أ) الإصلاحيون، الذين مالوا بشكل متزايد نحو الامبريالية، ب) ما يسمى بالمركز الماركسي، الذين مالوا نحو الحفاظ على السياسات التقليدية، ولكنهم في الواقع كانوا أقرب على نحو متزايد من موقف برنشتاين، ج) التيار الثوري، المسمى غالباً باسم التيار اليساري الراديكالي. إلى جانب روزا، ضمّ هذا التيار كل من كلارا زيتكين وفرانز ميرينغ وكارل ليبكنخت وجوليان بالتازار مارشليفسكي (الذي غالباً ما استعمل الاسم المستعار جوليوس كارسكي)، وكارل راديك وأنطون بانيكوك. (٥٠)

على الرغم من نتائجهم الانتخابية الجيدة في الرايخستاغ عام ١٩١٢، والتي أوصلت عدداً من المحازبين إلى المجلس، لكن اتسمت سياسات الحزب في فترة ما قبل الحرب بتزايد التنازلات الإشكالية والتراجع السياسي، ما أدى بالتأكيد إلى قمع مواقفهم المناهضة للامبريالية. نشأ جو من الارتباك السياسي-الأيديولوجي، خاصة بعد “التسوية المخزية مع الطبقة الوسطى الجديدة”. (٥١) وفي حين غزا أسطول إيطالي طرابلس الغرب، وبشرت حروب البلقان باحتمال نشوب حرب عالمية. أدت السياسة الخارجية الألمانية إلى تفاقم الوضع في البلقان وزادت من خطر نشوب الحرب، وبالتالي اتخذ “التيار الوسطي” في الحزب موقفاً بشكل متزايد محايداً من الحرب. وقد تجلى ذلك من خلال الحقيقة التاريخية المتمثلة بدعم الاشتراكية الديمقراطية للحكومة. صيف عام ١٩١٣، تقدمت الأخيرة باقتراح لميزانية عسكرية ذات شكل وحجم لا سابق له في تاريخ التسلح حتى وقتها. لقي هذا الاقتراح دعماً كبيراً من الاشتراكيين الديمقراطيين حيث فسروه بأنه ضريبة تصاعدية. (٥٢) خلال المفاوضات، عارضت روزا كل مقترحات اعتمادات الحرب. وأشارت إلى منطق المشكلة، مثل هذا الدعم “يمكن أن يعني دعم حرب امبريالية غداً” (٥٣) وهذا ما حصل فعلاً يوم ٤ آب/أغسطس ١٩١٤، عندما صوت ١٥ مندوباً فقط ضد الاعتمادات من أصل ١١١ مندوباً من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في الرايخستاغ. صدم هذا التصويت الجمهور الأوروبي لدرجة أنهم لم يصدقوا الخبر. أعلنت نشرة اشتراكية ديمقراطية في رومانيا أن هذا الخبر زائف. صرح لينين أن العدد الكامل من نشرة (إلى الأمام)، النشرة المركزية الصادرة عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والمخصصة لنقاش جلسة الرايخستاغ موضوع النزاع، مفبركة بالكامل من قبل القيادة العسكرية الألمانية. (٥٤) كان الانهيار السياسي للاشتراكية الديمقراطية الألمانية الذي تلا التصويت على اعتمادات الحرب، كما علقت لوكسمبورغ بسخرية، نتيجة واضحة لـ”الحماقة البرلمانية” التي طال أمدها:

“بالنسبة للبروليتاريا، لا توجد قاعدة حيوية واحدة، كما أعلنت الاشتراكية العلمية حتى الآن، وإنما قاعدتين على هذا النحو: واحدة للسلام وأخرى للحرب. في حالة السلام، ينطبق الصراع الطبقي في كل بلد، والتضامن الأممي تجاه بقية الدول؛ وفي حالة الحرب ما ينطبق هو التضامن الطبقي الداخلي والنضال بين مختلف عمال الدول خارجها. إن الجاذبية التاريخية للبيان الشيوعي تخضع لمراجعة جذرية، كما عدله كاوتكسي، نقرأها الآن: أيها العمال من كل الدول، اتحدوا في زمن السلم، واذبحوا بعضكم بعضاً في الحرب!” (٥٥)

حتى أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي وقع على اتفاقية “البورغفريدين- Burgfrieden”. كانت معاهدة سياسية خاصة لها مغزى مزدوج: من ناحية، افترضت مسبقاً هدنة تلتزم بموجبها الأحزاب بعدم التنافس مع بعضها البعض أو مساءلة الحكومة. من جهة أخرى، التزمت القيادة النقابية بـ”تأديب” الحركة العمالية حتى لا تتصرف ضد سياسات الدولة بأي شكل من الأشكال. (٥٦) إلى جانب الحرب العالمية الأولى والدعم المتزايد باستمرار الذي تلقته هذه الحرب من مختلف المنظمات الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية (والتي انتهجت بشكل واضح نموذج الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، فضلاً عن التخلي عن مبدأ التضامن الطبقي الأممي)، وجدت الأممية نفسها في حالة انهيار كامل. في ذلك الوقت، كتب كاوتسكي اعتذاراً آخر عن موقفه التحريفي، والذي اعتبره “الموقف الفلسفي للحزب الاشتراكي الديمقراطي في زمن الحرب” والذي دعا فيه إلى “انضمام حقيقي للاشتراكية والإمتثالية” (٥٨). كان الوضع ميؤوساً منه لدرجة أن روزا لوكسمبورغ وكلارا زيتكين كانتا على وشك الانتحار. (٥٨)

في حين كانت منزعجة من كل هذه الأحداث، كانت روزا، إلى جانب مجموعة من المتعاونين المقربين، قد فكروا فعلياً بالنضال ضد السياسات الامبريالية والحرب. لم يكن هناك وقت لخسارته. في نفس الأمسية التي صوت الحزب الاشتراكي الديمقراطي لصالح دعم اعتمادات الحرب، في يوم ٤ آب/أغسطس، جمعت روزا مجموعة من صديقاتها في بيتها لتحليل الوضع بالتفصيل والتخطيط للخطوة النضالية التالية. (٥٩) حاولت مع زيتكين على نحو حاسم جمع حوالي ٢٠ عضواً الأكثر راديكالية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي بهدف تنظيم المقاومة. مع ذلك، لقيتا دعم ليبكنخت وميرينغ فقط. (٦٠) أول ردة فعل لروزا وزيتكين وميرينغ وليبكنخت وسواهم المناهضة للسياسة الحربية للحزب الاشتراكي الديمقرطي الألماني نشرت في أيلول/سبتمبر عام ١٩١٤. (٦١) واصفة الجو الذي تحركت في ظله هذه المجموعة من الاشتراكيين، كتبت زيتكين لاحقاً في مقدمة طبعة جديدة من كتيب يونيوس لروزا لوكسمبورغ [الأزمة في الاشتراكية الديمقراطية الألمانية]:

“كان من المفترض البدء بالنضال من خلال الاحتجاج على التصويت لصالح اعتمادات الحرب من جانب نواب الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الرايخستاغ، ولكن كان لا بد من تنظيمه بطريقة لا توقف الحيل الماكرة للسلطات العسكرية والرقابة. أكثر من ذلك، وقبل كل شيء، إن أهمية مثل هذا التحرك ستتعزز من دون شك، إذا دعمه عدد لا بأس به من المناضلين الاشتراكيين الديمقراطيين المعروفين. لذلك سعينا إلى صياغته بطريقة تجلب تضامن أكبر عدد ممكن من الرفاق القياديين، الذين انتقدوا بشكل واضح، وحتى بشكل لاذع، سياسة ٤ آب/أغسطس، في الرايخستاغ وفي دوائر صغيرة خاصة. لقد كلفنا هذا الاعتبار الكثير من التفكير، والورق، والرسائل والبرقيات، والوقت الثمين، وفي النهاية مقابل لا شيء. من بين كل النقاد للأغلبية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحده كارل ليبكنخت انضم إلى روزا وفرانتز ميرينغ وأنا في تحدي الصنم الذي دمر وأحبط روحنا المعنوية والذي تنامى في كنف الانضباط الحزبي”.(٦٢)

بدءاً من ٤ آب/أغسطس، ستتكرر الهزائم التاريخية للاشتراكية الديمقراطية. وقد تكررت هذه المآسي بعد فترة قليلة، عندما طلبت الحكومة الألمانية اعتمادات حربية جديدة للمرة الثانية. بهذه المناسبة، عارض ليبكنخت علناً الحكومة والحرب. وكان، في الحقيقة، الشخص الوحيد الذي خرق اتفاقية الـ”بورغفريدين- Burgfrieden”. من الأفضل قراءة موقف ليبكنخت الواضح والنقدي حيال حالة اليسار في ذلك الوقت، والكراهية القومية والأذى الامبريالي، ونقص التضامن الأممي العمالي من خلال عبارته الشهيرة التي قالها عام ١٩١٥: “العدو الرئيسي داخل الوطن!”(٦٣)

على الرغم من دعمه في البداية لكاوتسكي في خلافه مع روزا، بدّل لينين سريعاً موقفه وفي نهاية تشرين الأول/أكتوبر عام ١٩١٤ كتب التالي إلى ألكسندر شليابنيكوف:

“كانت روزا على حق. لقد عرفت منذ وقت طويل أن كاوتسكي بتنظيره يخدم الأكثرية في الحزب، باختصار، يخدم الانتهازية. لا يوجد في العالم ما هو أكثر ضرراً وخطورة للاستقلال الفكري للبروليتاريا أكثر من رضا كاوتسكي الذاتي المقرف ونفاقه الدنيء. إنه يجمّل كل شيء، مستعملاً السفسطة آملاً في تهدئة خواطر العمال المتأججة”. (٦٤)

لجذب أكبر قدر ممكن للانتباه إلى الأزمة التي طَبَعَتْ عامي ١٩١٣ و١٩١٤، في ربيع ١٩١٥، أسس التيار الثوري في اليسار الألماني نشرة بعنوان الأممية. (٦٥) بعد فترة قليلة، تأسست مجموعة تحمل نفس الاسم. عقدت المجموعة مؤتمرها الوطني في برلين يوم ١ كانون الثاني ١٩١٦ ووافقت فيه على “المبادئ التوجيهية الإدارية” للمنظمة التي كتبتها روزا سراً في المعتقل. تغير اسم المجموعة ليصبح عصبة سبارتاكوس، لكونها منظمة صغيرة، وسميت نشرتها “غير الشرعية” باسم رسائل سبارتاكوس.

في العدد الأول من الأممية، حللت كلارا زيتكين موقف النساء من الحرب، وكتب فرانتز ميرينغ تحليلاً مقارناً لأفكار ماركس وإنغلز حول مسألة الحرب والحرب الجارية، حلل بول لانج سياسات الاتحادات النقابية حيال السلام بين الأحزاب، في حين كتبت روزا مقالين. أحدهما بعنوان إعادة بناء الأممية ووقعته باسمها. (٦٦) والمقال الثاني، مقاربات ومشاريع، الذي كان نقداً لكتاب كارل كاوتسكي “الدولة الوطنية، والدولة الامبريالية والكونفدرالية”، (٦٧) الذي وقعته باسم مستعار هو مورتيمر. (٦٨) في مقالها الأول، شددت بوضوح جلي أنه في ٤ آب/أغسطس، تنازلت الاشتراكية الديمقراطية الألمانية، وهذا ما أدى في الوقت عينه إلى انهيار أكيد للأممية. لقد نقلت [في المقال] مرارتها الواضحة، ودعت كذلك إلى مراجعة مستقبل الأممية، خاصة سياساتها في زمن السلم:

“إذا أريد للأممية السلام المتوافق مع مصالح القضية البروليتارية، فلا بد من قيام النقد الذاتي للبروليتاريا، وانعكاس ذلك على سلطتها […]. الطريق إلى هذه السلطة- ليس عن طريق القرارات- هو نفس الطريق إلى السلام وإعادة بناء الأممية”. (٦٩)

في مقال مقاربات ومشاريع، انتقدت نص كاوتسكي المذكور أعلاه، وخاصة تحليلاته ومواقفه من الامبريالية ومعادلته لـ”الديمقراطية الحديثة” بالنظام البرلماني. لم تكن تصدق أن شخصاً سيذهب بعيداً عن الفهم التقدمي للاشتراكية الديمقراطية كمشروع لتحقيق اشتراكي للمساواة الاقتصادية والاجتماعية، والذهاب بالديمقراطية إلى اتجاه رجعي ضمن إطار دولة قومية مدنية. وبسبب هذه المواقف وسواها، بات كارل كاوتسكي قضية خاسرة عند روزا.

حدد العدد الأول من الأممية لنفسه مهمة البحث في قضايا الحركة العمالية في ظل الحرب، من وجهة نظر تحليلية، ونظرية مبسطة. وسرعان ما منعت النشرة. لوح المدعي العام بتهمة الخيانة بوجه روزا وزيتكين وميرينغ وسواهم، بسبب هذا العدد- والوحيد. وعندما طبعت النشرة في نيسان/أبريل ١٩١٥، كانت روزا معتقلة بالفعل منذ شهرين. إذ كانت تقضي حكماً بالسجن لمدة سنة صدر في فرانكفورت في السنة الماضية، والذي تأخر [تنفيذه] بسبب حالتها الصحية السيئة. أمضت فترة من سجنها في سجن النساء ببرلين، حيث كتبت “الأزمة في الاشتراكية الديمقراطية الألمانية” بالسر، والمعروف أكثر باسم كتيب يونيوس بسبب اعتمادها لاسم مستعار هو يونيوس. (٧٠) على الرغم من تهريب روزا من المعتقل، وبسبب خطر طباعة نشر النشرات والكتب “غير الشرعية” والتهديد بالسجن المستمر، لن يطبع الكتيب إلا في السنة التالية. (٧١)

ولأنها تمتعت بمكانة معتقلة سياسية في المعتقل، تمكنت روزا من التنقل والقراءة والكتابة إلى حد ما بحرية. ومع ذلك، بعد عدة أشهر على تنفيذ الحكم بحقها، بات نظام الرقابة أشد ولم تعد روزا قادرة على تهريب ردودها السياسية إلى خارج السجن. (٧٢) تابعت الأوضاع بقدر استطاعتها، ولكنها لم تتمكن دوماً من الوصول إلى كل المعلومات الجديدة في وقتها. كانت الأخبار حول الأوضاع محبطة بأغلبها. وصلت إليها أخبار سيئة في أغلب الأحوال، عن انتصارات ألمانية عديدة، وعن “مجزرة عالمية أوقعت ضحايا ومعاناة كثيرة، مع تزايد الجوع بين الجماهير وتراجع الروح المعنوية”. (٧٣) وفي لجة الأحداث التي ترافقت مع “المجزرة العالمية”، كانت الخطوة الإيجابية الوحيدة التي اتخذت بحزيران/يونيو، عندما وقع حوالي ألف حزبي على عريض موجهة إلى قيادة الحزب، (٧٤) عبروا فيها عن عدم موافقتهم على السياسات الرسمية. ولكن بالنسبة لروزا، كان هذا الفعل تحركاً بسيطاً جداً مقارنة مع حجم المشكلات السياسية، وظروف الحرب الصعبة، والقومية المنتشرة في صفوف الاشتراكيين الديمقراطيين على نحو متزايد. ولكن حين انعقد مؤتمر الأممية في زيمروالد (أيلول/سبتمبر ١٩١٥) حتى ظهر رد واضح لا لبس فيه ضد السياسات في زمن الحرب، والذي أيدته روزا من دون تردد. (٧٥) وبعد عدة أشهر في نهاية عام ١٩١٥، وعندما ظهر شق بسيط ضمن نظام عمل المعتقل، تمكنت روزا من مراسلة ليبكنخت سراً. من تلك الفترة ومن خلال المراسلة، وضعت المبادئ التنظيمية لعصبة سبارتاكوس. أخيراً يوم ٢٢ تموز/يوليو ١٩١٦، أطلق سراح روزا من المعتقل. “لقد عدت”، كما كتبت في رسالة إلى ريجينا روبن يوم ٢٥ شباط/فبراير ١٩١٦، “إلى الحرية مع توق كبير إلى النضال”. (٧٦) في رسالة لاحقة إلى لويز كاوتسكي، اشتكت من أنه في يوم مغادرتها المعتقل، جاء ٨٠ شخصاً لزيارتها في بيتها. وكتبت “كانوا حرفياً ٨٠ شخصاً” وأن اليوم الأول من الحرية تحول إلى “تعذيب” حقيقي لأنه كان عليها قول كلمات قليلة لكل واحد منهم بعد عام في المعتقل. (٧٧) فأدركت أنه لن يكون هناك المزيد من الراحة لها.

من دون تأخر، في شباط/فبراير ١٩١٦، بدأت فوراً بإصدار كتيبها غير المنشور، يونيوس، والذي أعدته بشكل “غير شرعي” ونشرته في أوائل نيسان/أبريل. كان كتيباً مهماً جداً، وبات “سلاحاً لآلاف المناضلين “غير الشرعيين””، كما لخص فروليتش. (٧٨) أشارت في الكتيب إلى حصول “كارثة تاريخية عالمية” وعن “استسلام الاشتراكية الديمقراطية الأممية”، ولخصت [في الكتيب] بشكل واضح ومباشر أطروحتها حول الإمبريالية في كتابها تراكم رأس المال. في الكتيب، أوضحت كيف أن المصالح الرأسمالية والحرب العالمية أدت إلى تجانس المعسكرات الامبريالية (من جهة، دول الوفاق، ومن جهة أخرى دول المحور) وكيف أنه لا يوجد مكان للدول للبدء بـ”مهمة التحرير” عن طريق الحرب. كتبت روزا “لقد تغير المشهد تماماً، انتهى العرض”، “ذهب وسط هذا الهذيان المجنون”، “سقط القناع […]”، “سقط الحكم الرأسمالي في فخه”. (٧٩) قالت روزا إن حقيقة الحرب تتكون من “شائعات كاذبة” عن التحرر القومي “التي تدفع المرء إلى الهذيان”:

“ازدهرت الأعمال على الأنقاض. تحولت المدن إلى خراب، ودول بأكلمها باتت صحارى، وقرى إلى مقابر […]. العار، والدماء والأقذار، وسط كل ذلك يقف المجتمع الرأسمالي، ليس كما نعرفه عادة، يلعب دور السلام والاستقامة في نظام الفلسفة والأخلاق- إنما كوحش يزأر، كعربدة فوضوية، كنفخة مزعجة، ثقافة وإنسانية مدمرة- هكذا ظهر بكل عريه البشع”. (٨٠)

في فقرة من كتيب يونيوس، تقتبس من بيان التكتل البرلماني الصادر يوم ٤ آب/أغسطس عام ١٩١٤، والذي يشير بحسب قولها إلى مواقف “مؤيدة للحرب” عند الاشتراكية الديمقراطية المسؤولة عن فظائع الحرب والظروف البائسة لـ”العمال في القرى والمدن”:

“نحن نواجه الآن حقيقة أن الحرب باتت واقعاً. فظائع الحرب تجتاحنا. القرار اليوم ليس مع الحرب أو ضدها؛ بالنسبة لنا، لا يمكن إلا أن يكون هناك مسألة واحدة: بأي وسيلة تخاض هذه الحرب؟ الكثير على المحك بالنسبة لشعبنا ومستقبله، إذا كان الاستبداد الروسي الملطخ بدماء شعبه هو المنتصر. فيجب تفادي هذا الخطر والحفاظ على حضارة واستقلال شعبنا، انطلاقاً من هذه الأسباب، نصوت لصالح اعتمادات الحرب التي طالبت بها الحكومة”. (٨١)

إن الردود الحادة والصلبة على أكاذيب “حرب التحرير” و”الحرية” و”بقاء الأمة” التي ساهمت فيها في كتيبها، كانت موجهة نحو الكشف عما تسميه آليات تشجع على “تسميم الشعب”. بالنسبة لها، الحرب هي عملية، بشكل حصري، “قتل جماعي ممنهج ومنظم” (٨٢). بالنسبة لروزا، الامبريالية هي أعلى مرحلة تطور للحكم السياسي لرأس المال، وكما كتبت في يونيوس “العدو المميت المشترك للبروليتاريا في كل الدول”. (٨٣) كان كتيب يونيوس هو النص النقدي الأشد والأشمل الذي يحاجج ضد الحرب وقتها وضد سياساتها الامبريالية. كانت النضالات المناهضة للحرب لعصبة سبارتاكوس حاضرة علناً على نحو متزايد. كانت العصبة مسؤولة كذلك عن تنظيم أول مظاهرة معارضة للحرب في برلين يوم ١ أيار/مايو ١٩١٦. بعد نجاح التظاهرة وتعبئة عمال برلين، اعتقل ليبكنخت وأخضعت روزا لرقابة مشددة من الشرطة. وعلى الرغم من أن عصبة سبارتاكوس لم تكن تضم الكثير من الأعضاء في صفوفها، لكنها كانت تلقى دعماً واسعاً من العديد من العمال، و”باتت حاملة الشعلة الثورية للجماهير”.(٨٤) مع بروز السبارتاكوسيين، اختفت قشرة السلام بين الطرفين وتراجع هذيان الحماسة الوطنية، مع ذلك، تبع ذلك حملة عسكرية ضد العصبة. انتهت باعتقال المئات، ومداهمة المصانع وتطهيرها من العناصر الثورية، وأرسل الآلاف من العمال إلى الجبهة كعقاب لهم. بقيت الحركة السياسية في المصانع متقدة لبعض الوقت ولكن من دون أي بنية تحتية تنظيمية. أخيراً، بعد اعتقال ليبكنخت يوم ١٠ تموز/يوليو ١٩١٦، انتهى الأمر باعتقال روزا من جديد. فأمضت الأشهر الأولى في معتقل برلين، وبين تشرين الأول/أكتوبر ١٩١٦ وأيار/مايو ١٩١٧ في فرونك قبل نقلها أخيراً إلى فروتسواف حيث بقيت حتى ٩ تشرين الثاني/نوفمبر عام ١٩١٨. وبما أنها تمتعت بوضعية معتقلة سياسية، تمكنت من مراسلة العديد من الأشخاص، وكتبت وقرأت الكثير، على الأقل ضمن حدود ما تسمح به الرقابة. خلال تلك الفترة، بحثت في علم الجيولوجيا وقرأت كما قالت بنفسها: “باهتمام محموم ورضا شغوف”. (٨٥) كما بحثت في علم النبات وعلم الحيوان، ودونت بكل سعادة انطباعاتها. وبطريقتها الفريدة، وصفت في إحدى المناسبات انطباعاتها حول الزهور:

“أعرف جيداً أنواعاً واسعة من الأوركيد. […] إن رشاقتها وأشكالها غير الطبيعية تجعلها تبدو منتقاة ومنحطة. تترك انطباعاً في نفسي، بحيث أن الإعجاب الذي أشعر به تجاهها يقابله شعور مقاومة داخلية، يرافقه انعدام ارتياح، لأنني أعادي كل ما هو منحط ومنحرف. تعطيني نبتة الهندباء متعة أكبر بكثير. إذ تحتوي على أشعة الشمس في لونها […]”. (٨٦)

خلال فترة الاعتقال، وبعيداً عن العلوم الطبيعية، كرست روزا نفسها للأدب. وعملت بجد على فلاديمير غالاكتيونوفيتش كورولينكو، فترجمت سيرته الذاتية.(٨٧) واعتادت القول إن الشعر كان له تأثير علاجي فعلي عليها، وخاصة غوته:

“لا أعرف لماذا تبدو القصيدة الجميلة، خاصة قصيدة غوته، تمارس تأثيراً كبيراً جداً عليّ. في أوقات الانفعالات العميقة يكون الأثر فيزيولوجياً تقريباً، كما لو أنني عندما أشعر بالعطش ويقدم لي مشروباً ثميناً لتهدئة جسدي واستعادة عقلي”.(٨٨)

إلى جانب الأدب والعلوم الطبيعية، أجرت أبحاثاً عن تاريخ بولونيا والثورة الروسية لاحقاً. رسائلها العديدة في تلك الفترة محفوظة، حيث يمكننا الاطلاع على براعة كتابتها التي نقلت جو الحياة اليومية في المعتقل؛ أيامها الجيدة والسيئة، فترات التشاؤم. في رسالة إلى صوفي ليبكنخت يمكننا أن نقرأ عن مزاجها:

