الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فنون التسوّل

خليل الشيخة
كاتب وقاص

(Kalil Chikha)

2024 / 1 / 15
الادب والفن


هل هناك فنون للتسول ؟ نعم هناك الكثير من الفنون التي قد تدهش الآخرين، خاصة بعد أن بدأنا نقرأ عن فلان من الناس عاش طوال عمره يتسول، وفجأة انكشف سره أو سرها إذا كانت إمرة وبانت ممتلكتها أو ممتلكاته من الأموال المكدسة من مهنة التسول، وبناء على ذلك وجدت السينما والمسلسلات مادة دسمة لتقديمها للناس كي تتفرج وتتعظ.
عندما أتيت في أوائل الثمانينيات إلى مدينة بوسطن في الشمال الإمريكي، ذهلت عندما رأيت متسولين فيها يستجدون المارين بربع دولار أو أكثر. كيف يكون ذلك وتعد أمريكا من الدول الغنية في العالم والأكثر تقدماً على المستوى التقني. أكتشفت أن هذه ظاهرة موجودة في جميع الولايات والمدن، فهناك شريحة من البشر مصابة بالإدمان على التسول لشراء البيرة والخمور وهي فئة كسولة لاتعمل، فلفظها المجتمع، فعاشت في أركان المدينة، علماً أن الحكومة هنا تعطي مساعدات غذائية لجميع الفئات المحتاجة، وهناك مؤسسات تابعة للكنائس تساعد المحتاجين أيضاً. لكن حتى تعطي الحكومة مساعدات، يجب على المتقدم أن يكون لديه عنواناً وسكناً رسمياً، وهنا المشكلة. فشريحة المتسولون لاتمتلك عنواناً وهم يفضلون النوم في الشوارع والأركان. أي بمعنى آخر هم من هواة التشرد.
في هذه المدينة الصغيرالتي أعيش فيها، يمنع التسول، فعندما يرى الشرطي أحدهم يحمل لائحة كتب عليها: "الرجاء المساعدة... أبحث عن عمل ولا أجد.." يأمرهم مغادرة المكان. وصف أحد الباحثين الإجتماعيين بأن هؤلاء المتسولون مصابون بمرض التشرد.
أما في حمص، فقد أنشأ طبيب أسمه أنيس المصري في منتصف الخمسينيات، مؤسسة ترعى الفقراء وتساعد العائلات المحتاجة، وتعلّم بناتهم في مشاغل الخياطة والتطريز كي يعيشون حياة كريمة دون العوز لصدقات الآخرين. ثم طوّر مشروعاً متكاملاً حيث بنى مشفى وكان يطبّب المرضى الفقراء في عيادته، بحي الحميدية كما أذكر، بالمجان وفتح دار للعجزة أيضاً. وهذا المشروع، كان نوعاً من مؤسسة أهلية للتكافل الإجتماعي. ومازالت هذه المؤسسة قائمة إلى اليوم.
من الفنون التي يلجأ إليها المتسول أو (الشحاد أوالشحاذ أوالشحات) هي أن يُظهِر للآخرين بأنه مسكين عاجز. مثلاً يد مقطوعة أو رجل مبتورة أو عاجز عن المشي وقد تكون أحياناّ خدعة كما تناولته الدراما، وأقول - أحياناً - دون التعميم. أما إذا كانت إمرأة فتصطحب معها طفلاً أو طفلة كي تثير العطف في براءة العيون لهؤلاء الأطفال فيحنّ قلب الناس عليهم. وقد تكون هذه خدعة للأخرين.
رأيت إمرأة أمريكية في هذه المدينة ربطت رجلها بالجص وهي تمشي في زاوية الشارع ذهاباً وإياباً تمسك لائحة كتبت عليها بخط سيء جداً " الرجاء المساعدة... فقدت بيتي بسبب رجلي". ويتصدق عليها البعض. وفي يوم من الأيام يا أعزائي، دخلت مطعم محترم لتناول العشاء، فوجدت هذه المتسولة تجلس مع زوجها وقد اعتمرت طاولتها بكل أنواع الأطعمة وارتدت ثياباً ثمينة، وعندما انتهت، غادرت المطعم دون أن تعرج على ساقها.
مؤخراً، ظهرفي هذه المدينة بعض المسلمين المتسولين، لكن من غير العرب، بعضهم من دول أفريقية أو أسيوية. ربما من اللاجئين التي منحتهم امريكا هذا اللجوء بسبب الحروب والنزاعات في دولهم. الحكومة عادة تعطي مرتب لهؤلاء اللاجئين وتوفر لهم سكن وطعام بشكل شهري، لكن بعضهم يجذبهم الطمّع. فقد شاهدت منذ منذ مدة شاب له لحية داكن البشرة مع طفل بعمر خمس سنوات يقف على زاوية حساسة يحمل لائحة بخط إنكليزي واضح" أبحث عن عمل ولا أجد.. الرجاء المساعدة العاجلة لأجل أطفالي". ثم يلوح بيده للمارين عسى أن يعطفون عليه أو على الطفل الذي معه. وتتميز هذه المدينة بأنها عنصرية إلى حد ما، وهذه العنصرية في أعلى مستواها بين العمال والفلاحين. لكن الطبقة المتوسطة قد تجد منها غير العنصري، فمنهم من يعطي لأجل الطفل، هذا في الصباح، وفي المساء قد تشاهد إمرأة محجبة ومعها نفس الطفل ونفس اللائحة تستجدي الإخرين عطفهم والطفل يلعب وينط بجانبها. علماً أن في هذه المدينة مسجداً ومستعد لمساعدة الأسر المحتاجة، لكن الطمع يستولي على البعض، بيبع كرامته لأنه كسلان لايحب العمل. ويا العجب، فقد دخلت في الصدفة إلى محل أحذية قريب مني فوجدت هذا الشاب وزوجته مع نفس الطفل وقد أشتروا أغلى أنواع الأحذية وخرجوا.هذا نوع من أنواع التسول، بإصطحاب طفل. أما هناك نوع آخر من التسول الوقح والحقير الخالي تماماً من الكرامة. وإليكم هذه الحكاية التي روها لي صديق حميم.
قال: في أحد الأيام، بينما كنت مشغولاً جداً وإذ برسالة على الوتس أب، فيها صوت شخص يعرّف على نفسه بأنه فلان وهو قريبي، يقول لي بما معناه: أنا فلان.. قريبك.. كيفك... أنا لي عندك حق منذ 15 سنة، فأني أصلحت لك خشبة وثبتها بمسمار، ثم أني حملت في طفولتي منذ 40 سنة ثلاث أرطال من الرز إلى أهلك بالمجان، ونتيجة لذلك وبناء عليه أريد منك 300 دولار، أرسلها لي بالعجل دون كسل أو تباطؤ أو محاولة التهرب" . وتابع صديقي يروي لي: والشخص هذا لم أره في كل زياراتي لسوريا، وجلست أتذكر متى دق بسمار في الخشبة ومتى رأيته. عندما وجدت أن الرسالة كلها عبارة عن نوع من التسول الوقح وانعدام في الفهم والأدب، تجاهلتها. لم يتوقف عند هذا الحد، فقد بدأ يرسل لي رسائل فيها الكثير من الغضب والصراخ يطلب حق له كنت قد هضمته من قبل. وعندما أنتهى صديقي، قلت له ضاحكاً أن ذلك القريب يطالب بحقوقه المهدورة إضافة إلى الفوائد المترتبة لكل هذه المدة.
أخيراً، هناك بعض الناس الذين يدوسون على كرامتهم ويتسولون بطريقة مهينة أو وقحة، لكن هناك آخرين يفضلون الموت على أن تمس كرامتهم بالإستجداء والخداع، وهناك آخرون يتحّولون لقطاع طرق قبل أن يستجدون الرأفة عند الآخرين.
كانون ثاني-14-2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمود حميدة عدم وجود قانون لصناعة السينما وراء غياب كبار الس


.. لينا شماميان: أستعد لحفل الموسيقى العربية.. وهعمل مشاكل با?




.. محمود حميدة من مهرجان وهران لابد من وجود قانون ينظم صناعة ال


.. قفزة إيلون ماسك المفاجئة على المسرح خلال تجمع انتخابي مع ترم




.. خطأ كارثي.. عرض فيلم -إباحي- أثناء رحلة طيران