الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قلبي معك يا مدينة الفقراء

عمار السواد

2006 / 11 / 25
حقوق الانسان


ليس هنالك اسوء من استهداف الفقراء، ولا يوجد في تاريخ البشرية جرائم ابشع من تلك التي تنال من الناس العزل من دون السماح لهم بالدفاع عن انفسهم. انها الجرائم التي تهز الضمائر الحية، وليس لها ما يبررها. هذا ما يحدث في العراق تحديدا. فطريق تفجير سيارات مفخخة في تجمعات غالبا ما تكون لمدنيين، وكثيرا ما يكون المستهدف عمالا او باعة متجولين هو نموذج صارخ لتلك الجرائم.
تكرر هذا المشهد، لكنه احيانا بلغ مديات تثير مزيدا من الاسى والغضب، وتعبر عن روح شريرة تحكم الفاعلين، وعن مدى بؤس المستهدفين، وهو ما حدث فعلا في مدينة الصدر. سبع انفجارات في غضون ثلاث ساعات تستهدف هذه المدينة ومداخلها، واشلاء من الجثث مبعثرة، ودماء صبغت الارض وما فوقها، فقراء ينتشلون جثث اشباههم، واصحاب يهرعون لنجدة صحبهم، واقرباء يبكون ذويهم، منظر مبك، يثير في النفوس مشاعر غضب وحزن عميقة.
ليس في مدينة الصدر ما يسر الناظرين، فهي تجمع للفقر، وهي مدرسة للالم، وهي كتاب يحكي حزنا طويلا وآلافـا من القصص المبكية.
عاش هذا الجزء من بغداد، ويومها كان يسمى بالثورة، املا حقيقيا وهو يراقب تمثال صدام يتهاوى، ونظامه يتفكك، وحزبه يهرب. وهو امل ارتبط بحلم الكثير من العراقيين بغد سعيد، ترقص فيه الحمائم والنسور سويا دونما خوف، وتنأى الغربان بعيدا عنها. ولا اعتقد ان حيا من احياء بغداد كان سعيدا بالقدر الذي اسعدت فيه هذه المنطقة. فلم يكن صدام يعني بالنسبة لها اكثر من الطاغية الذي جعلهم دوما تحت مطرقة بطشه، ولم يكن بالنسبة اليها سوى عدو لمتناقضين احببتهما، هما عبد الكريم قاسم ومحمد الصدر. ولم ترتبط معه سوى برباط وهمي يضعه دكتاتور يحكم شعبا.
فهي لم تخسر بذهاب الدكتاتور اي شيئ سوى اغلالها، وبانهيار نظامه انطلق ابناؤها باتجاهات عديدة، تصل الى حد التناقض والتناشز بينها، فاصحاب المواهب ترجموا بحرية مواهبهم، والباحثين عن رزقهم انطلقوا باتجاه اسواق بغداد ليكون لهم قول فيها، ومتدينوها باتجاه اقامة شعائرهم بطريقتهم الخاصة، واصحاب الاموال، وما اقلهم فيها، ليستثمروا اموالهم بعيدا عن صرعات النظام وامراضه، وشبابها بحثا عن حياة افضل من دون ملاحقات بالعسكرية او جيش القدس، ومثقفوها ليملئوا صفحات الجرائد ومنتديات الفكر والشعر. وفي المقابل انطلق الفوضويون فيها ليسطوا على مؤسسات الدولة ومباني الحكومة وقصور الحاكم، ومجرموها للبحث عن اساليب جديدة في الجريمة،. فكانت الثورة مدينة تنطوي على متناقضات البيئة الشعبية المحرومة.
ولكن ذلك الامل وتلك الانطلاقة تحولا بالتدريج الى كابوس جديد، كابوس مرعب لابناء هذه المدينة، بدأت بوجود جهات حالت بينها وبين حرياتها المدنية، ومن ثم افعال القوات الامريكية وهي تهاجم تيار مقتدى الصدر، واستمرت لتواجه ضغوط التفجيرات، وها هي اليوم تواجه حربا ارهابية وتصفيات طائفية.
فبعد ان كان ابناء هذه المدينة اسرى احقاد صدام وحزبه، اضحوا الان هدفا اساسيا لحماقات المجرمين من تنظيم القاعدة والتنظيمات السنية الاخرى، اضافة الى انهم واقعين، شاؤا ام ابو، تحت رحمة اندفاعات شباب شيعي لا يرى الا حدود منظار عينيه، تؤجج عواطفه وسلوكه الرؤى الدينية، وتنسيه ضرورة عدم التعرض بسوء لحريات الناس.
ان هذه المنطقة، التي توقعت من لحظة التغيير ان تكون بداية حقيقية لرفاهية ابنائها وسلامة امنها واستقرار دموع الامهات فيها، ما زالت تعاني وتدفع الثمن.
عزيت اصحابي من هذه المدينة وانا انظر الى عيونهم مغرورقة بالدموع، او اصواتهم تجهش بالبكاء. فتذكرت اني دموعي يجب ان تلتقي بدموعهم، وحزني يجب ان يلتقي بحزنهم، فلي اصحاب كثر في هذه المدينة، لم التق الا بالقليل من امثالهم، احسست بقربهم وكأني بين اهلي، ولا يبدو ان الغريب بين ناسها يدفع ثمنا يدفعه الغرباء في احياء اخرى من بغداد، ولكن يا للاسف الفقر اصبح مداعاة لمآس اخرى عاشتها هذه البلدة المحطمة... فسلام على الثورة وتحية لكل الطاقات التي تزخر بها.

24-11-2006
البصرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد


.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال




.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا


.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة




.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم