الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من لا يقرأ بجد لا يحق له النقد !

ثامر عباس

2024 / 1 / 18
الادب والفن


لو كان الذي يمارس فعل (النقد) يعلم جيدا"خطورة هذه الممارسة وفداحة عواقبها ، ليس فقط على من يكون موضعا"للنقد فحسب ، وإنما – بالدرجة الأولى – على فاعل النقد ذاته معرفيا"وأخلاقيا"كذلك ، ما كان لكل من هب ودب أن يشرع بانتهاج هذا الضرب من النشاط الذهني المجرد ، وما تجاسر على الخوض في غمار هذا المعترك المعرفي المركب . أي بمعنى ان (الناقد) الذي لا يمتلك مقومات هذه الفاعلية الفكرية ، ولا يحسن توظيف أدواتها المنهجية بجدارة ، ولا يراعي متطلبات التزاماتها الأخلاقية ، سيكون هو أول الضحايا الذين يفرطون بسمعتهم المناقبية ، ويفضحون هشاشتهم المعرفية ، ويخسرون وظيفتهم الاجتماعية .
ولعل من مساوئ (نقاد) المناسبات والمجاملات والاخوانيات في هذه الأيام ، الذين لم تبرح أعدادهم تتناسل وتتضاعف دون ضابط – كما في نبات الفطر - على حساب العمق المعرفي والغنى المنهجي والثراء اللغوي ، هي ان ممارستهم لعملية (النقد) عادة ما تستوحي سرديتها من خزين (الانطباعات) الشخصية التي كونها فاعل النقد ومنتجه ، عبر سيرورة علاقاته الشكلية وتصوراته السطحية وتواضعاته التقليدية ، وليس بالاحتكام الى (فيصل) الواقع المعيش المشحون بالتناقضات والتفاعلات والصراعات ، والذي هو – أصلا"- من هيأ للكاتب - (منتج النص) - فرصة الالتحام بمكوناته والاصطدام بمعطياته والاندغام بتفاعلاته ، حيث يستنبط الأفكار ويستخلص الآراء ويبلور الاستنتاجات ، وبالتالي يثر شجون – وفي بعض الأحيان جنون – النقاد ويستدر ملاحظاتهم واعتراضاتهم .
ورغم كل الدراسات الأكاديمية وغير الأكاديمية التي أكد أصحابها على حقيقة أن عملية (النقد) لا تكون ذات جدوى أو نفع إلاّ في حالة واحدة وهي ؛ وضع (عازل / فاصل) معرفي بين ما يمور به النص من معان ودلالات ظاهرة أو مضمرة من جهة ، وبين ما تجيش به سيكولوجية (الناقد) من (خواطر) و(مشاعر) و(انفعالات) من جهة أخرى . بحيث يفترض أن يبقى الأول (النص) بمنأى عن تدخلات ميول الثاني (الناقد) ، مثلما ينبغي على هذا الأخير اجتناب التلاعب بمضامين ما يقرأ استنادا"لقناعاته واستجابة لاعتقاداته ، وبالتالي فرض ما يرغب أو يشتهي من رؤى وتصورات غالبا"ما تكون (مجاملة) أو (متحاملة) . ذلك لان أي إخلال أو تجاهل لهذه القاعدة – المعيار قمين بإبطال وإفشال عملية النقد برمتها .
ولما كان الإنسان بطبيعة تكوينه البيولوجي والسيكولوجي أكثر ميلا"لترجيح مرجعياته الأصولية ، وأشدّ تعلقا" بمسلماته الذهنية ، وأسرع استجابة لإيحاء تمثلاته المخيالية ، فان من الصعوبة بمكان تصور انه بات بمنجى عن تأثيرات تلك المرجعيات والمسلمات والإيحاءات ، لمجرد انخراطه بممارسة أنشطة تتعلق بموضوعة (النقد) . ولذلك يحسن بهذا الفاعل (النقدي) - إذا رغب أن يكون على قدر من الموضوعية المعرفية والتجرد الأخلاقي حقا"وفعلا"- أن يكون على مستوى عال من الحيطة والحذر إزاء إغراءات الدوافع الذاتية والنوازع الفئوية المطمورة تحت وهاد بنيته السيكولوجية ، والتي من شأنها حمله على خلط الذاتي بالموضوعي والشخصي بالاجتماعي والأناني بالإنساني والواقعي بالخيالي .
ولكي نكون أقرب الى الإنصاف منه الى الإجحاف ، فان الواجب يقتضي ألاّ نحمل (النقاد) وحدهم كل الأوزار والأرزاء التي يمكن لنا كيلها لهم ، وإنما ينبغي – بالمقابل - أن نوجّه أصابع الاتهام والإدانة أيضا"لأولئك (الكتّاب) الذين لا يطربون فقط لألحان عبارات (المديح) و(التسبيح) التي يغدقها (النقاد) على أعمالهم فحسب ، وإنما – وهنا أدعى للسخرية - (يتواطئون) ضمنيا"مع نقادهم المزعومين ، عبر استعذابهم لغة (الثناء) واستلطافهم عبارات (التقريظ) التي تسبغ عليهم حقا"أو باطلا". وهو الأمر الذي يعمي بصيرتهم ويشوه إدراكهم ويسطح وعيهم ، بحيث لم يعودوا يطيقون أي تلميح أو تصريح من هذا الناقد أو ذاك ، ينم عن قراءة (نقدية) لسردياتهم من شانها أن تصدّع صورتهم لدى قرائهم ، وتثلم مكانتهم بين أقرانهم ، وتقلل اعتبارهم في مجتمعهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف على موعد عرض فيلم السرب على منصة Watch It


.. -فريق الرياضي بحاجة للدعم-... هذا ما طلبه الممثل باسم مغنية




.. شاهدوا كيف حاولت رنا تأمين مقابلة مع الفنان خالد عمر ??


.. صباح العربية | وقفة طربية مع الفنانة السعودية الجوهرة




.. كلمة من القلب لـ-أحلى وأهم لاعبين-... الممثل يوسف الخال يوجّ