الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عنتريّات السوداني بإخراج الأمريكان صَدى لرَغَبات إيران

مصطفى القرة داغي

2024 / 1 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


عادة ما تتعَرّض القوات الأمريكية المُتمَركزة في العراق، والتي يَصل عددها الى 2500 جندي، مُهمّتهم تقديم المَشورة والتدريب للقوات العراقية، الى هَجمات من قبل الملشيات الموالية لإيران، زادَت وتيرتها بعد هجوم حَماس على إسرائيل وإندلاع الحرب بينهما في السابع من أكتوبر، فمن حينها سَجّل الجيش الأمريكي أكثر من100هجوم. لذا رَد مؤخراً بهجوم وصَفه بالدفاع عن النفس، إستهدف زعيماً لإحدى هذه الملشيات، كان من أبرز المُخططين لهذه الهجَمات.

أدّى الصِراع في غزة إلى التصعيد في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث شَنّت المليشيات المرتبطة بإيران، والتي تعادي أمريكا وإسرائيل، هجَمات إنتقامية ضِد القوات الأمريكية في المنطقة ومنها العراق. ورغم سَعي الحكومة الأمريكية لمَنع حرب غزة من الإنتشار لأجزاء أخرى من الشرق الأوسط، لكن دَعمها لإسرائيل أعطى للمليشيات مُبَرراً لإثارة موضوع طرد قواتها من العراق، لذا تستفزها بهذه الهجَمات كي ترد عليها، لتعيش دَور الضحية وتجتَر أسطوانة المظلومية. الجهة الرسمية ذات العلاقة في الحكومة العراقية أي وزارة الدفاع، كان خطابها بعيداً عَن الإستقلالية ومَصلحة العراق المُستباح من قبل إيران وصَدى لخطابها. فقد وصَف المُتحدث بإسم الجيش العراقي يحيى رسول هجوم التحالف بأنه"لا يختلف عن الأعمال الإرهابية"مضيفاً"نُحَمِّل التحالف مسؤولية الهجوم، ونعتبره تصعيداً وهجوماً على العراق". فهو لا يستطيع إنتقاد المليشيات التي تهاجم قوات حليفة متواجدة في بلاده بموجب إتفاقية ستراتيجية، لأنه يَعلم أن أحقَر مرتزق فيها بإمكانه أن ينزع عَنه رُتبَته ويُهينه، لذا يعمَد لمُهاجمة قوات التحالف بكلام، يعلم أنها لن تعيره إنتباهاً ولا إهتماماً، لأنها تعلم دوافعه.

بالرغم من تصعيد ملشيات الحَشد الإيرانية لهَجماتها على قوات التحالف، إلا أن الأخيرة رَدّت في البدء بقصف مواقع هذه المليشيات في سوريا كي لا تثير إحتجاجات في العراق، وفي نوفمبر بدأت بمهاجمة مواقع المليشيات في العراق، لكنها لم تستهدف قادتها سوى في هجوم 4 يناير 2024، بعدما ضاقت ذرعاً من تكرار الهجمات. فهي لا تريد الدخول حالياً بإتفاق إنسحاب من أهم مناطق نفوذها، في وقت تزداد فيه التوترات الإقليمية. لذا ربما كان رَدّها بإستهداف أحد قيادات الملشيات رسالة بأن الهجوم على القوات الأمريكية سيكون له ثمن، وزامنته مع الذكرى الرابعة لإغتيال الجنرال الإيراني الأكثر نفوذاً في الشرق الأوسط قاسم سليماني أثناء مغادرة مطار بغداد مع تابعه العراقي أبو مهدي المهندس. هذا التصعيد يَضَع حكومة السوداني المُعَيّنة والمدعومة من إيران بموقف صَعب، نتيجة للضغوطات التي يمارسها عليها قادة الملشيات، مثل تصريح قيس الخزعلي زعيم مليشيا العصائب: "ندعو الحكومة العراقية لإتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء وجود التحالف في العراق". ونتيجة لإنضمام كثير من المسؤولين العراقيين لجوقة المطالبين بإنهاء مهمة التحالف، بعد أن نجَحَت المليشيات في دفع الرأي العام العراقي، نخباً وعواماً ورعاع، الى التشَدّد ضد تواجد قوات التحالف الدولي. بالإضافة الى سيطرتها على البرلمان الذي سَبق وصَوّت على قرار غير ملزم لطَرد هذه القوات بعد إستهدافها لسليماني والمهندس.

يعتمد رئيس الوزراء العراقي على دعم الملشيات التابعة لإيران، فوصوله إلى السُلطة كان بدعمهم. ويشكل ممثلوهم جزئاً كبيراً من إئتلافه الحاكم. لذا قرر بين ليلة وضحاها إنهاء وجود التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، وقال في بيان صدر عَن مكتبه يبدو أنه صيغ في السفارة الإيرانية، بأن حكومته أكدت مراراً أن السلطات العراقية وحدها مخولة بإتخاذ إجراءات ضد إنتهاكات القانون، مؤكداً عزمه على إنهاء وجود التحالف الدولي في العراق لزوال مُبَرّراته! وتريد حكومته أن تتفاوض مع الولايات المتحدة لمناقشة إنسحاب قواتها، ولن تتراجع عن هذا الإلتزام لأنه يتعلق بالسيادة الكاملة على أراضي العراق وأجوائه ومياهه! متناسياً أن العراق لا سيادة له على أراضيه منذ عقدين، وأن السيادة الكاملة على أراضيه وأجوائه ومياهه وساسته ومرجعياته ونخبه وأبناءه، إلا ما رَحِم ربي، هي لإيران بلا مُنازع بفضل مليشيات تضُم مرتزقة من أراذل المجتمع العراقي، تتباهى بموالاتها للمرشد الإيراني، وهي وأسيادها وحدَهم من يُقرّرون ما يكون أو لا يكون في العراق، سياسياً ودينياً وإجتماعياً، على ألارض أو في الماء أو الهواء، فهو ما كان ليَحلم بأن يُصبِح ساعياً لرئيس الوزراء لولا إيران، وأي قائمّقام بإيران له صلاحيات في محافظته أكثر مِمّا للسوداني مِن صلاحيات في العراق، وسَعيه لإنهاء الوجود العسكري للتحالف في العراق هو لجَعل النفوذ الإيراني مطلقاً، لأنه يمثل سكينة بِخاصرة هذا النفوذ.

إن دَعوات المُطالبة بإنسحاب القوات الأجنبية من العراق ليست جديدة. فعام 2018 طالب البرلمان العراقي حكومة بغداد بتقديم الشكر لجنود التحالف على دعمهم في الحرب ضد داعش، والتفاوض على جدول زمني لعودتهم إلى ديارهم. وجَدّد البرلمان مطالبته بعد يومين من إغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني. الحكومة العراقية عادة ما تتجاهل هذه المطالب، لأن أطرافها منقسمة بخصوص هذا الأمر، فأغلب القوى الشيعية المُقرّبة من إيران تطالب بمُغادرة قوات التحالف، كونه مطلب إيراني، لأنها إما ربيبة إيران وآديولوجيتها منذ عقود كمنظمة بدر، أو باتت كذلك بعد 2003 وإرتبط وجودها بها كالعصائب، وتعلم أنها ما كانت لتكون أو تبقى لحظة دون دَعمها. أما القوى السنية والكردية، فرغم أن بعضها كان أو لا يزال لديه تحالفات مَرحلية مع إيران، إلا أنها بالمُجمَل مع بقاء هذه القوات لضَمان وجود ثقل موازن لنفوذ إيران، لأنهم يعلمون أن خروجها يعني أن شركائهم من الشيعة، ومعهُم إيران سيبتلعونهم، لذا نجد بأن أغلب قواعد قوات التحالف هي اليوم في مناطق السنة والأكراد، ورغم ذلك تتعرض للقصف مِن قِبل المليشيات الشيعية، وآخرها القصف الذي تعرضت له أربيل قبل أيام مِن إيران، وذهب ضحيته مدنيين، إلا أنها زعَمَت بأنه إستهدف مقرّاً للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية! ورغم سُخف مزاعِمها، إلا أن أكثر مِن نصف الشارع العراقي يُصدّقه ويُعيد ترديده كالببغاء! ولنا أن نتخيل ما الذي يمكن أن تفعله إيران وملشياتها في حال خروج القوات الأمريكية، إذا كانت تفعل ما تفعله الآن والقوات الأمريكية موجودة!؟ لذا أي عراقي لديه ذرة مِن عَقل يفكر بالمنطق، يعلم أن الخطر على العراق هو مِن ايران ﻻ أمريكا، فايران دولة توسعية ملتصقة بالعراق، تسعى لإبتلاعه مِن زمن أور إلى اليوم، ما عدا ثأر القادسيتين الذي لم ولن تنساه، وكل ما يَجنيه العراق منها هو الزناجيل والمليشيات والمخدرات. أما أمريكا الفن والعلم والتكنلوجيا، فهي دولة حديثة برغماتية، لا حدود لها أو ثارات مع العراق، وجودها في العراق على المدى البعيد، في ظل وضعه الحالي، بات ضرورة لأمنه ومستقبله، لتنظيفه من قاذورات إيران المتمثلة بالحشد. فالقوات الأمريكية حليفة، وإن كان فيها جوني وتوني وسانشيز، أما مليشيات حشد إيران فهي مُرتزِقة ومُحتلة، وإن كان فيها عراقيون مُغرّر بهم مثل س أو ص، أو رعاع كأبو درع وأبو عزرائيل.

هناك أمثلة عديدة لما يمكن أن يحدث لمَن يقف بوجه أجندة إيران، أو يفكر بذلك. أحدها هو السيد محمد الحلبوسي، الذي هادَن إيران وأتباعها في العراق ليتمكن مِن الحركة، فنجح بأن يُصبح رئيساً للبرلمان، وحَقّق إنجازات لجَمهوره تُحسب له، وحين ظن أنه بات قوياً وإنقلب عليها أصابته في مقتَل، وحَرّضَت عليه إمّعات من مُكَوّنه رَفَعوا عليه قضية بالمحكمة إنتهت بعَزله. المثال الثاني هو السيد مسعود البرزاني الذي كان حليفاً لأتباع إيران مِن العراقيين أيام المعارضة، وليس حليفاً مباشراً لها كالطالباني، لذا إستجاز بصَدام قاتل أبيه وأخيه عام 1995 خلال حربه مع الطالباني المَدعوم من إيران، وما إن تحالف مع الأردن ودول الخليج، حتى أطلقت عليه إيران قطعان حشدها المَسعور في كركوك عام2017 وضَمّتها الى حاشية محافظات الوسط والجنوب الخاضعة لنفوذ إيران، بالتواطؤ مع حزب الطالباني، لتذكره بأنها صاحبة الكلمة الأخيرة في العراق، ومن يخرج عن طوعها يكون عقابه عَسيراً. أخيراً وليس آخراً مَن يُشاهد حال مدينة الموصل، سيَعلم ما يمكن أن يحصل مع جميع مدن الغربية، أو مدن إقليم كردستان، ذات الغالبية السنية، في حال باتت تحت نفوذ الملشيات الشيعية، فقد سيطرت هذه المليشيات عليها بحُجّة تحريرها من داعش، وهي تصول وتجول فيها سَرِقةً وتقتيلاً. ففي عام 2019 إنفجرت سيارة قُرب مطعم لإبتزاز مالكه، وحين شُكِّلَت لجنة تحقيق، تَبَيّن أن التفجير وراءه عصابة ترتبط بمليشيا للحشد، وأن هذه الملشيات تسيطر على المدينة أمنياً وإقتصادياً. وأظهر تسجيل لمحافظ نينوى قوله أمام اللجنة "أن وجود المليشيات قانوني، ولا تقدِر أي قوة أن تخرجهم". وكلنا نتذكر حادثة غرق عَبّارة الموصل براكبيها الـ285، في منطقة سياحية خاضعة لمليشيا لديها مَقّرات في المدينة، تعرف بالمكاتب الإقتصادية. وتخضع منطقة سهل نينوى لسيطرة لوائَين من ملشيات الحشد، هما اللواء 50 و 30، أدرَجَت وزارة الخزانة الأمريكية أسماء قيادييها ضِمن قوائم عقوباتها، وحينما حاول رئيس الوزراء السابق عبد المهدي إنهاء دور المليشيات في المدينة، وتسليم المناطق التي تُسيطر عليها الى القوات الأمنية، رفضَ لواء30 قراره. ورَشَقت عناصره سيارات قائد عمليات نينوى بالحجارة، عِندما حاول التفاوض معهم.

فهَل سيَمضي السوداني في قرار أسياده في قم، ويجلس مع الأمريكان ليُطالبهم بالرحيل؟ أم أن كلامه للإستهلاك المَحَلي وإستعراض عَضَلات وبهلوانيات لقوى الإسلام السياسي الشيعية التي أثبتت فشَلها في حكم الدول، وأكّدَت أنها لا يمكن أن تكون سوى فرق باطنية تنشر سموم الطائفية، أو ميليشيات مُرتزقة تُنَفِّذ أوامِر أسيادها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشهد مرعب يظهر ما حدث لشاحنة حاولت عبور نهر جارف في كينيا


.. شبح كورونا.. -أسترازينيكا- تعترف بآثار جانبية للقاحها | #الظ




.. تسبب الحريق في مقتله.. مسن مخمور يشعل النار في قاعة رقص في #


.. شاهد| كاميرا أمنية توثق عملية الطعن التي نفذها السائح التركي




.. الموت يهدد مرضى الفشل الكلوي بعد تدمير الاحتلال بمنى غسيل ال