الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحية إلى أبناء نيلسون مانديلا

علي فضيل العربي

2024 / 1 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


ما قامت به حكومة جنوب إفريقيا في رفعها دعوة ضد الكيان الاسرائيلي في محكمة العدل الدوليّة بـ ( لاهاي ) سابقة تاريخية و إنسانيّة تُحسب لبلاد الزعيم الثوري الخالد نلسون مانديلا . و هي عدوة عجزت عن القيام بها حكومات أمّة إقرأ ن التي يزيد عدد (غاشيها ) عن المليار و النصف . و هو دليل – رغم وجود علاقات دبلوماسية بينها و بين تل أبيب . لقد استطاعت جنوب إفريقيا أن تتجاوز المصالح الاقتصادية و تضرب بها عرض الحائط ، و انتصرت للقيّم الإنسانيّة النبيلة ، و على رأسها نصرة المظلوم مهما كانت جنسيته و موقعه و لونه و لغته و هويته ، و الوقوف في وجه الظالم مهما كانت قوته و هويّته . لقد عانت جنوب إفريقيا من الميز العنصري ( الأبارتايد ) عقودا من الزمن ، منذ الغزو الاحتلال الهولندي و الاستيطان الغربي . و ذاق أهلها مرارة التعذيب و التقتيل و التطهير العرقي و الإبادة الجماعيّة ، و خبروا قساوة الظلم و العبوديّة . فلا غرو أن تُقدم حكومة جنوب إفريقيا ، و تكون السبّاقة في المطالبة بمحاسبة مجرمي الحرب الصهيونيّة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة و الضفّة الغربيّة .
و ما يثلج الجوانح حقا ، تلك المرافعة التي أدّها المحاميّة الجنوب إفريقيّة ، عديلة هاشم ، بكل اقتدار و مهنيّة و موضوعيّة و روح إنسنيّة شفّافة ، مقرونة بأدّلة دامغة و وقائع ثابتة ، نقلتها كاميرات العالم ، و شاهدتها عيون الأحرار عبر كوكبنا الأرضي إلاّ تلك العيون العمياء او الحولاء ، و تفاعلت معها الضمائر الإنسانيّة الحرّة ، الحيّة إلاّ تلك الضمائر التي رانت الله عليها أكاذيب الصهاينة وأوهامهم و أنبائهم المزيّفة .
و ممّا جاء في مرافعة المحامية الجنوب إفريقية عديلة هاشم ، عضو الفريق الجنوب الإفريقي في محكمة العدل : " غزّة التي تُعدّ واحدة من أكبر الأماكن كثافة سكانية في العالم ، هي موطن حوالي 2.3 مليون فلسطيني نصفهم تقريبا أطفال . خلال 96 يوما الماضيّة خضعت غزّة لما وُصف بأنّه واحدة من أشدّ حملات القصف في تاريخ الحرب الحديثة . الفلسطينيّون في غزّة يُقتلون بأسلحة و قنابل إسرائيليّة من الجوّ و البرّ و البحر ، كما أنّهم معرّضون لخطر الموت الفوري ، بسبب الجوع و العطش و الأمراض ، نتيجة للحصار المستمّر من قبل إسرائيل ، و تدمير المدن الفلسطينيّة و عدم كفاية المساعدات المسموح بها للوصول إلى السكان الفلسطينيين ، و استحالة توزيع هذه المساعدات المحدودة أثناء سقوط القنابل "
لعلّ العالم الغربي المؤيّد للصهاينة تأييدا مطلقا ، و على رأسه الولايات المتّحدة الأمريكيّة و انجلترا ، يستفيق من رعونته ، و يستعيد وعيه ، و يثوب إلى رشده ، و يضع الحقيقة في موضعها . و إنّه لمن مصلحة العالم الغربي أن يدرك – قبل فوات الأوان – الخطر الذي تمثّله الإيديولوجيّة الصهيونيّة على شعوب العالم جمعاء . و يعي العقلاء أنّ الفكر الصهيوني لا علاقة له بالملّة اليهوديّة – الموسويّة ، و لا بالإبراهميّة التي تروّج لها بعض الأقلام لثقافيّة الغربيّة و المنابر السياسيّة ، بهدف ترسيخ فكرة التعايش السلمي في الشرق الأوسط ، و ترجمة فكرة حلّ الدولتين على مبدإ الأرض مقابل السلام . و هي أفكار يوتوبيّة و مساع فاشلة سلفا ، لأنّ قائمة في نيّتها و غايتها على تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة ، و على رأسها إخماد روح المقاومة في نفوس الأجيال الفلسطينيّة ، إضافة إلى زرع ثقافة النسيان و إعدام الذاكرة و الاستسلام للأمر الواقع .
