الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل واشنطن مؤهّلة لرعاية أي عملية سلام في فلسطين أو الشرق الأوسط؟.

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2024 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


حينما كنتُ في أوائل الثمانينيات أدرس الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة “سانت جون” العريقة في نيويورك، لطالما كانت تحصلُ نقاشاتٍ داخل القاعة حول كل القضايا العالمية الساخنة.. وطبعا بمشاركة الأستاذ المُحاضِر..
كانت منطقة الشرق الأوسط، وقضية فلسطين، دوما على رأس القضايا الساخنة.. بل كل تلك القضايا كانت عابرة، بينما قضية فلسطين، واحتلال إسرائيل لها، وللأراضي العربية الأخرى، كانت، وبقيت دائمة..
كنتُ استغلُّ أية فرصة داخل الصف كي أشرح وأوضّح حقيقة الأمور، ساعيا لإقناع الطلاب الأمريكان بأن مشكلتنا مع الولايات المتحدة هي بانحيازها الأعمى إلى جانب إسرائيل، ودعمها المطلق لها عسكريا وسياسيا، على حساب الحق الفلسطيني والحق العربي، مما يشجعها دوما على العدوان ورفض الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 .. ورفض قيام دولة فلسطينية..
.. وأن الاحتلال هو أكبر انتهاك لسيادة أي دولة، وأكبر انتهاك لحقوق الإنسان.. وأننا لسنا أعداء للولايات المتحدة بل هي من تعادينا، بسياساتها ومواقفها هذه..
نتناقش ونتناقش وندور في حلقة مفرغة.. فالعالمُ بالنسبة لهم كان طرفين فقط، طرفٌ محسوبٌ على الاتحاد السوفييتي، وطرفٌ محسوب على الولايات المتحدة..وهم ضد الطرف الأول مهما كان على حق..
كنتُ أواجهُ عقولا مغسولة تماما بالإنحياز الأعمى لإسرائيل.. وأقول في سرّي هؤلاء هُم من سيكونون النُخب السياسية مستقبلا في ولاياتهم، وعلى مستوى الولايات المتحدة ويشغلون المناصب، فكيف إذا للسياسة الأمريكية أن تتغيّر في فلسطين والشرق الأوسط..
كنتُ ألحظُ مدى دفاع الطلاب الأمريكان عن سياسات بلدهم، ِمهما كانت عدوانية، وحتى لو احتلّت جزيرة غرينادا، أو شاركت في القتال مع بريطانيا ضد الأرجنتين وإعادة اغتصاب جزُر المالفيناس التي تبعد أكثر من 8000 ميل عن بريطانيا.. ومدى افتخارهم بنظامهم السياسي الذي يعتبرونه (الأفضل) بالعالم.. ومع ذلك كان يمكن أن تقنعهم بتغيير رأيهم في أي قضية في العالم، إلا حينما يتعلّق الأمر بإسرائيل، فيدافعون عنها وكأنها الولاية الأمريكية الحادية والخمسين..
يناقشنوك، ويتفاعلون في النقاش، ولكنهم يريدون منك أن تُغيِّر أنت رأيك، لا هُم..
ولذا حينما قيل لوزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت، دعونا نعالج السياسة السورية الأمريكية، بمعزل عن الصراع مع إسرائيل، ضحكتْ وقالت، هل أنتم تمزحون؟
أي لا يمكن أن يتعاملوا معك إلا من خلال عيون إسرائيل، ورضا إسرائيل.. حتى لو جاءت رئيسة مجلس النواب (كما نانسي بيلوشي سابقا)أو أي وزير خارجية، أو أي رئيس (كما نيكسون أو كلنتون، أو كارتر) إلى دمشق، فهم يأتون وكأنهم مبعوثين لإسرائيل، ويسعون لإقناعك أن تغيِّر رأيك بإسرائيل على حساب كل شيء..
طبعا نحن نتحدث عن النُخب السياسية الأمريكية، وليس عن الشعب الأمريكي.. فهذاعموما شعب بسيط، كما أي شعب، لاسيما أن الشعب الأمريكي هو جاليات مهاجِرة من كل أصقاع المعمورة..
ومن هنا كنتُ، وما زلتُ أقول، أن الولايات المتحدة غير مؤهّلة لرعاية أي عملية سلام في المنطقة.. فلا يمكن للشخص أن يكون هو الخصم وهو الحَكم بذات الوقت..
هذا هو الحال مع الولايات المتحدة.. فهي الخصم في فلسطين ضد الفلسطينيين والعرب.. فكيف لها أن تكون راعية سلام؟ هذا غير ممكن.. إلا إذا عادت الولايات المتحدة واستندت على قرارات الأمم المتحدة كأساس لأي حل في المستقبل.. أو على الأقل طبّقت مبادرة السلام العربية المعروفة..
**
الولايات المتحدة هي من احتكرت عملية السلام في فلسطين، ولكنها فشلت في ذلك فشلا ذريعا..
والسبب معروف وواضح، وهو أنها لم تكُن حَكَما نزيها ولا مُحايدا، وإنما طرفا رئيسا في الصراع.. ولذا كانت على الدوام جزءا من المشكلة وليست جزءا من الحل..
فلم ترى في أي وقت سوى مصالح إسرائيل، متجاهلة بالكامل مصالح الفلسطينيين والعرب..
**
منذ عملية طوفان الأقصى، قام وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكن) الذي تفاخرَ علنا أمام الشاشات، وبغباء دبلوماسي غير مألوف، أنه جاء لإسرائيل ليس كوزير خارجية فقط وإنما كيهودي.. قام بأربع جولات في المنطقة، آخرها كانت جولته ما بين 5 و 11 كانون ثاني/ يناير 2024 ، والتي شملت على التوالي: تركيا واليونان، والأردن وقطر والإمارات والسعودية، وإسرائيل والضفة الغربية والقاهرة ..
بدأها بتركيا، حيث انتظار الموافقة على انضمام السويد للناتو، ويبدو هذه الموافقة أضحت قريبة، بعد أن حصد أردوغان مقابل ذلك ما استطاع، وتراجع عن موقفه بربطِ الموافقة على عضوية السويد، بمحاكمة نتنياهو وقادة الحرب في إسرائيل على جرائمهم في غزّة.. فاتّضح أن موقفهُ كان بازارا، وتجارة في مأساة أهل غزّة، ونوعا من الابتزاز للولايات المتحدة ودول الناتو، لا أكثر، ليحصل على ما يريد..
ومتى كان أردوغان صاحب مبدأ !.
هدف الجولة حدّدهُ المتحدّث بإسم الخارجية الأمريكية (ماثيو ميللر) بما يلي:
عدم انتشار الحرب في غزة إلى دول المنطقة،
وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع مناطق غزّة، واتخاذ خطوات لحماية المدنيين،
الخطط الإسرائيلية للانتقال إلى المرحلة التالية من العمليات، وكيفية عودة الفلسطينيين إلى منازلهم (طبعا التي دمرتها إسرائيل بالسلاح الأمريكي)..
خفض التوترات في الضفة الغربية،
عودة الأسرى الذين تحتجزهم حماس،
كيفية مواجهة الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر،
والرؤية لإدارة قطّاع غزة بعد نهاية الحرب..
**
غير واضح مدى نجاحه في تحقيق هذه الأهداف، والتي يمكن القول أن أبرزها كان هو الخشية من توسُّع نطاق الحرب إلى دول أخرى..
ولكن المفارقة أن بلينكن وبعد يوم فقط من مغادرته المنطقة، في 11 كانون ثاني / يناير، قامت بلاده بذاتها بتوسيع نطاق الحرب، وشنّت عدوانها على اليمن في اليوم التالي، فَجْرَ الجمعة 12 كانون ثاني / يناير.
لقائهِ مع الرئيس محمود عباس كان متوترا، كما سرّبت الأخبار.. ولا أعتقد أن لقاءاته مع القيادات في قطر والإمارات والسعودية والأردن والقاهرة، كانت مجدية كثيرا..
لأن الهدف الأساس لكل الدول العربية والعالم، هو وقف شلال الدم في غزة، وهذا ليس من أولويات بلينكن، الذي رفضت بلاده أي وقف لإطلاق النار من خلال الفيتو في مجلس الأمن.. وقد سمح لنتنياهو بعدة أسابيع أخرى لإنهاء الحرب، ولكن جواب نتنياهو كان، أن الأمر يحتاج لأشهر..
فلِمن ستكون الغلبَة لكلام بلينكن، أم كلام نتنياهو؟.
طبعا لِكلام نتنياهو..
فنتنياهو يرأس اليوم تحالف حكومي أشدُّ تطرفا من التحالف الحكومي عام 2009 والذي كان يضمُّ حينها أفيغادور ليبرمان رئيس حزب “ إسرائيل بيتنا” المتطرف.. ويبدو ليبرمان (حمامةً اليوم) أمام سموتريتش، وابن غفير..
فنتنياهو كشفَ في 14 حزيران / يونيو عام 2009 في خطابه في جامعة بار إيلان، أو وكْرُ الأفاعي، كما يصفها البعض (لأنها تتبنّى طروحات اليمين المتطرف، وتُخرِّج المتطرفين، ومنهم إيغال عمير الذي اغتال إسحاق رابين، وفيها مركز بيغين السادات للدراسات الإستراتيجية الذي يلعب دورا كبيرا في رسمِ سياسات إسرائيل) كشف في ذاك الخطاب عن كل مخططاته وبرامجه بشأن مسيرة السلام، وحسمَ مسألة توطين اللاجئين خارج فلسطين، واعتبار القدس عاصمة ابدية للدولة اليهودية، وموافقته على إقامة (دولة فلسطينية) منزوعة السلاح بشروط إسرائيلية، موضحا أن كل ارض تقعُ تحت سيطرة الفلسطينيين يجب أن تكون منزوعة السلاح، أي بلا جيش، ومن دون سيطرة في الأجواء، مع ترتيبات أمنية ناجعة تمنع دخول أسلحة لتلك المناطق مع مراقبة فعلية. ولا يمكن للفلسطينيين إبرام أحلاف عسكرية، وعليهم الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية..
اليوم المتطرفين في حكومة نتنياهو، تجاوزوا كل تلك الطروحات نحو المزيد من التطرف، وموجةُ تطرف ديني يهودي غير مسبوقة..
فمنهم من يدعو إلى تهجير أهل غزة، كما سموتريتش وابن غفير، وهناك من يدعو إلى ضرب غزة بقنبلة نووية، كما وزير التراث عميحاي إلياهو..
وهناك من يدعو صراحة للعودة إلى مكة، كما الحاخام آفي ليبكن، ومنهم من يدعو إلى احتلال سيناء حتى نهر النيل، ويقول هذه جزءا من أرض إسرائيل، كما الحاخام عوزي شارباف، ومنهم من يقول حدودنا ستمتدُ وسوف نأخذ مكة والمدينة وجبل سيناء، كما الحاخام العسكري في وحدة ناحل، عميحاي فريدمان..
فلماذا اشتد التطرف باضعافٍ من العام 2009 وحتى العام 2023؟.
الجواب ببساطة بسبب التخاذل العربي وارتخاء العرب وفتحهم الأبواب لإسرائيل على مصاريعها، كلما تشددت أكثر .. لذلك سقط ما تبقى من الهيبة العربية..
**
جولة بلينكن كانت كما جولة أي وزير خارجية لإسرائيل، للدفاع عن إسرائيل وبرامجها وسياساتها.. وحتى لو كان هناك بعض الاختلاف في وجهات النظر ببعض المقاربات والأساليب، ولكن لا يوجد أي خلاف مع إسرائيل..
تصريحات بلينكن كانت واضحة، في القاهرة وغيرها، أن إدماج إسرائيل في المنطقة، هو من سيفتح الطريق نحو إقامة دولة فلسطينية.. يعني ليس العكس..
أي يا عرب طبِّعوا مع إسرائيل، واندمجوا معها في بوتقة واحدة، وبعدها يكون الحديث عن دولة فلسطينية.. أي ضع العربة قبل الحصان..
قمة النفاق والمراوغة والاستخفاف بالعقل العربي.. هذا ما قاله الأمريكان قبل التطبيع بين مصر وإسرائيل، من أن التطبيع سوف يفتح الطريق لإقامة دولة فلسطينية، وتبيّن أن ذلك كان مراوغة واحتيالا..
وقالوه في فترة مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، أن هذا سيفتح الطريق لإقامة دولة فلسطينية، وتيّن أن ذلك كان مراوغة واحتيالا.
وقالوه بعد اتفاق أوسلو، وتبيّن أن ذلك كان مراوغة واحتيالا.. وقالوه بعد التطبيع مع الأردن، وتبين أن ذلك كان مراوغة واحتيالا.. وقالوه بعدالاتفاقات التي اخترعوا لها اسم (الاتفاقات الإبراهيمية) وتبين أن ذلك كانت مراوغة واحتيالا..
بل كل ذلك لم يُزِد الإسرائيليين سوى تطرفا وتشددا، فأصبحنا اليوم أمام أقصى أقصى اليمين المتطرف، وليس فقط اليمين المتطرف..
ويتابع بلينكن كلامه المراوِغ في إسرائيل فيقول (أننا نعمل بشكل عاجل لصياغة مسار نحو السلام والأمن الدائمين في المنطقة، وأن تقديم دعوى ضد إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية يصرف انتباه العالم عن كل هذه الجهود الهامة، وأن تهمة الإبادة الجماعية لا أساس لها)..
كَم سمعتُ هذه العبارة من الأمريكان في مجلس الأمن الدولي.. كلما تقدمت دولة ما بطرحٍ مخالفٍ للطرح الأمريكي، فدوما هذه العبارة جاهزة: هذا يصرف انتباه العالم عن الجهود الهامة نحو السلام.. والحقيقة لم تكن هناك جهود في أي وقت نحو السلام، وإنما كل الجهود كانت نحو الاستسلام، وضياع الحق الفلسطيني والعربي..
إذا الكلام واضح، هو يعمل على صياغة مسار جديد للحل، يعني مسار أوسلو الذي تم التوقيع عليه في قلب البيت الأبيض، صرفوا عنه النظر..
مزيد من المراوغة الأمريكية، والتمييع للقضية.. والوعود والتسويف.. ثم يقولون لك، لماذا حصل طوفان الأقصى !.
المراوغ بلينكن هو نموذج عن شخصية شايلوك.. ولكن لا ألوم غير العرب...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل صغيرة منسية.. تكشف حل لغز اختفاء وقتل كاساندرا????


.. أمن الملاحة.. جولات التصعيد الحوثي ضد السفن المتجهة إلى إسر




.. الحوثيون يواصلون استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل ويوسعون ن


.. وكالة أنباء العالم العربي عن مصدر مطلع: الاتفاق بين حماس وإس




.. شاهد| كيف منع متظاهرون الشرطة من إنزال علم فلسطين في أمريكا