الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعلام (على حس الطبل خفن يا رجلي) العربي و الإنتخابات الأمريكية

آلان م نوري
(Alan M Noory)

2024 / 1 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


لا اتابع کثيرا تغطية الإعلام العربي السائد لآليات عمل النظام السياسي الأمريكي، فأغلبه ينبع من جهل كبير و ترديد ببغاوي للخطاب و السردية اليمينية الذين تبثهما امبراطورية فوكس نيوز المتهالكة التي افرخت العديد من الواجهات الإعلامية العربية.
ولكن حين يكون الفارق بين الخطاب والواقع شاسعا بشكل كوميدي، خصوصا عند تعلق الأمر باحتمالات انزلاق أمريكا نحو الفاشية بقيادة دونالد ترامب، فالأمر يستدعي فضح لعبة الأرقام السحرية التي يلعبها الإعلام اليميني من أجل إقناع الناس بحتمية انزلاق البشرية، كل البشرية، نحو عهد جديد للفاشية.

موضوع التغطية التي دفعتني لكتابة هذه الأسطر، كان الانتخابات الحزبية للجمهوريين لتعيين مرشحهم لرئاسة الولايات المتحدة في الانتخابات العامة التي ستجري في تشرين الثاني من هذا العام. والخبر هو اكتساح دونالد ترامب في 98 من مراكز التصويت من أصل 99 في ولاية آياوا، في أول تصويت رسمي في حملة الانتخابات الداخلية الحزبية في الولايات المتحدة. و أهمية الخبر تأتي في اطار كون ترامب متهما تجري محاكمته حاليا في لوائح اتهام جنائية و جنحية تقرب من ال 100 تهمة. وقد تم تثبيت إدانته في أغلب الجنح و يعمل جاهدا لتأجيل إجراءات محاكماته الأخرى لتجنب إدانته في جرائم عديدة قبل الانتخابات العامة. و لا يبدو انه سينجح في ذلك طويلا. الخبر اذا، بهكذا طرح، يعني أن الحزب الجمهوري لا يبالي بما أثبتتها المحاكم من ميل إجرامي و فضائحي لمرشحهم المحبوب، ترامپ. اضف الى هذا الرقم، آخر هو أن ترامب حاز في آياوا على 51% من أصوات من شاركوا في اختيار مرشح الحزب الجمهوري. و هي نسبة لم يحصل عليها جمهوري في تاريخ منظمة الحزب في الولاية. كل هذا، على السطح، يجعل المتلق يعتقد بأن ترامب قد استحوذ على عقول ما يقارب من نصف أمريكا، وهو يخرج من قاعة محكمة في ولاية ليدخل إلى أخرى في ولاية اخرى. و لو اضفنا الى هذه الصورة الاخبار عن معارضة قاعدة الحزب الديمقراطي للسياسة الخارجية لمرشحهم المفترض، الرئيس بايدن، بدأ من اوكرانيا و انتهاءا بالسكوت على مجازر غزة و التورط العسكري الأمريكي في اليمن... عند ذلك، الاستنتاج الطبيعي سيكون ان ترامب ماض بخطى حثيثة نحو الفوز في انتخابات الرئاسة الامريكية، و ان الفاشية تشهد صعودا شعبيا في الولايات المتحدة، وكذلك في المناخ السياسي العالمي بالتبعية....لكن مهلا! لندقق في ما جرى في آياوا.

يوم الانتخابات الداخلية كان يوم اعاصير و برد قارس. كم كان باردا؟ شاهدت فيديو لشخص أخرج قنينة ماء من البراد إلى الهواء الطلق فتجمد الماء داخل القنينة في الحال. هكذا كان البرد. الانتخابات الحزبية تديرها الأحزاب و كان من الطبيعي أن تؤجل منظمة آياوا التصويت لما بعد العاصفة. لكن ترامب الذي يتحكم في ادارة الحزب رفض ذلك لمعرفته أن مناصريه سيأتون رغم البرد، ولكن مناصري غيره ممن لا امل لهم بالفوز سيبقون في منازلهم.

مجموع سكان آياوا يقرب من 3.2 مليون شخص. وعدد المسجلين في الحزب الجمهوري يزيد قليلا عن 700 ألف شخص، حضر منهم للتصويت اقل من 110 آلاف، أغلبهم من المؤيدين المفترضين لترامب، لكنه لم يحصل سوى على 51% من أصوات الحضور. ورغم أن 85% من مصوتي الحزب الجمهوري في آياوا لم يشاركوا في التصويت، إلا أن نظام التصويت الذي تعمل به منظمة آياوا هو نظام الكوكس، الذي يلزم المصوتين بالبقاء في قاعة التصويت مدة طويلة، أتاح هذا النظام فرصة ذهبية لمؤسسات وشركات الاستبيان للحصول على إجابات غاية في الأهمية ممن شاركوا في التصويت. فقد ذكر 30% منهم أنه في حال ثبوت التهم الجنائية على ترامب في المحاكم سوف لن يصوتوا له حتى لو فاز بترشيح الحزب. و ذكر 20% من هؤلاء انهم، في حال تمت ادانة ترامب جنائيا في المحاكم، سوف يعبرون الى الجانب الآخر و يصوتون للرئيس الحالي و مرشح الحزب المنافس.

الواقع هو أن ترامب فاز بأصوات 7.5% من المسجلين في الحزب الجمهوري في آياوا. و أن الانتخابات المحلية و الاستبيانات المتكررة تشي بأن فاشية الغباء الكوميدي بقيادة دونالد ترامب لا تستحوذ إلا على عقول 40% من القاعدة الانتخابية الجمهورية. هؤلاء سوف يتخلوا عنه حتى و ان دخل السجن. ولكن عدد الجمهوريين الذين لن يصوتوا او سينتقلون للتصويت للطرف الآخر، حسب استبيان آياوا هو 30%...كان الحزب الجمهوري بكل طاقته وراء ترامب في 2020، مع ذلك خسروا بفارق يزيد على 7 ملايين صوت في الانتخابات الرئاسية العامة. فماذا لو امتنع عن التصويت 30% من مصوتي الحزب، أو انتقل 20% منهم الى التصويت لغريمه بايدن؟
اذا، بربكم، عن أي اكتساح لدونالد ترامب تتحدث ابواق المنصات الاعلامية لليمين الأمريكي و الراقصين على حس الطبل من الإعلام العربي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و