“لا بُدَّ من أنّني متوعِّكة لكي استشعرَ بالأشياءِ كُلِّها بهذا العُمق. مع ذلك، يبدو لي أحياناً أنّني لستُ كائناً بشريّاً على الإطلاق، بل طائراً أو حيواناً في هيئةٍ بشريّة. أشعر بالاطمئنان والراحة في حديقةٍ صغيرة كتلك الموجودة هنا، وأكثر منها في المروج التي يَطُنُّ النَحلُ في عُشِبِها، ومن المؤتمرات الحزبيّة التي كنّا نعقدُها. لا بأس إنْ أخبرتكِ بذلك، أعلم أنّك لن تتَّهميني بخيانة الاشتراكيّة! فأنتِ تعلمينَ أنّني أودُّ أن أموتَ في أحد قتالات الشّوارع أو في السِّجن.” (٨٩) [نُشرت ترجمة هذا المقطع في مجلة بدايات، العدد ٢٢ عام ٢٠١٩]

وبعد بضعة أسابيع فقط، بعد أن أنهكت كتبت لها عن قلقها:

“إنّك تبالغين قليلاً في شأن رباطة جأشي. إذ يمكن لأصغر الأشياء أن تعكّر اتّزاني وبهجتي. وعندما يحصل ذلك، فإنّ الكلمات تعجز عن وصف مُعاناتي، لكنّها طريقتي الخاصّة للتألّم في صمت. أعجز حرفيّاً، يا سونيشكا، عن التفوّه بكلمةٍ واحدة. مثلاً، كنتُ في هذه الأيّام القليلة الماضية مسرورةً جذلانة، أستمتع بنور الشَّمس، إلى أنْ هبَّتْ رياحٌ عاتية نهار الإثنين، وفي لحظةٍ تبدَّدَ سروري وغُصتُ في كآبةٍ عميقة”. (٩٠) [عن مجلة بدايات، المصدر نفسه]

على الرغم من تدهور حالتها النفسية والجسدية على نحو متزايد خلال اعتقالها، إلا أنها وجدت بطريقة ما القوة، والتحدي والمعنى للمضي قدماً حتى ولو في أسوأ أيامها. وبهذه الطريقة كررت لصوفي ليبكنخت ما قالته في إحدى المرات لهانس ديفينباخ في بداية الحرب:

“أتعلمينَ يا سونيشكا؟ كلّما طال مُكوثي هنا، وكلّما فاقتْ شناعة الأحداث اليوميّة وفظاعتها كلّ الحدود، أصبحتْ نظرتي أكثرَ هدوءاً وثقة. أقول لنفسي إنّ من العبث تطبيق المعايير الأخلاقيّة على القوى الطبيعيّة العُظمى التي تظهرُ في الإعصار أو الفيضان أو كسوف الشمس. إنّما علينا أن نتقبّلَها كوقائعٍ للاستقراء والاستجلاء، وكمواضيعٍ للدراسة”. (٩١) [بدايات، المصدر نفسه]

لكن ما دفع روزا على نحو خاص في تلك الفترة إلى المثابرة على السياسات الثورية- على الرغم من حياتها الصعبة في المعتقل- كانت الثورة الروسية. بالنسبة لروزا، كنت الثورة الروسية بمثابة انتصار لمواقفها السياسية الراديكالية، وقد فسرتها على نحو خاص على أنها علامة جيدة للتأثير على الاتجاهات الثورية في ألمانيا: إلى جانب ذلك، كشفت الثورة بشكل كامل وواضح عن “مغامرات الامبريالية الألمانية”. (٩٢) وكتبت عن ذلك في نص الثورة الروسية كالتالي:

“إن اندلاعها [الثورة الروسية]، وتجذرها غير المسبوق، ونتائجها المستمرة، تشكل إدانة واضحة للعبارات الكاذبة التي قدمتها الاشتراكية الديمقراطية الرسمية بكل حماسة عند بداية الحرب كغطاء أيديولوجي لغزو الإمبريالية الألمانية. ما أشير إليه هو تلك العبارات المتعلقة بالهجوم الألماني، والتي كانت ترمي إلى إسقاط القيصرية الروسية وتحرير شعوبها المضطهدة”. (٩٣)

على الرغم من أنها بحثت معمقاً عن الأحداث الثورية في روسيا، إلا أن سياق السجن، حتى في أفضل حالاته، لم يكن مكاناً جيداً يمكّن من خلاله متابعة الأحداث المتطورة بسرعة لا تصدق من يوم إلى آخر. تابعت كل شيء بشكل غير مباشر، من خلال المواد النادرة المنشورة، أغلبها في الصحف الألمانية، التي كانت تكتب كل شيء بحذر وبتقشف. لم تظهر لوكسمبورغ ترحيباً واضحاً بالسياسات البلشفية: (٩٤) منذ البداية حاولت جاهدة البحث عن الوضع على الأرض بأقصى قدر ممكن من الدقة والحذر. واهتمت بالنتائج المحتملة لبعض القرارات والتسويات السياسية. وانتقدت لينين وتروتسكي علناً، وخاصة لفهمهما لديكتاتورية البروليتاريا والديمقراطية، وكذلك السياسات البلشفية المتعلقة بمسائل الإصلاح الزراعي والحق بتقرير المصير. (٩٥) بعيداً عن الأحداث الفعلية، كانت غالباً تحت انطباع أن البلاشفة “سيستسلمون بسهولة تحت الضغط”. (٩٦) مع ذلك، فقد شددت في رسائلها على الأهمية الكبيرة لثورة أكتوبر والتقدم الذي أحرزته الجماهير البروليتارية الثورية. أخيراً، وعلى الرغم من انتقاداتها الشديدة لمواقف البلاشفة، وكما اعتقدت، مشكلة “بلانكيتهم الثورية”، علقت أن “انتفاضة أكتوبر لم تنقذ الثورة الروسية فقط، إنما كذلك الاشتراكية الأممية” (٩٧) وأن “المستقبل في كل مكان يكمن في “البلشفية””.(٩٨)

قراءة رسائل السجن التي كتبتها عام ١٩١٨، تشعرك بأن هذا العام كان الأصعب بالنسبة لروزا. لقد أصيبت بمرض خطير عندما كانت ما زالت [معتقلة] في فرونك، في حين خلال [اعتقالها] في فروتسواف ساءت حالتها النفسية-الجسدية بشكل ملحوظ. حصل هذا بكل تأكيد نتيجة عزلها الكامل، والمراقبة الصارمة، والقيود الجديدة، والتدقيق الشديد لرسائلها. إلى جانب ذلك، رفضت المحكمة استئنافها وطلبات خروجها. اشتكت لصوفي ليبكنخت: “رفضت شكواي مع وصف مطول لشرّي وعدم قابليتي للإصلاح، وكذلك طلب تسريحي [من المعتقل]. يبدو أنني سأضطر إلى الانتظار حتى نفوز بالعالم”. (٩٩) متعبة تماماً ومكسورة، كتبت في رسالة أخرى لها: ما نشهده اليوم هو غرق العالم القديم، يوماً بعد يوم يغرق جزء منه تحت المياه، كل يوم تنوجد كارثة جديدة”، (١٠٠) بسبب وضع المعتقل بأكمله وتواصلها الاجتماعي مع الآخرين جعل من وضعها في المعتقل لا يطاق:

“عزيزتي صوفي، لقد كتبت لك أول من أمس. حتى الآن لم أجد أي رد على البرقية التي أرسلتها إلى المستشار الامبراطوري، قد أضطر إلى الانتظار عدة أيام للحصول على رد. ولكن ما هو أكيد تماماً، بحسب مزاجي الحالي، لم يعد بإمكاني تحمل استقبال زيارات أصدقائي تحت إشراف الحرس. […] لإجراء محادثة مراقبة، سيكون مستحيلاً التحدث عن الأشياء التي تهمني وسيكون حقاً شعوراً لا يطاق. أفضل التخلي عن استقبال الزوار حتى نتحرر جميعاً من جديد”. (١٠١)

خلال فترة لم تتصل بها كلارا زيتكين، كتبت إلى لويز كاوتسكي بقلق شديد أنها “تفقد أعصابها” ببطء و”لا تستطيع النوم” من القلق المفرط. وكانت تخشى على نحو متزايد أن شيئاً ما قد حصل إلى زيتكين أو لأبنائها: “لدي ما يكفي من الشجاعة مع ما قد يحصل لي. ولكنني لا أتحمل أحزان الآخرين وكلارا كذلك، إذا “لا سمح الله!” قد حصل شيئاً فإنني أفتقر إلى الشجاعة والقوة”. (١٠٢) إن الرسالة من تلك الفترة تشهد على نحو مؤلم إلى أي مدى كانت حالة لوكسمبورغ سيئة. في ٢٠ تشرين الأول/أكتوبر، صدر عفو عن المعتقلين السياسيين المدانين، وفي ٢٣ تشرين الأول/أكتوبر أطلق سراح كارل ليبكنخت، لكن هذا العفو لم ينطبق على روزا. في الحقيقة، جرى تجديد أمر حبسها في ذلك الوقت بالتحديد. في حين كانت ألمانيا القديمة تنهار، أمضت روزا في الأسابيع القليلة التالية من عقوبتها في المعتقل.

بعد انتفاضة البحارة في كييل يوم ٣ تشرين الثاني/نوفمبر، انطلق إضراب عام في المصانع والسفن خلال أيام قليلة. وعندما أجبر حاكم كييل على التنازل عن مركزه، حكم مجلس من العمال والبحارة المدينة. على الرغم من اقتناع الحكومة الألمانية بأن التمرد كان منعزلاً، فأرسلت- إلى جانب سواه- الاشتراكي الديمقراطي غوستاف نوسكي لـ”استعادة النظام”. انتقلت موجة الانتفاضة وامتدت من مدينة إلى أخرى. بعد كييل، اندلعت أخرى في هامبورغ وبريمين، ووصلت لاحقاً إلى كولن وهانوفر وميونيخ، قبل أن تصل أخيراً إلى برلين يوم ٩ تشرين الثاني/نوفمبر. في اللحظة التي هرب فيها وليهيلم الثاني إلى هولندا وتنازل فيها عن العرش، ترأس رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي، فريدريك إيبرت، حكومة الرايخ الألماني. في ذلك الوقت، باسم الأغلبية الاشتراكية الديمقراطية (حتى ضد رغبات إيبرت نفسه) أعلن فيليب شيدمان قيام جمهورية (برجوازية) من شرفة الرايختساغ. أراد إحباط نية ليبكنخت في إعلان جمهورية اشتراكية، والتي كان قد كشف عنها للتو. وخاصة، بعد حوالي ساعة، أو أكثر، دون علم بفعلة شيدمان سيئة السمعة، أعلن ليبكنخت قيام جمهورية اشتراكية. فعل ذلك الساعة ٤ بعد الظهر، من شرفة قصر مدينة برلين، أمام حشد كبير من العمال. في تلك اللحظة بالذات، أجبرت مجموعة من العمال في فروتسواف إدارة المعتقل على إطلاق سراح روزا. (١٠٣)

لكن مع ذلك، وعلى الرغم من الانتعاشة الثورية وتقدم اليسار، كان الوضع السياسي حساساً جداً، مع استمرار التوترات. من جهة، استعملت القوى الرجعية كل الوسائل الممكنة لمنع تطور الثورة، في حين، من جهة أخرى، كان السبارتاكيون متمسكين دينياً [عصبوياً] بخط تنظيمهم. كان من المهم التأكد من وجود وسيلة عامة متاحة تمكنهم من نقل الأخبار والأفكار يومياً، والتحذير من المؤامرات المضادة للثورة. استولى السبارتاكيون على “صحف الإعلانات المحلية” وأطلقوا عليها اسم العلم الأحمر. (١٠٤) وعندما تأسست الجريدة، واجهت عوائق مستمرة، حتى أن الحكومة الجديدة قننت استهلاك الورق كوسيلة سياسية في الحرب ضد اليسار. أخيراً، صدر العدد الأول يوم ١٨ تشرين الثاني/نوفمبر ١٩١٨، بتوقيع روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنخت بصفتهما رئيسي التحرير. في نشرة العلم الأحمر، شنت روزا هجمات قاسية لمحاسبة أعداء الثورة. تابعت تطورات الثورة ونقاط ضعفها واختراقاتها، مع تركيز كل نقاش على الهدف النهائي- الاستيلاء على السلطة. بذلك، باتت نشرة العلم الأحمر “جزءاً من التاريخ الثوري، شعلة، سوطاً، طلقة تحذيرية”. (١٠٥)

في نشرة العلم الأحمر الصادرة يوم ١٤ كانون الأول/ديسمبر ١٩١٨، نشرت روزا [ما بات] برنامج سبارتاكوس بعنوان (ماذا تريد عصبة سبارتاكوس؟)(١٠٦) عندما عرض البرنامج بعد أسبوعين على المؤتمر التأسيسي للحزب الشيوعي الألماني، أوضحت أنها تريد التأكيد على أفكار البيان الشيوعي من جديد، تماماً كما كتبت في البرنامج:

“في هذه الساعة، الاشتراكية هي الخلاص الوحيد للبشرية. كلمات البيان الشيوعي تتوهج كنبوءة مشعة فوق معاقل المجتمع الرأسمالي المتساقطة: اشتراكية أو بربرية!” (١٠٧)

أدت النقاط الأساسية في برنامج العصبة إلى زيادة الوعي بالوسائل النهائية للدفاع بدم بارد. لقد تصرفت كدعوة موجهة إلى الطبقة العاملة، كنوع من الدعوة الأخلاقية لحمل السلاح ضد “الغضب وسفك الدماء والعنف والقتل السياسي”. (١٠٨) في الصراع بين الحياة والموت، لا يمكن حصول ذلك أبداً، ولكن من خلال هذه العملية، يجب تنمية الوعي بالمسؤولية العميقة عن الوسائل المطلوبة لتحقيق هذه النضالات. لطالما كانت روزا واضحة في أنه “من الغباء والجنون الظن أن الرأسماليين سيوافقون طوعاً على إعلان الاشتراكية”. بالنتيجة، أضافت، “الثورة البروليتارية هي في الوقت نفسه تبشر بالقضاء على العبودية والاضطهاد. ولهذا السبب يقف كل الرأسماليين والإقطاعيين، والبرجوازيين الصغار، والضباط وكل الانتهازيين والطفيليين الاستغلاليين والحكم الطبقي، لشن قتالاً مميتاً ضد الثورة البروليتارية”. (١٠٩)

وتحديداً، في تلك الهبة الثورية التعبوية، والتي أنذرت بالفظائع القريبة للفاشية وارتباطها الوثيق بالامبريالية، ختمت روزا، من دون تردد، برنامج العصبة:

أيها العمال، هبوا إلى النضال، هناك عالم للفوز به وعالم ينبغي هزمه. في هذا الصراع الطبقي الأخير في تاريخ العالم من أجل تحقيق أسمى أهداف الإنسانية، شعارنا في وجه العدو هو: “أصابعنا في عيونهم وركبنا في صدرورهم!”(١١٠)

عندما نشرت نشرة العلم الأحمر برنامج العصبة، تسارعت الأحداث التي شنتها فعلياً الثورة المضادة. في أواسط تشرين الثاني/نوفمبر، عقدت اتفاقية بين إيبرت (زعيم الاشتراكية الديمقراطية) والقيادة العليا للجيش- كان هدفها القضاء على السلطة العمالية في برلين. فوقعت اشتباكات دموية في ذلك الشهر بين القوات المسلحة والعمال. في ساحات التدريب العسكري، تلقت الوحدات الخاصة تدريباً معزولاً تماماً عن المدنيين، وكما وصفهم فروليتش:

“تظهر الصور البنية النموذجية: ضباط وجنود كبار السن جاؤوا من الجبهة التي باتت تعني لهم الاحتلال، والكثير من المجندين اليافعين. ألقي بكل هؤلاء في المذبحة في اللحظة الأخيرة، كعملاق أعمى، مهتاجاً ضد “العدو الداخلي””.(١١١)

أعلنت القوى المناهضة للثورة الحرب على سبارتاكوس. جرى التعامل مع البلشفية والسبارتاكوية على أنهما تهديد خطير على المواطنين. وأعلن بصريح العبارة أن “البلشفية ترغب بأشركة/جمعنة النساء!” (١١٢) وفي مناخ من الترهيب والاضطهاد، دعت الصحف علناً إلى قتل زعماء العصبة. ألصق الجنود على الجدران وعلى الخطوط الأمامية، ملصقات كتب عليها شعارات مثل:

“أيها العمال، أيها المواطنون، الوطن على حافة الانهيار، حافظوا عليه!

إنه ليس مهدداً من الخارج، إنما من الداخل: من جانب مجموعة سبارتاكوس.

اقتلوا قادتهم!

اقتلوا ليبكنخت!

عندئذ سيكون لكم السلام والعمل والخبز”.(١١٣)

انتشرت الاشتباكات الدموية في برلين خلال الأسبوعين الأولين من كانون الثاني/يناير عام ١٩١٩. خلال ليلة ٨٩ كانون الثاني/يناير، تعرضت مكاتب تحرير العلم الأحمر لهجوم بالرشاشات. وكنتيجة لذلك انتقلت هيئة التحرير من مقرها. وكما وصف نيتل، عمّ “جو من الرعب” خلال هذه الأيام. (١١٤) ولأسباب تتعلق بالسلامة، غيّرت روزا عنوانها باستمرار، ولكن هذا لم يمنعها من الكتابة والنشر بشكل مستمر. وظهر مقالها الأخير “النظام يسود في برلين” في نشرة العلم الأحمر يوم ١٤ كانون الثاني. (١١٥) يمكننا الاستنتاج من هذا النص أن روزا كانت مستعدة لكل الاحتمالات وتوقعت أن موتها كان حتمياً وقريباً. يمكننا قراءة كلماتها الأخيرة كرسالة تحتضر، حيث ختمتها بكل بطولة:

“النظام يسود في برلين! أيها الأتباع الحمقى! “نظامكم” مبني على الرمال. غداً “ستنهض الثورة من جديد وتواجه أسلحتكم”، وبوجه ترهيبكم ستصرخ مبتهجة: كنت، وأكون وسأكون! (١١٦)

بعد يوم واحد فقط على نشر هذه الكلمات، في مساء ١٥ كانون الثاني/يناير ألقي القبض على روزا وكارل في أحد عناوينهما الأخيرة في برلين، في شارع مانهايمر. على الرغم من وجودهما في أماكن سرية، إلا أن عدداً كبيراً من المخبرين كانوا يبحثون عن تحركاتهما ليلاً نهاراً. بدأت الرابطة المناهضة للبلشفية التي أسسها البارونات الروس بإطلاق بروباغندا ضد القادة العماليين. كان معهم شبكة واسعة من الجواسيس على امتداد ألمانيا. (١١٧) إلى جانب العديد من المنظمات الأخرى، كان للحزب الاشتراكي الديمقراطي شبكة جواسيسه الخاصة به، كانت تسمى الخدمة المساعدة للحزب الاشتراكي الديمقراطي، القسم ١٤. (١١٨)

بعد أن قامت الوحدة الميليشياوية الألمانية المتطرفة، فريكوربس (فيلق الحرية) باعتقالهما، نقلا إلى فندق إيدن حيث كانت منظمة التجسس العسكري (فرقة حراس سلاح الفرسان) تقيم هناك، إضافة إلى الكابتن فالديمار بابست، اليد اليمنى لـ”المفوض الوطني”، وزير الدفاع الاشتراكي الديمقراطي غوستاف نوسكي، الذي كان دبر عملية اغتيالهما، بما خص قراره بقتل ليبكنخت وروزا، قال بابست خلال استجوابه عام ١٩٦٢، من دون أي ندم:

“في كانون الثاني/يناير ١٩١٩، حضرت اجتماعاً للحزب الشيوعي الألماني حيث تحدثت روزا وكارل. كوّنت انطباعاً بأنهما كانا قائدين فكريين، وقررت قتلهما. بناء على أوامري، ألقي القبض عليهما. […] وألح على أن هذا القرار مشروعٌ أخلاقياً ودينياً”. (١١٩)

على الرغم من اعترافه بإصدار الأوامر بقتل كارل وروزا، إلا أنه لم يوجه أي اتهام ضد بابست. (١٢٠) انطلاقاً من تعليماته، ضرب كارل بالأسلحة حتى بات شبه فاقد للوعي، وأخذوه إلى حديقة تيرغارتن، حيث قتلوه. ونقل جثمانه إلى مشرحة محلية حيث سجل فيها جثة رجل مجهول. بعد كارل، جاء دور روزا. أخذوها من الفندق وضربها جندي بمسدسه مرتين ما تسبب بإصابات شديدة في رأسها. ولأنها لم تمت، أطلق الملازم كورت فوغل رصاصة في رأسها. (١٢١) ونقل جثمانها إلى تيرغارتن ورموه في قناة لاندوير. دفعت المياه جثتها إلى أن رست عند ضفة القناة يوم ٣١ كانون الثاني/يناير ١٩١٩ في حالة متحللة بالكامل ولا يمكن التعرف إليها. دفنت روزا لوكسمبورغ أخيراً يوم ١٣ حزيران/يونيو في مقبرة برلين فریدرایشسفلده.

الهوامش:

1. In: Adler, Hudis and Laschitza (eds.) 2011, p. 329–30.

2. Translator’s note: Where appropriate, descriptive/literal translations of German and Serbo-Croatian titles have been given to give the reader a sense of the titles — this is especially relevant in the third essay. I dedicate the translation to the memory of Eleanor Marx.

3. Hudis 2019, p. Ix.

4. Le Blanc 2019.

5. See Laschitza and Müller (eds.) 2014 Laschitza and Müller

(eds.) 2017.

٦. إضافة إلى النصوص المكتشفة أخيراً لروزا (بعضها غير موقعة أو موقعة باسم مستعار) والمنشورة في المجلدين السادس والسابع من الأعمال المجمعة لها بالألمانية، هناك ٣٠٠٠ صفحة مكتوبة بالبولونية، والتي لم تترجم بعد إلى الألمانية. بما خص الترجمات إلى الإنكليزية من الألمانية والبولونية، والتي تجعل من أعمال روزا في متناول الجمهور العالمي، ينبغي متابعة مشروع نشر كامل أعمال روزا. يخطط هذا المشروع إلى ترجمة كل أعمال روزا (ليس فقط تلك المتوفرة أصلاً بالألمانية، إنما كذلك المكتوبة بالبولونية والروسية واليديشية) في ١٧ مجلداً. حتى الآن نشر [أربعة] أجزاء [في فيرسو بحزيران ٢٠٢٣ تاريخ ترجمة الورقة] Hudis (ed.) 2013 Hudis, Le Blanc (eds.) 2015 Hudis, Fair-Schulz and Pelz (eds.) 2018. See also the companion volume to the series, The Letters of Rosa Luxemburg, Adler, Hudis and Laschitza (eds.) 2011.

7. Nettl 2019, p. 56. Nettl states that the poem, originally written in Polish, is -print-ed in German in Gedenkbuch.

8. Ibid., p. 45.

9. Paul Frölich describes the episode in which Marcin Kasprzak, Luxemburg’s party colleague, carried out a stratagem to organise Luxemburg’s escape across the border. He writes how Kasprzak visited “the Catholic priest of the village and informed him that a Jewish girl wished to become a Christian, but owing to the violent opposition of her family, she could do so only abroad.” In this way, Luxemburg was hidden under straw in a peasant’s cart as it crossed the border. Cf. Frölich 1954, p. 12.

10. Tadić 1974, p. 7.

11. Nettl 2019, p. 63.

12. Cf. copies of Luxemburg’s herbarium: Luxemburg 2009 & 2016.

13. Nettl 2019, p. 65.

14. Cf. Dunayevskaya 1981, chapter VII.

15. Nettl 2019, p. 70.

16. For more and new research on the problems of Luxemburg’s relationship to the Polish Question, see Blanc 2017. Also, it should be added that Luxemburg founded the SDKP, but she did not actually found the SDKPiL. She rather assumed control over it after its founding as a result of a bitter factional dispute with its original leadership. Cf. Hudis 2019, p. xii.

17. Cf. Tadić 1974, p. 8.

18. Nettl 2019, p. 97.

19. Luxemburg 2013.

20. Nettl 2019, p. 106.

21. Ibid.

22. Hudis 2013, p. x.

23. Nettl, p. 111.

24. Ibid., p. 131.

25. Scott 2008, p. 12.

26. Luxemburg 2004, p. 236.

27. Cf. Tadić 1974, p. 8.

28. Cf. Scott 2008, p. 11.

29. Frölich 1994, p. 65.

30. Bernstein 1993.

31. Carl Schorske, cited in: Scott 2008, p. 12.

32. Cf. Tadić 1974, p. 9.

33. Cited in: ibid.

34. Cited in: Lenin 1997, p. 440. Compare with Paul Le Blanc’s more recent analysis of the origin of this quote of Lenin’s: Le Blanc 2019.

35. Frölich 1994, pp. 126–27.

36. Ibid., pp. 127–28.

37. Luxemburg 1974a.

38 Scott 2008, p. 107.

39. Tadić 1974, p. 9.

40. Luxemburg 1975 Luxemburg 2013a. This document has a

complicated history. Rosa Luxemburg began lecturing on economics at the SPD party school in 1907. At this point, she started work on a manuscript giving a comprehensive introduction to economics, but broke off work in 1912 to work on the book The Accumulation of Capital (as noted by Hudis in: Luxemburg 2013a, p. 68.). While imprisoned during World War I she returned to this manuscript, but was not able to finish it before she was murdered by counter-revolutionaries in 1919. Parts of the manuscript may have been lost when her apartment was ransacked by these counter-revolutionaries. Paul Levi then worked to edit what was left of the manuscript and published it in 1925.

41. Luxemburg 1955 Luxemburg 2015a.

42. Frölich 1994, p. 138.

43. At that congress the first meeting of the International Socialist Women’s Movement took place. It then adopted the universal right of women to vote and was responsible for proclaiming International Women’s Day, in Copenhagen in the year 1910. The suggestion for an International Women’s Day was initiated by Luise Zietz, and supported by Clara Zetkin. For more on the first International Women’s Day, see Čakardić 2017.

44. Luxemburg 1911.

45. The Socialist International 1907.

46. Nettl 2019, p. 406–7.

47. The letter can be found in: Adler, Hudis & Laschitza 2011, p. 242–43.

48. Frölich 1954, p. 187.

49. Ibid., p. 186.

50. Ibid., p. 187.

51. Ibid., p. 188.

52. Scott 2008, p. 23.

53. Ibid.

54. Frölich 1954, p. 221.

55 Cited in: Scott 2008, p. 23.

56. Nettl 2019, p. 608.

57. Kautsky 1914.

58. Nettl 2019, p. 609.

59. Ibid., p. 610.

60. Ibid., p. 609.

61. Ibid., p. 610.

62. Cited in: Frölich 1994, p. 208.

63. Liebknecht 1915.

64. Cited in: Frölich 1954, p. 226.

65. Ibid., p. 234.

66. Luxemburg 1915.

67. Kautsky 1915.

68. Luxemburg 2011.

69. Luxemburg 1915.

70. Luxemburg 1974b.

71. Nettl 2019, p. 630.

72. Frölich mentions that the regime’s tightening might have been the result of a conflict between Luxemburg and a prison officer, after which he, supposedly because of her arrogance, hit her on the head with a book. See Frölich 1954, p. 232.

73. Ibid.

74. Ibid., p. 233.

75. See the International Socialist Conference at Zimmerwald, 1915.

76. Cited in: Nettl 2019, p. 643.

77. Ibid.

78. Frölich 1954, p. 235.

79. Luxemburg 2004f, p. 312–13.

80. Ibid., p. 313.

81. Ibid., p. 176.

82. Ibid., p. 177.

83. Cited in: Frölich 1954, p. 242.

84. Ibid., p. 244.

85. Luxemburg 1951, p. 48. This is what she wrote to Sophie Liebknecht from Wroclaw in the middle of November 1917.

86. Ibid., p. 34. This is a part of the prison letter from Wronke addressed to Sophie Liebknecht 1 June 1917.

87. Luxemburg 1918.

88. Luxemburg 1951, p. 38. This is a part of the prison letter from Wronke addressed to Sophie Liebknecht 20 July 1917.

89. Ibid., p. 20. In the letter from Wronke written 2 May 1917.

90. This is the letter written in Wronke on 23 May 1917, in: Adler, Hudis and Laschitza (eds.) 2011, p. 413.

91. Cited in: Frölich 1954, p. 249.

92. Luxemburg 1974c, p. 273.

93. Ibid.

94. Her critique of the Bolsheviks’ role in the revolution was posthumously published by Paul Levi in 1922. However, the Russian Revolution papers had always been “surrounded by legends” and supposedly published as an “inaccurate and incomplete transcript,” as Frölich emphasises: Cf. Frölich 1954, p. 260. However, insofar as we intend to seriously research Luxemburg’s position on the Russian Revolution, it is definitely necessary to consult materials that represent writings that -dir-ectly address the question of revolution, most of all her discussions of the 1905 Russian Revolution, which are presented in the third volume of the Complete Works devoted to this subject, including her writings from 1897 to the end of 1905. Cf. Hudis, Fair-Schulz and Pelz (eds.) 2018.

95. Luxemburg 1974c.

96. Frölich 1954, p. 258.

97. Cited in: Trotsky 1997, p. 450.

98. Luxemburg 2004g, p. 310.

99. Cited in: Frölich 1954, p. 274.

100. Luxemburg 1951, p. 69. In the letter from Wronke written 15 May 1918.

101. This was the letter from 18 October 1918. Cf. Luxemburg 1951, p. 70.

102. Cited in: Frölich 1954, p. 274.

103. Ibid., p. 279.

104. Ibid., p. 284.

105. Ibid., p. 285.

106. Luxemburg 1974d.

107. Ibid., p. 262. In general, the phrase “socialism´-or-barbarism” presented here, was first forged in Junius (“Bourgeois society stands at the crossroads, either transition to socialism´-or-regression into barbarism.” Luxemburg 1974b, p. 175). Luxemburg attributed this phrase to Engels, but more recent research demonstrates that the phrase most likely originated with Karl Kautsky. See Angus 2014.

108. Luxemburg 1974d, p. 264.

109. Ibid.

110. Ibid., p. 269.

111. Frölich 1954, p. 292.

112. Ibid., p. 293.

113. In: ibid., p. 294.

114. Nettl 2019, p. 776.

115. Luxemburg 1974e.

116. Ibid., p. 307.

117. Frölich 1954, p. 319.

118. Ibid.

119. In: Schütrumpf 2008, p. 8.

120. For a more detailed analysis of Rosa Luxemburg’s murder, cf. Gietinger 2019.

121. See the photograph dated 16 January 1919, in which Luxemburg’s murderers were filmed sitting at a table in the Eden hotel,giving a toast saying cheers. In: Nettl 2019, p. 763.

المراجع:

Adler, Georg, Peter Hudis and Annelies Laschitza (eds.) 2011, The Letters of Rosa Luxemburg, translated by George Shriver, London: Verso.

Angus, Ian 2014, “The origin of Rosa Luxemburg’s slogan ‘socialism´-or-barbarism,’” available at: https://climateandcapitalism.com/2014/10/22/origin-rosa-luxemburgs-slogan-socialism-barbarism

Čakardić, Ankica 2017, “Prvi Međunarodni dan žena i ženske revolucije,” Libela, available at: https://www.libela.org/ prozor-u-svijet/8530-prvi-medjunarodni-dan-zena-i-zen-ske-revolucije/. Accessed on: 23 June 2019.

Frölich, Paul 1954, Roza Luksemburg: Misao i delo. Translated by Božana Milekić, Belgrade: Rad.

Frölich, Paul 1994, Rosa Luxemburg. Ideas in Action, Chicago: Haymarket Books. Translated by Johanna Hoornweg.

Gietinger, Klaus 2019, The Murder of Rosa Luxemburg, London: Verso. Translated by Loren Balhorn.

Hudis, Peter (ed.) 2013, The Complete Works of Rosa Luxemburg. Volume I: Economic Writings 1, translated by David Fernbach, Joseph Fracchia i George Shriver, London: Verso.

Hudis, Peter 2014, “The Dialectic of the Spatial Determination of Capital: Rosa Luxemburg’s Accumulation of Capital Reconsidered,” Logos Journal, available at: http://logosjournal.com/2014/hudis/. Accessed on 05 July 2019.

Hudis, Peter 2019, “Introduction. Luxemburg in our time,” in: Nettl 2019.

Hudis, Peter, Axel Fair-Schulz and William A. Pelz (eds.) 2018, The Complete Works of Rosa Luxemburg. Volume III: Political Writings 1: On revolution — 1897–1905, London: Verso. Translated by: George Shriver, Alicja Mann and Henry Holland

Hudis, Peter and Kevin B. Anderson (eds.) 2004, The Rosa Luxemburg Reader, New York: Monthly Review Press.

Hudis, Peter and Paul Le Blanc (eds.) 2015, The Complete Works of Rosa Luxemburg. Volume II: Economic Writings 2, London: Verso. Translated by Nicholas Gray and George Shriver.Laschitza, Annelies and Eckhard Müller (eds.) 2017, Rosa Luxemburg: Gesammelte Werke, Band 7, Berlin: Dietz Verlag.

International Socialist Conference at Zimmerwald, 1915, Manifesto, available at: https://www.marxists.org/history/international/social-democracy/zimmerwald/manifesto-1915.htm. Accessed on: 05 July 2019.

Le Blanc, Paul 2019, “Rosa Luxemburg and the actuality of revolution,” Links — International Journal of Socialist Renewal, http://links.org.au/rosa-luxemburg-actuality-revolution. Accessed on: 23 November 2019.

Lenin, V.I. 1997 [1922], “From ‘Notes of a Publicist,’” in: Rosa Luxemburg Speaks, edited by Mary-Alice Waters, New York: Pathfinder.

Liebknecht, Karl 1915, “The Main Enemy is at Home,” Marxist Internet Archive, available at: https://www.marxists.org/archive/liebknecht-k/works/1915/05/main-enemy-home.htm. Accessed on: 06 July 2019.

Luxemburg, Rosa 1905, “Socialism and the Churches,” Marxist Internet Archive, available at: https://www.marxists.org/archive/luxemburg/1905/misc/socialism-churches.htm. Accessed on: 29 November 2019.

Luxemburg, Rosa 1907, “The Two Methods of Trade--union- Policy,” Marxist Internet Archive, available at: https://www.marxists.org/archive/luxemburg/1907/10/24.htm. Accessed on: 29 November 2019.

Luxemburg, Rosa 1911, “Concerning Morocco,” Marxist Internet Archive, available at: https://www.marxists.org/archive/luxemburg/1911/07/24.htm. Accessed on: 09 July 2019.

Luxemburg, Rosa 1915, “Rebuilding the International,” Marxist Internet Archive, available at: https://www.marxists.org/archive/luxemburg/1915/xx/rebuild-int.htm. Accessed on: 05 May 2019.

Luxemburg, Rosa 1918, “Life of Korolenko,” Marxist Internet Archive,available at: https://www.marxists.org/archive/luxemburg/1918/06/korolenko.htm. Accessed on: 15 July 2019.

Luxemburg, Rosa 1951, Pisma iz zatvora, edited by Gustav Krklec, Zagreb: Zora. Translated by Vera Georgijević.

Luxemburg, Rosa 1955 [1913], Akumulacija kapitala: Prilog ekonomskom objašnjenju imperijalizma, Belgrade: Kultura. Translated by Milan Gavrić.Luxemburg, Rosa 1955a [1915], Akumulacija kapitala, ili, Antikritika: Šta su Epigoni učinili od Marxove teorije, Belgrade: 117 Kultura. Translated by Milan Gavrić.

Luxemburg, Rosa 1974, Izabrani spisi, Zagreb: Naprijed. Translated by Roland Knopfmacher, Hrvoje Šarinić and Ljubomir Tadić.

Luxemburg, Rosa 1974a [1906], “Masovni štrajk, partija i sindikati,” in: Tadić 1974.

Luxemburg, Rosa 1974b [1915], “Kriza socijaldemokracije — Junius-brošura,” in: Tadić 1974.

Luxemburg, Rosa 1974c [1918], “Ruska revolucija,” in: Tadić 1974.

Luxemburg, Rosa 1974d [1918], “Što hoće Spartakov savez,” in: Tadić 1974.

Luxemburg, Rosa 1974e [1919], “Red vlada u Berlinu,” in: Tadić 1974.

Luxemburg, Rosa 1975 [1925], Uvod u nacionalnu ekonomiju, Zagreb: Centar za kulturnu djelatnost omladine. Translated by Žarko Puhovski and Nadežda Puhovski.

Luxemburg, Rosa 1976 [1909], “The National Question,” in: The National Question: Selected Writings, edited by Horace B. Davis, New York: Monthly Review Press.

Luxemburg, Rosa 2003 [1913/51], The Accumulation of Capital, London: Routledge. Translated by Agnes Schwarzschild.

Luxemburg, Rosa 2004a [1902], “A Tactical Question,” in: Hudis and Anderson (eds.) 2004.Luxemburg, Rosa 2004b [1907], “Address to the International Socialist Women’s Conference,” in: Hudis and Anderson (eds.) 2004.

Luxemburg, Rosa 2004c [1912], “Women’s Suffrage and Class Struggle,” in: Hudis and Anderson (eds.) 2004.

Luxemburg, Rosa 2004d [1914], “The Proletarian Woman,” in: Hudis and Anderson (eds.) 2004.

Luxemburg, Rosa 2004e [1899], Letter to Leo Jogiches, Berlin, 19 April 1899, in: Hudis and Anderson (eds.) 2004.

Luxemburg, Rosa 2004f [1915], “The Junius Pamphlet: The Crisis in German Social Democracy,” in: Hudis and Anderson (eds.) 2004.

Luxemburg, Rosa 2004fg [1918–1922], “The Russian Revolution,” in: Hudis and Anderson (eds.) 2004.

Luxemburg, Rosa 2009, Herbarium/Zielnik, Warsaw: Rosa Luxemburg Stiftung — Warsaw.

Luxemburg, Rosa 2011 [1915], “Perspectives and Projects,” in: Discovering Imperialism. Social Democracy to World War I, edited by Richard B. Day and Daniel Gaido, Leiden: Brill.

Luxemburg, Rosa 2013 [1898], “The Industrial Development of Poland,” in: Hudis (ed.) 2013.

Luxemburg, Rosa 2013a [1925], “Introduction to Political Economy,” in: Hudis (ed.) 2013.

Luxemburg, Rosa 2015a [1913], “The Accumulation of Capital: A Contribution to the Economic Theory of Imperialism,” in: Hudis and Le Blanc (eds.) 2015.

Luxemburg, Rosa 2015b [1921], “The Accumulation of Capital, Or, What the Epigones Have Made Out of Marx’s Theory — An Anti-Critique,” in: Hudis and Le Blanc (eds.) 2015.

Nettl, J.P. 2019, Rosa Luxemburg: The Biography, London/ New York: Verso.

Scott, Helen 2008, “Introduction: Rosa Luxemburg,” in: Helen Scott (ed. ), The Essential Rosa Luxemburg: ‘Reform´-or-Revolution’ and ‘The Mass Strike,’” Chicago: Haymarket Books.

Tadić, Ljubomir 1974, “Život i revolucionarno delo Rose Luxemburg,” in: Luxemburg 1974.

The Socialist International, 1907, “Resolution adopted at the Seventh International Socialist Congress at Stuttgart,” Marxist Internet Archive, available at: https://www.marxists.org/history/international/social-democracy/1907/militarism.htm. Accessed on: 23 June 2019.

Trotsky, Leon 1997 [1932], “Hands off Rosa Luxemburg,” in: Rosa Luxemburg Speaks, edited by Mary-Alice Waters, New York: Pathfinder.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وقفة احتجاجية لأنصار الحزب الاشتراكي الإسباني تضامنا مع رئيس


.. مشاهد لمتظاهرين يحتجون بالأعلام والكوفية الفلسطينية في شوارع




.. الشرطة تعتقل متظاهرين في جامعة -أورايا كامبس- بولاية كولوراد


.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي




.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |