الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(نوري اسكندر)، موسيقار آشوري سوري عالمي، خذلته حكومة بلاده

سليمان يوسف يوسف

2024 / 1 / 18
الادب والفن


هرباً من جحيم الإبادة ( الأرمنية - الآشورية)لعام 1915،على أيدي العثمانيين وشركائهم من الأكراد، نزحت عائلة نوري اسكندر من الرها (حاضرة الملوك الأباجرة)الآشوريين إلى القسم السوري من (بلاد ما بين النهرين- موطن الآشوريين). تنقلت العائلة بين مدن عين العرب وتل أبيض ومن ثم استقرت في ديرالزور ،حيث ولد نوري 1938 ، ومن ثم انتقلت العائلة الى مدينة حلب واستقرت هناك.
يقول،كونفوشيوس :" الموسيقى هي مرآة حضارة الشعوب" . ويقول،روبرت شومان :"إذا أردت أن تتعرف على أخلاق الشعوب استمع إلى موسيقاها " .. نوري اسكندر، أدرك باكراً الأهمية الكبيرة للموسيقى في حياة الشعوب والأمم ودورها في التواصل والتفاعل(جسر عبور) بين مختلف الحضارات والثقافات، باعتبارها خير وسيلة للتعبير عن الهوية وعن المشاعر الإنسانية الصادقة. انسجاماً مع قناعاته، اسكندر ، نذر نفسه للموسيقى ، عمل على تطوير الموسيقى السريانية، وكذلك الموسيقى السورية الأصيلة ذات الجذور السريانية،من (الحان وتراتيل وأغاني). البدايات الموسيقية لنوري اسكندر كانت مع الفرقة الكشفية السريانية في حلب، حيث كان شمّاساً في الكنيسة السريانية . حصل على شهادة ليسانس من المعهد العالي للتربية الموسيقية في القاهرة عام 1964م . عُين مدرساً للموسيقى من قبل وزارة التربية والتعليم في المدارس الإعدادية في حلب وبالإضافة إلى دار المعلمين . شغل منصب مدير المعهد العربي للموسيقى في حلب بين عام 1994 ولغاية 2003.وضع المناهج التعليمية للدراسات الموسيقية. تُعد مؤلفاته مادة أكاديمية تدرّس لطلاب المعهد العالي للموسيقا في دمشق. تعمل"الفرقة السيمفونية الوطنية السورية" على تقديم أعماله في برامج أمسياتها المتنوعة.عام 1973 شارك في أول مهرجان للموسيقى السريانية الآشورية مع الموسيقار اللبناني وديع الصافي أقيم في القاعة الكبرى لقصر اليونسكو في بيروت.. 1995 قدم في العديد من العواصم الأوروبية (باريس، بروكسل، جنيف) مع فرقته الكورال السرياني قوقويه (ܩܘܩܝܐ)..تصنَّف المسرحيَّة الغنائيَّة (قلعة حلب) التي كتبها سنة 1997، من بين أشهر أعماله الموسيقية الكبيرة، تمثلت فيها الأغاني الشعبية السورية المطعمة بالألحان السريانية الأصيلة . 2002 قام بتأليف موسيقى للمسرحية اليونانية "الباخوسيات"، لمؤلفها اليوناني يوريبيديس ،من القرن الرابع ق.م . هذه المسرحية الغنائية، مع تطعيمها بالألحان السريانية(الحاشو - ܚܐܫܐ)، قُدمت بالاشتراك مع الفرقة المسرحية الهولندية Z. T. Hollandia، في مهرجانات صيف عام 2002 في (بروكسل، فيينا، كولن، أثينا، وأمستردام) . لهذا، (اسكندر) يستحق وصف " سفير الموسيقى السريانية الآشورية في العالم ". بادر إلى تشكيل وتدريب العديد من الكورالات للكنائس السريانية في سوريا ودول الشتات الآشوري. للراحل عدة مؤلفات موسيقية، من أهمها، "الثلاثي الوتري"، و"كنشرتو العود وكنشرتو التشيلو" مع أوركسترا الحُجرة، و"حوار المحبة" عام 1995، و"الآهات" 2003، و"يا واهب الحب"، و"مدخل إلى الصوفية" 2007، بالإضافة إلى أعمال الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام السينمائية والمسلسلات. قدم العديد من الدراسات والأبحاث الموسيقية في الألحان السريانية ، التي تعود بجذورها إلى مدرستي الرها "أورفا" و"دير الزعفران/ماردين"، مدن آشورية تاريخية ضمتها تركيا. هذه المدارس السريانية القديمة والشهيرة وغيرها ، حفظت الكثير من روحانيات وجماليات (الحضارة الآشورية) العظيمة. عن اللحن السرياني يقول (نوري اسكندر): "الفرح كان أحد أبرز سمات اللحن السرياني.. لكن قرناً ونيّف من الألم (مآسي وتهجير ومذابح) ترك أظافره على أجسادنا وموسيقانا حتى أصبح الحزن ينوش اللحن السرياني". الموسيقار(نوري اسكندر ) ، جعل من نفسه حارساً أميناً للإرث الموسيقي السرياني الشفوي وحافظ عليه من الضياع. عام 1986 قام بتوثيق الألحان السريانية(كنز الألحان- ܒܝܬ ܓܙܐ - بيث كازو). جمعها في كتابين وفق نظام الكتابة الموسيقية الحديثة "التنويط" .الألحان السريانية الثمانية (كنز الألحان) تشكل قوام الموسيقى الكنسية السريانية(التراتيل- الترانيم) المستوحاة من السلم الموسيقي السباعي ، الذي وضعه الأكاديون بعد أن تعرفوا وعزفوا على (قيثارة الملكة السومرية ) ذات السبع أوتار، وهي واحدة من أقدم الآلات الموسيقية الوترية عرفها العالم ، اكتشفها عالم الآثار (ليونارد وولي) عام 1922 في عاصمة السومريين (أور) جنوب (بلاد ما بين النهرين) (العراق)حالياً ، تعود للقرن الثالث قبل الميلاد .تمكن موسيقيون ماهرون من جامعة واشنطن الأمريكية أن يزيحوا الستار عن هذا السلم وعن ألحانه و أسمائها السبعة باللغة الأكادية".
ستون عاماً أمضاها الموسيقار الآشوري (نوري اسكندر) في عوالم الموسيقى. خلال مسيرته الفنية الطويلة أعطى لسوريا ما لم يعطيه أي فنان سوري آخر، لكن من غير أن يحظى بالاهتمام والتقدير المطلوبين من قبل (الدولة السورية).. مع التقدم في السن ( نوري اسكندر) وجد نفسه وحيداً من غير رعاية وطنية يعيش في ظروف معيشية صعبة جداً براتبه التعاقدي،" خبزنا كفاف يومنا" وفق تعبير الراحل. بعد أن خذلته حكومة بلاده، لجأ إلى مملكة السويد عام 2013 ،توفي فيها يوم 25 ك1 الماضي(2023) عن عمر ناهز 85 عاماً . رحيله كان "تهجيراً قسرياً" عن وطنٍ أحبه وأمضى حياته في خدمته، ولم يكن خياراً طوعياً منه. سُئل ، لماذا قررت الرحيل وترك سوريا ؟؟. جاء رده " أخوي، الوضع لم يعد يحتمل ولا أملك ما يأتي بالدواء لابنتي". في إحدى حواراته الصحفية بعد لجوئه إلى السويد، قال نوري اسكندر:" عمري تجاوز السبعين. أخشى أن تخونني قواي قبل أن أكمل أبحاثي في تحليل الموسيقى السريانية التراثية وأتمم تجاربي بالعلاقات بين المقامات والأجناس الشرقية، وللأسف رغم التكاليف القليلة التي احتجتها للاستمرار في البحث الموسيقي، لم أجد دعماً في بلدي ولا حتى طلبي بإستأجار غرفة تحوي حاسبين آليين وموظف يعينني بأبحاثي، وأعتقد أن الحد الأدنى من المعيشة التي تؤمنه السويد سيساعدني على استمرار وتأمين ما أحتاج إليه لتنويط ما تبقى لي من نتاجات". حين تتخلى الدولة عن مسؤولياتها وواجباتها الوطنية والأخلاقية تجاه الكفاءات والعقول المبدعة، أمثال (نوري اسكندر) وحين ترفض تقديم لهم ما يحتاجونه لاستكمال أبحاثهم والعيش الكريم في وطنهم، حينها يضطر أصحاب الكفاءات للبحث عن مكان آخر لتحقيق طموحاتهم العلمية والعيش الكريم.. المسؤولية الأولى والأساسية عن الفقر والعوز الذي عاشه الموسيقار الكبير نوري اسكندر هي مسؤولية حكومات بلاده سوريا. لكن (الكنيسة السريانية الأرثوذكسية) التي ينتمي اليها نوري اسكندر غير معفية من هذه المسؤولية. مؤسف ، أن لا يملك الموسيقار (نوري اسكندر) ثمن الدواء لأبنته والمليارات تُصرف بل تُبذر من قبل الدولة السورية كذلك من قبل الكنيسة السريانية في غير مكانها.. معيب، أن لا يجد البطريرك أفرام الثاني كريم(الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأنطاكية الأرثوذكسية) ما يدفعه لمد يد العون المادي لهذه العلامة الموسيقية السريانية العالمية(نوري اسكندر) وهو أحد أبناء الكنيسة السريانية ، في الوقت الذي تُبذر المليارات على احتفالات ومناسبات كنسية ودينية لا لزوم لها . الراحل الكبير والملفان القدير (نوري اسكندر) ترك إرثاَ موسيقياً لا يقدر بثمن. كان بحق (مدرسة موسيقية) سريانية سورية مشرقية أصيلة..رحيله خسارة كبيرة للساحة الفنية والثقافية السورية، خسارة أكبر للموسيقى السريانية الآشورية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1


.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا




.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي