الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إضمامة: صلاح عمر العلي -تراويح المراجعة وامتحانات اليقين- - تدقيقات وتصويبات وتعديلات

عبد الحسين شعبان

2024 / 1 / 16
الادب والفن


أثارت سرديتي بخصوص "صلاح عمر العلي" ، المنشورة منها 6 حلقات ، والتي ألحقتها بحلقة سابعة، واستكملها بهذه الإضمامة، اهتمامًا من عدد من القراء والمهتمين بالفكر السياسي وتاريخ العراق المعاصر، خصوصًا وأنها تناولت مرحلة مهمة من تاريخ العراق، في حقبة من أدق الحقب التي عاشها، حيث كانت السبل شبه مقطوعة بين الداخل والخارج، فتضببت الكثير من المواقف والتبست الحقيقة، بل ضاعت في الكثير من الأحيان، بين استبداد الداخل وطغيان الخارج، لاسيّما باختلال منظومة القيم والاحترابات الطائفية والإثنية، التي انفلتت من عقالها لدرجة مريعة، إضافةً إلى المواقف المسبقة، والتي يتم اسقاطها إرادويًا على الواقع وفقًا لاعتبارات آيديولوجية أو قومية أو دينية مذهبية.
سأحاول تسليط الضوء على 8 مداخلات وردتني بالإشارة المباشرة، وأعتذر عن عدم ذكر بعض التعليقات والإشادات والآراء التي جاءت لتأكيد موقف أو إضافة آخر، لكن مضامينها مذكورة في ثنايا هذه التدقيقات والتصويبات والتعديلات.
الأولى - ما وردني من نوري البحراني، وهو أحد الشخصيات القومية العربية البارزة، وكان رئيسًا لاتحاد الطلاب العرب في بريطانيا (في أوائل السبعينيات)، حين كان للاتحاد دور مؤثر وبارز، وتحسب له القوى السياسية العربية حسابًا غير قليل على مستوى العمل الخارجي، فقد كتب لي رسالة أنقل الفقرات الأساسية منها "أحر التحيات... متابعة كل النشاطات والإسهامات المميزة التي تقوم بها، أود أن أذكر لك المداخلة التالية: بخصوص صلاح عمر العلي واستقالته وسفره من نيويورك، فقد التقيته في شقة محمد المسفر، ممثل دولة الإمارات بالأمم المتحدة (قبل أن يصبح مواطنًا قطريًا - ع. ش)، وبحضور طالب شبيب، وحين عودتي إلى لندن، جرى اتصال به من قبلي حسب رغبة سوريا.
وقبل الدعوة قابلناه في باريس، وكان معي محمود الشيخ راضي (محمد رشاد الشيخ راضي)، عضو القيادة القومية الاحتياط لحزب البعث سابقًا، وممثل عن السفارة السورية في لندن. وقام بنفس اليوم بمقابلة ميشيل عفلق، الذي كان في باريس في حينها. ورُتّبت زيارةً له إلى دمشق بمرافقة المرحوم أبو يوسف (محمد عبد الطائي، استشهد في العام 1991، وكنت قد ريثته حينها - ع. ش)... للاطلاع مع أحر التمنيات والأشواق (انتهت الرسالة).
وهذه التفصيلات مهمة لصدقية ما تناوله صلاح عن الظروف التي عاشها بعد استقالته، حيث كان بيني وبينه مطارحات متصلة ومنفصلة، زادت عن ثلاث عقود من الزمن.
الثانية - رسالة د. مصباح عمر العلي (شقيق صلاح)، يشير فيها أن من مسؤوليات صلاح قبل 17 تموز 1968، كانت في مكتب العمال المركزي، وليس كما ذكرت، علمًا بأن معظم أعضائه كانوا يترددون على دارنا في العطيفية، ومنهم محمد عايش وبدن فاضل وراسم العوادي وآخرين، كما يقول مصباح، وهذه معلومات جديدة لم أسمعها من صلاح أو من غيره أو مما قرأته سابقًا، وبالتأكيد فهي معلومات مهمة.
أما المسألة الثانية، فهي الفترة التي قضاها صلاح في الناصرية، وقد صحح لي الأخ مصباح ذلك بالإشارة إلى كونها كانت بين أعوام 1959 و 1962، وليس كما ورد في سرديتي بعد 18 تشرين الثاني / نوفمبر 1963، وهذا التاريخ هو الصحيح الذي اكتشفته بعد أن عدت إلى أوراقي لتدقيقها. وأشار إلى علاقته القويّة بأهل الناصرية ومنهم حسين نعمة، وهو ما سآتي على ذكره.
