الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأثير الواقع النفسي للشاعر في اتساق اللفظ والمعنى مع واقعه قراءة-متعجلة-في قصيدة الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي في رثاء والده-إلى جنّة الخُلْدِ بغيْرِ حسابِ-

محمد المحسن
كاتب

2024 / 1 / 16
الادب والفن


(هل يمكن للحزن أن يستريح في قلب شاعر؟)

سَأَلوني لِمَ لَم أَرثِ أَبي /وَرِثاءُ الأَبِ دَينٌ/ أَيُّ دَين أَيُّها اللُوّامُ ما أَظلَمَكُم/أَينَ لي العَقلُ الَّذي يُسعِدُ أَين..(أحمد شوقي)

-‘العبرات كبيرة وحارة تنحدر على خدودنا النحاسية.. العبرات كبيرة وحارة تنحدر إلى قلوبنا’. (ناظم حكمت).
-أبي قد تلوْتُ الوَفا مِن كتابِي/وأوقدتُ مصباحَ شوْقي بِبابي/دعوتُ الإلهَ القديرَ،حَبيبي/بَجنّاتِ عَدْنٍ إليْكَ،ثوابي (د-طاهر مشي)

لطالما أنهكنا الإنتظار ونحن نترقّب بشغف إطلالة الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي،كي نستمتع بإحدى قصائده الرومانسية ونرقص طربا على ايقاعاتها العذبة..وكان لنا ما أردنا مرارا..هكذا يكون حالي وأنا أنتظر قصائد هذا الشاعر السامق..لكنه هذه المرة لم يأت كبستاني يسقي ورود الحياة في قلوبنا التي عبثت بها الأحزان..وينثر على محبي الشعر أجمل القصائد الغزلية..أتى هذه المرة وفي جعبته قصيدة تحز شغاف القلب..وتوقظ كل الأحزان المعتقة والهاجعة خلف شغاف قلوبنا..
عندما يكتب هذا الشاعر الكبير د-طاهر مشي تتجلى قصائده عذوبة وصدقا ومهارة ،فهي كالموسيقي تجعل الجميع يعيش جوها،وعرفنا لماذا هي وحدها أغنية..
وهنا..الحزن هنا أيضاً صار أغنية،أبكاني المعنى وعانق بحنوّ كل الأحزان المختبئة في ركن قلبي المنسي,وأظن أنه يمتلك من الأذرع الطويلة ما يحتضن كل أحزان الآخرين أيضاً.
تعالوا معي نبدأ القطاف في موسم حزن الشاعر العظيم..
لأن حالة الحزن عندما تكون كبيرة فإن الإنسان أكثر ما يذكره هو الموت..
شاعر امتلك ناصية الحرف فشد الوثاق اليه،وامتلك بيان الصورة الشعرية الراقية والتي تكاد أن تكون شخوصا تتكلم نحسها وندركها..اصطحب الحزن أطلقه نشيجا رقيقا ولكنه لم يتسع لأن يكون صامتا،فأتى صوته نداء الروح حين تستفز الوجَع،ليزودها بارتعاش الحرف في حنايا الحزن..وصهيل الجرح..
رحل والده (رحمه الله) إلى الماوراء حيث نهر الأبدية ودموع بني البشر أجمعين،فأسرج من دموعه قناديل،وجعل منها نقطة ضوء تضيء عتمات روحه التي تشظت..أقول تشظت..فالمصاب جلل..
إلى جنّة الخُلْدِ بغيْرِ حسابِ

أبي قد تلوْتُ الوَفا مِن كتابِي
وأوقدتُ مصباحَ شوْقي بِبابي
دعوتُ الإلهَ القديرَ،حَبيبي
بَجنّاتِ عَدْنٍ إليْكَ،ثوابي
وغُفرانِ ذنْبِ الحياةِ جميعا
لِيَغْدو جَزاكَ كَخَيْرِ صَحابي
فَيَغدو بِيُمناكَ نورُ اليَقينِ
وَعِطرٌ يفوحُ بأحْلَى الثّيابِ
وتلقى الرسولَ الجميلَ المُحيّا
بِوَجْهٍ صبوحٍ ،بِغَيْرِحِسابِ
وتحْظى بِأحْلى ثوابٍ مَهيبٍ
ونفرحْ بحُكْمٍ عَلِيٍّ ،مُجابِ
فَرُحماكَ ربّي بِعَبْدٍ فقيرٍ
أتاكَ رضِيّاً نقِيّ الجِرابِ
ولبّى نداءَكَ في كلِّ حينٍ
أجَنّاتُ عدْنٍ يكونُ جَوابي؟
فما من خلودٍ بدُنيَا الزّوالِ
فإنّي على العَهد أتلو كِتابي
سنلقاكَ يوماً إذا ما اصْطفانا
إلاهُ الخلودِ الغفورِ المُهابِ
أبي قد نذرتُ الدُّعاءَ لِرَبّي
فَمن غيرُ ربّي لِعَتْقِ الرِّقاب؟
الطاهر مشي
يحترق المعنى في أتون الغياب لتبقى الكلمة شاهدا و(الوالد المسافر إلى رحاب الله عبر الغيوم) نداء يحتضن صداه قصيدة ناشدها الغياب فاستجابت القوافي لتكون قفلة ونوتة موسيقية تعبر عن شجن الشاعر واختفاء الكلمة الاسم ليبقى المعنى وجعا ينزف سؤالا مطرزا بالإيمان بقضاء الله وقدره..وتذوب فيه الأنا.
ما من خلودٍ بدُنيَا الزّوالِ
فإنّي على العَهد أتلو كِتابي
سنلقاكَ يوماً إذا ما اصْطفانا
إلاهُ الخلودِ الغفورِ المُهابِ
أبي قد نذرتُ الدُّعاءَ لِرَبّي
فَمن غيرُ ربّي لِعَتْقِ الرِّقاب؟
ختاما أتساءل: هل فعلاً الشعر حقيقة مؤلمة،لا بأس بذلك،لكن علينا أن نتذكر أن ألم هذه الحقيقة،يشد الإنسان دائماً إلى روحانيته،إلى نوره الخاص،ليعيشَ الحياةَ مفعما بالإيمان..رغم قسوة الواقع و..لسعة الموت..
هذه هي الخلاصة التي خرجت بها من قراءة هذه القصيدة المتميزة بألمها والتي جعلتنا جميعا شركاء في الحزن والألم..
والسؤال :هل يمكن أن يستريح حزن في قلب شاعر موجوع؟
ويظل..السؤال حافيا،عاريا ينخر شفيف الروج..
صبرا جميلا..يا شاعرنا الكبير..وجنة الخلد..مثوى مريح لوالد أحبّ الله..فأحبّه..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا