الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب السياسي وتعزيز رأس المال الاجتماعي

همام طه

2024 / 1 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


أول شروط القائد الناجح هو امتلاك الرؤية أو الحلم، والشرط الثاني هو قدرته على إيصال وإيضاح هذه الرؤية للجمهور ومشاركتها معهم وتجميعهم حولها ونيل ثقتهم وتحريك الطاقات والمشاعر والإمكانات باتجاه تنفيذ الرؤية. والخطاب السياسي هو أداة السياسي في التواصل مع جمهوره وشرح رؤيته وترميم رأس المال الاجتماعي الذي تضرر نتيجة الأزمات والمعاناة التي عاشها المجتمع. إن رأس المال الاجتماعي (Social Capital)‏ هو مصطلح اجتماعي يدل على قيمة وفعالية العلاقات الاجتماعية في ازدهار الحياة الاقتصادية والاجتماعية وبعبارة أوضح يشير إلى دور قيم التعاون والثقة في تحقيق الأهداف الاقتصادية والتنموية (1). وقد تعرّض رأس المال الاجتماعي في العراق لنكبات وخسائر نتيجة الضرر الذي أصاب التماسك الاجتماعي ومنظومة القيم بفعل عقود من الحروب والأزمات والصراعات الداخلية والخارجية فلم يعد هناك إيمان حقيقي وواسع بالمصلحة العامة وخدمة المجتمع والتنمية الشاملة وشاعت النزعات الأنانية والنعرات الطائفية والمكوناتية والفئوية. بمعنى أن السؤال الذي تطرحه هذه المقالة هو: كيف يمكن أن يوظف رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني خطابه السياسي لتعزيز رأس المال الاجتماعي القائم على قيم التعاون والثقة والتفاؤل والأمل واستثماره في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة؟! كيف يمكن للخطاب أن يكون رافعة للتنمية ومعبّراً عن الإرادة العازمة وليس فقط النوايا الطيبة للحكومة؟!
تقول الباحثة الجزائرية راضية بو بكري في دراستها الموسومة "الخطاب السياسي: الخصائص واستراتيجيات التأثير" إن الخطاب السياسي خطاب إقناعي، حِجاجي، يتخذ من اللغة، والسياسة فضاءً له، تتجلى من خلالهما خصائصه الإقناعية، والحِجاجية، والإنسانية، وتضيف الباحثة أن من تعريفاته أنه نشاط إنساني يتخذ أوضاعاً تواصلية متعددة، ووسائل متنوعة، ويهدف إلى إقناع شخص، أو مستمع، أو جمهور ما، بتبني موقف ما، أو المشاركة في رأي ما، كما أن موضوع الخطاب السياسي، بحسب بو بكري، باعتباره خطاباً إقناعياً هو دراسة تقنيات الخطاب، التي من شأنها أن تؤدي بالأذهان إلى التسليم، بما يعرض عليها من أطروحات، أو أن تزيد في درجة ذلك التسليم (2). بمعنى أن الخطاب السياسي يتميّز بالمنطقية والجدلية والأخلاقية؛ فهو منطقي وأخلاقي ضمن السياق الثقافي/الاجتماعي الذي ينتمي إليه، فالمنطقية والأخلاقية نسبية وتختلف من مجتمع أو من تيار لآخر. وهو جدلي لأنه يدافع عن فكرة و/أو يدحض فكرة أخرى.
وفي بلد مثل العراق، وفي ظروف مثل ظروفه، يؤدي الخطاب السياسي دوراً مهماً في الحياة السياسية والاجتماعية والتنموية. ويتعاظم دور الخطاب حين يصدر عن رئيس السلطة التنفيذية لما يتمتع به هذا المنصب من صلاحيات وتأثير في رسم السياسات الوطنية وصناعة القرار. وقد اعتاد رئيس مجلس الوزراء على استثمار العديد من المناسبات للتأكيد على التزام الحكومة بمنهاجها الوزاري وسعيها لتنفيذ بنوده مهما كانت المعوقات والتحديات لا سيما في مجال الخدمات والتنمية والإعمار. وهذا التأكيد المستمر على التنمية والبناء وعلى الالتزام بالرؤية والمنهج هو نقطة إيجابية تُحسب للخطاب السياسي لرئيس الحكومة لأن توخّي الهدف هو أهم مبدأ من مبادئ الحرب كما يقول القادة العسكريون، والعراق يخوض حرباً حقيقية على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية وينبغي على السوداني أن يديم زخم العمل ويحافظ على التركيز على الهدف الجوهري للحكومة وهو خدمة المجتمع وتعزيز التنمية الشاملة وتنشيط الحياة العامة.
إن أهم عنصر في الخطاب السياسي الناجح لرئيس حكومة في ظروف السيد السوداني هو بناء الثقة وصناعة الأمل وتعزيز رأس المال الاجتماعي، وبحسب الأكاديمي السعودي توفيق السيف فإن «رأس المال الاجتماعي» يشير إلى مجموعة الأعراف والمفاهيم والقيم المشتركة بين أعضاء المجتمع، والتي تشكل أرضية للتفاهم والتشارك فيما بينهم، ولتمتين شبكة العلاقات الاجتماعية وتحقيق التشارك في الأعمال والأموال والأفكار والمصالح، من أجل تحقيق الأهداف المشتركة للمجتمع، ومن هنا فهي تمهد لفعل جمعي منسجم، يزيد من كفاءة وفاعلية النظام الاجتماعي (3). ويحذّر السيف من تلاشي مشاعر التفاؤل وشيوع التشاؤم، فإن ذلك يؤدي إلى الإضرار برأس المال الاجتماعي لا تعزيزه فيتراجع العمل الجمعي والاهتمام بالمصلحة العامة وينصرف كل فرد إلى التفكير بأنانية والبحث عن خلاص فردي، بل حتى الهروب من الواقع الذي يعجز عن مواجهته وتغييره (4).
ولذلك ينبغي أن يركّز خطاب رئيس مجلس الوزراء على تعزيز مشاعر التفاؤل ونبذ التشاؤم مع المحافظة على المصداقية والجدّيّة والواقعية بما يؤدي إلى نمو رأس المال الاجتماعي وازدهار العمل الجمعي ومشاركة أفراد المجتمع في تطوير وتحسين الحياة العامة والارتقاء بالمجتمع وتحقيق نهضة شاملة ذلك أن الخطابات السلبية المتشائمة وتبادل الاتهامات بين السياسيين والتسقيط والتسقيط المقابل، وتبادل التشكيك بين قوى السلطة وقوى المعارضة ملأت نفوس الجمهور بالريبة وانعدام الثقة في أي شخص يتولى المسؤولية، أو ينادي بالتغيير، وقد أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تفاقم أزمة الثقة وخسائر رأس المال الاجتماعي في المجتمع العراقي وهذا سيعيق أي سعي حقيقي للتغيير فالتغيير صعب بل مستحيل في ظل تناقص منسوب قيم الثقة والتعاون والتفاؤل والأمل في المجتمع (5).
وعليه، فإن التنمية هي كلمة مفتاحية في الخطاب السياسي الناجح، وأوضاع الاستقرار السياسي والاجتماعي النسبي التي يعيشها العراق اليوم هي فرصة مؤاتية للحكومة لقيادة المجتمع نحو التنمية والبناء، والخطاب السياسي هو أداة مهمة من أدوات القيادة التنموية الرشيدة. فمن واجب السيد السوداني أن يقنع الجمهور العراقي بأن ثمّة أمل في المستقبل وأن العراق قادر على النهوض برغم ثلاثية الفساد والفشل والفوضى التي تكبّله من كل جانب، فالطاقات موجودة والكفاءات موجودة وما زال العراق يمتلك رصيداً هائلاً من رأس المال البشري والفكري والثقافي والمعرفي والاجتماعي ولكن كل هذه الموارد بحاجة إلى رؤية تنموية جامعة وشاملة وخطاب سياسي يثق به المواطنون والمواطنات من قيادة تؤمن بالتنمية والعمل والمثابرة والإبداع والعدالة والمساواة وكل القيم الأخلاقية التي تشكّل أساساً لعملية التنمية والنهضة ويشكّل الإيمان بها والالتفاف حولها جزءاً أصيلاً من رأس المال الاجتماعي.
المصادر:
1- موسوعة ويكيبيديا: رأس المال الاجتماعي
2- الخطاب السياسي: الخصائص واستراتيجيات التأثير/ راضية خفيف بو بكري/ مجلة دراسات وأبحاث الصادرة عن جامعة الجلفة
3- صناعة الكآبة/ توفيق السيف/ صحيفة الشرق الأوسط اللندنية
4- المصدر رقم (3) نفسه
5- المصدر رقم (3) نفسه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل