الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقاومه الفلسطينيه من العسكره الى الأخونه

سالم المرزوقي

2024 / 1 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


المقاومه الفلسطينيه من العسكره الى الأخونه:

الحرب الداميه على غزه وعلى الشعب الفلسطيني،جعلت مفهوم المقاومه يعود الى الواجهه ليستقطب بين نقيضين، بين مفهوم يجرم المقاومه على النمط الحمساوي الاخواني ويحملها جزءا من المسؤولية عن المجازر والنكبة التي يتكبدها الشعب الغزاوي ويتهمها بالتآمر مع المحتل،ومفهوم يمجد هذه المقاومه ويبرأها من الدم والدمار باعتباره ضريبة التضحيه والنضال الذي لابد منه في طريق كل تحرر وطني.
الرأي عندنا حسب ما نعتقد ألا هذا ولا ذاك صواب في تقييم المقاومه الفلسطينيه،بل علينا تتبع تجربتها منذ انطلاقتها وعدم الاكتفاء بظاهرة حركة حماس العابره بمعزل عن ظروف نشأتها وتراكمات مسارها.
المقاومه التي هي فعل ثقافي سياسي عنيف في بعض مراحله لتغيير نوعي لنمط عيش مجتمع مّا كما حالة الثوره الفرنسيه والروسيه والفيتناميه والجنوب افريقيه،وهذه الحالات والأمثله ورغم خصائصها المختلفه،لها مشترك لا فكاك منه وهو حضور وانخراط الشعوب كعناصر رئيسيه فاعله،وبدون انخراط الشعوب يتحول أي فعل سياسي أو عسكري الى مجرد عمل انقلابي تراكمي لا علاقة له بالتحرر النوعي المجتمعي أو بأكثر دقة التقدمي.
صحيح وكأمثله اوردناها أن ثمة فرق بين المقاومه لتغيير مجتمعي طبقي داخلي كالحاله الفرنسيه والروسيه والحاله الوطنيه لدحر الاستعمار كما الفيتناميه،لكن في الحقيقة فالأولى أوجدت الثانيه ولا فصام بينهما وتلك صيرورة الفعل والتفاعل الفكري والثقافي بين مجتمعات البشر وتطورها وتوالد التناقضات من أحشاء بعضها البعض،فالثورات الغربية التحرريه من الأنماط العبوديه والاقطاعيه أوجدت الاستعمار والامبرياليه خارج أوطناها،والتي بدورها أوجدت نقيضها حركات التحرر الوطني.
لا ندري بعد ماهية التغييرات الانسانيه المستقبليه وتناقضاتها ومراحلها بدقة رغم تبشير الصينيين والروس بنظام دولي جديد أكثر عدلا وديمقراطيه أفقيه بين الدول والشعوب،لكن هذا يظل محفوف بالمخاطر ومحل شك مادامت الأنماط القديمة تمتلك مخالب نوويه مدمره وأسلحة فتاكه وحالة الوحشيه الغير مسبوقه في غزه نموذج مصغر عما ينتظر العالم التحرري إن تجرأ على تغيير تقدمي صادم وغير مدروس.

المقاومه بين فيتنام وفلسطين:
يكثر الخلط والادغام بين نمطي المقاومه في فيتنام وفلسطين دون معرفة بخاصيات كل قضية وكل شعب وكل ظرف ولعل الخطأ القاتل كان استيراد النمط الفيتنامي المقاوم وإسقاطه على ثورة فلسطين، أحد أسباب فشل البندقيه الفلسطينيه في تحرير أي شبر من أرض فلسطين وهزائمها المتراكمه لعقود من الأردن الى لبنان وطوال العقود الماضيه منذ انطلاق الثورة المسلحه سنة 1965،وهو نتيجة منطقيه لعدم مراعاة خاصيات القضيه الفلسطينيه وطبيعة عدوها الاستيطاني.
في فيتنام كانت ثمة دولة في الشمال تقود جيشا عقائديا احترف حرب العصابات واستنزاف العدو المتفوق تقنيا،وسط حاضنه جماهيريه وطنيه مدربه على الصمود والحرب الشعبية ومسنودة بتحالف أممي بقيادة صينيه سوفياتيه،أما في جنوب فيتنام المستعمر فكان ثمة حزب مقاوم(الفيتكونغ) مسنود بعقيدة الوحده الثقافيه والجغرافيه ما أوجد حالة نادره ومعقده من الترابط العضوي الصلب بين الدوله والثوره والشمال والجنوب والشعب ومحيطه الأممي.
لكن في فلسطين ونتيجة الاسقاط الأعمى لتجربه المقاومه الفيتناميه،حدث العكس تماما فقد ولدت المقاومه المسلحه خارج الوطن الذي يراد تحريره وعندما قويت شوكتها وحظيت بالدعم الأممي المادي والسياسي،قفزت عن واقعها اللاجئ العابر وأوجدت لها قواعد نظاميه مستقره ودولة داخل الدول التي استضافتها كما في الأردن ولبنان ما سهّل حصارها واستنزافها والفتك بها كما في حرب أيلول في الأردن وحصار بيروت سنة 1982 ومكّن الأنظمه العميله والقوى الرجعية بدعم غربي من اختراقها والتدخل في شأنها وعزلها عن حواضنها الشعبيه بين اللاجئين الفلسطينيين والقوى الوطنيه والتقدميه المحليه.
للحقيقة والتاريخ كان الزعيم جورج حبش أول من انتبه ونبّه قادة منظمة التحرير لأخطاء هذا المسار وخاصة الصراع مع النظام الأردني وحرب أيلول مع جيشه لأن الثورة الفلسطينيه حسب قراءته ليست دولة داخل الدول المستضيفه ولا بديلا عن القوى الوطنيه للشعبين الأردني واللبناني ولا بقية الشعوب العربيه لتثويرها وتغيير أنظمتها الحاكمه،لكن للأسف كان للشعارت الشعبويه والشوفينيه بوحدة المعركه ومركزية القضيه الفلسطينيه دورا في تذويب صوت الحكيم جورج حبش وسط ضوضاء الغرور وقصر النظر اليميني وانتهازية بعضه ومكن الأنظمه العربيه من اغراق الثوره الفلسطينيه وحرفها وتطويعها لمصالحها.
لسنا هنا مزايدين أو بديلا عن النخب الفلسطينيه ولا متدخلين في الشأن الفلسطيني ولا متاجرين بقضيته كما تفعل الأنظمه وبعض الانتهازيه السياسيه ولكننا نرفع النقد والنصيحة كحلفاء في خندق التحرر من الاستعمار والامبرياليه،ونعتقد أن استلهام التجربه الجنوب افريقيه بقيادة مانديلا والمؤتمر الوطني الافريقي كانت أجدى وأنفع للقضية الفلسطينيه من استيراد التجربه الفيتناميه المسلحه وقد أثبت صحة هذا المنوال المقاوم انتفاضات الشعب الفلسطيني المدنيه في الداخل والمواجهه المباشره على الأرض،لأن الاستعمار الصهيوني لفلسطين استيطانيا عنصريا كما نظام الميز العنصري في جنوب افريقيا.

اتفاقية أسلو وانهيار المشروع المقاوم:
اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينيه واسرائيل كانت اعلان استسلام مبطن واعتراف غير معلن بفشل البندقيه في التحرير ونتيجة حتميه لمسار خاطئ للمقاومه السياسيه والعسكريه نتج عنه شلل منظمة التحرير الفلسطينيه ومؤسساتها الجامعه كالمجلس الوطني واللجنه التنفيذيه والاتحادات المهنيه واللجان الشعبيه في مخيمات اللجوء،لتملأ الفراغ سلطة رام لله ومشروع التنسيق الأمني مع الاسرائيلي المحتل.
دخلت الثورة الفلسطينيه طور الارتزاق والتبعيه للدول المانحه،أملا في الحصول على دوله فلسطينيه مستقله،لكن هذا كان سرابا مخادعا جوهره تخلص العدو الصهيوني من أعباء احتلاله وحقوق شعب محتل له مشروعية المقاومه والدفاع عن وجوده.
طبعا السياسة لا تقبل الفراغ وهذا ما تدركه القوى الاستعماريه،فكان لابد من إيجاد بديل سياسي يقطع الطريق عن خط الرجعة والمراجعه لتجذير الحركه الوطنيه الفلسطينيه وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير وتوحيد الشعب والعودة عن مسار أوسلو الخادع،فكان ظهور حماس والتنظيمات الدينيه المتطرفه بدعم مباشر من الأنظمه الخليجيه وتيسير خفي من العدو الاسرائيلي وقد أسهم الاعلام في تمرير المشروع كمقاومه بديله عن خضوع سلطة أوسلو مع تمويهه بالدين ونقاء الأصول وقد تقاطع هذا المخطط الاسرائيلي مع متغيرات دوليه جعلت الامبرياليه تعيد انتشارها كما سنرى لاحقا.

ظهور حركة حماس والتنظيمات الدينيه:
حركة حماس كما كل فروع التنظيم الدولي للاخوان في المنطقه العربيه،وجدوا لمواجهة الثقافات التنويريه التقدميه مجتمعيا عبر الدعاية للعودة للأصول الرجعيه وأسلمة المجتمعات ومحاصرة الأنظمه الوطنيه سياسيا بإحياء الشريعة وحكم الخلافة والحد من نفوذ المعسكر الاشتراكي وخاصة السوفياتي منه بتلفيق دعاية الإلحاد وخطر الدكتاتوريه الشيوعيه.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط منظمة التحرير الفلسطينيه في شرك اتفاقية أوسلو تغيرت استراتيجية الحلف الصهيوأطلسي إزاء التنظيمات الاخوانيه،فبعد أن كانت هذه جمعيات ومنظمات دعويه وظيفيه لإثارة الفتن واختراق المجتمعات ومشاغلة الأنظمه والدول،أصبحت أحزابا تجهز للحكم واشعال الحروب من افغانستان الى السودان والجزائر وصولا الى غزه وماتمرد حركة حماس على منظمة التحرير بدعم اسرائيلي وعربي إلا أحد وجوه الرهان الصهيوأطلسي، وتوجت هذه الحقبة بعد احتلال العراق بثورات ما سمي بالربيع العربي وخديعة الديمقراطيه المغشوشه التي خطط لها لتغيير خارطة المنطقه وإعادة تركيبها حسب مقتضيات الهيمنه والاحتلال وذلك بتفكيك المجتمعات من داخلها واختراق الدول لتخريبها والجيوش الوطنيه لإضعافها ومليشتها،لأن مشروع الفوضى الخلاقه حسب تخطيط المهندسين له،لم يعد يسمح بمجتمعات آمنه ودول مستقره حتى لو كانت مواليه للغرب وخاضعه له.

القانون الدولي وتشريع الاحتلال:
القانون الدولي الذي أوجدته نتائج الحرب الكونية الثانيه،لا هو قانون ثوري عادل يضمن حماية الضعيف من ظلم القوي ولا هو انساني يضع أمن البشرية من ويلات الحروب والمآسي في حسابه وأولوياته،بل هو توافق بين المنتصرين الأقوياء لضمان مصالحهم.
من بين الفخاخ التي وضعها القانون الدولي لحساب الدول الامبرياليه قضية الاحتلال والعدوان،بفتح ثغرة تجعل ثمة احتلال شرعي واحتلال غير شرعي وعدوان باطل وعدوان في شكل دفاع عن النفس بملاحقة المعتدي بدون ضوابط وقوانين.
بناءا على ما تقدم شهد العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي حروبا على شعوب واحتلال لدول باسم الدفاع عن النفس تارة والدفاع عن القيم الديمقراطيه والانسانيه تارة اخرى،كما احتلال أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر المشبوهه وصناعة القاعده كعدو وهمي وتدمير العراق واحتلاله بمبررات كاذبه لحماية الانسانيه من سلاح صدام حسين النووي والكيمياوي وزرع الارهاب وتمويل الحروب الأهليه في افريقيا لإيجاد مبررات التدخل الأطلسي واسقاط الأنظمه وتخريب الدول كما الحاله في ليبيا والسودان واليمن وتونس ومصر، في سوريا أطلق النفير الاخواني ووقعت صناعة داعش وجبهة النصره لتقسيمها واحتلالها وفي الخليج ترهيب الدول والمشيخات وتخويفها من العدو الإيراني حتى تقبل بقواعد عسكريه على أراضيها وفي أوروبا الشرقيه وآسيا أجبر الغرب دولا على الانضمام للحلف الأطلسي طلبا للحماية من عدوان وهمي ومزعوم تارة روسي وتارة صيني.

حماس مقاومة تشريع الاحتلال:
في فضاء مشحون بالفوضى والارهاب بدأ مشروع إعادة انتشار الامبرياليه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وعبر مخطط الفوضى الخلاقه لتصعيد الأحزاب الاخوانيه للسلطة في البلدان العربيه،جاءت سيطرة حركة حماس على قطاع غزه بعد مسرحية انسحاب شارون وإخلاء المستوطنات وتسليم غزه.
باشرت حركة حماس تصفية وجود منظمة التحرير في قطاع غزه وخاصة فصيلها الاكبر حركة فتح عبر مجازر مروعه وتهجير وقمع واخضاع لبقية الفصائل، ولم تكتفي حماس بإمارة غزه الاخوانيه وخنق أهلها بتطبيق الشريعه والاستحواذ على الضرائب والمعونات،بل تمدد نفوذها لدعم الارهاب الاخواني في سيناء وحال انطلاق مشروع الفوضى الخلاقه الصهيو أطلسي سنة 2011 من تونس،بادرت حركة حماس للانخراط فيه بدعم فروع التنظيم الدولي للاخوان وبرز تورط حماس خاصة في مصر وسوريا عبر القتال المباشر للجيشين المصري والسوري.
اليوم أريد لحماس أن تتحكم في مصير القضيه الفلسطينيه وقرار الحرب والسلم والتفاوض والحلول عبر ما سمي بطوفان الأقصى الذي عليه عديد التساؤلات في ماهيته العسكريه وأهدافه وتوقيته وكل ذلك لنزع الشرعية القانونيه عن مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال وحرفها نحو حرب بين جيشين،أحدهما أي حماس يبادر ويعتدي والثاني أي اسرائيل يلاحقه دفاعا عن نفسه وهكذا تتحول المجازر الفضيعه والتهجير التجويع الى مجرد حدث عابر في مجرى الحرب والأهم اختراق القانون الدولي لتلبيس الفلسطيني تهمة الارهاب بعد أن كان أعزل مشرد ومحتلة أرضه ومشروعة مقاومته من أجل التحرر والانعتاق.

ما بعد الحرب:
يبدو أن اسرائيل ومن وراءها أمريكا في ورطة وارباك بين تصنع النصر والخشية من الفشل لأن هزيمة حماس عسكريا حاصله قبل أن تبدأ الحرب ولا يمكن للأعلام الكاذب وحده أن ينجز الأهداف السياسيه ويمررها وأهمها تهجير سكان غزه وإخلاءها والتوطين في سيناء أو شمال الأردن لاعلان الدوله الفلسطينيه خارج فلسطين كما في مبادرة مشروع القرن وحتى الترانسفير واستضافة الفلسطينين في دول افريقيه بعيده أصبح غير ممكن بعد فضيحة تقديم اسرائيل لمحكمة العدل الدوليه.
للإنصاف فالممانعه المصريه لتمرير مخطط تهجير سكان غزة كانت الزاويه الحاسمه في اجهاض المشروع الصهيوأطلسي الاخواني لوأد القضيه الفلسطينيه.
عسكريا غزة سقطت منذ انقلبت اسرائيل على اتفاقيات أوسلو باغتيال الرئيس ياسر عرفات وتسليم سلطه قطاع غزه لحركة حماس وتثبيت الانقسام الفلسطيني ولايمكن لقناة الجزيره والاعلام المأجور اقناع شبل فدائي أن حماس تقاتل وتقاوم الجيش الاسرائيلي المدجج بأعتى الأسلحه والتقنيات الحديثه،بل أن حماس جيئ بها للقضاء على المقاومه والسمسره بالأبرياء العزل.
بعد الدمار وعشرات آلاف الضحايا،بدأ الرأي العام الفلسطيني والعربي يدرك أهداف الصراع بين حماس واسرائيل وأبعاده لقبر القضيه الفلسطينيه ونزع عدالتها وشرعيتها ويستفيق من غفوة الضخ الاعلامي بتضخيم قوة حماس وانتصاراتها المفبركه خاصة بعد التضامن الأممي ومبادرة جنوب افريقيا لمحاكمة اسرائيل، العاملان اللذان أعادا القضيه الفلسطينيه لأصلها أي لصراع شعب أعزل محتل يقاوم دوله فاشيه هجينه معتديه.

ارحموا عزيزا ذل:
ختاما نقول... الشعب الفلسطيني شعب صبور مقاوم للظلم والقهر وصاحب حق وله نخب مثقفه لا تستحق الإهانة...نعم قتّل وقدم دماءا ودمرت مرافق عيشه ليشرد من أرضه من جديد بمؤامرة خبيثه متستره بالمقاومه ومتسربله بالدين والعاهات الشعاراتيه لكنه لن يندثر ولن يهزم فالعالم أرحب ويقف معه ويسانده في مأساته ولابد سينهض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