الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اَلْكَرَّابْ (1)

عبد الله خطوري

2024 / 1 / 17
الادب والفن


هو يوم من أيام الله في خريف حينا الصغير .. أَسْتَيْقِظُ في الصباح الباكرِ والليْلُ يَحْتَظِرُ احْتِظارَه البَطِيئَ .. كانَتْ بعضُ الأعْمَال تنتظرني .. إنِّي أَكْرَهُ الأعمالَ، خاصة في الصباح .. كان عَلَيَّ أَنْ أطُوفَ بقرَابي المائية حول البيوتِ لِأَجنِيَ بَعْضَ الدراهمِ تُخَوِّلُ لي شِراء حاجَتي من السجائِرِ وَتغطية بعْض مصاريفِ البيْتِ .. أنا تلْمِيذ مُعَطلٌ طُرِِدْتُ مِنَ المَدرسة لِأنِّي شَغَلْتُ مَقْعَدا في القسمِ لمُدة رَأَوْهَا طَوِيلَة وَكان عَلَيَّ أن أخْلِي المكَانَ لغيري .. هكذا قالوا .. وأَسْتَغِلَّ وَقْتِي جَيِّدا كَيْ لا يَذْهَب مَعَ الرِّيحِ كَمَا ذهبت سنون دراستي .. أَسْكُنُ في أحدِ البيوتِ القَميةِ المبنِيةِ مِنْ فظلات الحيوانات والقش والتبن والكثير من الكد والمهانة والاحتقارِ .. أعيش مع أمي واخوتي الأربعة .. كلهُم صغارٌ لا يقدرون على العمَل .. اِثنان منهُم طرِدُوا من قسْم (الشهادة) (١) فَوَجَدُوا في الزَّنْقَةِ مَلاذا ومَرْتَعا للعِبِ وقَتْلِ الوقْتِ .. أبي ابْتَلَعَتْهُ فرنسا .. غَادَرَنَا مُذْ كُنَّا صغارا لا يتذكرنا إلا في رأس كل سنة أو فْشي عيد من الأعياد بحوالَةٍ فقيرة يذهَبُ نصفُها في اليوم الأول لاستخراجها والنصف الثاني نُغَطِّي به دُيُونَ البقَّال وبائع الخُبْز وتاجر الخضر المُتَنقِّل .. أمي تسخط عَلَى أبي وحوالتِه العجفاء .. تقول إنه يَرْتَعُ الآنَ مع بَنَاتِ مارْسييْ الروميات بينما نُكَابد نحنُ المشَاقَ والعوز والآفةَ .. لطالمَا سمعتُها تلعنه في صَلَوَاتِها الكثيرة .. ورغم ذلك فقَلْبُ أُمنا طيِّبٌ، إذ لا تلبَثُ أنْ تتغاضى عنْ كلِّ شيء وتطفقُ تُوصينا بوالدِنَا وغُرْبَتِهِ في الخَارج والمصائب والهجْرة التي يكابِدها في سَبِيلِنَا .. نوصيك آفاطْمَا على الدراري .. كان يقول دائما في رسائله القليلة .. تمر كل هذه التفاصيل في رأسي، فأجدني متصدعا مشلول الحركَةِ والتفكيرِ أَمَامَ المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقي .. كنْتُ أُحِسني سريعا، وأن عَلَى كاهِلي الأعجف مَهاما كثيرة لا أقدرُ على استيعابِها جميعا .. والذي كان يحز في نفسي كثيرا أنْ أَرَى أُمِّي تشتغل صبَّانة عند الآخرين، ولطالما رَجَوتُهَا أن تتخلَّى عن ذلك، لكنها كانتْ تَأَبَى دائما، فالزمَن صعب يتطلب العمل، كيفما كان هذا العمل، ويد واحدة لا تصفق .. تقول أمي .. ورغم كل هذا، كُنْتُ راضيا مقْتنِعا وأَنَا أَرَى ابتسامتَها وهدوءَ أعصابِها، والأمل يشعُّ مِنْ عينيْها، أنَّ حالة مثل حالتنَا لَن تستمرَّ أبدا على ما هي عليه.. فأنَا أعرفُ أنَّنَا لَسْنَا وَحْدَنَا نَعِيشُ الفاقَة َوالفَقْر .. فَحَيُّنا كُلُّه يتخبط في هذه الآفةِ، ولاشك أنَّ هناك أحياء أخرى تعيشُ مثل حينا في المدينةِ الكبيرة ...

☆إشارات :
١_الْݣَرابْ : الگاف تنطق g باللسان الدارج المغربي تعني السقاء
٢_الشهادة : القسم الخامس ابتدائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??


.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??




.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي


.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط




.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش