الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيها اليساريون، كفاكُم تعقُّلاً

رامي ليفني

2024 / 1 / 17
القضية الفلسطينية


تعجّ إسرائيل بـ "المُتعقِّلين". يساريون نادمون على تأييدهم السلام والاتفاقيات مع الفلسطينيين، يُعلنون أسفهم وتوبتهم على الملأ عن مجموعة متنوعة من الخطايا. خسارة. لأننا نحتاج الآن إلى عكس ذلك: ليس إلى المزيد من الأشخاص السائرين مع القطيع وروح العصر، ولكن إلى صوت مختلف، صافٍ وواضح ـ إلى الـ "ومع ذلك".

أنتم يا من بقيتم في المعسكر، توقفوا للحظة للتفكير. فكِّروا بالبدائل. هل كنا مخطئين بشكل أساسي، حقاً؟ اتهام اليمين لنا بأننا كنا سُذّجاً طوال السنين هو اتهام كاذب. أنا عرف، لأنني كنتُ هناك. لم يكن اليسار الصهيوني الإسرائيلي ساذجاً في يوم من الأيام، لم يعِش في الأوهام أبداً، ولم يستسلم لأحلام يقظة حول طبيعة الصراع أو صورة خصومنا ـ شركائنا الفلسطينيين. لم نحسَب بأنهم يتقبّلون بشكل جوهريّ عدالة وجود دولة إسرائيل. لم نعتقد بأنهم يرفضون، بشكل مبدئيّ، استخدام العنف أو أنهم لا يحلمون في بعض الأحيان بأننا نتلاشى من هنا. لم يخطر في بالنا السماح بوضعٍ نكون فيه أقلّ قوّة. وبالمناسبة، الفلسطينيون أيضاً لم يوهموا أنفسهم بأننا سوف نقتنع في يوم من الأيام بصحة مطالبهم بالعدالة المطلقة أو بضرورة إعادة اللاجئين، مثلاً، أو أننا لسنا مصممين على محاربة أولئك من بينهم الذين يؤذوننا، أفراد من عائلات المحاورين الذين نتحدث معهم، أحياناً.

ومع ذلك، تحادثنا. لا بل، فقد تعانقنا أحياناً. هكذا هو الحال عندما تكون اللقاءات كثيرة وتنشأ علاقات صداقة. أنا شخصياً تعانقتُ مع عشرات الفلسطينيين، بمن فيهم محمد عباس، وأنا لستُ آسفاً. هذا فِعلٌ يُعبّر عن تصريح: بالرغم من كل شيء، وجهتنا هي نحو تسوية المشاكل من خلال الحوار. نحن نتعالى على أنفسنا. نعم، نحن نعلم أنكم لا تحبوننا، كما تعلمون أنتم أننا لا نحبّكم، لكننا قررنا أننا نريد أن نعيش. أن نعيش! ونحن نعلم أن ليس كل شيء في الحياة حتميّاً، إذ ثمة أيضاً مصالح وفرص وفتحات وإمكانيات للاتفاق على أمور هامّة. لم تكن هنا مثالية منفصلة. بل واقعية فقط، مفتوحة وإنسانية.

- פרסומת -



الوحشية المُرعبة في 7 تشرين الأول لم تكن مفاجئة لأيّ يساري، لأنّ القدرة على أن تكون وحشاً هي جزء من الطبيعة البشرية


في 7 تشرين الأول تكشّفت أمامنا وحشية مُرعبة. كراهية فظيعة، تم تفريغها بصورة شيطانية. هذه الاكتشافات كانت مفاجئة في قوتها وفي ملموسيتها، لكن ليس في مجرد وجودها ـ حتى من وجهة نظر اليساريين المتحمسين والمخلصين. القدرة على أن تكون وحشاً هي جزء من الطبيعة البشرية وهي قائمة بالتأكيد، كما ثبُت مرة أخرى، لدى الفلسطينيين. لكن لكي يتحقق الشرّ، لا يكفي توفّره بالاحتمال وإنما يتطلب الأمر تحقق شروط مُكمِّلة: خيار عسكري (الكثير من الأسلحة في غزة، دعم إيراني)، إخفاق في الطرف الآخر (عدم جاهزية الجيش الإسرائيلي وعجز الحكومة)، ظروف سياسية مستمرة (الإحباط والعداء الهائلان بسب الاحتلال، الضائقة والرفض لدى كلا الجمهورين)، فراغ سلطوي (فصل قطاع غزة)، أصولية دينية، ترهل وضعف الإطار الوطني الذي يبلور حالة طبيعية (ضعف السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية).

ليس لدينا، نحن الإسرائيليين، تأثير جدّي على الوعي الفلسطيني العميق. لكنّ اليساريين يومنون بأنّ ثمة تأثيراً على الشروط والظروف التي تقرر ما إذا كانت الأسس غير المحتملة الكامنة في هذا الوعي ستتحقق في الواقع أم يتم إقصاؤها من قِبل قوى منافِسة. هذه ليست سمة فريدة لنا نحن هنا. في معظم الصراعات الدولية التي تمت تسويتها، كما في إيرلندا الشمالية على سبيل المثال، كان هنالك نموذج سياسي مستقرّ لحياة مشتركة مقبولة، من دون معالجة المرحلة الأولى بـ"علم النفس". وقد نادى اليسار الإسرائيلي، أيضاً، بهذا النهج على الدوام ولزامُ عليه أن يستمر في ذلك.


اليسار، كما ذكرنا، ليس ساذجاً الآن، ولم يكن في السابق. السُّذَّج هم أعضاء معسكريّ اليمين والوسط الذين يعتقدون بأنّ إسرائيل يمكن أن تكون دولة ديمقراطية ومزدهرة في حالة من الاحتلال الأبدي، من المخاطر الوجودية والعزلة الدولية، دون المزيد من الغرق في التدهور السياسي، الاجتماعي والثقافي. أمام اليسار، أيضاً، دروس وعِبَر هامة ينبغي تعلُّمها (ليس هنا المكان لتفصيلها)، غير أنّ حقائق الأساس لم تتغير بعد 7 تشرين الأول: شعبان يمسكان الواحد بخنّاق الآخر، رغم أن كثيرين من بينهما يريدون شيئاً آخر مختلفاً، لكن لا تتوفر لديهم الشجاعة والحيلة الكافيتان لتغيير أي شيء. مجتمعان يركّزان على ما لا يمكن التجسير عليه والمناورة بشأنه (العقلية والذاكرة)، وليس على ما يمكن أن يشكل قاعدة لتسوية تتيح العيش (المصالح، السياسة، مساحة الاتفاق المستقبل).

بغية التقدم إلى الأمام من هذه الكارثة، ثمة حاجة إلى أمور كثيرة. أولها هو اليساريون. فلتصنعوا معروفاً إذاً، أيها اليساريون، لا تتعَقَّلوا. هذا ليس مُدهشاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أكبر الخدمات لليمين الاسرائيلي قدمتها حماس
د. لبيب سلطان ( 2024 / 1 / 17 - 13:28 )
على مدى عشرون عاما سيطر ناتنياهو واليمين الاسرائيلي على السطة بعد ان فترة استمرت قرابة العقد ( في التسعينات ) قبلها اعتقد الجميع ان حل الدولتين قاب قوسين او ادنى وان يسار حزب العمل وتظاهرات مليونية لحركة السلام الان كانت على رأس المشهد الدافع ، والتحول الجذري لاكبر حركات المقاومة في القبول باسرائيل وبالاعتراف المتبادل ..اين اختفى كل ذلك وتبخر ...صعدالتيار المتطرف من كلا الجانبين ..او بالحرى احدهما صعد الاخر ..قامت حماس عام 2001 بمجموعة عمليات قتل بالجملة لمدنيين في الحافلات والمولات لاغتيال المفاوضات النهائية في شرم الشيخ..واظهر اليسار الاسرائيلي انه هو المسؤول وانه طوباوي وهاهي دماء الابرياء والرعب..ومخطط شارون كان واضحا..انسحب من غزة وسلمها لحماس ..منذ وقتها اختفى اي امل في السلام واقامة حل التعايش
وهل 7 اكتوبر بعيدة عن الموضوع ..كان ناتنياهو يترنح للسقوط بتمرد حتى ضباط جيشه واحتياطه ان يغادر..وها بعدها ناتنياهو ييقود الجميع لانقاذ الجميع الذين التفوا حوله واعتذر اليسار كما يقول الكاتب ..واعتذاره ليس لناتنياهو او تغيير رأيههم فيه بل لكون الواقع يقول ..التطرف يدعم التطرف الاخر


2 - هراء اليسار الصهيوني و الصهيونية الاشتراكية !
محمد بن زكري ( 2024 / 1 / 18 - 08:50 )
مع الاحترام ..
- هل قرأت كتاب : التطهير العرقي في فلسطين (The ITHNIC cleansing of PALESTINE) ، للمؤرخ اليهودي صاحب الضمير الأخلاقي الحي (Ilan Pappe) ؟
- وهل قرأت كتاب : خارج المكان (Out of Place : A Memoir) للكاتب الفلسطيني البروفسسور إدوارد سعيد ؟ وهل لك أن تتخيل شعور إدوارد سعيد ، وهو يجد غرباء يسكنون بيت عائلته في القدس ، ويمنعونه من الدخول - كسائح ! - لمجرد إلقاء نظرة ذكرى ؟!
- إذا كانت إجابتك : نعم . فإن مقالتك تتماس نوعا ما مع تيار تسويغ الاستعمار الاستيطاني وتبرير المحرقة الغزية ، القائم على الاقتلاع والإحلال . وإلا فلتُعد قراءة الكتابين ، بتروٍّ ويقظة وعي .
وحبذا قراءة كتاب : اختراع أرض إسرائيل (The Invention of The Land of Israel) ، للبروفسور شلومو صاند ، وكتابه : اختراع الشعب اليهودي (The Invention of The Jewish People‏) .
- إسرائيل (كدولة يهودية) ، قامت على خرافة و جريمة ؛ فأما الخرافة ، فهي (السامية) . وأما الجريمة ، فهي (الإبادة جماعية) والتهجير القسري .
هامش : تظل فرضيةُ أن تكون نسبة (ما) من مسلمي إسرائيل ، هم أحفاد يهود كانوا قد تمسلموا تاريخانيا ، فرضيةً قوية .
يتبع


3 - هراء اليسار الصهيوني والصهيونية الاشتراكية !/ تتمة
محمد بن زكري ( 2024 / 1 / 18 - 08:58 )
- إسرائيل دولة استعمار استيطاني ، أسّسها اليهود الأوربيون الاشكناز (الذين لا صلة - عِرقية - لهم ببني إسرائيل العبرانيين) ؛ ممثلين في حزب العمل الإسرائيلي (اليسار الصهيوني) .
- التاريخ بدأ من بلدة سعسع وبلدة الطنطورة سنة 1948 ، ولم يبدأ من غزة يوم 7 أكتوبر 2023 . ففي منتصف ليلة 14-15 فبرار 1948 ، زنّر (اليسار الصهيوني) بيوت بلدة سعسع بأحزمة من الديناميت ، وتم نسفها على سكانها الفلسطينيين وهم نائمون .
- عملية 7 أكتوبر ، لم تكن (في جوهرها) إلا (عودة رمزية) إلى الأرض ..
فمنفذو العملية هم أحفاد أصحاب الأرض الأصليين ، الذين لا زال الأحياء منهم يحملون ذكريات طفولتهم فيها ويحملون كوشان (وثائق عرفية) ملكيتها العقارية .
- الخيار هو بين اليسار و الصهيونية ، فإما أن تكون يساريا وإما أن تكون صهيونيا ، وغير ذلك هراء وحذلقات جوفاء .
- حل الدولتين ليس غير وهْم وسراب ، أما الحل (الحضاري) فتقدمه تجربة جنوب أفريقيا . وإلا فالرد هو : أيها الفلسطينيون كفاكم تعقلا .
ولأن الشيء يستدعي - بالضرورة - نقيضه ، فربما يكون الرد هو بالدقة : أيها الفلسطينيون (تحمسنوا) .
سلام

اخر الافلام

.. إيران: أسطول جوي قديم ومتهالك؟.. تفاصيل عن مروحية الرئيس رئي


.. الصور الأخيرة للرئيس الإيراني رئيسي قبل تحطم مروحيته وموته




.. الحرب في غزة: هل من تأثير على قطاع السياحة في مصر؟ • فرانس 2


.. تساؤلات في إيران عن أسباب تحطم مروحية الرئيس من بين 3 مروحيا




.. سيناريوهات وأسباب محتملة في تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