لقد عرّت الهجمة الشرسة على أهل غزّة الوجه الحقيقي البشع للصهيونيّة العالميّة - التي يريد الغرب و أذنابه من المطبّعين العرب و المطبّلين - و هو وجه عمل الغرب و سعى بكل الوسائل الماديّة و المعنويّة و الأخلاقيّة إلى تجميله في غرف الزيف و الخداع ، و تقديمه للعالم في صورة أفلاطونيّة مثاليّة . و إنّه لمن المؤسف حقّا أن يصدّق العقل الغربي الأوهام و الأساطير و التقاريرالزائفة و يتغاضى ، بل يتعامى عن تصديق صور المجازر المروّعة و الإبادة الجماعيّة في غزّة الأبيّة . إنّ صهاينة القرن الواحد و العشرين قد أطهروا للعالم - بقصد أو بدونه – أنّهم على استعداد تام لتدمير البشريّة و تعجيل يوم القيامة بحجّة حقّ الدفاع عن النفس . فقد ألقت طائراتهم الحربيّة المصنّعة في الولايات المتصنّعة الأمريكية و دول الغرب ، آلاف الأطنان على رؤوس السكان الأبرياء ؛ من الأطفال و الرضع و النساء و الشيوخ ، ثم يأتي قادة الصهيونيّة إلى وصف جيشهم بأنّه أكثر أخلاقيّة في العالم . فكيف كان سيفعل بأهل غزّة لم يكن كذلك ، كما زعم قادة الكذب و التزييف ؟ إنّه ، فعلا ، كما قالت العرب قديما ( شرّ البليّة ما يضحك ) ، و إنّه لضحك مؤلم لوطأة المأساة الفظيعة . إنّهم يكذبون كيّ يصدّقهم الغافلون ، عملا بمقولة غوبلز ( اكذب ، اكذب حتى يصدّقك الآخرون ) .
لقد أفحم فريق الدفاع الجنوب إفريقي بالدلائل الدامغة و الحقائق الثابتة المدعمة بالصور و المشاهد ، الفريق الصهيوني ، الذي ظهر مرتبكا ، قلقا ، ضائعا كجرذ في بالوعات لندن العتيقة . أمام هيئة المحكمة الدوليّة ، لكونه لا يملك ، في ملّفه ، ما يمكن أن يغطّي شمس الحقيقة ، و ينفي جناية الإبادة لجماعيّة و التطهير العرقي في غزة . و هو الذي أضاع محاميّه البريطاني بعض أوراقه و هو في الطريق إلى المحكمة للمرافعة ، و اختلطت عليه العبارات و الجمل و الكلمات . إنّه لمنظر يترجم ما وصلت إليه الفلسفة الغربيّة المتطرّفة والمتعجرفة .
إذا لم تسمّ الهجمة الصهيونيّة على الفلسطينيين في غزّة من جيش الهجوم الصهيوني - و ليس جيش الدفاع كما يزعمون – إبادة جماعيّة ، فما هي الوصفة المناسبة و التسميّة العادلة لها ؟ إذا لم يكن الحصار العسكري و المادي على غزّة ؛ قطع مواد الماء و الكهرباء و الدواء و الغذاء ، و منع دخولها من المعابر المعلومة ، كمعبر رفح ، إذا لم نسمّه هذا كلّه إبادة جماعيّة ، فما هي التسميّة اللائقة به ؟ فإذا لم نسمّها كذلك ، نكون قد ارتكبنا جناية لغويّة ، مصطلحيّة . مفهوميّة . لقد تعوّد الفكر الغربي المتطرّف على تزييف هويّة الآخر ، و سلب حقوقه اللغويّة ، و محو حسناته ، و إلصاق السيّئات به . إنّ الشرق - في نظر الغرب – هو منبع التطرّف و الإرهاب و الكراهيّة ، و هو مصدر الشرّ و التهديد . بينا الحقيقة أنّ الغرب هو المعتدي الحقيقي على الشرق . و هو الذي قام بتهجيرالصهاينة و بعض اليهود المغرّر بهم إلى فلسطين ، و بثّ فيهم روح العداوة للعرب و المسلمين و النصارى الفلسطينيين . و صوّر لهم فلسطين أرضا للميعاد ، و جنّتهم الموعودة .
و الحقيقة ، أنّ غباء الصهاينة و طمعهم و خبث سرائرهم ، أعمتهم عن إدراك المغزى من وعد بلفور ، و هو تهجير اليهود من أوربا و التخلّص منهم ، بعدما أثخنوهم تعذيبا و قتلا و إبادة . و ها هم الصهاينة يرتكبون ، بكل عنجهيّة و رعونة ، الإبادة التي تعرّض له أسلافهم بعد سقوط الأندلس و أثناء الحرب العالميّة الثانيّة على أيدي الصليبيين المدعومين بالفكر الكنسي المتطرّف .

حسنا ، لنفترض أنّ حماس منظّمة إرهابيّة و دمويّة ، و أن الفلسطينيين القاطنين بقطاع غزّة كلّهم إرهابيّون ، هل هذا يبيح لقادة الجيش الصهيوني " الذي يوصف بأنّه جيش دفاعيّ أكثر أخلاقيّة في العالم " أن يمارس الإبادة الجماعيّة و يحوّل غزّة إلى محرقة أشدّ اضطراما من المحرقة النازيّة .
و لنفترض أنّ أهل غزّة وحوش حيوانيّة - كما نعتهم أحد أعضاء مجلس الحرب الصهيوني – و قطعان من الذئاب و الثعالب ، هل يبيح ذلك قتلهم و إبادتهم بالشكل الوحشي . إنّه لمن العجب العجاب أن يرتكب الصهاينة جرائمهم الفظيعة على مرأى من العالم ، الذي يتشدّق بالحريّة و حقوق الإنسان و الحيوان .
إنّ منطق القوّة الضاربة و العنجهيّة و الساديّة و الاستعلاء ، هو الذي يزجي أساطيل الولايات المتحدة و غلمانها الغربيين في خوض غمار البحار و المحيطات البعيدة عن مياهها الإقليميّة و أراضيها ، و كأنّها تمتلك تفويضا من شعوب الأرض كلّها . و لا أدري كيف يسير هذا التناغم بانسجام بين الجمهوريّة الديمقراطيّة الأمريكيّة من جهة و الصهيونيّة من جهة أخرى ، بين الحريّة و الاستبداد ، بين حقوق الإنسان و الإبادة الجماعيّة . هل أصيب الغرب بالعمى أمام هذا الجنون الصهيوني ؟ أم أذهب عقله سحرة فرعون ؟

إنّ ادّعاء الصهاينة بأنّهم ساميّون ، لا أساس له من الصحّة ، و لا تؤيّده سلوكاتهم و أخلاقهم و جرائمهم في حق الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعة عقود . إنّ الساميّة براء من الصهاينة ، بل ما أبعد هذا الكيان الصهيوني عن الملّة اليهوديّة ، الموسويّة ، و العرق السامي . هل من شيّم السامييّن إبادة الأطفال و النساء و الرضع الحدّج و الشيوخ و المرضى و الأسرى ؟ هل من أخلاقهم قنبلة البيوت و العمارات الآهلة بالسكان ليلا و نهارا ، و دون أدنى تمييز ، بحجة محاربة الإرهاب ؟ إنّ مناظر الضحايا المقطّعة أجسادهم ، تهت الركام ، و المبعثرة أشلاؤهم يمينا و شمالا ، ليدمي القلوب ، و لو كانت من حجر . إنّه دليل دامغ على مقدار الحقد و البغضاء و الكراهيّة التي يكنّها الصهاينة للجنس البشري . لقد فاقت درجة الجنون . و أذهلت أحرار العالم شرقا و غربا جنوبا و شمالا . و السؤال الذي سيبقى عالقا ، إلى أن يثبت العكس : هل يمكن أن يعيش الشرق الأوسط و العالم في سلام و طمأنينة و تعاون في ظلّ فلسفة دمويّة رعناء ؟ إنّ للحروب أخلاق ، مهما كانت دوافعها و غاياتها ، إلاّ هذه الحرب على غزّة ، فقد تجرّدت من كلّ خلق إنساني ، و بدت و كأنّ مضرمي نيرانها ، من الصهاينة صمٌّ ، بكمٌ ، عميٌ ، قد فقدوا عقولهم و عواطفهم و بصائرهم .
و أخيرا أجدّد التحية لدولة جنوب إفريقيا ، و لفريقها القانوني الذي أبدع في مرافعته ، و أظهر للعالم صورة ناصعة للإنسانيّة الحقّة ، التي لا يقف في وجهها البعد الجغرافي و لا الاختلاف الإثني و الإيديولوجي و الديني . إنّها آية من آيات التراحم و التكافل و المواساة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران