الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحدث الساخن في رواية -تراتيل في سفر روزانا- نزهة الرملاوي

رائد الحواري

2024 / 1 / 16
الادب والفن


الحدث الساخن في رواية
"تراتيل في سفر روزانا"
نزهة الرملاوي
اللافت في الأدب الفلسطيني أنه يرصد ما يجري من أحداث ويقدمها بصورة أدبية، توثق الأحداث، مما يجعل القارئ يتعرف على ما يجري من خلال الأدب، "من يطلع على كتابات "نزهة الرملاوي" يجد أنها كاتبة منتمية لفلسطين ولشعبها، من هنا نجد كل ما تكتبه متعلق بفلسطين، إن كان قصة قصيرة، أو رواية، أو قصص للأطفال، وحتى نصوصها النثرية، هذا على صعيد المضمون، أما على صعيد اللغة فهي تستخدم لغة أنثوية ناعمة رغم قسوة وقتامة المضمون، وهذا يخفف على القارئ من قسوة الأحداث، وفي الوقت ذاته يوصل الفكرة بصورة أعمق وأرسخ.
أما على صعيد السرد فنجد أنها أعطته ل"روزانا" الساردة الرئيسية و"لنورا ولبيسان" وإذا علمنا أن الشخصيات النسائية تفوقت على الرجال عددا وفاعلية نصل إلى نتيجة أننا أمام رواية نسائية، تهتم بقضايا النساء، وما طرحها لحالة "نورا" وهروبها من بيت (العنكبوت) الذي نصبه لها زوجة أبيها "فريدة" وشقيقها العميل "فريد" ووصولها سالمة إلى بيت أمها وشقيقتها "بيسان" وإخبار الأجهزة الأمنية بعمالة زوجة الأب وشقيقها للموساد، واعترافهما بالجريمة إلا انتصارا للمرأة "نورا" وقدرتها على التحدي والمواجهة.
وأخذا أخذنا الشكل الذي قدمت به الرواية سنجد أن هناك العديد من الأغاني والقصائد والزجل الشعبي خاصة ذلك المتعلق بالشهداء مما جعل شكل الرواية سهل التناول وفيه من المتعة ما يخفف من حجم الدمار والقتل الذي جاء في الأحداث، إذن نحن أمام رواية قاسية/مؤلمة لكن الشكل الأدبي واللغة والشخصيات ساهمت في التخفيف من حدة القتامة الكامنة في الأحداث.
الحرب
قدرة الفلسطيني على مواكبة الأحداث يُعبر عن المخزون الإبداعي الكامن فيه، فرغم أن الساردة "روزانا" حددت زمن الأحداث في2008، إلا أن هناك العديد من الشواهد تؤكد أنها تسرد ما يجري في غزة أثناء معركة طوفان الأقصى 7/10/2023، وهذا ما سنؤكده لاحقا، وبما أنها جعلت مكان الأحداث "غزة" التي ربطتها "بالقدس" وتحدثت عن الحرب وما تتركه من مواجع ودمار وتدمير، كل هذا يجعلنا نقول إن رواية "تراتيل في سفر روزانا" كتبت أثناء طوفان الأقصى، أو أن جزءا من فصولها كتب أثناء الحرب، وهذا يحسب للرواية التي جاءت ساخنة ومواكبة للعدوان الذي يشنه الاحتلال على غزة الآن.
أديبا على الكاتب/ة إيجاد مدخل مقنع للحديث عن الفكرة/الموضوع المراد طرحه، وهذا ما فعلته الساردة حينما أقرنت ميلاد بطلة الرواية "روزانا" بالحرب: "ضاق المكان بفرح جدتي حين حملتني، خرجت لتشتري علبة من الحلوى من الكشك الذي يبعد أمتارا عن باب المشفى، تناولت علبة الحلوى من البائع، وهمت بالرجوع، أمطرت السماء قنابل مع حبات المطر، فباغتت رؤوس المارة، وطيرتهم من المكان، كانت القنابل تتهاوى، فتحول الأجساد إلى أشلاء متناثرة" ص15، هذا الأجواء لازمت "روزانا" حتى نهاية الرواية، وكأنها تقول أن ميلاد الفلسطيني يؤرخ بالحرب، وطفولته حرب، ومراهقته حرب، وشبابه حرب، وشيخوخته حرب، وما وجود الحرب في كافة فصول الرواية إلا تأكيدا لهذه الحقيقة: "ما اشقى حياتنا، ما عرفنا غير الحروب، وشهداء تلو شهداء، فالحرب ى تفرق بين الصالح والطالح، حتى الأجنة في بلادنا يقتلون قبل الولادة، والمساجد تهدم.. والمدارس تمسح دماء أطفالها عن الأدراج والمقاعد" ص49، بهذه الفقرة تكتمل الصورة التي أرادت الساردة تقديمها عن الحرب، عن فلسطين وما يجري فيها ولشعبها، وما على المتلقي إلا أن يتوقف عندها.
التحولات الجسدية والنفسية
ما يميز الرواية أنها تحدثت عن التحولات الجسدية والنفسية التي لازمت "روزانا" في مرحلة النضوج وأثناء الحرب: "ها أنا أكبر، وتكبر فيّ أنوثتي، يكبر انبهاري بذاتي أمام مرآتي... ولكم سألت نفسي: هل كبرت حقا؟ لا بد وأن أدفع ثمن انتقالي المفاجئ من الطفولة إلى سمن البلوغ، يجب أن أترك اللعب أمام بيتنا كأطفال الأزقة الذين يلعبون هنا، فلا ساحات ولا أراجيح تحمل أجسادنا.. من العيب أن أطلق لصوتي العنان، ...سألم شعري المنسدل عليه غطاء أبيض، يقيه من عيون الناظرين" ص19و20، هذا الطرح يؤكد للقارئ أن الساردة تتكلم عن نفسها كأنثى حقيقية وليست متخيلة، مما يوصل/يجعل أحداث الرواية تبدو حقيقية له، وأعتقد أن هذه الواقعية هي ما أرادة إيصالها لنا، فهي تسرد أحداث ساخنة، وما صدور الرواية في هذا الوقت إلا من باب حرصها على إيصال صوت الفلسطيني المحاصر في غزة إلى العالم، فحجم المعاناة لا يترك مجالا للتريث أو البقاء في حالة السكوت.
الاحتلال
بما أن "روزانا" تتحدث عن حرب فلا بد من الحديث عما يقوم بها، من هنا نجد الاحتلال وأفعاله الإجرامية في كل فصل من فصول الرواية: "سلبوا بلادنا، هجروا أجدادنا بالمجازر والحروب، حققوا حلمهم بدولة من النهر إلى البحر، نعم يا أنا، نحن أيضا في معسكر إبادة، هذه الحرب الرابعة، بل الخامسة وربما السادسة، حرب مجنونة لا تنتهي، حرب مبرمجة لحصارنا وقتلنا دون توقف" ص90و91، في هذه المقطع تشير "روزانا" إلى دولة الاحتلال بصورة واضحة وإلى ما فعلته وتفعله في فلسطين وشعبها، بحيث لا يبقى لبسا عند المتلقي في إجرام وعدون المحتل الذي يعمل في كل حرب على تدمير وقتل كل ما هو فلسطيني: "أسرعت الجرافات إلى المكان، قام الناس بإزالة الحجارة والحوائط المهدمة، انتشلوا أجساد صغاره وزوجته، وراح ينبش الأتربة المتراكمة عن الجثث لعله يجد نفسا متحايلا على الموت، لكنه أخفق في حساباته، فوجدها متفحمة ساكنة، بلا حراك" ص100، هذا المشهد لازم كل الحروب التي شنها العدو على غزة، فتدمير البيوت على من فيها نهج ثابت ودائم يقوم به المحتل: "عشرت الجثث تنام تحت أنقاض البيوت" ص137، فالساردة تؤكد وحشية المحتل من خلال إصراره على تدمير البيوت على من فيها، وما تكرار الحدث في أكثر من موضع، إلا من باب حقيقة الاحتلال كمجرم حرب.
واقعية العدوان على غزة
رغم أننا أمام رواية أدبية، إلا أن هناك شواهد تشير إلى واقعية الأحداث، وتحديدا إلى ما يجري في غزة الآن، من هذه الشواهد: "أمي تضمني، تلعن تواطؤ العالم بما يجري لنا" ص103، أجزم أن هذه الفقرة ما هي إلا نتيجة الخذلان العربي تحديدا على ما يجري في غزة من تدمير وقتل، فحجم القتل لم يعد يحتمل، من هنا جاءت لعنة أمها على تواطؤ/تخاذل العالم على ما يجري من قتل وتدمير.
"ـ أكتب اسمي الرباعي على يدي ورجلي، إذا مت شهيدا يعرفوا أنا مين وابن مين" ص211، هذا المشهد رأيناه فقط في معركة طوفان الأقصى، وهذا ما يجعلنا نقول إن الرواية أو بعض فصولها كتبت أثناء العدوان الحاصل الآن على غزة.
"خلف الدخان الأسود تنتظر، جاءتنا بآلاف الأكفان، وبعض الأرز والعدس، وعلب السردين والحمص والفول وبسكويت منتهي الصلاحية" ص213، وهذا أيضا ما جاءت به الشاحنات من مصر إلى غزة، أكفان وبسكويت منتهي الصلاحية.
"كفيل بأن يوصلنا لمدرسة مكتظة بالنازحين، أجبروا على الإخلاء والنزوح نحو الجنوب، وصلنا إلى هناك ظهرا، فجرت المدرسة بقنابل فسفورية عصرا، أحرقت الصفوف ودمرت الساحات" ص222، أيضا هذا المشهد يحدث الآن للمهاجرين من الشمال إلى جنوب القطاع، حيث تدمر مدارس الإيواء وتحرق بالقنابل الفسفورية.
"جنود مصابون برعشة الجنون والخوف، يقودون رجالنا حفاة عراة نحو اعترافات وعذابات أخرى" ص226، هذه الجريمة ما زال الاحتلال يقوم بها في غزة حتى كتابة هذه المداخلة، من هناك نقول إن الرواية كتبت ونشرت ووزعت والأحداث في غزة ما زالت مشتعلة ولم تنهي بعد، وهذا ما يعطيها قيمة أخرى تضاف إليها.
مواجهة العملاء
اللافت في الرواية أنها تتحدث عن العملاء، بمعنى أنها لا تقدم المجتمع الفلسطيني بصورة مطلقة الإيجابية، فكما أن هناك أبطال ومقاومين هناك أيضا جبناء وعملاء، فوجود "فريدة وفريد" ودورهما القذر في إسقاط الفتيات يشير إلى وجود عناصر خارج السرب، تعمل لتمزيق المجتمع وخدمة للأعداء، بداية الإسقاط تكون بشكل يبدو عادي/طبيعي، يحث تمهد فريدة لأخيها الانفراد "بنورا": "لاحظت أن زوجة أبي تبقى أبي في الغرفة، وتتعمد تركنا وحدنا في غرفة الجلوسـ أو تسرع إلى فتح غرفتي حين يأتي صباحا ليراني في ملابس النوم ممددة في سريري المقابل لغرفة الجلوس" ص53، نلاحظ أن "نورا" تعي أن هناك فعل غير طبيعي، تقوم به زوجة الأب، لهذا نجدها تبدي الاستغراب من هذا الفعل، لكنها لم تتوقع أن يكون وراءه هذا الفعل عملية إسقاطها لتكون عميلة للاحتلال إلى أن لاحظ "فريد" يقوم: "سلط منظاره نحو الشقة، كنت أراقبهما خلف الباب، تساءلت: ما لها ولأخيها تراقب الناس وتتعقب آثارهم،... بعد دقائق معدودة من دخول فريد إلى بيتنا قال لأختيه: لقد وجهت جهاز ليزر على إحدى نوافذ شقة المقاوم، كما طلب مني" ص154، وهنا تكتمل قناعة "نورا" أنها أمام عملاء يخدمون العدو ويعملون على كشف المقاومين وأماكن تواجدهم، وما التحرش ب"نورا" الذي قام به فريد إلا تأكيدا لدورهما في تجنيد آخرين ليقوموا بخدمة المحتل: "تساعد أخاها فريد على التحرش بي، حتى يوقع بي في وحل العمالة" ص157، بعد هذه الحادثة تقرر "نورا" الهروب من البيت وتبليغ الأجهزة الأمنية عنهما، وتنجح في كشف أمرهما، وبهذا تكون الساردة قدمت صورة إيجابية عن "نورا" التي استطاعت أن تتجاوز العملاء وتنتصر عليهم، مؤكدة أن الفتاة القوية قادرة على تجاوز نظرة المجتمع السلبية، فالمصلحة الوطنية أهم بكثير مما سيقوله الناس.
ضمن هذه الأحداث الدامية كان لا بد من وجود مخففات تحد من قسوة الدمار والخراب والقتل الحاصل، فكانت اللغة الأنثوية التي استخدمت في الرواية أحد عوامل التخفيف: "حبيبي أحن إليك
كلما دق فجري باب النهار
وعصف الشوق بليلي
وغفا الورد باسما
على خد النوار
أو أرخى الياسمين جدائله
على كتف الأسوار
كنت لي آيات عشق
جبرت في داخلي الانكسار
كنت لي بهجة أيام
أزعرت ربيعي، أبهجت الديار
كنت لي قناديل فرح
آنست أحلامي، أضاءت الأقمار
وحين غلبني الشقاء
لحضنك ركضت، لحضنك الفرار" ص73و74.
نلاحظ أن لغة أنثى حقيقية وليست متخيلة، وهذا يعطي لمسة ناعمة للرواية، فصوت الأنثى يمنح الهدء والراحة للمتلقي، وإذا علمنا أن هناك أكثر من علاقة حب وجدت في الرواية، نصل إلى الساردة كانت تعي أنها تقدم أحداثا مؤلمة مما جعلها تتجه إلى إيجاد مخففات تحد من حجم الألم والقسوة.
الرمزية
رغم أن الرواية واقعية إلا أن السارد استطاعت تقديم مشهد من أجمل المشاهد لما فيه من رمزية، وذلك عندما أقدمت "روزانا" على التبول على مذكرات "آنا فرانك" التي تتحدث فيها عن المحرقة النازية لليهود: "أفضل حل أن أبال على مذكرات (آنا فرانك) لتصبح أكثر شهرة، فهي بنظر العالم مضطهدة، وأنا بنظره إرهابية، إرهابية" ص91، اللافت في هذا المشهد أن حجم القتل والتمدير يفوق ما فعله النازي، لهذا ارتأت "روزانا" على التبل على تلك المذكرات لأن هناك كتاب/رواية "تراتيل في سفر روزانا" أهم بكثير من "آنا فرانك" لأنها يتحدث عن وقائع تحصل الآن، ويقوم بها مجرمين/صهاينة أكثر توحشا من النازيين، من هنا جاءت خاتمة الرواية تشير إلى أن المجازر الصهيونية ما زالت مستمرة، وعلى القارئ أن يكمل (الكتابة) عن تلك المجازر: "لم يبقى من مذكراتي إلا صفحات قليلة، سطورها فارغة، لقراء ينوون إكمال الكتابة، ربما يحالفكم الحظ، وتباع ملاين النسخ من مذكراتكم، كما ستباع مذكرات روزانا.
أكتبوا ما شئتم، أنقلوا أحاسيسكم، وترجموا عواطفكم، أدخلوا بحر الكلمات، واختاروا تعابيركم" ص231. بهذه الدعوة تكون "روزانا" قد أوصلت رسالتها/فكرتها/روايتها عن العدوان والإجرام الصهيوني على وطنها فلسطين وشعبها.
الرواية من منشورات دار ابن رشيق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2023.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال