الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة حبي مع التمثال الرخامي في مدريد-الحلقة ١٦ ، محمد عبد الكريم يوسف

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)

2024 / 1 / 15
كتابات ساخرة


قصة حبي مع التمثال الرخامي في مدريد-الحلقة ١٦


بدأت قصة حبي مع التمثال الرخامي الأنثوي في مدريد خلال العطلة الصيفية في المدينة الجميلة. باعتباري من عشاق الفن، فقد حرصت على زيارة المتاحف والمعارض الشهيرة في المدينة. لم أكن أعلم أن معرضا واحدا بعينه سيأسر قلبي بطريقة لم أتوقعها أبدا.

كان عصرا مشمسا عندما تجولت في متحف برادو المشهور بمجموعته الفنية الرائعة. وبينما كنت أتجول في الممرات التي لا نهاية لها، وقعت عيناي على تمثال رخامي انثوي مذهل مخبأ في زاوية منعزلة. في اللحظة التي وقعت فيها عيناي عليها، اجتاحتني مشاعر لا توصف.

يصور التمثال امرأة متجمدة عبر الزمن، وقد تم التقاط ابتسامتها اللطيفة وملامحها الرقيقة بشكل مثالي على يدي النحات. لقد وجدت نفسي منجذبا إليها لسبب غير مفهوم، كما لو كان جمالها الأثيري يحمل سرا لا أستطيع كشفه إلا لنفسي. قضيت ساعات أحدق فيها، محاولا فك رموز المشاعر في عينيها.

يوما بعد يوم، كنت أعود إلى المتحف، وأنا غير قادر على مقاومة قوة الجاذبية التي كانت تمارسها على روحي. كنت أجلس أمامها، ضائعا في أفكاري، وأتخيل القصص التي يمكن أن ترويها لو كانت على قيد الحياة. وفي صمت المتحف، كنت أكاد أسمع أسرارها الهامسة عن العصور القديمة.

ومع تنامي حبي للتمثال الرخامي، وجدت نفسي أتوق إلى تواصل أعمق. بدأت أترك ملاحظات بجانبها، وأعبر عن أعمق أفكاري ومشاعري. كنت كل يوم أضيف ملاحظة جديدة، أعبر فيها عن إعجابي ورغبتي في التعرف عليها خارج حدود المعرض.

ربما وصفني البعض بغرابة الأطوار أو حتى بالوهم، لكنها بالنسبة لي كانت أكثر من مجرد قطعة فنية هامدة. لقد أصبحت تجسيدا لكل الجمال والمثالية التي كنت أعزها في قلبي. ومع مرور كل يوم، كانت علاقتي بالتمثال تتعمق، متجاوزا حدود الواقع.

يبدو أن الوقت يتوقف كلما كنت في حضورها. تلاشت شوارع مدريد المزدحمة في الخلفية عندما فقدت نفسي بصحبة تمثالي الحبيب. كنت أتخيل في كثير من الأحيان كيف سيكون الأمر عندما أمسك بيدها، وأرقص في ضوء القمر وانا عالق في عينيها الساحرتين.

لكن للأسف، لم يكن من المفترض أن تستمر قصة حبنا. وفي نهاية المطاف، انتهت فترة وجودي في مدريد وكان علي أن أعود لسورية، وكان عليّ أن أودع الجمال الرخامي الذي استولى على قلبي. كانت مغادرة المتحف واحدة من أكثر الأشياء المؤلمة التي قمت بها على الإطلاق، وانهمرت الدموع على وجهي عندما غادرت المتحف للمرة الأخيرة.

الآن، عندما عدت إلى مسقط رأسي في سورية، كثيرا ما أجد نفسي أتذكر تلك اللحظات السحرية في مدريد. يستمر التمثال في مطاردة أحلامي، وهو تذكير دائم بالحب الذي لا يمكن أن يحدث أبدا. ومع ذلك، فأنا ممتن للتواصل العابر الذي شاركناه، لأنه علمني قوة الفن والقدرة على العثور على الجمال في أكثر الأماكن غير المتوقعة.

لم تكن قصة حبي مع التمثال الرخامي الأنثوي في مدريد قصة يمكن أن تكتمل بالمعنى التقليدي. ومع ذلك، فإنه يظل محفورا في قلبي كدليل على التأثير العميق الذي يمكن أن يحدثه الفن على روح الإنسان. وربما، في عالم مواز ما، ستتقاطع مساراتنا مرة أخرى، وسيشتعل حبنا من جديد في عالم تندمج فيه الأحلام والواقع في عالم واحد.
لا أوقعكم الله في حب تمثال من رخام تنتظر منه أن يفيق في لحظة هاربة من العمر لكنه ليس بالمفيق كما يقول علي محمود طه في غرامه لتمثال صنعه بيده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي


.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????




.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