الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طوفان الأقصى - دروس 100 يوم

عبد القادر معيوف

2024 / 1 / 16
القضية الفلسطينية


كنت شابا يافعا حينها ، وكنت أتساءل دوما بإستغراب : كيف كان من الممكن أن تنتصر بعض العصابات الصهيونية على الجيوش العربية النظامية في 48 ؟ أن تمحى 500 قرية فلسطينية من الوجود في بعض الأشهر ويهجر شعبها وتستولي حكومة العدو المزعومة على أراضيها ؟ كيف يمكن أن توضع القضية على الرف ليلتهمها الغبار والنسيان ؟ كيف يعقل أن تحاصر بيروت ل88 يوما دون أن يتحرك أحد لنجدتها ؟ كيف يتقبل العقل أن يصبح كل معاد لأمريكا خطرا على الأمة (كنظامي البعث في العراق وسوريا) وكيف تصبح إسرائيل صديق ؟ كيف تجمع الأموال والأنفس والسلاح لمحاربة السوفييت في أفغانستان خدمة للولايات المتحدة في حين تدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية حينها فقط بالدعاء ؟
لقد ظلت هذه الأسئلة تجوب بخاطري لسنوات طويلة دون أي إجابة ، متهما أجيالا كاملة بالخنوع والإستسلام ومتصورا بأن جيلنا جيل الثورات العربية قادر على تغيير الواقع والإنتفاض على منظومات دولية جاثمة على صدر هذه الأمة منذ عشرات السنين ، غير أنه وإنطلاقا من الواقع فإنه بتوجب علي الإعتذار اليوم لكل تلك الأحيال عن كل تلك الظنون والتهم ، فقد كشف تواتر الأحداث عقب طوفان الأقصى الحقائق وأسقط جميع نظريات الثورة والتغيير وشعارات الحرية والكرامة والعدالة وأن كل ذلك مسموح فقط في إطارعام لتدمير أوطاننا وتغيير أنطمة بأخرى أسوء وأكثر إنبطاحا، ويصبح كل ذلك ممنوعا ومدانا إذا ما تعلق الأمر بفلسطين ، فمثلا لم يتطلب الأمر في سوريا إلا بضعة أيام لتقوم محميات الخليج بتمويل وتسليح المعارضة بمن في ذلك عصابات داعش فقط لتدمير بلد رفض الإعتراف و إمضاء سلام مزعوم مع العدو الإسرائيلي وتشتيت شعبه ، آلاف من الأسلحة المتدفقة وبروباغندا إعلامية مجندة يقودها مشائخ العهر وإعلام المجاري كقنوات كالعربية والجزيرة وغيرهما فقط لتنفيذ الأجندات الأمريكية، ونستذكر هنا وثائق ويكيليكس التي كشفت عن إجتماعات يومية بين وضاح خنفر مسؤول القناة وقيادات السي آي آي حول خط القناة ودورها في خدمة آلة الحرب الأمريكية ، وهو مايتجلى في دورها التطبيعي مع العدو ، فعبر شاشاتها مثلا صار من العادي دعوة وتقديم قادة ومسؤولي الاحتلال تحت مسمى الحوار والرأي الآخر وهي أكبر خدمة ممكن تقدم لإسرائيل لما تمثله من إعتراف ضمني بوجودها ومن ثمة التأثير المباشر على المجتمعات العربية دون الحاجة إلى طوابير المطبعين المرتزقة.
اليوم، أكثر من 100 يوم من الحرب على القطاع وأكثر من 24 ألف شهيد في حرب إبادة على مرأى كل العالم و دون أن ينجح أحد في كسر التعنت الإسرائيلي المدعوم أمريكيا: العديد من القرارات لمجلس الأمن قصد وقف إطلاق النار تجهضها الولايات المتحدة عبر الفيتو ، تهديد ووعيد وقصف لأي متعاطف مع الفلسطينيين ، إعلام غربي متصهين لايزال يكذب ويزيف ويسوق للرواية الإسرائيلية ، ورأي عام عالمي بدأ أخيرا يفهم حقيقة الأمور لكن لم يتخطى صوته بعد الشوارع والساحات العامة.
في المقابل ، لا تزال المقاومة الفلسطينية تسطر الملحمة وراء الأخرى لتحول الميركافات لتوابيت متنقلة ، عشرات من القتلى في جيش العدو يوميا على كل الجبهات (في القطاع والضفة والشمال) رغم كل التكتم الإسرائيلي الذي فضحته كاميرات المقاومة ، شلل إقتصادي رهيب وتوقف كلي لحركة السفن في البحر الأحمر مع دخول القوات اليمنية على خط المقاومة لتشهد العالم أن القضية باقية صامدة رغم تآمر الأنظمة المتصهينة العميلة في محميات الخليج ومن والاهم من مشائخ الدجل الذين أفتو بقتل الشعب السوري والشعب العراقي والشعب الليبي و ليلتزمو الصمت أمام مايحدث في غزة ، فملائكة العريفي مثلا نزلت للقتال ضد الجيش السوري ولم يعنها القتال ضد العدو الصهيوني ، ونظام قردوغان في تركيا وبعد المشاركة المباشرة في تدمير سوريا والعراق ، ولعبه كالعادة بعقول عبيده في المنطقة كالإخوان ومن والاهام وتنظيمه لمظاهرات نصرة لغزة ، لم يحمل نفسه حتى عناء إستدعاء السفير، كل ماقام به هو التصريح بأن نتنياهو لم يعد صديقا وهاهي البواخر التركية محملة بالسلع والمساعدات (حسب تعبيرات إعلام العدو) لا تزال تتوافد على الموانئ الإسرائيلية كالسفينة المحملة ب4500 طن من المساعدات الغذائية والخضروات والتي رست بميناء حيفا بعد بضعة أيام من عملية الطوفان في الوقت الذي كانت تدك فيه إسرائيل المدارس والمستشفيات بآلافالقنابل والقذائف مخلفة المئات من القتلى والجرحى.
وأمام الصمت العربي ، وككثيرين إسمحو لي أن أتساءل عن الجدوى والغاية من الإبقاء على منظمة مثل جامعة الدول العربية ؟ هل من أجل خطابات الشجب والإستنكار ؟ أم من أجل التجسس والعمالة وتقديم التقارير لراعي البقر الأمريكي وحليفه النسناس البريطاني ؟ من أجل التآمر على أي نظام يخرج عن هذه التبعية ؟ من أجل القتل التدريجي للقضية والقضاء عليها ؟ إن تأسيس الجامعة كان يهدف لتكوين كتلة عربية إقتصادية يكون لها تأثير في المنطقة وتطورت عبر إمضاء معاهدة الدفاع المشترك في 1950 إلى حلف سياسي إقتصادي وعسكري ، واليوم وفي غياب أي توافق سياسي وإقتصادي وعسكري ماهو الداعي لبقائها ؟ خاصة أمام موقفها المنبطح من الاحتلال الصهيوني وتخليها عن مبدا اللاءات الثلاث لقمة الخرطوم سنة 1967.
ومع تواصل الحرب على القطاع وإتضحت نية العدو في التدمير الكلي للقطاع و جعله مكانا غير قابل للسكن والعيش والدفع التدريجي لسكانه نحو الحدود المصرية وهو مايذكرنا بمقولة أبو الصهيونية تيودور هرتزل في حديثه عن إمكانية طرد الفلسطينيين :" هناك إمكانية دفع الفلسطينيين عبر الحدود , وأنهم ببساطة سيهدمون خيامهم ويرحلون"، هذا طبعا في إنتظار صفقة ممكنة لتوطينهم بسيناء أو داخل مصر و هي الخطة التي كشف عنها معهد "ميسجاف" الإسرائيلي لبحوث الأمن القومي والإستراتيجية الصهيونية والمتمثلة بالتوطين والتأهيل النهائي في مصر لجميع سكان غزة، والتي بنيت على أساس تقديم إمتيازات مادية ضخمة لمصر التي تعاني من ظروف إقتصادية صعبة. وقد شملت هذه الخطة إحصائيات تعود لسنة 2017 حول الوحدات السكنية في مصر الخالية والقيد الإنشاء والتي قدرتها بحوالي 10 ملايين وحدة ، وخلصت إلى أن متوسط تكلفة شقة مكونة من 3 غرف بمساحة 95 متر مربع لأسرة غزية متوسطة مكونة من حوالي خمسة أفراد يناهز 19 ألف دولار، إذا ما إعتبرنا عدد السكان الذين يعيشون في قطاع غزة حوالي 2.2 مليون نسمة، يمكن التقدير أن إجمالي المبلغ المطلوب تحويله إلى مصر لتمويل هذا المشروع سيكون في حدود 5 إلى 8 مليارات دولار. وستعتمد إسرائيل على الدول الدائنة لمصر لإقناعها بقبول هذا المخطط وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وخاصة المملكة السعودية التي سيمكنها إخلاء غزة من القضاء على حلفاء مهمين لإيران في المنطقة.
إذا فهي خطة متكاملة الفصول، وحتى إذا اضطر الأمر الإسرائيلين لدفع هذه المبالغ الخيالية فإن إخلاء غزة سيمكن الكيان من تحقيق مكاسسب إقتصادية من جهة عبر إستغلال حقول الغاز الطبيعي الموجودة ببحر غزة ومكاسب إجتماعية من جهة أخرى عبر إمتلاك أراضي جديدة وتوسيع خريطة الإستيطان.
وللأمانة فإن خطط تهجير ماتبقى من الفلسطينيين نحو الدول العربية المجاورة ليست بالجديدة: إنطلاقا من خطة وزير الخارجية الأميركي ماك غي في 1949 مرورا بخطة جونسون في 1962 وخطة مارك بيرون في 1993 وصولا لمشروع رئيسة اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط وعضو الكونغرس الأمريكي إليانا روس في 2006 القاضي بتوطين الفلسطينيين المقيمين بأراضيها.
لقد أثبتت الحرب في غزة من جديد صحة نطرية الشهيد وديع حداد بأن الحرب الحقيقية ليست ضد إسرائيل بل ضد الصهيونية أينما وجدت، هذه الصهيونية التي نجحت في تأسيس أوليغارشيات مالية مؤثرة وقادرة على تسويق الروايات الإسرائيلية الزائفة والتأثير على عقول الشعوب في دول القرار وذلك عبر سيطرتها على وسائل الإعلام وتجنيدها للكثيرين من صناع القرار بهذه الدول وهو ما يفسر عجز المجتمع الدولي في إيقاف المجازر المرتكبة في حق شعبنا بغزة، هذا الشعب الذي لايزال ورغم أكثر من 100 يوم من التدمير والقتل والقصف صامدا يكتب نصره على مهل واثقا بقدرة مقاومته على دحر العدو المتخبط رغم ثقل الكلفة ، ولا يزال أحرار العالم يملؤون الدنيا ضجيجا مبشرين بأن زمن الرواية الأمريكية والإسرائيلية قد ولى وأن الحقيقة بدأت تتكشف يوما بعد آخر وأن التغير في النظام العالمي صار أسرع من أي وقت مضى وأن دول البريكس صارت قوة وحلف لايمكن الإستهانة به وأن قامت به جنوب إفريقيا (وهي عضو مؤسس للبريكس) من تقديم إسرائيل أمام محكمة الجنايات الدولية ماهو إلا مقدمة لتغيرات قادمة لامحالة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!