وأشار إلى مسألة ثالثة، هي أن شكوى الدكتور شامل السامرائي، التي رفعها صلاح إلى مجلس قيادة الثورة، جاءت على لسان ابن أخيه نزار السامرائي، الذي كان مديرًا عامًا في وزارة الإعلام، لكن ذلك لا يستبعد أن يكون شاكر علي التكريتي، وهو عم صلاح، طلب منه أيضًا التدخل لعرض قضيته على مجلس قيادة الثورة حينها كما رويت ذلك، وهو ما سمعته من صلاح أيضًا.
ويشير مصباح في نقطة رابعة، أن صلاح غادر إلى مصر مُبعدًا، وأنه كان شخصيًا باستقباله في القاهرة وبمعيّة عبد الله السلّوم السامرائي وعبد الهادي الربيعي. وهذه المسألة تتراوح بين الزعل أو محاولة التهميش، وقد ظلّ صلاح على هذه الحال نحو عام تقريبًا، انتقل فيه من القاهرة إلى بيروت كما أشرت.
والمسألة الخامسة، التي أثارها معي مصباح هي مسألة إقناع صلاح لقبول فكرة ترك العراق سفيرًا، فقد حاول صديقه المقرّب الشهيد عبد الخالق السامرائي، كما يقول إقناعه بقبول المنصب، حيث كان يقضي معه ساعات طويلة في النقاش حتى أقنعه بالخروج من العراق والعمل كسفير. والمعلومة جديدة بالنسبة لي، فقد كنت أعتقد أن صلاح عيّن سفيرًا بعد مؤامرة ناظم كزار الانقلابية في 30 حزيران / يونيو 1973، التي اعتُقل فيها عبد الخالق السامرائي، لكنني دققت في الأمر فوجدت أن صلاح عين سفيرًا بالسويد قبل ذلك، وحين حصلت المؤامرة المذكورة، كان هو في ستوكهولم.
لكن ذلك لا يمنع من أن يكون صلاح في الوقت نفسه استشار صالح مهدي عماش، وهو ما ذكره لي، خصوصًا وأنه بعد اللقاء بصدام مباشرة، توجه إلى منزل عماش ليأخذ رأيه، ونصحه الأخير بالموافقة فورًا، وهو ما حصل، حين ذهب في اليوم التالي للقاء مع مرتضى سعيد عبد الباقي الحديثي (وزير الخارجية)، بناءً على طلب صدّام واختار السويد، وهو ما رويته.
ومن المفارقة أن الثلاثة رحلوا غدرًا على يد رفاقهم، وهم صالح مهدي عماش، ومرتضى سعيد عبد الباقي وعبد الخالق السامرائي، وثلاثتهم يُعدّون من المعتدلين، بغضّ النظر عن توجهات كلّ منهم.
ولعلّ هذه الملاحظات مهمة جدًا، وقد أعدت قراءة السردية التي أنجزتها وقمت بتدقيق وتعديل النص بما يتوافق مع المعلومات الجديدة.
الثالثة - عبد الخالق السامرائي، ولم يكن لي معرفةً شخصيةً به، علمًا أن جميع مسموعاتي عنه هي إيجابية من أصدقائه أو حتى خصومه، بل عن كل من عرفه وأولهم من حدثني عنه مطولًا، هو الصديق الشاعر شريف الربيعي، الذي عمل معه في "مجلة وعي العمال"، وكذلك من الشاعر عبد الأمير الحصيري، الذي كان يقول لي إنه الأقرب إليكم وعزيز السيد جاسم، الذي كان شديد الإعجاب به، وقد ضمتنا جلسة "ظهرية" في مقهى عارف آغا ببغداد وبحضور الصديق الشاعر شاكر السماوي، وحين أخذ السيد جاسم يتحدّث عنه، ظننت أن في الأمر مبالغة أو حتى ممالأة، ولعلّ بعض الظن إثم، كما يقال.
وكان ذلك رأي جميع الذين عرفوا عبد الخالق السامرائي أو عملوا معه، حيث كانوا يشيدون بزهده وتواضعه وشعبيته وميله إلى التواصل مع الآخر، ولاسيّما مع اليسار، لكن الصراعات الحزبية والمنافسات الشخصية والأحقاد والكراهية، هي التي أضاعت الكثير من النخب الحزبية الواعدة، خصوصًا حين يهيمن الصقور على مقاليد الأمور، وهذه خصيصة تشمل جميع الأحزاب الشمولية، القومية والماركسية والإسلامية، دون استثناء.
وما يزال أحد أبناء عمومة، عبد الخالق السامرائي (الصديق صالح السامرائي) على اتصال بي، وقد طلب مني الكتابة عنه، لأنه، حسبما يقول، أنك تمتلك قلمًا نظيفًا وموضوعيًا، وأنني أنصف حتى خصومي، وطالما أن عبد الخالق قضى نحبه وهو مظلوم، فلا بدّ من استذكاره، وأتمنى أن يسعفني الوقت في الكتابة عنه، خصوصًا أن ذاكرتي تحمل الكثير من المعلومات عنه، وبعضها جئت عليه في سرديتي الموسومة "نوري عبد الرزاق: الذاكرة والزمن الجميل"، والمنشورة في جريدة الزمان (العراقية) على حلقتين، في 18 - 20 تموز / يوليو 2019، وكتابي عن عامر عبد الله "النار ومرارة الأمل - فصل ساخن من تاريخ الحركة الشيوعية"، الصادر عن دار ميزوبوتيميا، بغداد، 2014، وهو ما سمعته منهما أيضًا منذ لقائهما الأول به في بيروت في مؤتمر نصرة القضية الفلسطينية برئاسة كمال جنبلاط، أو في لقائهما في إطار المفاوضات والعلاقات بين الحزبين الشيوعي والبعثي، تمهيدًا لعقد الجبهة الوطنية في العام 1973.
الرابعة - أبلغني صديقي الأستاذ زيد الحلّي، الصحافي المخضرم، وصاحب الخبرة والذاكرة الثقافية، أن صلاح عمر العلي، قبل أن يصبح وزيرًا ترأس تحرير "جريدة الثورة"، وخلال تلك الفترة، أقام علاقات طيبة مع الصحفيين ومع أعداد من المثقفين. وحين أصبح وزيرًا، كان لديه شبكة واسعة من العلاقات، وتواصلًا مع شخصيات ثقافية، بمن فيهم الجواهري الكبير، الذي كان يستضيفه في منزله، وهو ما سبق أن تناولت علاقاته مع الجواهري، التي كنت أعرفها جيدًا، فضلًا عن أن "جريدة بغداد" التي أصدرها في لندن، ومن بعدها "جريدة الوفاق"، كانت تحتشد بالأسماء الشيوعية واليسارية، إضافةً إلى رفاقه القدامى.
الخامسة - رسالة القاضي والكاتب زهير كاظم عبود، والتي جاء فيها:
تمكن صلاح عمر العلي أن يكتب اسمه ناصعًا وعراقيًا أصيلًا خلال مرحلة عمله السياسي، منها ما هو في حزب البعث أو في معارضته لنظام صدام، وكان صريحًا وشجاعًا ومتمسكًا بحقوق شعبه وأمله في عراق تسوده العدالة والديمقراطية، واحتل الصفوف الأولى من المعارضين الفاعلين والنشطين.
ولأنه لم يقبل أن ينضوي تحت خيمة سلطة دولة مجاورة، فقد تم تجاهله للأسف، ومثل هذه الشخصية كان لابد أن تحتلّ مكانتها التي تستحقها، لكن التدافع على المناصب والكراسي والعطايا أعمت العيون، وأظلمت الضمائر، ومن المحزن أن يركن صلاح عمر العلي، الذي لم يلتفت إلى المناصب والمسؤوليات، التي كان يمكن أن يبقى عليها لولا التزامه إلى جانب الضمير أن لا يتم تكريمه او الاحتفاء به.
من ناحيتي أكنّ لهذا الرجل كل التقدير والامتنان والمودة، مع إني لم التق به للأسف.
شهادتك ابا ياسر قد تخفّف بعض التعتيم عنه، وانت المعروف بالوفاء.
لك وله كل التقدير والاحترام، وعلى أمل أن نلتقي.
السادسة - مقالة الصديق الشاعر والإعلامي والناقد حسن عبد الحميد في جريدة الدستور( 15 كانون الثاني / يناير 2024) والموسومة "السفير وشعبان"، إضافةً إلى اتصاله الهاتفي يومي 12 و 14 كانون الثاني / يناير المذكور واستفساراته بشأن صلاح عمر العلي، وقوله لقد قربته إلينا، فنحن جيل لم نكن نعرف عنه الكثير، خصوصًا في ظلّ التباسات الأوضاع السياسية والتعتيم المستمر، فهو لم يكن قياديًا سابقًا بعد 17 تموز وعضوًا في مجلس قيادة الثورة فحسب، بل معارضًا ووطنيًا، خصوصًا وأنت وهو على ذات الأرضية المناوئة للحصار المفروض على العراق وللتدخل الخارجي.
السابعة - مع الفنان المعروف حسين نعمة، فقد تعزّزت علاقتي به في العام 2013، خلال الاحتفال ببغداد عاصمة الثقافة، وحين عرف صداقتي مع صلاح عمر العلي، زاد تعلّقه بي، وأصرّ على دعوتي، وأخذ يحدّثني عن صلاح وكأنه من أبناء الناصرية البررة، وكان ملح تلك الأمسية تعليقات خضير ميري وإشادات طالب القرغولي على الرغم من أحزانه وآلامه، التي كان يعاني منها، حيث هجمت عليه على نحو مريع، وكان مقعدًا وعلى الكرسي المتحرّك.
وأتذكّر أن حسين نعمة جاء إلى بيروت، وكان جزءًا كبيرًا من زيارته هو اللقاء بصلاح، وهو ما عملت على أن يكون بمنزلي. وفي آخر مهاتفة لي مع حسين نعمة، أواسيه لوفاة زوجته، وأعزّيه لمصابه، وإذا به بعد أن يشكرني يسألني عن الأستاذ الشهم والطيب، صلاح عمر العلي، وانتهت المكالمة بالحديث عنه وعن أخباره وصحته...
الثامنة - استفزّت هذه السردية 3 مجموعات، متناقضة ومتعارضة، لكن ما يجمعها هو عدم قدرتها على التخلص من آثار الماضي وثقافة الكراهية، ناهيك عن رؤية المتغيرات التي حصلت على الفرد والمجتمع، بل والعالم أجمع خلال العقود الأربعة الماضية.
أولها، بعض رفاق صلاح القدامى، الذين ظلوا يتشبثون بالماضي، بل يعيشون فيه، ولا يريدون مغادرته، علمًا بأن الماضي مضى ولا يمكن إعادته، لكن يمكن استعادة دروسه وعبره، فمن لم يتّعظ من التجربة سيرتكب نفس الأخطاء والحماقات، سواء كانت في المرّة الأولى على شكل "مأساة"، أو في المرّة الثانية على شكل "ملهاة"، فحسب الفيلسوف الألماني غوته "تظل شجرة الحياة خضراء أما النظرية فرمادية".
وثانيها، الطائفيون الذين لا يرون الإنسان، إلّا من خلال طائفته، وإذا كان هو خارج الهويّة الطوائفية، إلّا أنهم يتعاملون معه برؤية مسبقة بتصنيفه وفقًا لتقديرهم الطائفي وخارج أية عقلانية أو انتماء وطني أو توجه فكري، وهكذا يتذرّر الوطن إلى طوائف ومذاهب وملل ونحل، وتلك هويّتهم الغالبة، وأية هويّة أخرى لا مكان لها، علمًا بأن صلاح عمر العلي كان من أشد المتحمسين لمشروعي الموسوم "قانون تحريم الطائفية وتعزيز المواطنة"، والذي كنت قد طرحته في الثمانينيات والتسعينيات وبلورته بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وأعدت نشره في كتابي الموسوم "جدل الهويّات في العراق: المواطنة والدولة"، وكنا دائمًا ما نتبادل الرأي بشان الطائفية والطائفيين على الضفتين.
وثالثها، من رفاقنا القدامى الذين لا يزال بعضهم يعيش في عوالم الخمسينيات والستينيات وصراعاتها المدمرة، دون رؤية الحاضر وتعقيداته، وهيمنة القوى الدولية (أمريكا وإيران) على مقدرات العراق. وعلى الرغم من مغادرتنا صلاح عمر العلي وكاتب السطور، مواقعنا الحزبية منذ عدّة عقود من الزمن، وقدّمنا آراء واستنتاجات تخالف الكثير مما هو سائد، إلّا أن المتحازبين ظلوا يعدوننا متمردين على "الشرعية" و"التنظيم الحديدي"، علمًا بأن الأمر لم يعد بالنسبة لنا سوى تاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى